نقيب المحامين يقرر صرف 500 جنيه منحة استثنائية بمناسبة عيد الأضحى المبارك    انضباط وهدوء بلجان كليات العلوم وطب الأسنان والتمريض بجامعة قناة السويس    تراجع عجز في الميزان التجاري لمصر بنسبة 38.6% خلال مارس 2025    البنك الزراعي المصري يعيد افتتاح فرعه الإسلامي بالمهندسين بعد تطويره    أبو شقة يطالب بقانون موحد للاقتصاد الأزرق وتشديد العقوبات    «الاتصالات» تتعاون مع «التضامن» لإطلاق مشروع التطوير المؤسسى الرقمى للجمعيات والاتحادات الأهلية    بيان روسي: إسقاط 162 طائرة مسيرة أوكرانية خلال 24 ساعة    الخارجية الإيرانية: خطوط إيران الحمراء ستكون أساس ردنا على المقترح الأمريكي    رسميًا.. الأهلي يعلن ضم سيحا من المقاولون العرب    ياسر ريان: فوز بيراميدز بدوري الأبطال إنجاز وإعجاز.. والشناوي كان كلمة السر اليوم    بى بى سى توقف بث مقابلة مع محمد صلاح خوفا من دعم غزة.. اعرف التفاصيل    بسبب التشكيل.. تعليم المنوفية: احتساب إجابة سؤال ثورة 23 يوليو بالدراسات الاجتماعية للشهادة الإعدادية    مصرع شقيقين مسجلين خطر في تبادل لإطلاق النار مع الشرطة بقنا    تجهيز 5817 مسجدا وساحة لصلاة عيد الأضحى في الشرقية    «لا أشعر بالأمان من بعدك».. رانيا محمود ياسين تحيي ذكرى ميلاد والدها بكلمات مؤثرة    «التمثيل في مصر كان حلم».. أول تعليق من مينا مسعود بعد فيلم «في عز الضهر»    "الأونروا": لا أحد أمنا أو بمنأى عن الخطر في قطاع غزة    مسئول الأمن بفرع ثقافة الأقصر يدلي بأقواله أمام جهات التحقيق فى واقعة التنقيب عن الآثار    وزير الصحة: ارتفاع متوسط أعمار النساء في مصر إلى 73 عاما    الأتوبيس الترددي في مصر.. مستقبل النقل النظيف والعصري بالعاصمة    "استبعاد بيبو".. الاتحاد السكندري يعلن قائمته للدوري الأفريقي لكرة السلة    ترتيب الكرة الذهبية بعد فوز باريس سان جيرمان بدوري الأبطال.. مركز محمد صلاح    إنتر ميلان يضع مدرب فولهام ضمن قائمة المرشحين لخلافة إنزاجي    تحكي تاريخ المحافظة.. «القليوبية والجامعة» تبحثان إنشاء أول حديقة متحفية وجدارية على نهر النيل ببنها    ضمن الاحتفال بيوم البيئة العالمي 2025.. «فؤاد» تفتتح معرض «إعادة التدوير»    محمد ابراهيم سليمان مديرًا للمراجعة الداخلية والحوكمة بالأوقاف    ميراث الدم.. تفاصيل صراع أحفاد نوال الدجوى في المحاكم بعد وفاة حفيدها أحمد بطلق ناري    الحكم على المنتجة ليلى الشبح بتهمة سب وقذف الفنانة هند عاكف 23 يونيو    «التضامن»: انطلاق معسكرات «أنا وبابا» للشيوخ والكهنة لتعزيز دور رجال الدين في بناء الأسرة المصرية    أزمة المعادن النادرة تفجّر الهدنة التجارية بين واشنطن وبكين    مصادر طبية فلسطينية: 35 قتيلا بنيران إسرائيلية قرب مراكز المساعدات خلال الساعات ال 24 الأخيرة    الجلاد: على مسؤوليتي.. تغيير 60 % من أعضاء "مستقبل وطن" بالبرلمان المقبل    آن ناصف تكتب: "ريستارت" تجربة كوميدية لتصحيح وعي هوس التريند    دعاء للأم المتوفية في العشر الأوائل من ذي الحجة «ردده الآن» ل تضىيء قبرها    توريد 169 ألفا و864 طنا من محصول القمح لصوامع وشون سوهاج    رئيس الوزراء يُتابع جهود اللجنة الطبية العليا والاستغاثات خلال شهر مايو الماضي    تفاصيل مظاهر احتفالات عيد الأضحى عبر العصور    تعليم دمياط يطلق رابط التقديم للمدارس الرسمية والرسمية لغات    السعودية: أخرجنا أكثر من 205 آلاف شخص من