التضامن تسلم جامعة طنطا طابعة "برايل" وتدعم مشروعات الطالب المنتج    إقبال متزايد في اليوم الثاني لانتخابات النواب بأسوان    «العمل»: نحن شركاء أساسيين بجهود تحقيق العدالة في التنمية المستدامة    مشاركة إيجابية فى قنا باليوم الثانى من انتخابات مجلس النواب.. فيديو    حركة محدودة لرؤساء المدن بالشرقية، والمحافظ يؤكد على الالتزام بالنظافة وإنجاز المشروعات    محافظ قنا وفريق البنك الدولى يتفقدون أماكن الحرف اليدوية    مشتريات أجنبية تقود صعود مؤشرات البورصة بمنتصف تعاملات جلسة الثلاثاء    الكرملين: لم نتلق أي توضيح من واشنطن حول التجارب النووية    الشرع يقدم "دمشق" لإسرائيل تحت ستار مفاوضات أمنية واقتصادية.. وبرلمانيون يحذرون من مساس السيادة الوطنية    رام الله.. قيادات فلسطينية تحيي الذكرى 21 لرحيل ياسر عرفات    مسيرة بطولات ورحيل بفضيحة الزجاجات، كولر يحتفل بعيد ميلاده ال 65    الزمالك يُهدد اتحاد الكرة بسبب أحمد سيد زيزو    تحديد ملعب مباراة الجيش الملكي والأهلي في دوري أبطال أفريقيا    بعد تعديلات الكاف.. تعرف على مواعيد مباريات المصري في الكونفدرالية    الشحات يكشف تطورات ملف تجديد عقده مع الأهلي    فرص جراديشار تتزايد.. سيسكو يغيب عن مواجهتين حاسمتين في تصفيات كأس العالم    وصول سعد الصغير وحمادة الليثي لمسجد ناصر لأداء صلاة جنازة إسماعيل الليثي    إصابة 7 أشخاص في تصادم 4 ميكروباصات بطريق المنصورة - أجا    أمطار على القاهرة وعدد من المحافظات.. الأرصاد الجوية تُحذر    المشدد 5 سنوات لعاطل متهم بالشروع في قتل عامل واحتجازه بغرض سرقته بالشرابية    موعد ومكان عزاء المطرب الراحل إسماعيل الليثي    البداية بالموسيقار عمر خيرت.. انطلاق مهرجان حديقة تلال الفسطاط الشتوي الجمعة المقبلة    القومي لثقافة الطفل يكشف البوستر الرسمي لملتقى الأراجوز والعرائس التقليدية    الفنان تامر عبد المنعم يدلى بصوته فى انتخابات مجلس النواب 2025.. صور    بعد قرأته للقرأن في المتحف الكبير.. رواد السوشيال ل أحمد السمالوسي: لابد من إحالة أوراقه للمفتي    المتحف المصري الكبير يتخطى حاجز ال100 ألف زيارة خلال أسبوع من افتتاحه (صور)    صحيفة أرجنتينية: المتحف المصري الكبير يضم أكبر مجموعة ذهبية في العالم    «الرعاية الصحية»: 31 مليون فحص بمعامل المرحلة الأولى لمنظومة التأمين الشامل    الداخلية: تحرير 110 مخالفات للمحال غير الملتزمة بقرار الغلق لترشيد الكهرباء    بالأسماء.. إصابة 7 أشخاص في تصادم 4 ميكروباصات بطريق سندوب أجا| صور    شكوك بشأن نجاح مبادرات وقف الحرب وسط تصاعد القتال في السودان    حسام البدري يفوز بجائزة افضل مدرب في ليبيا بعد نجاحاته الكبيرة مع أهلي طرابلس    وزير الري: أي تعديات على مجرى نهر النيل تؤثر سلبًا على قدرته في إمرار التصرفات المائية    إقبال كثيف من المواطنين للإدلاء بأصواتهم في انتخابات "النواب" ببني