عشية مباراة الزمالك الدامية تلقيت معلومة بالغة الخطورة قالها لي مذيع شاب بإذاعة الشباب والرياضة وكنت ضيفا عليه في برنامج خاص بالمباراة وخلال لحظات الفاصل الإعلاني فاجأني بأن مباراة الزمالك لن تكتمل وبدت الثقة على ملامح وجهه.. سألته: كيف؟ فكشف لي عن لقاء جمعه مع مجموعة من أعضاء {الألتراس الزملكاوي} أكدوا خلاله عن اعتزامهم إفساد المباراة قبل نهايتها إذا كان الزمالك خاسرا. وخلال حوارنا على الهواء بادرته بسؤال حول ما يتردد عن تخريب المباراة ولم يتردد المذيع الشاب، ولن أذكر اسمه، في تكرار الرواية بالتفصيل وأذيعت بالفعل. وأعترف بأن الأمر لم يحظ باهتمام من جانبي واعتبرتها فكرة غير معقولة فالألتراس الذين يشجعون المباريات الرياضية حاليا معظمهم من المتعلمين والجامعيين ورواد النت والفيس وميسوري الحال ماديا، وباختصار أولاد ناس، ينفقون الكثير على هوايتهم ويتكبدون أموالا للظهور بأشكال تعبيرية حضارية سواء في الملابس الموحدة أو اللافتات الهائلة واللوحات الخلفية التي يرسمونها بأجسادهم في المدرجات. ووقعت الواقعة وتم اجتياح ملعب ستاد القاهرة بصورة مخجلة وتحول إلى ساحة للفوضى الضاربة لأعداد هائلة من الصبية صغار السن الذين اندفعوا للاعتداء على اللاعبين الضيوف والحكام وتحطيم كل ما يقابلهم حتى لو كان قوائم المرمى ومقاعد البدلاء والحواجز واللافتات الإعلانية، حتى شباك المرمى مزقوها بأظافر متوحشة في حالة من الجوع للأذى والانتقام دون وعي أوهدف. وتذكرت رواية المذيع الشاب التي سمعتها قبل المباراة بساعات وبدأت رحلة للوصول إلى بعض قيادات الألتراس وهالني ما سمعت؛ فالدافع الأول كما قالوا لي إجبار الحكومة على تسريع خطوات محاكمة رموز الفساد وأنهم يتبعون أسلوبا محددا لوضع الجميع تحت ضغط بعد أن فقد ميدان التحرير توهجه وتأثيره ولن يتحقق ذلك إلا بإيقاف النشاط الرياضي باعتباره أحد مظاهر دوران دولاب الحياة للبلد وتفجير حادث صادم. هذا المنطق أصابني بالصدمة فقد كان رهانهم خطيرا وأشبه باللعب بالنار ويهدد بكارثة قد تشعل الأوضاع في البلد وفي ظني أن امتداد الثورة بكل ما تعنيه من توقف وإضرابات واعتصامات إلى الجامعات والبنوك والشركات والمصانع ثم الملاعب الرياضية يضع حجر الأساس لفشل كبير لهذه الثورة العظيمة التي أنجزت ما لم نكن نحلم به قبل ثلاثة أشهر، وما حدث في ستاد القاهرة لا يجوز أن نفصله عن مشاهد الانفلات التي تجتاح كل أنحاء مصر والانفلات لا يحتاج إلى دوافع ثورية ولا يفهم معنى الإصلاح والنهوض بالأمة بل هو حالة من الانتقام الغريزي من المجتمع بوجه عام. ومن متابعة الوجوه التي انتشرت في أرض ستاد القاهرة تلمح اندفاعا محموما نحو الأذى وإلحاق الضرر والتخريب بكل ما هو قائم تماما كما نواجه الفتونة في الشارع والسطو المسلح جهارا نهارا والسير في الاتجاهات العكسية والجرائم المفزعة وآخرها الاختطاف المفجع لابنة عفت السادات في عز الظهر.. هذا كله يصب في اتجاه الانتقام العفوي من فئة وجدت نفسها في قاع المجتمع لا يهتم بها أحد قبل الثورة وحتى ما بعد الثورة.. انطلقوا بجنون في غيبة الغطاء الأمني وتراجع هيبته إلى حد الامتهان ويعيثون تخريبا في كل المدن. تفسير ما حدث في ستاد القاهرة بأنه موجة غضب من مشجعين مراهقين ضد عدم احتساب هدف للزمالك أو أن هؤلاء من فلول النظام ومأجورون من بقايا الحزب الوطني أراها تفسيرات قاصرة لا ترى الواقع سوى من زاوية واحدة فقط، كما أنه تفسير يعظم من شأن الحزب الذي انهار واختبأ رجاله في الجحور ولن تقوم لهم قائمة. الأمر جد خطير وحادث ستاد القاهرة لا علاقة له بكرة القدم بل انفلات عام يبسط سيطرته على هذا الوطن الذي كان آمنا يوما ما. المفسرون يسيئون للثورة وعليهم الاقتناع بأن الاجتياح قادم إذا لم ننتبه لنحاسب أنفسنا وثورتنا لمنع التجاوزات والوقوف على قلب واحد لإنجاحها واستكمال مسيرتها البيضاء. *