(الطَّيُّ الحقيقي أن تَطْوِىَ مسافَةَ الدُّنيا عنك، حتى ترى الآخرة أقربَ إليك منك). الطي هو اللف والضم، بحيث يصير الطويل قصيراً، والكبير صغيراً، يقال طويت الثوب: أي ضممته. وينقسم عند الصوفية إلى أربعة أقسام: طي الزمان، وطي المكان، وطي الدنيا، وطي النفوس. فأما طي الزمان: فهو أن يقصر في موضع ويطول في موضع آخر، كمن مر عليه سنون في موضع وفي موضع آخر ساعة أو يوم، أما طي المكان: فمثاله أن يكون بمكة مثلاً فإذا هو بغيرها من البلدان، وهذا مشهور لأولياء الله. قال الشيخ أبو العباس رضي الله عنه: والله ما صار الأولياء من قاف إلى قاف حتى يلقوا رجلاً مثلنا، فإذا لاقوه كان بغيتهم. وأما طي الدنيا: فهو أن تطوي عنك مسافتها بالزهد فيها، والغيبة عنها، وحصول اليقين التام في قلبك حتى يكون الآتي عندك واقعاً أو كالواقع. أما طي النفوس: فهو بالغيبة في الله عنها، ولذلك يتحقق الزوال وتمام الوصال. وقد ذكره الشيخ بقوله فيما يأتي: ليس الشأن أن تطوي لك الأرض، فإذا أنت بمكة أو غيرها من البلدان، إنما الشأن أن تطوي عنك أوصاف نفسك، فإذا أنت عند ربك اه. وهذا هو الطي الحقيقي المعتبر عند المحققين لا طي الزمان أو المكان، إذ قد يكون استدراجاً أو مكراً أو تخيلاً وسحراً. فالطي الحقيقي هو أن تطوي عنك مسافة الدنيا كلها حتى يكون الموت أقرب إليك من نفسك التي بين جنبيك.