مكة حاولوا الحج بلا تصريح    المدير التنفيذي: أنجزنا 99% من مشروع حدائق تلال الفسطاط    هيئة الشراء الموحد: إطلاق منظومة ذكية لتتبع الدواء من الإنتاج للاستهلاك    وزير الصحة: 74% من الوفيات عالميًا بسبب الإصابة بالأمراض غير المعدية    الخانكة التخصصي تنقذ حياة رضيعة تعاني من عيب خلقي نادر    المخابرات التركية تبحث مع حماس تطورات مفاوضات الهدنة في غزة (تفاصيل)    22 سيارة إسعاف لنقل مصابي حادث طريق الإسماعيلية الدواويس    حكم الأخذ من الشعر والأظفار لمن أراد أن يضحي؟.. الإفتاء تجيب    «من حقك تعرف».. ما إجراءات رد الزوجة خلال فترة عِدة الخُلع؟    تكريم الفائزين بمسابقة «أسرة قرآنية» بأسيوط    رئيس التشيك: نأمل في أن تواصل قيادة بولندا العمل على ترسيخ قيم الديمقراطية    منافس الأهلي.. بالميراس يفرط في صدارة الدوري البرازيلي    بركات: بيكهام مكسب كبير للأهلي ووداع مستحق لمعلول والسولية    مجلس الأمن الأوكرانى : دمرنا 13 طائرة روسية فى هجوم على القواعد الجوية    الرئيس السيسي يهنئ مسلمي مصر بالخارج بحلول عيد الأضحى المبارك    موعد عودة الموظفين للعمل بعد إجازة عيد الأضحى المبارك 2025    زلزال بقوة 6.3 درجة يضرب قبالة سواحل هوكايدو شمالي اليابان    4 أبراج تتسم بالحدس العالي وقوة الملاحظة.. هل أنت منهم؟    أمين الفتوى: صلاة الجمعة لا تتعارض مع العيد ونستطيع أن نجمع بينهما    رئيس حزب الوفد في دعوى قضائية يطالب الحكومة برد 658 مليون جنيه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صدق التراتيل وتنوع الثورة عند محمد الشحات محمد
نشر في شموس يوم 18 - 06 - 2017


(قراءة في ديوان ثورة وتراتيل) د . محمد عجور
إذا نظرنا نظرة متأنية في ديوان " ثورة وتراتيل " للشاعر محمد الشحات محمد نجد باقة متفردة من القصائد التي تظهر خرائط للذات المصرية عن طريق جمع الأشعة المنبعثة عن المرآة الشاعرة لذات مصرية تمثلت مصر وأحبتها بتاريخها وعبقها السرمدي على مدى أحقاب عدة ، وقد هضمت التجربة ثم أنتجتها بآليات مختلفة منفعلة بالتجارب التي خاضتها مصر في السنوات الأخيرة وما قبلها .
وقد انقسم الديوان بالفعل إلى مجموعة تجارب شعرية معزوفة على خيوط القلب للثورة و للتراتيل معا ، ولنبدأ بتراتيل الحب التي يسبح من خلالها هائما في حب مصر يرشف من معينها ويبتهل في محرابها ، يقول الشاعر في قصيدة يا مصر
يا مصرُ وجهكِ أزهرُ
والشعرُ فيكِ الأطْهرُ
أشدو بِوَحْيكِ باسمًا
ويذوبُ منكِ الأبْهرُ
هذي عيونُ المجدِ تقْ
رأُ سورةً لا تُقْهرُ
بالطُّورِ والنّجّارِ وابْ
نِ العاصِ أسلمَ جوْهرُ
عُودي إلى النُّورِ الذي
أقْسَمْتِ يومًا يظهرُ
ولْترفعي تاجَ العُلا
كُلُّ الجنودِ تجمهرُوا
كلُّ الجنودِ تجمهروا
يا مصرُ وجهُكِ أزهرُ
فهنا ينساب تاريخ مصر عابرًا سائحا بلطفٍ عبر ذاكرة الشاعر ، وكأنه صوفي يشدو بذكر حبيبه ؛ فلا يتكلف الحب ولا يصطنع الصور المنمقة بل يدع المجال فسيحًا للقلب كي يعبر عن مكنونه بأدوات ذات خبرة فنية وشعرية مكتملة النضج في صناعة التجربة ؛ فيجعل من كلمة "الأزهر" ، (وهو الضوء الساطع الجميل الأبيض المريح للعين) وجهًا لمصر وباسطًا مساحة شاسعة من تاريخ مصر عبر العصور المتعاقبة من خلال هذه الكلمة فجمع بين جمال الصياغة الفني والتاريخي والجمالي والموسيقي، وفي البيت التالي نجد الشعر يكون طاهرا حقيقيًّا نابعًا من القلب بذكرها ونفاقا لا قيمة له في غيرها .
