وزير الأوقاف ومحافظ جنوب سيناء يفتتحان أعمال تطوير مسجد الصحابة بشرم الشيخ    عيار 21 يعود لسابق عهده.. أسعار الذهب اليوم السبت 20 إبريل بالصاغة بعد الارتفاع الجديد    كوريا الشمالية تطلق نوعا جديدا من الصواريخ وتختبر "رأسا حربيا كبيرا جدا"    كانسيلو يعلق على خروج برشلونة من تشامبيونزليج وآخر الاستعدادات لمواجهة ريال مدريد    أسماء ضحايا حادث تصادم سيارتين وتوك توك بطريق المنصورة بالدقهلية    آمال ماهر تشدو برائعة كوكب الشرق"ألف ليلة وليلة "والجمهور يرفض انتهاء الحفل (فيديو)    طريقة عمل تارت الجيلي للشيف نجلاء الشرشابي    ميدو يكشف احتياجات الزمالك في الميركاتو الصيفي    اندلاع مواجهات عنيفة مع قوات الاحتلال في بلدة بيت فوريك شرق نابلس    سفيرة البحرين بالقاهرة: زيارة الملك حمد لمصر تأكيد على التكامل الإستراتيجي ووحدة الصف بين البلدين    ابسط يا عم هتاكل فسيخ ورنجة براحتك.. موعد شم النسيم لعام 2024    داعية إسلامي: خدمة الزوج والأولاد ليست واجبة على الزوجة    تخفيف الأحمال فى «أسبوع الآلام»    نشرة منتصف الليل| الأرصاد تكشف موعد الموجة الحارة.. وهذه ملامح حركة المحافظين المرتقبة    300 جنيها .. مفاجأة حول أسعار أنابيب الغاز والبنزين في مصر    تجليس نيافة الأنبا توماس على دير "العذراء" بالبهنسا.. صور    بجوائز 2 مليون جنيه.. إطلاق مسابقة " الخطيب المفوه " للشباب والنشء    3 إعفاءات للأشخاص ذوي الإعاقة في القانون، تعرف عليها    انفجار في قاعدة كالسوم في بابل العراقية تسبب في قتل شخص وإصابة آخرين    العميد سمير راغب: اقتحام إسرائيل لرفح أصبح حتميًا    كوريا الشمالية تختبر صاروخا جديدا للدفاع الجوي    إيران تصف الفيتو الأمريكي ضد عضوية فلسطين في الأمم المتحدة ب"اللا مسؤول"    بصور قديمة.. شيريهان تنعي الفنان الراحل صلاح السعدني    حزب "المصريين" يكرم 200 طفل في مسابقة «معًا نصوم» بالبحر الأحمر    الخطيب ولبيب في حفل زفاف "شريف" نجل أشرف قاسم (صور)    سيف الدين الجزيري: مباراة دريمز الغاني المقبلة صعبة    ملف رياضة مصراوي.. إغماء لاعب المقاولون.. رسالة شوبير.. وتشكيل الأهلي المتوقع    يوفنتوس يواصل فقد النقاط بالتعادل مع كالياري.. ولاتسيو يفوز على جنوى    دوري أدنوك للمحترفين.. 6 مباريات مرتقبة في الجولة 20    صفقة المانية تنعش خزائن باريس سان جيرمان    منير أديب: أغلب التنظيمات المسلحة خرجت من رحم جماعة الإخوان الإرهابية.. فيديو    حالة الطقس اليوم.. حار نهارًا والعظمى في القاهرة 33 درجة    أهالى شبرا الخيمة يشيعون جثمان الطفل المعثور على جثته بشقة ..صور    فحص السيارات وتجديد الرخصة.. ماهى خدمات وحدات المرور المميزة فى المولات    "محكمة ميتا" تنظر في قضيتين بشأن صور إباحية مزيفة لنساء مشهورات    حريق هائل بمخزن كاوتش بقرية السنباط بالفيوم    وزارة الداخلية تكرم عددا من الضباط بمحافظة أسوان    تعرف على موعد انخفاض سعر الخبز.. الحكومة أظهرت "العين الحمراء" للمخابز    GranCabrio Spyder| سيارة رياضية فاخرة من Maserati    إياد نصار: لا أحب مسلسلات «البان آراب».. وسعيد بنجاح "صلة رحم"    يسرا: فرحانة إني عملت «شقو».. ودوري مليان شر| فيديو    نسرين أسامة أنور عكاشة: كان هناك توافق بين والدى والراحل صلاح السعدني    انطلاق حفل الفرقة الألمانية keinemusik بأهرامات الجيزة    بعد اتهامه بالكفر.. خالد منتصر يكشف حقيقة تصريحاته حول منع شرب ماء زمزم    بفستان لافت| ياسمين صبري تبهر متابعيها بهذه الإطلالة    هل يتم استثناء العاصمة الإدارية من تخفيف الأحمال.. الحكومة توضح    أعظم الذكر أجرًا.. احرص عليه في هذه الأوقات المحددة    أدعية الرزق: أهميتها وفوائدها وكيفية استخدامها في الحياة اليومية    رسميا.