منذ قرون عدة والعالم العربي يشغله حلم تحقيق النهضة والإصلاح، وعلى الرغم من تغيير أصحاب القرار، وتنوع الخطط وتكرار المحاولات إلا أنها دائماً ما تأتي بنتائج مخيبة للآمال. لا ننكر أن المحاولات كانت جادة، وأن الهدف كان واضحاً ونبيلاً، ولكن ما السبب في عدم النجاح؟ حقيقة الأمر أن الإخفاق في تحقيق هذا الأمر يرجع إلى أسباب عدة، من أهمها اللجوء إلى خطط ارتجالية غير مدروسة، ينفذها أشخاص اهتماماتهم تتركز على احتكار المناصب والكراسي وجني المال وإقصاء أصحاب الخبرة، والاعتماد على أصحاب الثقة المقربين من رؤوس الأنظمة الحاكمة، إضافة إلى عنجهية بعض القيادات، وعدم اعترافهم بما تحقق من إنجازات على يد من سبقوهم، فيبدؤون ليس من حيث انتهى الآخرون، بل من أول السطر، وهو ما يعطل مسيرة الإصلاح، كذلك تنصل المسؤولين من المسؤولية وتعليق أخطائهم على شماعات الآخرين، فلا نجد من يحاسب، ولا من يعتذر، ولا من يعترف بالخطأ. كان لا بد كي يسيروا في طريق النهضة، أن يبدؤوا من حيث انتهى الآخرون لتوفير المال والجهد والوقت، لكن هذا لم يحدث فعشقهم للبدايات أعمى بصائر البعض وجعلهم لا يبصرون سوى أحداث اليوم، أما نتائج سياساتهم فلا يهم إن كانت نجاحاً أم فشلاً. كما كان لا بد أن يستفيدوا من خبرات الدول المتقدمة، ويدرسوا الخطوات التي اتخذتها لتصحيح مسارها، فكل دولة من الممكن أن تتعرض للعديد من الصعوبات والعقبات التي تحول بينها وبين تحقيق التنمية والإصلاح المنشود على أراضيها، فتجد نفسها في تراجع مستمر، لتعانى من ضعف الموارد والتضخم وارتفاع مستويات الدين العام سواء الخارجي أو الداخلي وضعف معدلات النمو وارتفاع معدلات الفقر وانتشار الجريمة والتفاوت الشديد بين طبقات المجتمع، ولكن هل عليها أن تقف في منتصف الطريق باكية على أنقاض وطنها أم تحاول إيجاد مخرج آمن يعود بها إلى بر الأمان. من متابعة أحوال العديد من الدول التي عانت من الوهن في فترة من فتراتها مثل دول النمور الآسيوية مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة وماليزيا والصين وفيتنام والهند، ودول أمريكا اللاتينية مثل البرازيل وتشيلي نجد أنها اعتمدت في تنفيذ خطة الإصلاح على الاهتمام بالتعليم والصحة ومحاربة الفقر والتصنيع من أجل التصدير والحد من الاستيراد والقضاء على الفساد وفتح أبواب الاستثمار للمستثمرين الأجانب والمحليين، وتصحيح سياساتها المالية كي لا تلجأ إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي، والذي فرض عليها شروطاً قاسية أدت إلى تعميق أزمتها الاقتصادية، والثابت أن دور الدولة في التنمية، كان اللاعب الأساسي في تلك التجارب وسبباً في نجاحها حيث وجدت في هذه الدول قيادات سياسية واعية وضعت رؤية للتقدم وأصرت على تطبيقها، بالاشتراك مع القطاع المدني والخاص كشركاء في التنمية، والاهتمام بحقوق الإنسان، ومحاولة تحجيم الفساد بأنواعه. الخلاصة مما سبق، أن طريق النهضة والإصلاح يحتاج التركيز على الجوانب السابق ذكرها، حتى نجنى ثمارها، فلا بد من بناء الدولة من الداخل، والاعتماد على الطاقة البشرية قدر الإمكان في جميع المجالات، فالطاقة البشرية ليست عبئاً بقدر ما هي ثروة يجب تنميتها، والحفاظ عليها. كما لا بد للدول أن تبحث عن سبل جديدة تحقق لها موارد تسد بها عجز الموازنة إن وجدت، فلن تجدي سياسة فرض المزيد من الضرائب على المواطنين في جمع موارد للدول، كما لن تساعد تدهور الحالة الصحية للمواطنين على العمل والإبداع، فإن كانت النية صادقة في وطننا العربي، والهدف هو الإصلاح، فلابد أن نهتم بالفرد لأنه جزء من المجتمع، وهو الذي سيبنيه ويحمله على أكتافه.