ثم يعدد كثيرا من الشخصيات التاريخية العظيمة من الأنبياء والزعماء والحكماء مثل المسيح الذي أشار إليه بحرفته ؛ لأنه كان نجارا ، وكذلك طور سيناء…حتى آمن بذلك جوهر الصقلي الذي بعث به المعز الفاطمي ليبني العاصمة القاهرة للمعز ..ثم يستحث الشاعر الهمة في نفوس المصريين ومصر كي تعود منارة للعالم كسابق عهدها ولا تركن للدعة والنوم والخمول .
ثم تستمر الرحلة في البوح بحبها في قصيدة " ثورة وتراتيل" لتظهر علامات التصوف في حبها والتعبير الصادق بذلك ؛ فيقول :
أكاد من القصيد أذوبُ قسْرا
أعانقُ بالرويِّ الصبِّ نَسْرا
تداخلتِ الميادينُ اشتعالًا
وثارتْ بالورودِ تفكُّ أسرى
إذا الفوضى تُؤرّخ بعض موْجٍ
فَجغْرافْيا الحدودِ تمدُّ جِسْرا
وهذي ثورتي مادمْتُ حيًّا
أُردّدُ:- "إنّ بعد العُسْر يسْرا"
وحين تختمر الثورة بعد التراتيل في قلب الذات / الشاعر / التاريخ / الثائر فنجد هذا يتبلور في ثورة على الأسن والعفن وعدم الرغبة في التجديد إنها ثورة على أعداء النجاح ؛ فيتساءل بكل أدوات الاستفهام : هل هل الجمال ؟ ثم يحرض التجديد على النهضة لكي يواجه الجهل ، فالإنسان عدو ما يجهل ومن يجهل ، لذا فكل جديد محارب وبشدة ؛ فيقول في قصيدة " عَبَق " :
أهلًا .. ، فَهَلْ هَلَّ الجمالُ و هَلل"التنويرُ : أهْلًا للبراءةِ ، و احتفلْ
مَهْلًا .. ، فإنَّ النورَ -عبقًا- ما أَفَلْ
هذي بداياتُ "الأُلى عبَروا" نُغنِّيها بماذا ..،
كيْف ، و ألفِ هلْ ؟؟؟!
يا أيها "التجديدُ" فانهضْ كي تُواجهَ مَنْ جَهَلْ
كلُّ الجديدِ محاربٌ حتى إذا الشعرُ اغتسلْ
حَلِّقْ على صفحاتِ بَوْحكَ .. لا كَسَلْ
ثم تأتي النتيجة التي ينتظرها من ثورة التجديد في وجه كل ما هو آسن وآجن وفاسد في الماء والهواء في الأدب والعلم في كل دهاليز الحياة وطياتها ، فيقول
يا أيها التجديدُ قُمْ
حتمًا ..سيبقى الشامخون و لاَ وَجَلْ
و ثوابتُ المتغيّراتِ يُحْييها الأَجَلْ
و قصيدُ ردِّكَ شامخٌ ،
و بلالُ يرْفعه الأذانْ
ترْنو الصلاةُ لقُدْسها
و العصْرِ قدْ حانَ الأوانْ
و لْتسألِ التقوى عنِ التوحيدِ ..
