* إحياء جهاز التنمية الشعبية الذي كان تابعا لوزارة الحكم المحلي والذي أنشئ في1983, فدوره يتفق مع طبيعة المرحلة التي نعيشها * يجب أن يتمتع جهاز التنمية الشعبية بالاستقلالية التامة وتحت إشراف رئيس الجمهورية مباشرة * إنشاء بيت واحد للخبرة والاستشارات علي مستوي عالمي, يضم العديد من المتخصصين وذوي الخبرات التطبيقية في مختلف فروع الاستثمار, من زراعة إلي صناعة إلي تعدين إلي تشييد. وتساهم كل المؤسسات الاستثمارية في تمويل بيت الخبرة المقترح * المدخرات الصغيرة تهيئ العوامل الفعالة لمكافحة التضخم بالإضافة إلي أنها تحد من الإنفاق علي السلع الاستهلاكية وبذلك توقف موجة ارتفاع الأسعار * تجربة البنوك الأجنبية في مصر اعتمدت علي السوق المحلي كمصدر أساسي من مصادر التمويل بدلا من الاعتماد علي أسواق المال العالمية * الاعتماد علي الذات يتطلب مشاركة أغلبية المواطنين وهو لا يتحقق إذا لم يقتنعوا بأهداف عملية التنمية, وما لم يدركوا أنها سوف تعود عليهم بالمنفعة ----------------------- تمنيت في كثير من المقالات السابقة ألا تشغلنا القضايا الاقتصادية اليومية التي تنشرها الصحف وتبثها الفضائيات. فكل هذه الأمور رغم أهميتها وضرورة متابعتها هي في نهاية الأمر يجب أن توضع في السياق الأكبر لها, وبدون ذلك نكون كمن يحارب طواحين الهواء, وكمن يدور في دائرة مفرغه, وكثير ما يحدث في بلادنا يدخل في هذا الصدد.. حوارات ونقاشات صاخبة ولكنها ليست ذات طابع تراكمي, ويبدو أننا لا نستفيد منها, وهناك مناقشات موسمية ففي كل عام يدور حوار حول الدعم وحول رغيف العيش وأنبوبة البوتاجاز والكهرباء, وإذا قارنا ما يقال هذا العام فسوف نجد انه لا يختلف كثيرا عما قيل في الأعوام السابقة ويبدو أن نظرية الدوائر في تفسير التاريخ تنطبق علي مناقشاتنا التي تتكرر عاما بعد عام. وهذه المناقشات التي تطارد صحفنا وفضائياتنا من آن لآخر أحيانا عن الدعم, وأحيانا أخري عن القطاع الخاص والاستثمار الأجنبي, وأحيانا ثالثة عن الدولار.. الخ لابد أن نضعها في خيط ينظمها ويجعلها ميسورة الفهم. والسؤال الرئيسي الذي يجب أن يواجهه كل مهتم بالاقتصاد- وبالمستقبل- المصري هو' ما هو نمط التنمية المستهدف؟ وأي تنمية نريد؟ القضية المثارة اليوم في مجتمعنا, ليست الرأسمالية في مواجهة الاشتراكية, وليست القطاع الخاص في مواجهة القطاع العام, وليست حماية القطاع الخاص أمام المطالبين بالتأميم والحراسات. القضية اليوم هي أن يقف الاقتصاد المصري علي قدميه, وأن يتم وقف مجالات إهدار الموارد والطاقات فيه, وأن توضع حدود علي دوافع الانحراف والفساد, وأن توضع القواعد المنظمة التي يعرفها اقتصاد منظم رأسماليا كان أو اشتراكيا. وإذا أجبنا عن هذا السؤال الأساس والبديهي فإن أغلب الأسئلة الأخري سوف يحكمها منطق الإجابة علي هذا السؤال. القضية هل نريد لاقتصادنا أن يسير حسب قواعد منظمة محركة أم نتركه نهبا للأهواء الفردية وللمصالح الشخصية الضيقة, نحن نريد من الدولة أن تقوم بجمع الضرائب, ونريد للجنيه المصري باعتباره العملة الوطنية وأحد رموز الدولة أن يستعيد دوره في الاقتصاد الوطني, ونريد للقطاع الخاص الوطني أن ينهض ويمارس دوره, ونريد للقطاع العام أن ينطلق في أداء خدماته الأساسية, ونريد أن نسد كل أبواب الانحراف