«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تمويل البرنامج الاقتصادي ... عودة بنوك التنمية الشعبية-1

* الحكومة وحدها لا تستطع أن تتحمل عبء حل المشاكل الرهيبة المتراكمة ومن ثم كان المخصب الوحيد لذلك هو المشاركة الشعبية عبر عودة بنوك التنمية الشعبية
* يجب دراسة عمل وتوزيع الأنشطة المالية غير الرسمية بغية فهم أوجه التكامل فيما بين القطاعين الماليين الرسمي وغير الرسمي, والعثور علي طرق ووسائل لربط هذين القطاعين حتي يزداد توافر التمويل من أجل التنمية
* بنوك التنمية الشعبية تعمل علي تدعيم الحكم المحلي خاصة في مجالات التمويل وتحقيق المصلحة العامة بما يتمشي مع خطة التنمية القومية وخطة التنمية المحلية
* بنوك التنمية الوطنية تسهم في علاج زيادة الإنفاق علي الاستهلاك والحد من الاتجاه التضخمي
* صعود الشبكات الاجتماعية التفاعلية جعل من الإبداع المالي عملية تجري من الأسفل إلي الأعلي
* الإصلاحات التنظيمية الكبري سوف تفرض تكاليف جديدة أعلي علي القطاع المالي
--------------------
تساءلت في مقالات سابقة, لماذا لا يكون لمصر نموذجها الخاص في التنمية كما فعلت اليابان وكوريا وماليزيا وغيرها كثير؟ رغم أن مصر تملك الكثير من عناصر هذا النموذج الآن داخليا وخارجيا. فلقد خبرت التجربة الاشتراكية وتجربة اقتصاد السوق, الذي كان أكثر انفتاحا من الذين ابتدعوه. ولم تسنح لمصر طوال تاريخها الحديث فرصة كبيرة مثل هذه الفرصة في اللحظة التاريخية الفارقة نحو الانطلاق علي درب النمو الآسيوية, التي استغلت اللحظات الفارقة في التاريخ أحسن استغلال, فهل يمكن أن تتكرر نماذج القوي الاقتصادية مع دولة مثل مصر ؟. لقد استطاعت مصر في فترة زمنية قصيرة أن يضرب بها المثل في التخطيط. لقد سبقت العالم النامي في إعداد أول خطة اقتصادية واجتماعية, وكانت من أوائل الدول في اتخاذ التخطيط أسلوبا للتنمية. هذا الأسلوب كان وقتها جديدا علي العالم كله المتقدم منه والمتخلف. بل إن جامعات أوروبا والولايات المتحدة كانت تدرس هذا العلم علي استحياء ولم يكن أحد يتوقع أن يكون له هذا الشأن الذي نشهده الآن. والميزة الثانية هي أن أفق التخطيط لم يقتصر علي خمس سنوات بل نظر المخطط إلي صورة مصر بعد عشرين سنة. والشيء الذي يجب أن نعرفه جميعا ويعرفه جيل الشباب أن المسئولين اختاروا أستاذين عالميين لكي يشاركا مع الخبراء المصريين في إعداد الخطة هما البروفيسور أيان تنبيرجن والبرفسور راجنر فرش اللذان حصلا فيما بعد علي أرفع الجوائز العلمية وهي جائزة نوبل في الاقتصاد وكانا وقتها علمين من أعلام التخطيط بل علي يديهما نشأ علم التخطيط الاقتصادي. لكن عندما دخلت الأطماع الشخصية إلي صدور البعض بدأ التلاعب في مجريات الخطة مما حدا بصانع القرار لإنشاء بنك الاستثمار القومي الذي جاء لمعالجة سلبيات تقارير وزارة التخطيط حيث دأبت الوزارة علي نشر تقارير عن تنفيذ الخطة تخالف الحقيقة مما كان يعطي صورة وردية عن تنفيذ الخطة لا وجود لها في الواقع.