سويف.. صور    وزير الصحة: مصر تمتلك منظومة متكاملة لتسجيل ومراقبة جودة الدواء واللقاحات    الصحة: الخط الساخن 105 يستقبل 5064 مكالمة خلال أكتوبر 2025 بنسبة استجابة 100%    وفد حكومي مصري يزور بكين لتبادل الخبرات في مجال التنمية الاقتصادية    ماذا قدم ماكسيم لوبيز لاعب نادي باريس بعد عرض نفسه على الجزائر    بسبب أحد المرشحين.. إيقاف لجنة فرعية في أبو النمرس لدقائق لتنظيم الناخبين    معلومات الوزراء: تحقيق هدف صافى الانبعاثات الصفرية يتطلب استثمارًا سنويًا 3.5 تريليون دولار    وزيرا الأوقاف والتعليم العالي يشاركان في ندوة جامعة حلوان حول مبادرة "صحح مفاهيمك"    ارتفاع حصيلة ضحايا الإعصار فونج وونج بالفلبين إلى 18 قتيلا    اليوم.. محاكمة 9 متهمين في «رشوة وزارة الصحة»    انتخابات النواب 2025، توافد المواطنين للإدلاء بأصواتهم بمدرسة الشهيد جمال حسين بالمنيب    أسعار الأسماك بسوق العبور اليوم الثلاثاء 11 نوفمبر 2025    هدوء نسبي في الساعات الأولى من اليوم الثاني لانتخابات مجلس النواب 2025    ضعف حاسة الشم علامة تحذيرية في سن الشيخوخة    حظك اليوم الثلاثاء 11 نوفمبر.. وتوقعات الأبراج    بعد إصابة 39 شخصًا.. النيابة تندب خبراء مرور لفحص حادث تصادم أتوبيس سياحي وتريلا بالبحر الأحمر    مجلس الشيوخ الأمريكي يقر تشريعًا لإنهاء أطول إغلاق حكومي في تاريخ البلاد (تفاصيل)    سوريا تنضم إلى تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش    في ثاني أيام انتخابات مجلس نواب 2025.. تعرف على أسعار الذهب اليوم الثلاثاء    «في مبالغة».. عضو مجلس الأهلي يرد على انتقاد زيزو بسبب تصرفه مع هشام نصر    هل يظل مؤخر الصداق حقًا للمرأة بعد سنوات طويلة؟.. أمينة الفتوى تجيب    دعاء مؤثر من أسامة قابيل لإسماعيل الليثي وابنه من جوار قبر النبي    انطلاق اختبارات مسابقة الأزهر الشريف لحفظ القرآن بكفر الشيخ    ما حكم المشاركة في الانتخابات؟.. أمين الفتوى يجيب    د.حماد عبدالله يكتب: " الأصدقاء " نعمة الله !!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمّد حياوي .. في خان الشابندر (3)
نشر في شموس يوم 22 - 06 - 2017


بقلم هاتف بشبوش، شاعر و ناقد، عراق/ دنمارك
في شقّة الصّحفي (علي) الصّغيرة في الكرّادة تتردّد عليه نيفين صديقته التي أرسلتها الجريدة التي يعملُ بها للاعتناء به ، و نيفين هذه مثالٌ للمرأة العراقيّة المتحضّرة أيّام السبعينيّات بعكسِ الحاضر الذي يشهدُ ترديّا في جميعِ أحوال المرأة.
نيفين هذه رسامة وعازفة وعاشقة للطّيور وصحفيّة، وهي الأخرى تتحطّم تحت ثقل مآسي العراق حيث يسافر زوجها إلى أستراليا مع ولدهما و تبقى تعتني بأمّها المسنّة. و هنا نيفين مثالٌ أراد به الرّوائي إيصال رسالة عن المرأة العراقيّة و تضحيتها و ما أصابها من ويلاتٍ، فهي الثكلى دائما في وطنٍ جلّ تأريخه عبارة عن طُغاةٍ ودمٍ وأغاني حزينة بكائيّة حدّ اللّعنة.