في إنسٍ و جانْ
ويتجسد هذا الترتيل والثورة على ذلك كله في تداخل عميق في جنبات القصيدة وبين سطورها وفي أدق تفصيلاتها وجنباتها ، وفي قصيدة " كل شيء محتمل " تظهر كوامن الثورة مرة أخرى متعانقة بعتاب الوامق المحب بشدة الدرويش الذي هام بحبه يقول كلاما ممتلئا بالعتاب والمحبة في وقت واحد فنراه يقول :
***
ممنوعة يا أرض أن تتنفسي إلا الدخان ْ
ممنوعةُ ُ أن تثمري إلا نفاياتٍ ستفشي سرها المكبوت في بئر الأمان
طابت ليالي طاقم التنقيب في بيتي
فليس لدي من شيء ٍ مثيرٍ للقلقْ
والقول بين الشد والجذب
المعلق روح أحلامي بأبواب الطرقْ
" إنا نريد الحل في كل القضايا الجوهرية " !!!
فرضٌ يُصدِّقهُ العملْ
شكراْ لحبات الحروفِ ولون أشرعه الجملْ
… وهكذا حتى تتسع التجربة الإنسانية لتعم البشر كلهم على كافة الربوع والأصعدة ؛ فيخاطب الإنسان عموما ليلقي خلف ظهره كل صنوف الشر والجهل والحقد والغل ويبدأ حياة بها محاربة الصعاب وليس محاربة الإنسان للإنسان ، فيخاطب الإنسان الذي يحمل لقب إنسان قائلا :
يا أول الفرسان لا تخجلْ
وقاوم كي تعيشْ
يا أيها الإنسان قم في الأرض
وابحث عن بديلٍ للجيوشْ
أتراك تنتظر الحياة لكي تبارك حق تقرير المصيرْ ؟
أتراك تجلس هاهنا بين الموائد والمنابر ….
تبتغي أن توقظ الإحساس في قلب الضميرْ ؟
" يا أيها الإنسان ما غرك ْ… " ؛
تمشي وحيدًا في الطريق السرمدي
وتنتعي في الليل بدركْ !!!
أتراك تبقى تائهًا بين الليالي السرمدية ْ؟
لا .. أنتَ يا أنتَ الجَمَلْ
شكراْ لحبات الحروفِ ولون أشرعه الجُمَلْ
ثم يعود بعدسته مرة أخرى للقاهرة ، وكأنما يعقد جلسة للتنمية البشرية في القاهرة التي هي من أكثر البقاع سحرا في الأرض إنها أرض العبق التاريخي . أرض المعجزات . أرض القامات والبطولات المتعاقبة التي لو نهض ابنها بها لصارت فردوسا على الكرة الأرضية ما له نظير ؛ فيقول للمواطن القاهري / المصري / النموذج :
كن دائمًا رمزًا لطعم النور ، نجمًا في الليالي القاهريةْ
كن قصةً تُرْوَى على الأطفال في ليل الشتاءِ ،
وكن جناحًا هادئًا …
فالطاقة العظمى بعمق النفس لا تَفنَى …
ولا تُفْنِي الرؤى المستقبليةْ
أبدٌ تَوَلاهُ الأزلْ
يا للغزلْ
بدرٌ تجلَّى ، فاكْتَمَلْ.
شكراْ لحبات الحروفِ ولون أشرعه الجملْ
وتعتصره مشكلة البحث عن وطن لا تشوبه الضغائن والشوائب ، حتى يتساءل عن ذلك الوطن / الحلم / النموذج / السكن / الفردوس … ويطرح عدة أسئلة حتى يخلص منها إلى أنه سيعتزل تماما قول الشعر كما فعل الشاعر المخضرم " لبيد بن ربيعة " الذي اعتزل الشعر عندما سمع القرآن الكريم ، لذا يجد شاعرنا راحته ومأواه الأخير في أن يعتزل الشعر ويركن لقراءة الذكر الحكيم ؛وهذه دلالة قاطعة على مطاردة الحلم كثيرا دون جدوى ؛ فيقول في قصيدة النسر الشاعر:
أنطيرُ سلامًا ..نسألُ عن وطنٍ ..،
لا يُسرَقُ فيه الكفنُ الأبيضُ ..،
أو يسقطُ سهوًا طوقُ نَجَاهْ؟!
أينَ الأُضحِية ُ.. وقد ذَبَحَ العيد رُعَاهْ ؟!
أيُقارنُ بينَ الهرم ِالأكبر ِوالكعبةِ بعضُ سُعَاهْ؟!
السِّرُّ تعلقَ في جلدِ عُرَاهْ
واأبتاهْ..
