ماذا يمكن أن نرى من قراءة التاريخ أكثر من مجرد قراءته ؟! بنظرة فلسفية يعرِّي وداعة الكذب موروث التاريخ لتبني حياة كان يقصدها ونحن تجاهلنا عمق ارتباطها بحياتنا اليومية وكيف تجرد ناقلوه من الصدق ليرموا لنا بظل حياتنا اليومية وظل ما نبغي لا حقيقة ما حدث بالفعل. إنه وبكل دقة كل تفاصيل ماضينا كيوم عادى موثق بكل تجاذبات العالم وكل تناقضاته، صورة متوقعة للغد وأحلامه وليس صورة تاريخية للأمس . ترجمة تكشف زيف حقائقنا فى مقابل رغباتنا ورؤيتنا القاصرة التي أثبتتها القراءات المتأنية للصفحات التي بدورها أطلقت العنان للتساؤل :لم يبدو التاريخ غير منطقي فى صدقه فهو حتي لا يهبنا دروساً تؤكد ما حمله إلينا ممن سبقونا لكتابته وقراءته؟! إشفاق الإنسان علي حاله وإعتقاده أنه مسيَّر وليس مخيَّر وأن الأمر لو كان بيده لكانت النهاية مختلفة وفصول الحكاية تحمل الكثير مما تفقده ، لكان بها خلوداً ومشهيات وتحريمات مباحة ورذائل تلتف بمرادفات أكثر رقة ، بلا ذنوب وبلا وعد بسوء العاقبة لمعاصى ، لكان العمر ليالٍ مديدة ناعمة تنتف ريشها من تحريضات الضمائر التي تحض علي الطاعة والإذلال لنيل التوبة والمغفرة ،ولأن هذا كله لم يكتب إلا وعداً بجنة لم نرَها فإن الفرصة لازالت سانحة لتسجيل ما حدث وفقاً لما تمنينا وكما أردنا لا كما حدث بالفعل. كيف كانت صورة الإنسان إذن حسب "وداعة الكذب" .. كيف أبحر في حكايته التاريخية ؟ اقتنع الانسان بقدرته علي تبديل النهاية حيث النهايات التي لا موت فيها؛ فسرد القصة من نهايتها متناسياً ضرورة تناسق الحكي من ولادة أولى ومراحل تمهد له معطيات يبني عليها أي حلم يتبناه. يبدأ بالموت ، إدراكه لكماله المنقوص دون قراءة الحدث وإخفاء دروس الوعي عن مخيلته.. سؤال الله لماذا نموت بدلاً من كيف أحبك ؟ كيف ألقاك ؟ كيف أجنى حريتي سريعاً بزاد يليق ؟ نهاية بإدراك أن المعضلة ليست بالموت؛ فالموت ليس شراً حتي نبني له مقابر بها كل ما يلزم للأبدية ونحنط أجسامنا للتتأهب للمصير الذي طالما أستحقته كينونتنا وسلبه منها الموت.. هناك حفر تبناها الإنسان عبر تاريخه ليخلق أسباباً غير مقنعة لكره فكرة لا تستحق غير الحب ، الموت ليس شراً ، الشر هو الفوضي التي تحدث في غياب الله عن وعينا ، الشر هو نقيض الوعي بوجود الله .. إذا أمعنا النظر نلاقي هذا فى حكاية التاريخ وفي أنفسنا .. وفي عمق الحكي رغم افتراض وعينا وحبنا للحرية المنتظرة ورغم نمونا بعيداً عن يقيننا بوجود الله نحن نعاني.. نعاني من محو ما أفترضناه سببا لتعاستنا ،وكذلك نعاني ونختبر الألم رغم المسلمات بانتهاء الشر إذا وجد الوعي بالله ،هذا وذاك في نفس المصير رغم الطريق الضد لكل منهما ! هذا لأن فارق المعاناة عن الشر جلياً فيجزم الإنسان بمعاناته رغم عدم إلصاق تهمة الشر به ، المعاناة داخلنا ، ألمٌ نعيشه فيما الشر لا نجزم بكونه كذلك . كيف أرى وداعة الكذب وجوديًا؟ تحديدًا كيف أفهم أنني برىء من الشر فيما أعاني ويلاته ؟! قد أتألم لفراق حبيب مع إيماني بحتمية ذلك كبداية لحريته وبداية ما تمني ، وها أنا أعاني دون تدخل أي شر بالأمر !!! أما كلمة بذيئة من أحدهم قد تضخم معاناتي شراً فلقد فتتت لدي حالة سلام أعيشها بالقرب من الله ، الألم إذن قد يبني ، لدي أحدهم ، بعضاً من توتر وعرقلة بما يؤمن به ، يزرع بعضاً من كراهية لشخص تسبب لك في مكروه ، خانك أو أحرق بيتك ، والممر الذي على اجتيازه للحرية أضحى معبئاً بالشر . ما وقع من معاناة وما التصق بي من أي رد فعل سيضحى معبرًا للشر !! فبعد مرات عديدة سأكره وأنتقم وأتفرغ للثأر ، الشر الخارجي الذي لا يمثل لي أي صفة شخصية سيزرع بذوره داخلي ، يجب أن أقتل هذه المعاناة أولاً بأول ، أخبئها ، غض البصر لمن يستطيع والأكثر وعياً سيحمل أثقل المعاناة كحجر سيزيف ما يلبث أن يحمله كلما ظن أنه تخلص منه ، في هذا الركن المهمل لأي معاناة بنى الإنسان مكاناً يليق بحدث أكبر ، بنى "اللاوعي ". وجد إلهاً يمحي به وعيه ، صراع الحياة إكذوبة والإيمان بأن ما نصبو إليه من سعادة ، حتي لو لم نطمع بها كاملة ، يمكن أن تكون بهدا اليسر وهذا الاختصار ، الأمر أبسط من خلق معاناة من عمل ما، وتصور الشر كوسيلة لتحقيق رغبة زنانة، لتصور أنفسنا أجمل وأقوي ونستحق مكانة الآلهة .. فخ طمث الحدث والبحث عن بدائل للنهاية فنجد العالم الواعي جداً بكيفية سرد الرواية وكتابة التاريخ يدع "اللاوعي "يقوم بما عجز هو عن عن تحقيقه ، وتتسنى الفرصة ذهبية فيخلق اللاوعي مسخاً لا يفكر ولا يعلم عن أكثر ما يبحث عنه إلا انه مسلمات يجب الإيمان بها دون بحث ودون منطق ودون مقاومة ، تجلَّى ذلك في فكرة الثالوث بالمسيحية . كيف نعود لنصلح ما أفسده اللاوعي ؟؟ كيف نضمد هذا الشرخ بنفوسنا ؟؟؟ قراءة جديدة للتاريخ ، الجذور .. نعاني ببطء ونتمنى أوهامًا ونحذف نهائياً ! مَن فعل ماذا قبل إدراك مساهمة أنفسنا فيما نعانيه .. البعد عن كل القضايا التي يلزم حلها عقول ناضجة .. نحتاج خريطة لكل المفردات وأضدادها ، الإيمان الكامل بأن بداية المعاناة وإدراج الشر بحياتنا هو كلمة لم ننطقها بطريقة صحيحة ومرادف غير دقيق .. " كيف لا أعاني؟" هو سؤال بكل المقاييس علينا قتله وإحياء الحب والمعرفة ببرعم وليد وأوله أن نقرأ .