نيفين تنصحُ الصّحفي صديقها في أنْ يأخذَ الحذر حين يذهب في الطّرقات لما في العراق منْ تفجير و قتل على الهويّة و سلبٍ ونهبٍ و اختطاف، فهي المرأة التي مازالتْ تحملُ خصالَ سيدوري صاحبةَ الحانة التي نصحت كلكامش في الخلود و ماذا يتوجّب عليه أنْ يفعل، و لذلك نيفين كانت تُعلّق لوحةً في شقّتها لسيدوري، و هذا ما أراده الروائي مِنْ أنّ المرأة هي سيدوري و مازالتْ تحملُ في دواخلها الحبّ للرّجل و إبداء النّصح منذ ذلك الوقت السومريّ حتّى اليوم رغم الدّمار و القتلِ لكنّ
الإخصابَ معادلاً للموتِ، هناك موتٌ وهنا ولادةٌ، و هكذا هذه المعادلة العجيبة الغريبة التي تُبقي على نسلِ البشرية في الحياة منْ عدمِ الانقراض رغم الحروب و الويلات و الأمراض و الفيضانات، و الذي يتصوّر حالَ العراق اليوم و هولِ أرقام القتل و الموتى فيه لسرحتْ به الشّكوك من أنّ العراق في طور الانقراض، لكنّه الباقي رغم الموت القاهر و الجبّار، ربّما هي قدرةُ الكائن البشريّ على غريزةِ البقاء و النّسل والتّكاثر، فبقدر الموت و التّفجيرات التي تحصدُ الآلاف خارجَ أسوار البيوت نجدُ هناك منْ يتضاجع و يصنع القبل و الإيلاج و التّنهيد و الانتشاء في داخل البيوت كما يحصلُ في بيت الدّعارة لأمّ صبيح أو في البيوت العاديّة للبشر لكيْ يتناسل.
و منْ هنا يبقى النّسلُ يتحدّى الموت بشكلٍ آخر.
نيفين مسيحية و هنا إشارة من الروائي إلى أنّ المجتمع العراقي متعايش بكلّ طوائفه فها هو الصّحفي المسلم مع المسيحية دون أيّ فارقٍ يُذكر من ناحية الدّين.
و في الصباح يروي لنا كيف يتناول فطوره مع نيفين و هي تُغني لفيروز، إذن مازال الفنّ يصدحُ و الحبّ يرفع رايتهُ في العراق مهما حاول الأوغاد طمسَ الحقائقِ.
الصّحفي أثناء تجواله في بغداد يتعرّف على الطّفلة زينب التي تبيعُ الكعكَ لتعيل أخوانها اليتامى بينما سياسيّونا غارقون في السّرقات والقتل. و أثناء الحديثِ تخبره عن الطنطل في البيوتِ المهجورة و هذه إشارةٌ أخرى من الرّوائي من أنّ الشّعوب مازالتْ ترزحُ تحت ظلامِ الجهلِ و الأساطيرِ لنقرأ أدناه ماذا تقول الطّفلة:
( – عمو.. أنته تصدك بالطناطل؟..
نعم أصدك..
فأشارت إلى بيتٍ قديمٍ بدا مهجورًا..
هذا البيت يكولون مسكون.. بيه طنطل يطلع بس باللّيل و يقطع الزّقاق على المارّة.. بس يكولون يطلع بهيأة مره عجوز..) .