ما زالَ السَّاقي حيًا ..مِن طعم ِفلاهْ
والنَّسرُ الشاعِرُ يَجتَاحُ ..، يَغَارُ على الأفْوَاهْ…
الوَعْيُ القومِيُّ حَيَاهْ
والآنَ ..الآنَ أقَوقِعُ أحْلامِي ..
أعتَزلُ القلمَ …
وأقرأ في ذِكر ِاللهْ
وفي قصيدة ومضات في الجزء الرابع ( سُلطة ) يمزج تراتيل الحب بالثورة عن طريق المناجاة ؛ فيجهر بعشقه لحروفها فيقول :
وَتَحَرَّكتْ سَكَناتُ أوردتي ..
عَشِقْتُ حروفها
لا تسْاَلَنَّ عنِ الهوى بالذات
يا معشر التسْييسِ ضاعتْ سلطةٌ ،
والعطرُ يمْلأُ دولةَ القاعاتِ واللذّات
تلكَ العنابر جمْعُ مُفردةٍ ،
وما أحلى الثنائيَّات
عفْوًا قَصَدْتُ هنا " الرباعيَّات " .
عَجَبي
ويستمر على المنوال ذاته حتى يقول في الجزء السادس في المعادلة :
الحب نسكنه وليس له سكن
عبر التماثل والتقابل والمقامات الغريبة …
تلتقى الأسماء
أو … أنّى تموت ؟ !
اختر … وحرِّك ما سًكًنْ
وأحيانا يثور عروضيا أو إيقاعيا فيوظف بحر المتدارك بطريقة توقيعية: ( فعلن فعلن فعلن فعلن ..) موظفا هذا الإيقاع الزاعق القوي الوقع المتلاحق ، وكذلك يقوم باستدعاء عبارت تراثية وقرآنية دائرة في التراث العربي الإسلامي كمفتاح أو شاهد في العروض فيقول في الجزء الرابع عشر ( قُدْ ) :
والآن عليك قراءات "المتداركِ" أكثرْ
ولْتذْكرْ أبدًا :- "إناّ أعطيْناك الكوثرْ"
"اقرأْ"
اقرأْ
اقرأْ ، ثم اكتب .. -وبحبٍّ- :-
تُبْتُ وتُبْتُ و ..
والذنبُ هنا –وحْيًا-
قدْ يُغفَرْ
وحين يقذف شهابا يكسر ظلام الملل والأسن والركود في الحقل الأدبي العربي ؛ فيشير من ورائه إلى القصة الشاعرة – وهي من اختراعه – بوصفها أيقونة للتجديد والثورة على الواقع الأدبي الآجن الذي يمتاح من خارج حضارته ويغرد خارج سربه وينظر للغرب على أنه معبود ؛ حتى أضحى التخاذل والتصاغر والتراجع عنوانا له ؛ فيشير في قصيدة ( أما قبل نبدأ ) إلى الإشادة بومضته في الظلام التي أطلقها تعبيرا عن ثورته النابعة وسط تراتيل حبه ؛ فيقول :
يا "قصص" الحب "الشاعرة" الأولى
دُمْتِ مُكثَّفةً ، رائعةٌ …
دُمْتِ حصانًا ناريًا يُطْلق في الجوزاءِ – لكي يجتاحَ – مشاعرنا
يلسع أجنحة الشمسِ .. يدورْ
يُقْبلُ ما يُدْبر كلَّ غيورْ
يرسلُ أفئدةً ، وعبيرًا منْ وحْيِ النورْ
يرسمُ إشراقًا في وجْه العُرْب ، يواجهُ تغريبًا ..هل نُخْفيهْ ؟
لابدَّ لشيءٍ نسكنهُ ..، ونُسكِّنه
قد يزهر فينا ، يسْكُننا، ويُحرِّكنا .. يدْفعنا ويُجدِّدُنا ..
ما فوق الذهنية يبدأُ مِنْ ترفيهْ
والحدثُ اليوميُّ يُصَوِّرهُ ،
ينْفعلُ الإحساسُ العام ُ ويشعرُ صوتَ الصمتِ ،
فيُقرأُ تشخيصَ الحال سلوكًا ..، عدْلًا.. إصلاحًا ..