والفساد. ونريد أن تتم تعبئة الموارد الوطنية المادية والبشرية قبل ان نقترض من الخارج. فالمعركة الحقيقية في هذا المجتمع هي معركة التنمية وزيادة الإنتاج, وهي معركة لن تتأتي لنا مواجهتها إلا بتعبئة الموارد وبدعم القوة الإنتاجية للبلاد وبعودة' الانضباط' إلي الاقتصاد الممصري. لذلك كانت أولي محاولات بناء النموذج المصري للتنمية هي الاعتماد الكلي علي المشاركة الشعبية في التنمية. فالاعتماد علي الذات يتطلب مشاركة أغلبية المواطنين وهو لا يتحقق إذا لم يقتنعوا بأهداف عملية التنمية, وما لم يدركوا أنها سوف تعود عليهم بالمنفعة. وكانت المشكلة الكبري دائما تدور حول سبل تمويل التنمية لذلك جاءت الحلقة الأولي لتصب في هذا الاتجاه. وتقع المسئولية الكبري لتدشين هذا الاتجاه علي وسائل الإعلام, المطلوب أن تكون ندوات الحوار في التليفزيون فعلا حوارا بين آراء مختلفة, وليست بين أشخاص مختلفين لهم نفس الرأي أو يعملون مع نفس الوزارة وتحت قيادة نفس الوزير الذي يشترك في الحوار ذاته, المطلوب أن يتنبه التليفزيون إلي التطور الديمقراطي الحادث في بلادنا, وأن دوره في هذا التطور حيوي وهام, وأن يكون عنصر دعم وتطوير للممارسات الديمقراطية وأداة توعية وتنوير وتبصير بالآراء المختلفة والاجتهادات المتباينة فهذا هو المدخل الوحيد لبناء وطني أفضل. ولقد لمست مجموعة من الحقائق يجب أن نعيها ونحن بصدد وضع إطار شامل لنموذج مصري للتنمية, هذه الحقائق تظهر جليا أثناء رصد وتقييم أعمال معينة مرتبطة بالتنمية, استصلاح الأراضي, الديمقراطية.. الخ. وسوف نقتصر في هذه الحلقة علي التنمية وخاصة التنمية الشعبية. فالتنمية الشعبية كأي تنمية يجب ألا ينظر إليها علي أنها تطور خط واحد يعني التقدم, ففي الواقع ليس كل عملية التنمية تطورا إلي الأفضل ولكنها فقط مجهودات في مجال معين.. إلا أنها لا تعني فقط الازدهار أو القدرة علي مواجهة المتطلبات المختلفة ولكن أيضا تعني الفشل في مواجهة بعض المطالب والأزمات, إذ إن خطط التنمية رصيد من عوامل النجاح والإخفاق وتتفاعل كلها في إطار مواجهة مشكلات التنمية. لقد حاولنا أن نستشف الأبعاد المختلفة للاستفادة من الثروة البشرية في الداخل والخارج في تمويل التنمية في مصر, ووجدنا أنها تتركز في نشاطين: الثروة البشرية كمصدر للدخل, وكمصدر للاستثمار المهم. وهنا نؤكد علي أهمية وخطورة قضية تمويل التنمية, والبحث عن كل المصادر الوطنية لتأمين هذا التمويل, ومحاولة الابتعاد عن مصادر التمويل الأجنبي قدر المستطاع, لا لأنها' شريرة, أو' سيئة', ولكن لما تفرزه من سلوك أبسط ما يميزه هو التبعية للأجنبي, والإحساس بالإحباط, وبعدم الثقة في النفس. نحن لا ندافع هنا عن أسلوب الاشتباك مع الأجانب, أو التحرش بهم. فهناك أدوار عديدة يمكن للمصادر الأجنبية تقديمها لدفع عجلة التنمية الوطنية إلي الأمام. كما لا نطالب بالانغلاق علي أنفسنا, فمقتضيات العصر أكبر من هذا بكثير, وهي لن تسمح لنا بمثل هذا السلوك حتي لو أردنا, وهو ما لا نريد. ولكننا نحاول تركيز الأضواء علي المصادر الوطنية أولا حتي نطوعها لمصلحة الفرد والمجتمع, وفي سبيل هذا نحاول أيضا كسر' عقدة الخواجة', ونحاول بناء الشخصية الوطنية المستقلة القائمة علي الاعتماد الذاتي. فالثروات الحقيقية للأمم إنما تكمن في أدمغة وسواعد أبنائها, فالثروة البشرية هي القادرة علي تحويل الأحلام إلي حقائق راسخة. فغاية ما نرجوه من هذه السلسلة هو إثارة الجدل الوطني حول المحاور الأساسية. إذا كان يمكن الاستفادة من الثروة البشرية كمصدر للدخل, فهل تعتبر الوسائل المقترحة هنا أفضل الوسائل, أم أن هناك وسائل أفضل وأكثر فاعلية؟ وهناك أمثلة حديثة لبعض الدول التي تغلبت علي الفقر وتحقيق معدلات نمو مرتفعة بالسماح لمشاركة المواطنين في برامج التنمية, والصين تعد نموذجا يمكن الاقتداء به. فلم يسبق لأي بلد في التاريخ المسجل أن نجح في تحقيق مثل هذا النمو السريع وانتشال عدد هائل من الناس من براثن الفقر كما فعلت الصين علي مدي السنوات الثلاثين الماضية. وكان استعداد زعماء الصين لمراجعة النموذج الاقتصادي للبلاد كلما اقتضت الضرورة والحاجة, برغم المعارضة من قبل أصحاب المصالح الخاصة القوية, من السمات المميزة لنجاح الصين. ومصر غنية بأبنائها. وليست في هذا مبالغة أو رفع شعارات عاطفية فارغة. ولكن ما ينقصنا هو تعميق إرادة التنمية, علي مستوي الفرد والأسرة والجماعة والمجتمع, ثم تنظيم خدمات المجتمع لتحقيق أكبر نفع لأكبر عدد من الناس. وتحقيق الاهداف القومية ليس قضية عائمة هائمة دون مضمون أو واقع معروف الأبعاد. فالقوة السياسية ترتبط ارتباطا وثيقا بالقوة العسكرية, والقوة العسكرية ترتكز علي القوة الاقتصادية والقوة الاقتصادية تنطلق من القيم الاجتماعية( وليس كما يظن البعض خطأ من الموارد الطبيعية). كما أن هذه العلاقات ليست أحادية الاتجاه, فكل من هذه القوي يؤثر ويتأثر بالقوي الأخري. وعندما نتكلم عن وسائل استخدام الثروة البشرية في تمويل التنمية الاقتصادية في مصر, فاننا نهدف كذلك إلي تدعيم القوي السياسية والعسكرية للمجتمع المصري. لكن المسألة مسألة تخصص, حتي لوكانت الأمور شديدة التشابك والتعقيد. وهناك مسألة تغيب علي الكثيرين, وهي كيف نجمع بين الروح والوطنية في تصميم المشروعات التي نرجو أن تجتذب مدخرات المصريين ؟ الكثير منا يظن خطأ أن دافع الربح يتعارض مع دافع الوطنية. والكثير معذور, لان معظم النماذج البشرية التي تدعو الربح في مجتمعنا هي أمثلة فاحشة للربح السريع- غير المشروع في كثير من الأحيان. كما أن بعض النماذج البشرية التي تملك الوطنية في مجتمعنا تخلط الربح بالاستغلال وتود أن تستبدل برجال الأعمال الكوادر البيروقراطية. لكن التحدي الكبير الذي يواجه التنمية الشعبية هو إشاعة الوعي الادخاري لدي الأفراد, وإذكاء روح المشاركة الشعبية في التنمية المحلية أحد هذه التحديات التي يجب أن تتصدي لها التنمية الشعبية ذلك أن إحجام الأفراد عن استثمار أموالهم وتوجيهها إلي زيادة الاستهلاك لا يؤدي إلي عرقلة تنفيذ الخطة فحسب ولكن إلي خلق سوق يزداد فيها الطلب علي العرض وتنتهي بمشاكل اقتصادية لا حصر لها, كما أن' المدخرات الصغيرة تهيئ العوامل الفعالة لمكافحة التضخم في البلاد إذ إنها تعتبر عامل انكماش لا يستهان به, بالإضافة إلي أنها تحد من الإنفاق علي السلع الاستهلاكية وبذلك توقف موجة ارتفاع أسعارها. وبعبارة أخري فإن تجميع المدخرات يعتبر عاملا هاما في الحد من التوسع النقدي في الفترات التي يزداد فيها الإنفاق الحكومي سواء لأغراض التنمية أو لمواجهة نفقات الأمن والدفاع, وهذا من شأنه أن يقضي