نحن الآن في حاجة ماسة إلي نموذج مصري خالص لا يعتمد فقط علي موارد ريعية, نموذج يصل باقتصادنا إلي مصاف الاقتصادات المتقدمة, وقادر علي النمو ذاتيا, ويرفع دوما من مستوي معيشة الشعب المصري, دون أن يستأثر بثمار هذا التقدم فئة أو طبقة معينة. لماذا لا نسير علي النهج الذي سار عليه كثير من الدول المتقدمة في بداية مشوارها الاقتصادي؟ حيث ثبت بالدراسات المتأنية أن نجاح تلك الدول يرجع إلي إبعاد السياسة عن المشروعات الاقتصادية. وإبعاد التوجه الحزبي في اختيار العاملين في المشروعات المختلفة. فالكونجرس الأمريكي أقر مبدأ هاما منذ البداية بوجوب إبعاد السياسة عن المشروعات الاقتصادية وأصر علي أن تلك المشروعات لا يجب البت فيها سياسيا أو عن طريق الهيئات السياسية. فنجاح المشروعات في أمريكا نتيجة إبعاد إدارة المشروع عن الحزبية ولا يجب خلط الصناعة بالحزبية, وسلطة تعيين جميع موظفي إدارة مشروع ما بعيدا عن الاعتبارات السياسية, وجاء التشريع كالآتي' لا يجوز التعيين تبعا لأي اختبار أو مؤهلات سياسية أو اعطائها أي اعتبار بل يجب عمل ومنح جميع هذه التعيينات والترقيات علي أساس الكفاءة والجدارة. وأي اختراق لهذا النص سوف يعرض عضو مجلس الإدارة للعزل بواسطة رئيس الجمهورية أو أي موظف للفصل بواسطة مجلس إدارة المشروع. فالموظف الذي يدين بتعيينه إلي حزبيته لا يمكن أن يقصر وفاءه علي مصالح المهمة وأغراضها العامة فقط, وبذلك يتلقح المشروع بأكمله بالآراء النصف فنية والنصف سياسية وينهار الأساس الذي تقف عليه إدارة المشروع وتتضاءل ثقة الجمهور في نزاهتها. فما دخلت الحزبية يوما علي مشروع مبني علي الكفاءات الخبرة إلا وتخلخل بناؤه وأصبح غير مأمون. واستنت إدارة وادي تنيسي عام1936 سياسة تحرم علي أي شخص له علاقة بها أن يكون له نشاط سياسي حتي في الشئون البلدية. فلا يحق لأي موظف في إدارة وادي تنيسي أن يرشح نفسه لعضوية أي مجلس بلدي أو أن يكون له نشاط انتخابي من أي نوع إلا إعطاء صوته بالطبع. فما الذي كان يؤدي إليه إذا تدخلت السياسة في اختيار موظفي إدارة وادي تنيسي أو في الإدارة التفصيلية للأموال التي تنفذ بها المهمة ؟. إن هذا يعني أن آلاف الأميال من خطوط الشبكة الكهربائية وخطوط السكك الحديدية التي شيدتها إدارة وادي تنيسي كانت ستبني في أماكن لا تحددها عوامل اقتصادية أو هندسية, ولكن علي أسس سياسية. فالمدينة التي تعطي أصواتها بالشكل الصحيح لأي حزب معين أو مرشح معين والصناعة التي ستنحاز إلي سياسة معينة كانت ستكافأ عن طريق توطيد خطوط الشبكة الكهربائية بجانبها, رغم أن هذا التوطن لا تبرره الحقائق الاقتصادية أما المدن أو الصناعات التي لا تصوت بالشكل الصحيح فقد نجد محطاتها الكهربائية الفرعية وقد أهملت وخدمتها قد ساءت وتوقف نموها الصناعي.
ولا يوجد نموذج واحد يمكن أن نقتدي به, حيث إن لكل بلد قدرته الخاصة علي التجربة واستكشاف أفضل توليفة مناسبة لظروفه الخاصة والمتوافقة مع تطلعات سكانه. والنهج الذي سرنا عليه في التنمية خلال العقود الماضية ليس وليد قناعات فكرية واستجابة لضرورات اقتصادية واجتماعية تلبي احتياجاتنا, بل نهج فرض علينا من الخارج والاستمرار عليه سيؤدي إلي إعادة إنتاج وصياغة علاقات التبعية لمرحلة جديدة أسوأ مما كنا عليه.