يزرع إبداعًا في الأرضِ الثكلى
واللغم الدائرُ مَوْطنه حتمًا ينفيهْ
نحيا ، يجتاح الشوقِ ،
نموتُ … نموتُ على قدرٍ
أوْ… أوْ نُحْييهْ
فهو يؤصل لهذا الفن القصصي الجديد : ( القصة الشاعرة ) شعرًا ، ويشير إلى وظيفتها ومغزاها ، حيث إن القصة الشاعرة تتميز بالتكثيف وموزونة عروضيا ، وكذلك فهي تعبر عن الأحداث الجارية واليومية ، وقد شبهها بحصان ناري ينطلق عبر الجوزاء ليلهب تلك المشاعر الإنسانية العربية الباردة بل يلسع أجنحة الشمس بناره ، وهذه صورة مبتكرة جديدة للغاية ، وهذا الحصان رمز المجد عند العرب والمسلمين في أوج عصور الازدهار ؛ لذلك فهو يُقبل لا يُدبر ولا يتراجع أبدًا ، مضمخًا بالعبير والنور .
ثم يواجه التغريب ونزع الهوية الذي يعاني منه الأدب العربي عمومًا ؛ فلابد أن يكون هذا القالب العربي / المصري الأصيل بيتا جديدا نسكنه ونُسكنه للآخرين من أبنائنا بدلا من التسكع على أرصفة الغرب ، والسكن في أكواخهم التي هجروها بعد انهيارها فنسكن نحن تحت بقاياها التي صارت كهشيم المحتظر ؛ فالنظريات الغربية قد ثبت فشلها في مواطنها الأصلية فلماذا نجترها نحن ونتبارى في الدفاع عنها والتعصب لها والسير على منوالها ؟ ، فلا بد من التشبث بهذا البيت العربي الأصيل كي ننطلق منه حتى وإن كان صغيرا فهو مثل قيروان عقبه الذي صنعه في إفريقيا في تونس قديما حينما شسعت المسافة بينه وبين الخليفة في الشرق . ثم يحول عدسته لرصد زاوية أخرى للقصة الشاعرة فيقول :
يا "قصص" الحب "الشاعرة" الأولى
دُمْتِ صلاةً وجديدًا بإشارات مرورْ
دُمْتِ أداةَ التنْبيهِ .. سلامَ عبورْ
دمْتِ شهيدًا يبقى .. ، يرفع راياتْ
يمسح لون الآهاتْ
وهنا نبقى
نقرأُ .. نكتب عشرات الصلواتْ
وهنا نحيا ..، وصهيل الوطن المُعْربِ
يقْتاتُ النحو الشامخِ بين الماضي والآتْ
مابين المغرب والمشرق وصْلاتٌ في أوردة الذاتْ
والنور يضمد أجنحةً عبر سحاباتْ
والبنتُ الأختُ الأم تراودنا
ونُراوِدها، فتُروِّضنا
نعرفها مؤمنةً راقيةً .. ، همسَ نباتْ
تُطْلقُ نهرًا .. ، تنطقُ طُهْرًا ..،
وتُقوْقع عالم أسئلتي شهرًا شَهْرا ..
والعملُ الصالح يبدأُ بالنياتْ
وتقول مُعطَّرةً :- "لكأني أشعرُ بسملةً ،
ورسوم العلم أُدافعُ عنها ..، أدفعها من وجع الفرح العِبْراتْ
أقرعُ بطنَ الخِبْراتْ
أحملُ جنسًا أدبيًا يُرسلنا
في أجنحة الإيمان ، أطير على نسماتْ
أفتحُ شرياناُ للبسماتْ
فهو يحوم في تراتيله حول هذا القالب العربي الجديد / الاختراع / الأيقونة / المظلة / البيت العربي … في التراتيل والصلوات في محراب الذات هي الأم والبنت الأصيلة نحاول التشبث بها في ظل التغريب الدائم والاحتقار والطغيان الغربي ، إنها الومضة لاحت في سماء الظلام المطبق ؛ فيقول عنها في لقطة أخرى :
يا "قصص" الحب "الشاعرة" الأولى
أيقنتُ الشاعر في جفنيكَ يداعبُ روعة مولاتكْ
أيقنتُ حياءً أن الحب النور الشوق يغازل نرجسة الإبداع،
ويمسكه السلكُ العازل في دنيا وصلة حالاتكْ
أنتِ سلامٌ فوق جنون الشُّهرة
عبر المطر الذاكر في أروع حُلاَّتِكْ
الآنَ الآنَ الإذْنُ مُباحٌ، والحبُّ صباحٌ ..،
و"الموجُ الساخن" برهانُ زحافِكَ يروي عِلاَّتِكْ
ما أبهى الذاكرة السلوى،
والعودة دون بديعٍ لمقامكِ نورًا ..، ومقاماتِك
ما معنى النفس البشرية ..