علي كثير من المشاكل التي نعانيها من جراء زيادة الاستهلاك وارتفاع الأسعار وصعوبة وضع حدود لهذا الاستهلاك لهذا جاء اقتراحنا في العدد السابق بضرورة عودة بنوك التنمية الشعبية وتصحيح مسارها الذي وقعت فيه من قبل, خاصة أن تجربة البنوك الأجنبية في مصر اعتمدت علي السوق المحلي كمصدر أساسي من مصادر التمويل بدلا من الاعتماد علي أسواق المال العالمية, كما أنها ركزت أساسا في العمليات قصيرة الأجل بدلا من الاستثمارات وهي بطبيعتها متوسطة وطويلة الأجل. بالإضافة إلي أن البنوك الأجنبية استمرت في سحب قدر من الودائع المحلية التي تشمل ودائع المصريين العاملين في الخارج لاستخدامها في الخارج. وهو أمر لا يتفق مع ما استهدفته السياسة الاقتصادية. بالإضافة إلي كبر حجم التجارة الخارجية التي تم تمويلها عن طريق تلك البنوك, في وقت لم تسهم فيه في تمويل مشروعات التنمية إلا في نطاق ضيق. إلا أن هذه البنوك قد ركزت جانبا كبيرا من نشاطها في عمليات قصيرة الأجل تتميز بارتفاع نسبة الأرباح فضلا عن تحقيقها خلال فترة زمنية قصيرة. لهذا تدعو الحاجة الآن إلي عودة بنوك التنمية الشعبية, فالغاية الأولي والأخيرة لهذه البنوك هي تنمية المجتمعات المحلية وذلك بجذب وتشجيع المدخرات الصغيرة كأحد الروافد الأصيلة للمشاركة الشعبية في التنمية المحلية. والعودة إلي هذه الغاية الأولي تضع بنوك التنمية الوطنية في موقعها الصحيح وتعيد إليها قسمات وجهها التي تميزها عن غيرها من البنوك التجارية من خلال تدعيم الحكم المحلي خاصة في مجالات التمويل وتحقيق المصلحة العامة بما يتمشي مع خدمة التنمية القومية وخطة التنمية المحلية. وتجميع المدخرات في كل إقليم واختيار أنسب المجالات لاستثمارها محليا بما يعود بالنفع علي أهالي الإقليم ذاته. بيد أن عودة تلك البنوك في حاجة إلي إطار مؤسسي يضم مؤسسات مساعدة لها, فخلق المؤسسات الناجحة هو أصعب حلقات التنمية الوطنية, وعند الحديث عن بناء المؤسسات فأول ما نهتم به في مصر هو الأبنية الحديثة, وتأسيس المكاتب بأفخر أنواع الأثاث, وبمظهر العاملين لا بقدراتهم أو خبراتهم. ومن ثم لابد من قلب هذا الوضع حتي نجني ثمار التنمية المنشودة. وأن نعيد النظر في أساليب وآليات الاستثمار ومن خلال إادة النظر لكيفية إعداد وتجهيز المشروعات. حيث لاحظنا أن عدد المشروعات التي كان يتم تجهيزها سنويا في الجهات المسئولة عن الاستثمار كان محدود العدد وصغير الحجم, إذا قورن بالموارد المالية المتزايدة سواء في المجتمع محليا, أو عن طريق القروض والمساعدات الأجنبية, وهو يشير إلي أن الطاقة الاستيعابية للمؤسسات الاستثمارية كانت ومازالت طاقة محدودة, والسبب يرجع في المقام الأول إلي الندرة الشديدة في المعروض من الخبرات اللازمة لاعداد المشروعات وتجهيزها. ويمكن القول إن قلة المشروعات المدروسة والمعدة للتمويل كانت من أهم أسباب خروج التحويلات من مصر. إزاء هذا الموقف, المطلوب هو حل عاجل, يتميز بالبساطة والواقعية, هو إنشاء مؤسسة استثمارية تجمع كل الكفاءات والكوادر الفنية المطلوبة لاعداد المشروعات, لماذا؟ لان طبيعة المشروعات التي تتخصص فيها المؤسسات تتباين فنيا, وبالتالي تتفاوت الخبرات الفنية المطلوبة لإعداد وتجهيز المشروعات المختلفة. فالخبرات التي يحتاجها تجهيز مشروع منتجات ألبان تختلف عن الخبرات التي يحتاجها تجهيز مشروع دواجن, وتختلف عن تلك التي يحتاجها مشروع علف الماشية, أو عصر الزيوت النباتية, أو طحن الحبوب, إلخ... كل هذه مشروعات زراعية, ومع ذلك تتفاوت الخبرات اللازمة لاعداد مشروعاتها تفاوتا كبيرا, بحيث لا تستطيع أي مؤسسة واحدة, حتي لو تخصصت في مشروعات الاستثمار الزراعي, أن تغطي كل الاحتياجات من الكوادر الفنية. وما ينطبق علي مشروعات الاستثمار الزراعي ينطبق أكثر وبدرجة أعظم علي مشروعات الاستثمار الصناعي. الحل في تقديري يكمن في توحيد جهود شركات وبنوك الاستثمار في مجال إعداد وتجهيز المشروعات, وذلك بإنشاء بيت واحد للخبرة والاستشارات علي مستوي عالمي, يضم العديد من المتخصصين وذوي الخبرات التطبيقية في مختلف فروع الاستثمار, من زراعة إلي صناعة إلي تعدين إلي تشييد. وتساهم كل المؤسسات الاستثمارية في تمويل بيت الخبرة المقترح, كل حسب رأسماله, في مقابل استعمال خدمات جميع الخبراء العاملين وفقا لطبيعة المشروعات الاستثمارية ولعل من المفيد هنا أن نذكر أن اقتراح تجميع الخبرات الفنية المتخصصة في مركز واحد هو فكرة عملية تنطلق من مبدأ تحسين استخدام الموارد النادرة, برزت من خلال واقع كثير من دول العالم الثالث, حيث تنمو طاقات أعداد وتجهيز مشروعات الاستثمار أحد اختناقات التنمية التي تحد من عدد المشروعات التي يمكن تبنيها سنويا. والنقطة الثالثة في المشاركة الشعبية في إعادة إحياء جهاز التنمية الشعبية الذي كان تابعا لوزارة الحكم المحلي الذي أنشئ في1983, فدور هذا الجهاز يتفق مع طبيعة المرحلة التي نعيشها بالإضافة إلي مهمته في منع إهدار المال العام في استبدال النشاط الاقتصادي الخاص, ولتنشيط القطاع الخاص. ومن ثم يجب أن يتمتع جهاز التنمية الشعبية بالاستقلالية التامة عن أي جهاز أو هيئة في الدولة أو أن يكون جهازا مستقلا تحت اشراف رئيس الجمهورية مباشرة. فالجهاز هو الذي يستطيع أن يبين الاحتياجات من المشروعات في المحافظات المختلفة وفي القطاعات الاقتصادية المختلفة ثم تخطيط وتنفيذ تلك المشروعات بمشاركة الأفراد. علي أن يكون لجهاز التنمية الشعبية بيت استشاري لتوجيه المدخرات غير المنظمة. وإن كان من المفروض أن نعيد هيكلة وزارة التنمية المحلية علي أن يكون هدفها الأول هو التنمية الشعبية ولذلك يجب النظر في اسم وزارة التنمية المحلية إلي وزارة التنمية الشعبية. فالتنمية التي نريدها هي التنمية التي تعمل علي زيادة الإنتاج وتخفيض البطالة وليس النمو في دخول القطاع المالي. لقد حذر الكثيرون من خبراء الاقتصاد من مغبة النمو السريع في القطاع المالي لتأثيره علي الإنتاجية في قطاعات أخري. فيذهب ستيفن تشيكيتي وإينيس خروبي من بنك التسويات الدولية البنك المركزي للبنوك المركزية إلي أن النمو السريع في القطاع المالي يعمل علي خفض نمو الإنتاجية في قطاعات أخري. وباستخدام عينة من عشرين دولة, وجدت علاقة عكسية بين حصة القطاع المالي في الناتج المحلي الإجمالي وصحة الاقتصاد الحقيقي. ووجد تشيكيتي وخروبي أدلة تشير إلي أن الشركات التي تعتمد بشكل مكثف علي الأبحاث هي التي تتحمل القدر الأعظم من المعاناة عندما يزدهر قطاع التمويل. فتواجه هذه الشركات صعوبة في تعيين الخريجين المهرة عندما يكون بوسع الشركات المالية أن تدفع رواتب أعلي.