اليوم ونحن بصدد إيجاد نموذج مصري خالص للتنمية علينا أن ندرك طبيعة المتغيرات التي ألمت بالنهوج التي اتبعت في الماضي فبعضها يحتاج إلي إعادة تصحيح والبعض الآخر لا ينفع بالمرة. ولعل البعد الأهم الذي ترتكز علية عملية التنمية برمتها هو التمويل. فكثير من البرامج والخطط التي وضعت انتهت إلي الفشل بسبب قصور التمويل, وخاصة بالنسبة للمشروعات الكبري, حيث أسهمت عدة عوامل في تضاؤل رغبة المستثمرين في توسيع الائتمان الطويل الأجل. وعملت الأزمة المالية علي تقليص شهية الممولين من القطاع الخاص لخوض المجازفات, وجعلت التعرض الطويل الأمد غير جذاب. كما أن صافي تدفقات رأس المال الخاص, وبخاصة المتجهة إلي الاقتصادات النامية, أصبح أشد تقلبا. ولكن يبدو أن المتاح من رأس المال الطويل الأجل نال منه الوهن إلي حد كبير, بعد أن أصبح الممولون التقليديون لمشروعات البنية الأساسية, علي سبيل المثال, أقل قدرة أو أقل رغبة في الاستثمار. كما كان التمويل من البنوك مقيدا أيضا بسبب تقليص المديونيات. بالإضافة إلي هذا, فإن الإصلاحات التنظيمية الكبري سوف تفرض تكاليف جديدة أعلي علي القطاع المالي. ونظرا لاضطرار المؤسسات المالية إلي رصد وإدارة المخاطر بطريقة مختلفة جذريا, سواء بالنسبة لها أو بالنسبة لعملائها, سوف يعاد النظر في قضية التمويل. كما أن' الإنتاج' المالي يشكل حاليا عملية تجري من الأعلي إلي الأسفل. والواقع أن الأدوات مصممة علي نحو من شأنه أن يجعل مبيعاتها قادرة علي توليد قدر من الأرباح لصالح مهندسيها الماليين أعظم من ذلك الذي تولده لصالح المستخدمين النهائيين. ولكن صعود الشبكات الاجتماعية التفاعلية جعل من الإبداع المالي عملية تجري من الأسفل إلي الأعلي. كما أن الثورات التي تجتاح الشرق الأوسط تأتي مصحوبة بتأثيرات اقتصادية ومالية قوية, خاصة أنها تزيد من خطر الركود التضخمي, أو التركيبة الفتاكة المتمثلة في تباطؤ النمو والارتفاع الحاد لمعدلات التضخم. ويبقي العامل الأهم في عملية التنمية هو تصاعد منحني القطاع المالي غير الرسمي, وهو قطاع متحفز يضطلع بحشد المدخرات, وبتقديم الائتمان كذلك, ووجود هذا القطاع غير الرسمي يطرح تحديات أمام الحكومة في مجال السياسات العامة, حيث لا تنطوي أنشطته في كثير من الأحيان علي أي وضع قانوني, ومن ثم فإنها تفلت من الرقابة التنظيمية سواء كانت رقابة البنك المركزي أو السلطات المالية. ومن ثم تؤثر الازدواجية المالية علي التنمية الاقتصادية من خلال تراكم الموارد وعمليات التوزيع, وتنشأ تفاوتات قطاعية وإقليمية فيما يتعلق بتعبئة الأموال وتخصيصها, ويسفر ذلك عن فارق في معدل النمو فيما بين القطاعات حيث تعتمد تنميتها علي سبل وصولها إلي مصادر الائتمان المختلفة. والمشكلة أننا نحاربه بلا هواده دون أن ننظر إليه من الجانب الآخر, يجب دراسة عمل وتوزيع هذه الأنشطة المالية غير الرسمية بغية فهم أوجه التكامل فيما بين القطاعين الماليين الرسمي وغير الرسمي, والعثور علي طرق ووسائل لربط هذين القطاعين حتي يزداد توافر التمويل من أجل التنمية في الوقت الذي يتم التقليل فيه من