بفلم المؤرخ النوبى يحيي صابر كانت وسيلة النقل والتنقل المتاحة في النوبة الغريقة الحمير وكانت لنا اوامر واضحة وصريحة من ولاة امورنا بأن نساعد الذين ليس لديهم اولاد ذكور في اعمال الزراعة والنقل وكنا نقوم بهذا بطيب نفس لذا كنا نشعر ان القرية كلها اسرة واحدة وهكذا كان يتم بناء الرجال. وبالمناسبة خالي رحمه الله كان عنده حمارة بيضاء اللون ولما رزقت بجحش أبيض اللون ايضا وهبني خالي اياه وكنت اهتم به للغاية من حيث مأكله ومشربه بل وتنظيفه وكلما كبر ازددت تعلقا به وكذلك هو. ولما اشتد عوده عهدنا لم تخصص لتسيسه حتي استطيع ركوبه الا انه ابي فقد كان حمارا شقيا كعادة الذكور من جميع الاجناس فتعهدت انا به حتي تمكنت من ذلك وقد كان هذا الحمار في قمة الذكاء حيث كان يرفض ان يمتطيه احدا غيري وكان اذا استعاره احد من اقاربي كان يتجه نحو غابة النخيل ويدخل بسرعة عبر نخلتين ملتصقتين من المنتصف بحيث يصطدم راكبه بهما كي يجبره علي النزول والا اصطدم بالنخل . واذكر ان الترعة القريبة من البيوت حينما كانت تعلوها المياه بعد غلق ابواب الخزان كنا نفقد الكوبري الذي كان مصنوع من جذوع النخيل ويبقي مكانه خاليا حتي يتم عمل كوبري اخر وذات مرة اردت وبعد انحسار المياه ان اعبر مكان الكبري الخالي من جذوع النخل الذي كان ضيقا بعض الشئ بالحمار كما يفعل الفرسان الذين يقومون بالقفز . فقفز الحمار ولكنه تركني في الهواء ونزلت علي ذراعي اليمين حيث حدث خلع عند المعصم قمت بتجبيره بجبيرة بدائية تكفل بعملها احدهم كان يعمل لدينا في ذلك الوقت بالبناء وكان اسمه (اوشي ليمونا) حيث ضغط علي معصمي وانا اتألم ووضعه في مكانه الطبيعي ثم قطع جريد من النخل وجعله شرائح صغيرة وقام بتوزيعها حول المعصم وقام بربطها جيدا . وبعد ايام قمت بفك تلك الجبيرة البدائية وذهب الالم واستقر الكف في مكانه .. ولا يزال هناك اثر لمكان الجبيرة تذكرني بذلك اليوم المؤلم.. ثم ماتت الحماره الام قبل الهجرة بشهور اشتري خالي حمارة اخري سوداء وبعدها بشهور مات حماري الشاب يبدو انه حزن علي فراق امه لانه كان فتيا ولم يكن مريضا .. فجلست ابكي والدموع تنهمر مني بغزارة وجلس بجواري خالي وجدتي يربتون علي كتفي وعيناهما ممتلئتان بالدموع .. اتذكر تلك الواقعة وكيف كانت العلاقة بين الانسان والحيوان بل بين الانسان والجماد تلك المشاعر المفقودة في المدن ..فلا شك ان التربية بجوار النهر والمزارع ومع من تقوم بتربيتهم من المواشي وحتي كلاب الحراسة يفجر في الانسان ما هو مخلوق به من المشاعر وينفجر من داخله ينابيع الرحمة والحنان اقول هذا ونحن نقتل من شبابنا من يقول رأيه او من يقوم بحماية امن وطنه او من يذهب لتشجيع فريقه وللاسف يكبرون ويهللون وكأنهم يذبحون الاضاحي … ضاعت الاحاسيس وفقدت المشاعر ونحجرت الدموع في المآقي .ماتت الحمارة البيضاء في النوبة الغريقة وهاجرت الحمارة السوداء الي النوبة المستنسخة….. يحيي صابر