نعم هناك منْ يؤمن بالطنطل لغاية السبعينيّات كنّا نرتادُ الحمّامات المشتركة في السماوة و كان لاعب كرةِ القدمِ الشّهير في السماوة (شاكر الأسود) يستحمّ و هو طويلُ القامةِ و لازال حيًّا يُرزق.. و الحمّام بخاري كثيف بحيث لا يستطيعُ المرء أنْ يرى بوضوحٍ،فرآه أحدهم منَ الذين يستحمّون فراح يصرخُ (إبرة وخيط إبرة وخيط) ثمّ خرّ صريعًا مغشيًّا عليه، ممّا حدا بالنّاس الآخرين القريبين منه أنْ يُقدّموا له المساعدة و يغسلوا وجهه بالماء الباردِ كيْ يستفيق و كان مِنْ ضمنِ المساعدين الذي عمل له تدليك بسيط كيْ ينهض هو شاكر الأسود نفسه، فاستفاق الرّجل بالفعل.. و حينَ فتح عينيْه رأى شاكر الأسود يربتُ على كتفه و على خدّيه فصرخَ مرّة أخرى (إبرة وخيط إبرة وخيط) و هكذا الحال مرّة أو مرّتيْن
حتّى تدارك الآخرون مِنْ أنّ هذا الشّخص الذي تراءى له بيْن بُخار الحمّام هو شاكر الأسود نفسه على هيئة طنطل .
و سابقًا كلمة (إبرة وخيط) تشيرُ إلى طرد شرّ الطنطل،ممّا حدا بأحدهم أنْ يقول لشاكر الأسود، أنتَ السّبب في إغماء هذا الرّجل، تنحّى جانبا و ابعدْ وجهكَ عنه فلسوف يستفيق بدونِ خوفٍ. و فعلاً ابتعدَ شاكر واستفاقَ الرّجل،و في استراحةِ الحمّام جاءه شاكر و قال له حجي أنا الطنطل الذي تراءى لك قبلَ دقائق، فضحكَ الآخرون جميعًا وأصبحتْ هذه الأضحوكة تتردّد على ألسنةِ أهالي السماوة بشهودها الباقين على قيدِ الحياة حتّى اليوم.
الصّحفي (علي) رغمَ تحفّظه في عدم ممارسة الجنس مع إحداهنّ يقعُ في حبائلهنّ حيث تغويه ضوية ثمّ هند لما فيه من رجولةٍ و شهامةٍ تحبّها النّساء فتؤهّله هذه الخصال أنْ يكون محبوبًا معشوقًا عكس أولئك الذين
لا يحترمون المرأة ولا يعطونها ميزةً تُذكَر ( إنّ من الإغراءات الكبيرة أنْ تكون معشوقًا… و اذا كانت الرّوح سخيّة فمنَ السّهل إغراؤها … راسين).
علي همّ بالرّحيل منَ الماخور لكنْ أمّ صبيح منعتهُ لأنّ جماعة ملا جليل قطعوا الأزقّة و الدرابين و احتمالَ نشوبِ مواجهاتٍ اليوم فهناك خطرٌ عليه، لكنْ علي يسألهنّ:
– و أنتنّ، أليس ثمّة خطرٍ عليكنّ؟ ..
نحن؟ لا.. لا تقلقْ.. أمّ صبيح تدفعُ دائمًا لجماعة ملا جليل.. و أحياناً تُرغمُ الفتيات على استقبال رجالهِ.
لكن مَنْ ملا جليل هذا ؟.. و منْ يُحارب ؟ و ماذا يُريد؟….
لا أدري صدّقني، تقول هند.. ثمّة مجاميع مسلحة كثيرة تتصارعُ على مناطقَ النّفوذِ هنا..).
حتّى بيوتَ الدّعارة لمْ تسلَمْ منْ سرقاتِ هؤلاء السّفلة سياسيّو الصّدفة، حيثُ الرّجل الملتحي ملا جليل (الحقيرُ و ليس الجليلُ)، يمرّ عليهنّ لغرضِ التّمتّع مع إحداهنّ، فيختارُ إحداهنّ و يقرأ عليها ما يتوجّبُ لزواجِ المُتعة. أيّ دينٍ هذا و أيّ زيفٍ؟.. لننظرْ ما قاله الملا الجليل لإحداهنّ و هو يتزّوجها:
(حسناً ردّدي ورائي.. زوّجتكَ نفسي أنا العاقلة الرّاشدة لوصة بنتُ مجر على مهرٍ مُعجّل قدره دينارٌ واحدٌ و مهرٌ مؤخّر قدره عشرة دنانيرَ.. فردّدت وراءه..