التكاليف. فالقطاع المالي غير الرسمي يتصف في كثير من الأحيان بالمرونة والسرعة وإن كان يتصف أيضا بارتفاع تكاليف معاملاته لحاجات تلك الشرائح من السكان المستبعدة من القطاع الرسمي أو التي ترغب في الاستفادة من الخدمات التي يقدمها القطاع غير الرسمي. ويمكن تبرير الفرق في الأسعار بين القطاعين إلي حد ما اعتمادا علي أن المقترضين غير الرسميين يقبلون علي مشروعات تنطوي علي درجة أكبر من المخاطر وبأن تكلفة الفرصة البديلة للأموال أعلي بالنسبة لهم. كل هذه العوامل السابقة تحتم علينا إعادة النظر في كثير من الوسائل والآليات التي كان لها دور هام في فترات سابقة مثل بنوك التنمية الشعبية. فنحن أمام مرحلة جديدة تتطلب منا تكاتف جميع الجهود علي هدف واحد.ويستطيع المصريون أن يقدموا مساهمات اقتصادية وتنموية وثقافية هامة. لقد كانت هناك تجارب ناجحة محليا علينا استعادتها من جديد. لذلك تدعو الحاجة إلي عودة بنوك التنمية الوطنية التي خرجت من رحم التنمية الشعبية لتكون أكثر قدرة علي النهوض بمتطلبات التنمية بتعبئة المدخرات ومعاونة المدخر الصغير والمستثمر الصغير علي التعرف علي مجالات الاستثمار وتوجيه موارد هذه البنوك نحو المشروعات الاستثمارية والمساهمة في رءوس أموال الشركات التي تقام بالمحافظات. لكن تلك البنوك لم تؤد وظيفتها الاقتصادية ولا الاجتماعية في المجتمع المحلي, حيث أضحت مقصورة علي مباشرة النشاط المصرح به للبنوك التجارية وبنوك الاستثمار في الوقت الذي حادت فيه عن الطريق الموصل إلي الهدف الرئيسي للتنمية الشعبية.
إن التصور المستقبلي لبنوك التنمية الوطنية يتمثل في العودة إلي جوهر وظائفها الأولي وغاياتها الأساسية التي انحرفت عنها مثلها مثل البنوك المتخصصة التي انحرفت عن مسارها مثل بنك التنمية الصناعية وبنك التنمية والائتمان الزراعي. فلقد صارت مصر علي نهج كثير من الحكومات في إنشاء مصارف إنمائية تمول في معظم الحالات من الميزانيات الحكومية والتبرعات من الجهات المانحة الخارجية الثنائية والمتعددة الأطراف. وتوفر المصارف الإنمائية تمويلا طويل الأجل للاستثمار في قطاعات مختارة وتقوم بدور مفيد في النهوض بالتنمية الصناعية. فالغاية الأولي والأخيرة لهذه البنوك هي تنمية المجتمعات المحلية وذلك بجذب وتشجيع المدخرات الصغيرة كأحد الروافد الأصيلة للمشاركة الشعبية في التنمية المحلية وذلك بأن تتجه هذه البنوك إلي تنفيذ مشروعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية ذات العائد الاقتصادي.| إن العودة إلي هذه الغاية الأولي يضع بنوك التنمية الوطنية في موقعها الصحيح ويعيد إليها قسمات وجهها التي تميزها عن غيرها من البنوك, التجارية فهي تعمل علي تدعيم الحكم المحلي خاصة في مجالات التمويل وتحقيق المصلحة العامة بما يتمشي خطة التنمية القومية وخطة التنمية المحلية. تجمع المدخرات في كل إقليم واختيار أنسب المجالات لاستثمارها محليا بما يعود بالنفع علي أهالي الإقليم ذاته. وتنمية وتنشيط الحياة الاقتصادية محليا وذلك عن طريق تشجيع الصناعات الصغيرة والحرفية ومساعدة ذوي الدخول المحدودة.