إنْ عادتْ عُدْنا ..
نقرأُ في الصحف الأولى
نكتبُ في "قصص" الحب "الشاعرة" الأولى
نرجو الآخرةَ مع الأُولى … نبدأ.
وفي قصيدة إشكالية نراه يخاطب سيدته / ربة القصيد / الحبيبة / الوطن / الأرض / الأم فيسألها الغيم الممطر – القبلة … ويجتر حينها ماضيه وسط النخيل عندما كانت المياه وفيرة والخير كثير ، وهنا تبرز المفارقة بين الماضي كله بمائه وظله وبحضارته الباذخة عندما كان العرب والمسلمون سادة العالم والحاضر الأليم حيث الضوء الشحيح والماء النادر وتراجع كل شيء الحضارة والعلم والأرض والأخلاق وكل شيء فيقول في قصيدة إشكالية :
عذرا سيدتى
إن قررت ألامس بعدا .. خلف رحيلْ
قبلا أسألك غيوما ممطرةْ
وأنا الآن أفكر حولىْ
وأعيد الماضى وسط نخيلْ
شكرًا ..
شكرا يا حلوه تذكارى .. يا موجة أشعارى
و " عروس النيلْ "
الماء ضئيلْ
وغدا إن جاء يعاودنى
لا يقبل شيئا غير جميلْ
إشكالية حب لا ينفع .. أو يدفع خطرًا
وحسابُ العمر دليل
وفي قصيدة " واقع " نجده يلجأ للشكوى من طموحه في التجديد أو طموحه في العودة إلى المجد الغابر والفردوس المفقود ولا أحد يسمعه ولا مجيب لدعوته حتى ظن أنه يتنفس هواء غربيا أمريكيا ؛ فيقول :
تأمركت العروبة فى سمائى
وبات القهر من ألف لياء
سماء الحب تكوينى
وتبكينى .. بتكوينى
حربى لديك قصائد
ولكل جيش قائد
أرى بالشعرِ خطًّا مستديرا
كأنّ النارَ تشكو زمهريرا
وفي قصيدة " زحف " يناجي كل من عصف بالقيم وأهلك الأخلاق في بلاده سواء كان إهلاكا اقتصاديا أو فنيا أو نفسيا ؛ فيقول :
يا سيد الاعمال و الأرصدهْ
لا تغسل الأموال فى الأوردهْ
هل تستوى الجدران و الأعمدهْ ؟
أم تزرع الفتوى بلا أسمدهْ ؟!
زحف الجراد وحارت الأفئدهْ
وفي قصيدة " وللحب إنصاف " يظهر اليأس محلقا بأسرابه حول الذات الشاعرة ؛ فيسد عليها الأفق ؛ فيشكو بملء حنجرته متسائلا : ما معنى الاغتراب ؟؟ ويوجه هذا السؤال إلى حروف الجر بالذات لأنها ترمز إلى سقوط قومه في براثن الضياع والانجرار والانسحاق في الآخر ؛ فيقول :
يا حروفَ الجر ما معنى اغترابْ
كل شئ حولنا رمزُ السرابْ
غاب ديك الصبح قهرًا فى يدينا
ما هو الإيمان إن صاح الغرابْ؟!
فغياب الديك وصياح الغراب دليل قاطع على الشؤم الذي يعيشه الشاعر في بيئة خربة ليست بيئة الشموخ والعزة التي كان يأملها ويحلم بها .
وفي قصيدة ( الصمت من وحْي الرحيل) يناجي الوطن / الحب / النموذج / المرغوب / المنتظر / الحلم .. حيث يعاني من البحث بين الاشتياق والاحتراق والحنين ، إنه سدرة المنتهى وجنة المأوى ، حيث لا حياة إلا بالحب ، وهو يحترق شوقا للحب وانتظار الحلم ، وينوي عدم المراجعة للثورة ولا يدافع الجنون ، ويتعلق بالنخيل والنور الذي يشبه المدامع ، إن الشاعر يتمزق شوقا لحلم الثورة الذي لم يأتِ بل جاء الأمل وينتظر التحقيق ، فيقول في تلك القصيدة :
مازال بحثكِ جاريًا بين اشتياقي واحتراقي والحنينْ
مازلْتِ أنتِ المنتهى ياسدْرةً بالحب تحيا ..