قال: الآن أصبحتِ حلالي هيّا أخلعي ثيابكِ.. فخلعتْ ثيابها.. أمّا هو فاكتفى برفعِ جلبابه إلى الأعلى و نام فوقها..
تقول لوصة: ما أنْ لامسَ عضوه فخذيّ حتّى أطلق شخيرًا طويلاً و نهضَ مُعيدًا جلبابه، و قبلَ أنْ يخرج قال لها: أنتِ طالق بالثّلاثة يا لوصة بنت مجر و خرجَ.. فنادتْ وراءه الملعونة.. و المؤخّر يا شيخ؟..) .
تنتقلُ بنا الرّواية إلى فصلِ الحبّ و الآيروتيك الذي يدورُ بين علي الفتى المثقّف و هند ابنة الماخور و لكنّها مدرّسة الجغرافيا العفيفة أيّام زمان فتنشأ بينهما علاقةٌ حميميّةٌ بلا تعقيدٍ.
و الكاتبُ هنا ليس اعتباطًا أنْ يكتبَ عن مشاهد الآيروتيك وسط زحمة الموت و العنف اللّذين يمرّ بهما العراق حيث تنتقل بنا الكاميرا الروائية بيْن الحين و الآخر إلى مظاهر الدّمار و القنابل، و لذلك فإنّ محمّد حياوي يُجسّد ما قاله العالِمُ النّفسي الشّهير (سيغموند فرويد) حين يقول:
" إنّ الآيروس Eros هو تجسيدٌ للحبّ كما و أنّ الكلمة تُطلقُ على غريزةِ الحياة مقابلَ غريزةِ الموت و هما غير منفصلتيْنِ عنِ بعضهما بالنّسبة إليه"
لنقرأ أدناه عن الإغراء و الجنس حيثُ أبدع فيهما الرّوائي وصفًا و إمتاعًا للقارئ:
(مازلتُ أذكرُ حتّى ا لآن كيف أغلقتْ (هند) الباب ذا الظلفيْن ، كيف جعلتْ فستانها الأسود ينزلقُ ببطءٍ عنْ أكتافها ليعلق قليلاً في منحنى الخاصرة قبل أنْ يواصلَ انزلاقه الباهر عن ردفيها الصقيليْن، و قبل أنْ تضع شفتيْها فوق شفتيّ بفمٍ مفتوح، تلك اللّحظة بالتّحديد، حينَ امتدّ لسانها الطّويل متقلّبًا مثل أفعى ساحرة في فمي شعرتُ بخدرٍ يسري بجسدي. اعتقدتُ أوّل الأمر أنّ تلك القبلة ستكون كسابقاتها، حين تمتصّ نفسًا عميقًا من دخّان سيكارتها و تضعُ فمها فوق فمي لنتبادلَ الدّخان، هي تمتصّه و أنا أطلقه في فضاء الغرفة نصفَ المعتّمة، لكنّ سيكارتها ظلّت تستعرّ، بينما سلبتِ القبلة روحي و أشعلتها. همستْ بخبثٍ و هي تُبعد غرتها عن حاجبها الطّويل، بينما كانت السّماء في الخارج تمطر قذائفًا و رصاصًا).
هند و في لحظات البوح و بينما هي في أحضان علي تروي له ما جرى لها من ظلمٍ و هي ذارفةٌ دموعها بحرقةٍ و ألمٍ شديديْن لنقرأ موجز ألمها:
متزوّجة ولديها ابنتها سارة الصّغيرة، و في الإنتفاضة الشعبيّة تمرض إبنتها سارة و ينقلونها إلى بغداد لغرض العلاج لكنّ الحرس الجمهوري يجهزُ على بعض القادمين من الجنوب و يعدمهم جماعيّا في ساقية للبزل فيموت زوجها و تنجو هي مع ابنتها. فتعود إلى الناصرية و ترجع لمهنتها كمدرّسة جغرافيا لكنّها تُفكّر بالانتقام لموت زوجها حتّى قيام الحرب في عام 2003 عملتْ كمترجمة في وحدات الجيش النيوزيلندي مع السير جنت الصغير مارك الذي وعدها بترتيب لجوءٍ لابنتها سارة هناك، وحينما غادر الجيش الناصرية جاءتْ الميليشيات لتقتلها لعملها مع المحتلّ لكنّها تنجو بأعجوبة.
