إيه المخلوق الطيب ده؟! أيوا أنا بحب الجحش والحمار والحمارة والحمار الجد الكبير.. أو كبير الحمير.. لهم منى جميعا كل الإعجاب.. إيه الروقان إللى فيه الحمار ده.. عيون واسعة وغلبانة ومطيعة.. وإيه الجدية اللى فى أدائه لما تشوفه ماشى لوحده ممعهوش حتى عيل وشايل حمل كبير وموديه لمكان يعرفه جيدا. وهو بياكل تحس أنه مش متسربع ولا متوحش ولا جلياط.. على ملامحه طول الوقت علامات الصفا.. والرضا بما هو فيه.. عمرنا ما شفناه بيتخانق ولا بيشرشح لحد من الحيوانات.. أجمد حاجة ممكن يعملها أنه يرفص بنى آدم عاوز يؤذيه.. فهو مضطر يدافع عن نفسه.. يعنى براءة.. وإذا كان صوته وحش ومزعج فهو أقل قبحا من أصوات صاخبة وكاذبة لناس كتير ملء السمع والبصر.. والحمار الطيب ده.. راكبه بنى آدم من آلاف السنين وعمل بيه أكل للبشرية كلها.. وشال بيه برضو زبالة البشرية.. الحمار عضو فاعل فى منظومة الخير على الإنسانية.. هو كائن معطاء لآخر مدى ومش مستنى حاجة لا من وزير ولا من غفير.. مخلوق بيعلن عن نداء الطبيعة بكل أدب ووقار.. وما عمرناش شفناه بيتحرش لا مؤاخذة ولا بيرذل على أى حمارة.. وفى الذاكرة البعيدة جدا حمارة خالى عبدالحميد... حمارة طيبة ومطيعة ومرحبة بزوار الدار... كنت أراها وأنا عيل، كائن مهم فى البيت من فرط انسجام إيقاعها الذى تزامن مع إيقاع أهل البيت وبالأخص الخال الطيب.. كان خالى - رحمه الله - يصحى من نومه قبل الفجر بشوية صغيرة.. معلنا صحيانه بالكحة.. وفى نفس الوقت حمارته تسمع صوت كحته الأولى.. فتصحى هى برضو وتستعد بحركاتها الخاصة ذات الأصوات وكأنها تقول أنا كمان صاحية - فهى تعرف جيدا أنه بعد المرة الثالثة من الكحة سيكون خالى قد انتهى من وضوئه وسينزل ويعتليها للمسجد.. وعند وصولها لباب الجامع وبعد أن يتركها خالى دون قيد.. ويدخل للصلاة مع المصلين من أهل بلدتنا.. كانت هى تنتظره بأريحية مدهشة مستأنسة بصوت صلاة الجماعة.. كان لازم الحمارة دى تتسمى باسم ما.. اسم تستحقه على إخلاصها إللى بلا حدود للخال فى كل شئونه.. فى الغيط... فى معمل اللبن الذى يمتلكه.. فى زيارته العائلية.. وحتى فى مشاويره التى تقتضى الذهاب لبلدان مجاورة.. وفى وقت العصرية كنا نتجمع أطفالا فى ساحة كبيرة مطلة على الغيطان.. ومن وسط الأطفال كانت «نجاة» طفلة جميلة كنت أشعر بالارتياح لما بشوفها.. وهى أيضا كانت ضحكتها لى واضحة على ملامحها البريئة.. وكان الواد «على زبادى»... واد غلس وشقي.. وجن أزرق عفريت أحمر زى ما بيسموه.. وعينه من نجاة.. والواد على أصر يركب الحمارة دى.. وفعلا ركبها وأخذ يضربها بعصاة علشان تجرى ويورى للطفلة شطارته.. جريت الحمارة المسكينة شوية.. وأخذت طريقها مسرعة بمحاذاة الترعة وانحنت على كوبرى خشبى صغير.. وهى فى الدوران قامت مقمصة تقميصة عجيبة.. على أثرها دفع على زبادى فى الترعة وانهارت كرامته.. وانتفض سريعا ليقوم ويعتدل وسط ضحكاتنا أنا ونجاة وباقى العيال.. وعادت على الفور حمارتنا الجميلة تجاهنا وكأنها تدعونا أنا ونجاة لنركبها.. وحصل فعلا.. أخذت نجاة خلفى ومضينا فى الاتجاه الموازى للترعة حيث سقط فيها الطفل الغريم «على زبادى» إللى عينه من الطفلة نجاة. كم أحببت هذه الحمارة المحبة لى ولمشاعرى الطفولية البريئة. ولما مات خالى عبدالحميد.. انقطعت حمارتنا عن الحياة وقضت بقية أيامها فى الزريبة وحيدة.. ملهاش نفس لأى حاجة. ماتت حزنا على فقيدها وفقيدنا الغالي ما أجمل إخلاصك ووفاءك حمارتى العزيزة إننى أحبك. •