تشتهي حلْمَ السنينْ
أنا لنْ أراجعَ ثورتي ..
لا أتّقي بعض الجنونْ
أنا لمْ ، ولنْ ..
أنا مَنْ تعلَّق بالنخيل النورِ صوتُ مدامعي
أيقَنْتُ أني كُنْتُه ، أو كُنْتُها ..
ما كُنتُني أشدو فراتًا سلسلًا ، وبغيرِها
فأتوقُ عتْقًا للنوى منْ حجْرها
أعْلنتُ عِشْقًا ساردًا في سرِّها
والأمرُ معصوبُ الجبينْ
أنا عاشقٌ للنورِ لا أنوي رحيلًا بيننا
فلْترحلي ماشئتِ ، أو فلْتقرئي
أسطورةَ الأحلامِ في وجْه اليقينْ
عودي كأنتِ محبةً ..
صوفيّةً .. ،
مدنيّةً ..
عودي شراع المتقينْ
مازال بحثُكِ جاريًا .. ،
والصمتُ منْ وحْي الرنينْ
الصمتُ من وحْي الرنينْ
وفي قصيدة ( أوقفوا الرصاص) … يعطي الناس نصيحته النهائية ؛ لأن الشاعر دائما متنبئ بما سيحدث ، وقد رسخ هذه الفكرة العقاد حيث قال ( والشاعر الفذ عند الناس رحمن ) وأكدها بعد ذلك أمل دنقل في البكاء بين يدي زرقاء اليمامة حيث أشار إلى النبية المقدسة زرقاء اليمامة التي أنذرت قومها فلم يستجيبوا لها حتى وقعوا في شرك أعدائهم وباءوا بالخسارة ، لذا يقول لهم محذرا ناصحا :
أوقفوا فورًا رصاص الغدْرِ ياجنْد السلامِ
أوقفوا كل دعاوى القتْلِ في بطن الزحامِ
ساسةُ الأحْلامِ كالوسْواسِ تلوي المُنحنى
فاستعيذوا بالإله النورِ من شرِّ الظلامِ
هلْ رأيتم في رقاب الحزنِ جوْعى مثلنا؟
أم عميتُم عنْ دعاءِ الحقِّ في نحْرِ الكلامِ؟
هلْ سمعتم عنْ رسولٍ عسكريٍّ بيننا؟
هل قرأتُم عن فتاوى من مَمَرَّاتِ الإمامِ؟
أكفرتم بعد إيمانٍ ، أمِ العودُ انحنى؟
لا تطيعوا القنْصَ في الأطفالِ بالأمر الحرامِ
أغلقوا فورًا سراديب التدني والمُنى
إبدأوا صُلْحًا ، وخيرُ النُّصْحِ من حُسْنِ الختامِ
ثم يحذر من ضياع الثورة كضياع ثورات قبلها ؛ فيحوم حول هذا التحذير فيقول في نهاية المطاف في قصيدة ( أضغاث أحلام ):
في الليلِ بالأمرِ المباشرِ جاءوا
و معَ الأوامرِ لا يجيئُ ولاءُ
دخلَتْ ضروبُ الوحْي في صدرِ الندى
حتى ارتدى مسَّ الردى عقلاءُ
في نشرة أخبارٍ قالوا ثورةً
خُلع الفسادُ وأقبلَ النبلاءُ
قُلْتُ السلامة من حبيبٍ قادمٍ
سقط القناعُ ، تناثرتْ أشلاءُ
هكذا استطاع الشاعر عبر هذا الديوان أن يبهرنا بحبه لوطنه وتراتيله الصادقة له ، واستطاع كذلك أن ينوع في ثورته من الحب إلى النصح إلى الإرشاد إلى التحذير فحوم في سماوات رائعة بتجارب فنية غاية في الروعة والقوة دون تعقيد أو غموض ، وهذه هي سمات الشعر الذي يذيع وسط قطاع عريض من الجماهير ؛ لأنه يعتمد على ذائقة فنية واعية تدرس خطواتها جيدا ، وقد تمكنت من أدواتها الفنية والإبداعية مع موهبة فطرية فطره الله عليها .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.