وتزداد أهمية المدخرات في تمويل خطة التنمية خلافا لما هو عليه الحال في الدول المتقدمة, ولقد كان هذا الأمل معقودا علي بنوك التنمية الوطنية إذ كان في طليعة وظائفها المنشودة والمتوقعة جمو المدخرات الفردية وادارتها والمحافظة عليها بحرص وأمانة ثم تستخدمها في إقراض صغار المنتجين خاصة أصحاب الحرف اليدوية والزراع والعمال الذين يحتاجون إلي الأموال, كما ساد الظن بأن التوسع في إنشاء بنوك التنمية الوطنية وتوسع نشاطها في خدمة البيئة المحلية سيؤدي إلي رفع مستوي الدخل في الأقاليم وبالتالي زيادة المدخرات كما كان الأمل معقودا علي بنوك التنمية الوطنية أن تسهم في علاج زيادة الإنفاق علي الاستهلاك والحد من الاتجاه التضخمي علاوة علي ذلك فإن التكامل بين الإنتاج والادخار الفردي الاختياري يعد في مقدمة الوظائف الرئيسية لبنوك التنمية الوطنية ذلك أن المدخرات الفردية الاختيارية باعتبارها اختيارية واعتبار أن إرادة الفرد وحده هي الضابطة والمتحكمة فيها يجب بهذه الصورة الا ينظر إليها في المدي القصير علي أنها مصدر رئيسي لخطة التمويل المركزية وان كانت تجارب الدول الأجنبية في هذا المضمار قد أثبتت أن هذا النمو من المدخرات يمكن أن يكون له أثره في تدعيم الخطة وذلك عن طريق تمويل المحليات ونعني بذلك تمويل المنشآت والخدمات التي تساعد الأفراد علي تحقيق اشباعات لهم كما تحل لهم بعض مشاكلهم وتخفف في الوقت ذاته الضغط والإرهاق الواقع علي كاهل المخطط بالإضافة إلي أنها تسهم لسد الاحتياجات التي قد تكون الخطة أجلت تنفيذها. وهنا تأتي وظيفة نشر السلوك الادخاري وشموله إذ إنه يترتب علي ممارسته نتائج تعود علي الافراد فتهيئ, لهم المناخ الملائم لزيادة انتاجيتهم, ولا يقل اثرا عن هذه الوظيفة احساس الأفراد بالمشاركة الايجابية الفعالة في تنمية مناطقهم المحلية وحل مشكلاتها. وبالجملة فإنه كان من المتوقع أن تكون حصيلة تجربة بنوك التنمية الوطنية استجابة متفاعلة مع حاجات المجتمع المنشود وسلاحا من أسلحة الهجوم علي مواطن الكثير من العلل الاجتماعية والاقتصادية علاوة علي أنها طريق عريض يسير بالمواطن إلي المشاركة الايجابية الفعالة بماله ونفسه في سبيل مسئوليات مجتمعه, أو المسئولية الاجتماعية ولكن ما أوجه الشبه والاختلاف بين بنوك التنمية الوطنية في النموذج المصري ومثيلاتها في النموذج الشرقي والنموذج الغربي؟ ففي النموذج الغربي الرأسمالي يلاحظ أن بنوك التنمية المحلية تتميز بخاصيتين أساسيتين أولاهما: وجود سوق رأسمال خاص فعال ونشيط والثانية: وجود استثمارات فردية عريضة ودوافع استثمارية قوية تحقق هذه البنوك من ورائها أرباحا طائلة ومن ثم فهي تعمل علي تدعيمها, ويعتبر سعر الفائدة أقوي الأسلحة التي تعتمد عليها هذه البنوك في النظم الرأسمالية في مزاولة نشاطها في طلب رأس المال أو عرضه بمعني أن توظيف المدخرات بواسطة هذه البنوك غير مرتبط بخطة موجهة من الدولة وإنما يحركه أساسا سعر الفائدة أما في النموذج الشرقي الاشتراكي فإن بنوك التنمية المحلية تتسم بعدة خصائص أولاها: أنها تتلقي الإعانات والدعم من الدولة التي تنظر الي بنوك التنمية المحلية علي أنها أجهزة تعمل علي أقناع الأفراد بالاحتفاظ بفائض قوتهم الشرائية في شكل رصيد نقدي يلجأ إليه الفرد لاقتناء سلع معمرة ترفع من مستوي