ابنتها سارة تأخذها أختُ هند إلى السير جنت لغرض اللّجوء، و حين عودتها إلى الناصرية تُقتل، ثمّ هند يُحرّمُ عليها الدّخول إلى الناصرية مرّة أخرى،فانتهى بها الحال أنْ تلجأ إلى الدّعارة لتعيل نفسها في بيت أمّ صبيح، الماخور الكائن في خان الشابندر و لا تعرفُ ما هو مصير ابنتها.
لوْ ننظر إلى واقع المرأة العراقيّة فهي أصابها الضّرر منَ الطّرفيْن منْ جلاوزة صدام حيثُ قتلوا زوجها و منْ المليشيات الشيعيّة التي جعلتْ منها امرأة عاهرة تعيشُ على بيعِ جسدها في خان الشابندر بعدما كانت معزّزة مكرّمة في الناصرية كمدرّسة جغرافيا، فأيّ عراقٍ هذا و أيّ دينٍ؟.
يخرجُ علي من الماخور على أمل العودة مرّة أخرى،و بالفعل يعود بعد يوم أو يوميْن مع نيفين صديقته لغرضِ تعريفها بحال هذا الماخور و النّساء اللّواتي فيه، فلمْ يعثرْ عليه،حتى اضطرّ أنْ يذهب إلى (مجر) الشّيخ العجوز الذي هو الآخر قسا عليه الزّمن كما يبدو في شيخوخته فاستطاع أنْ يدلّه على الماخور و لكنّه وجده خِربةً و أنقاضًا بلا روحٍ و لا نساءٍ و لا عهرٍ ولا أغاني و لا نشيدٍ و لا عريٍ و لا مضاجعةٍ ولا تنهيدٍ ولا إغراءٍ و لا أحلامٍ ولا أيّ شيءٍ يُذكَر. فروى لهم (مجر) كيف تهدّم المنزل المتهالك أساسًا نتيجة قصف الهاونات في تلك اللّيلة، فانحشر الجميع فوق بعضهم البعض في غرفةٍ صغيرة بالقرب منَ الماخور المهدّم،و عندما دخل
المسلّحون يحملون سكاكينَ ضخمة و بلطات،لمْ يصرخنَ أو يتوسّلنَ، فقتلوهنّ جميعًا،و حصل الذي حصل و ياما في بيوت العهر مظاليم.
لكنّ المطر أخذ بالهطول فجأة و راح يغسل بقايا الدّم و يُخلّف عشرات السّواقي السّود الدّقيقة و بهذا تنتهي أحلامُ البنات مع الموت الهادر في ارضٍ كلّها عنف و قتل. تنتهي الشّهوات التي كانتْ تباع هنا و فوق هذه الأرض التي عاث بها المُجرمون و قتلوا نساءً بريئات لا يحملنَ سلاحًا سوى ضيمهنّ و قسوة العالم التي لا تُطاق بحقهنّ مع الموت الذي لا يُفارق العراق منذُ القدم، و آخرها هذه الحرب الطائفيّة التي مازال أواراها مشتعلاً لا ينطفئ.
و في النّهاية أستطيعُ القولَ أنّ محمّد حياوي استطاعَ أنْ يُجسّد لنا الغواية التي أنشدها إدوارد يونغ : "عندما يأتي اللّيل يوشك الملحدُ أنْ يستسلمَ لغواية الإيمان بالله".
وسط بلد يتحاربُ فيه المؤمنون بالله ورسوله منْ أجل إرضاء الكفرةِ المارقين و المحتلّين أعداءَ الشّعوب و الإنسانيّة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.