معيشته. وثانيتها: أن هذه البنوك تحظي بثقة كبيرة من الأفراد وذلك من خلال علاقاتهم بها منذ عهد بعيد, تقوم بنوك التنمية المحلية بعمليات الإقراض الفردي الصغير بشرط أن يكون الغرض من القرض انتاجيا. ويعتمد البنك علي موارده المحلية في هذا المجال وثالثتها: ترتبط هذه البنوك ارتباطا وثيقا بالخطة العامة للدولة وتؤدي بعض المهام التنفيذية في مجال الاستثمار نيابة عن الدولة إذ قد تسند إليها بعض مهام الاستثمار المحلي في الاسكان والزراعة. اما بالنسبة لخصائص النموذج المصري فقد رفض منذ البداية النموذج الغربي لأنه لا يلائم ظروف المجتمع المصري لعدة أسباب منها: ضعف سوق رأس المال الخاص ووجود قطاع عام قوي وتضييق نطاق الاستثمارات الفردية' وعدم اطمئنان الافراد لائتمان اموالهم لدي اوعية ادخارية لم تختبر بعد, ووجود خطة عامة للدولة وإعادة توازن الدخول والثروات وارتفاع معدل الاستهلاك الفردي وارتفاع أسعار بعض السلع وعدم تعود الناس علي الادخار, وعلي ضوء هذا الواقع المصري تبلورت الحاجة إلي نوع متميز من البنوك بحيث تغطي احتياجات الأفراد كما تسد الثغرات التي تنشأ خلال تنفيذ الخطة العامة للدولة في نطاق المحليات مع ضرورة أن تضطلع هذه البنوك بعدة وظائف أهمها: تغيير سلوك الأفراد وكسب ثقة المواطنين ونشر الوعي وتعبئة المدخرات الصغيرة والكبيرة والعمل علي تهيئة مناخ استثماري سليم مع تدعيم هذا عن طريق إحساس الافراد بعائد هذه الاستثمارات عليهم مباشرة وتنمية الشعور والمسئولية المحلية وعدم الاعتماد علي الدولة بإلقاء أعباء التنمية المحلية علي كاهلها.. بنوك تكون مصدرا من مصادر تمويل مشروعات التصنيع والتعمير في النطاق المحلي هذا المجتمع.. بنوك تدرس الهدف من القرض وتتأكد من نفعه للاقليم المحلي واحتياجه اليه قبل توظيف الأموال وايضا مساعدة علي الدراسة الفنية ودراسة الجدوي التوظيف. بنوك هي أجهزة فنية للسلطات المحلية وقد اخذت علي عاتقها تحقيق خطة الدولة.. بنوك تتولي تعبئة المدخرات الوطنية والمحلية وتشجيعها وتوجيه الاستثمارات والسهر علي سلامتها.. وهذه هي التنمية الوطنية التي قامت أساسا لخدمة التنمية الشعبية وذلك بتجميع الجهود والمدخرات علي مستوي المدينة والقرية لدفع عجلة التنمية. ذلك لأن الحكومة وحدها لا تستطع أن تتحمل عبء حل المشاكل الرهيبة المتراكمة ومن ثم كان المخصب الوحيد لذلك هو المشاركة الشعبية للتخفيف من ذلك العبء الذي يقع علي عاتق الحكومة.. وبنوك التنمية الوطنية بذلك هي الجناح الرئيسي للمشاركة الشعبية ذلك لأن الديمقراطية من وجهة نظر التنمية الشعبية تعني اشراك المواطنين في مسئوليات التفكير والعمل حيث يمارس المواطن عادات تصبح جزءا من ثقافته وسلوكه فضلا عن العائد الاقتصادي. فقيام بنك وطني شعبي في كل محافظة يربط مواطني المحافظة به ويشعره بانتمائه إليه. ويمثل حافزا لمواطني المحافظة علي دعمه ومساندته والحفاظ علي المساهمة مادامت الأنشطة والمشروعات تقام لحسابه الخاص, كما أنه يمثل وعاء تتجمع فيه المدخرات الإقليمية التي يمكن استثمارها وإعادة استثمارها بأسلوب علمي مخطط في مشروعات تفيد المحافظة كما أن قيام البنك في المحافظة يساعد علي زيادة الدخل وانتعاش الأنشطة وسد الاحتياجات الحقيقية لكل إقليم لذلك بدأت حركة إنشاء بنوك التنمية الوطنية في المحافظات التي تمثلت في اكتتاب مواطني المحافظات فقط في رأسمال بنك المحافظة بمبلغ مليون جنيه علي أن يغطي البنك الرئيسي للتنمية بالقاهرة ما تعجز عنه الاكتتابات الفردية بالمحافظات. وبعبارة أخري أن الفلسفة التي يقوم عليها البنك الوطني للتبعية هي أنه ليس مجرد بنك تجاري عادي, انه بنك يقوم بعملية الاستثمار وإنشاء المشروعات وبذلك يكون مسئولا عن تدعيم دور القطاع الخاص في مجال التنمية في تجميع المدخرات وتوجيهها لعملية التنمية مباشرة, ولذا فهو وسيلة اقتصادية ومالية لدعم وتنمية قدرات القطاع الخاص وذلك عن طريق تجمع مدخراته بأسلوب منظم وتوجيهها للاستثمار مع إذكاء الحوافز الخاصة لدي المدخر الوطني وخلق روح رجل الأعمال لدي المستثمر المصري. هذه فلسفة بنوك التنمية الوطنية كفكرة التي كانت أحد المحاور الرئيسية للحركة السياسية في فترة من الفترات في خلق المشاركة الشعبية للتنمية ويجب أن نلاحظ في هذا الصدد أن إنشاء بنوك التنمية الوطنية لم يكن استجابة لمتطلبات الواقع الاقتصادي والاجتماعي المصري فقط ولم تكن ضرورة قومية فحسب ولكنها أيضا وقبل كل شيء التزام سياسي. فهل آن الآوان أن نشهد عودة البنوك الشعبية مرة أخري مع تصحيح مسارها بعد أن حادت فيه عن الطريق الموصل إلي الهدف الرئيسي للتنمية الشعبية. علينا أن نجيب عن كثير من الأسئلة ونحن بصدد الدعوة لعودة تلك البنوك مرة أخري, فهل نجحت البنوك الوطنية للتنمية في وظائفها الحديثة أو اكتفت بممارسة الوظائف التقليدية للبنوك التجارية ؟ وهل تراعي بنوك التنمية المحلية في نشاطها المباديء المصرفية السليمة من حيث السيولة وتحقيق الربح بجانب دعم وتمويل السلطات المحلية في تمويل مشروعاتها التي تبغي تحقيق المصلحة العامة التي يجب أن تتصف بها طبيعة بنوك التنمية المحلية ؟ وما هو الدور الرئيسي التي تقوم به بنوك التنمية الوطنية في إنقاذ التنمية المحلية خلال اللحظات الصعبة التي نعيشها الآن ؟ وهل تأخذ بنوك التنمية الوطنية في الاعتبار مبدأ اللامركزية في أداء عملياتها, بمعني أنها تستثمر الودائع المتجمعة لديها في نطاق منطقتها كأن تقوم بدور حيوي في مساندة الصناعات الصغيرة والمتوسطة علي البقاء والاستمرار في مزاولة نشاطها وذلك بفضل بقاء رءوس الأموال في المنطقة التي تتكون فيها مما يكون له أثره المرغوب من الناحية الاجتماعية حيث يشعر المواطن المحلي أن مدخراته لا تستثمر الا في منطقته المحلية وفي مشروعات تحت سمعه وبصره ومن ثم تخلق حافزا لدي المواطن علي التحمس لإنجاح هذه المشروعات والحرص علي جديتها وفاعليتها. وهل حققت البنوك المحلية علاقة الانتماء الحقيقي بين المواطن وإقليمه المحلي؟ ذلك أن أحد الأهداف الرئيسية لبنوك التنمية هي أن يتفإعل الأفراد مع مجتمعهم المحلي تفاعلا إيجابيا بناء يحسون من خلاله بمشاكل مجتمعهم واحتياجاته ويسهمون في العمل علي تنميته والنهوض به ؟ وهل استطاعت هذه البنوك بحكم طبيعتها المحلية من خلق علاقات شخصية مع المدخرين والمستثمرين وعمل مسح اقتصادي محلي للفرص الاستثمارية المحلية ؟ الإجابة عن كل هذه التساؤلات تطرح التصور المستقبلي لبنوك التنمية الوطنية الذي يتمثل في العودة إلي جوهر وظائفها الأولي وغاياتها الأساسية التي انحرفت عنها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.