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم السبت 20 إبريل 2024 بعد الانخفاض الأخير    آلام العظام: أسبابها وكيفية الوقاية منها    عمرو أديب يطالب يكشف أسباب بيع طائرات «مصر للطيران» (فيديو)    باحث عن اعترافات متحدث الإخوان باستخدام العنف: «ليست جديدة»    عاجل - فصائل عراقية تعلن استهداف قاعدة عوبدا الجوية التابعة لجيش الاحتلال بالمسيرات    مرض القدم السكري: الأعراض والعلاج والوقاية    متلازمة القولون العصبي: الأسباب والوقاية منه    «هترجع زي الأول».. حسام موافي يكشف عن حل سحري للتخلص من البطن السفلية    50 دعاء في يوم الجمعة.. متى تكون الساعة المستجابة    نصبت الموازين ونشرت الدواوين.. خطيب المسجد الحرام: عبادة الله حق واجب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا فشلت ثلاث تجارب من التنمية الرأسمالية في مصر‏..‏؟
رؤية بديلة للتنمية

ونحن في أشد الحاجة الي اعادة بناءاقتصادنا الذي أصابه التشوه طوال العقود الثلاثة الماضية‏,‏ والبحث عن أساليب جديدة في التنمية تتماشي مع الواقع المصري والتحديات الداخلية والخارجية التي تواجهنا ولا تبتعد كثيرا عن قوانين ومتغيرات العصر بعد هذه السنوات من الفشل والاهمال, يأتي كتاب التنمية في مصر: الواقع المتعثر والبديل الأفضل الصادر عن المكتبة الأكاديمية واحدا من أفضل الدراسات التي تبحث أسباب المرض الذي أصاب اقتصادنا, وتقدم العلاج الذي يمكن أن ينتشله من عثرته, الكتاب الذي صدر قبل عام من قيام ثورة52 يناير كان صيحة تحذير من مؤلفه الدكتور إبراهيم العيسوي أستاذ الاقتصاد والمستشار بمعهد التخطيط, من مخاطر انهيار اقتصادي قادم, وفي نفس الوقت عرض البديل لتنمية جادة تعتمد علي المصريين وثرواتهم, وليس علي وصايا واشنطن والمؤسسات المالية التابعة لها, لكن الرئيس السابق حسني مبارك لم يكن للأسف يسمع ولا يري, ولا يستجيب أو يصغي سوي للمقربين الذين فرضوا حصارهم عليه, واعتبروا مصر ملكية خاصة يستنزفون ثرواتها لحسابهم. نهبوا بنوكنا وباعوا أرضنا وثرواتنا وفتحوا خزائن البلاد للمستثمرين الأجانب ليعيثوا فسادا في البلاد. لم يكن الرئيس السابق يهتم بمشورة الاقتصاديين الشرفاء, حتي تبقي مصر نهبا للأعداء ونواصل الاعتماد علي المعونات الخارجية وتبعيتنا لارادة واشنطن ونفقد استقلالنا الاقتصادي, بعد ان فرط الرئيس السابق في استقلالنا السياسي.
وفي الوقت الذي يشترط فيه مقدمو المنح والقروض سواء الدول أو المؤسسات الدولية علي مصر أن تستخدم القروض في مشروعات جادة للتنمية, وبعد أن فشل النموذج الرأسمالي وسياسة الانفتاح وتحرير التجارة المطلق وتعليمات البنك الدولي وصندوق النقد, في تنمية جادة تساهم في نهضة البلاد, وتحقق توزيعا عادلا لدخول المصريين, فقد وقع اختياري علي فهذا الكتاب يقدم نموذجا بديلا للتنمية يعتمد علي القوي الذاتية للمجتمع, من أجل بناء اقتصاد غير تابع وقادر علي تحقيق التنمية. الكتاب أيضا أقدمه للوزيرة فايزة أبوالنجا التي أعلنت هذا الأسبوع عن أول خطة للتنمية الاقتصادية بعد ثورة52 يناير, وتقدمت باحتجاج للسفارة الأمريكية ضد وكالة المعونة الأمريكية تتهمها بانتهاك السيادة المصرية وقالت لهم صراحة لن نقبل املاءات خارجية مقابل المساعدات.
لم يحقق السير في طريق الرأسمالية طوال العقود الثلاثة الماضية انجازا حقيقيا في التنمية في مصر, ولم يكن هذا الفشل استثناء أو حالة خاصة, بل شارك مصر فشلها عدد كبير من الدول النامية, ولذلك كانت الحاجة ملحة لنموذج تنموي بديل لبلادنا لا يعتمد فقط علي دراسة الحالة المصرية, ولكن يعرض تجارب وخبرات دول نامية كثيرة, حققت نهضة اقتصادية ونموا كبيرا بالاعتماد علي الجهود والامكانيات الذاتية.
المؤلف يعرض في البداية بموضوعية الباحث التقدم الذي حدث في بعض المجالات خلال العقود الثلاثة الماضية, فقد ارتفع متوسط عمر المصريين, وازدادت مساحة الأراضي الصحراوية المستصلحة والمستزرعة وتم بناء عشرات المصانع في المدن الجديدة, وتطورت البنية الأساسية في الطرق والكباري والاتصالات ومياه الشرب والصرف الصحي, لكن التقدم كان محدودا وتكلفته باهظة, فالتوسع في استصلاح الأراضي الصحراوية قابله استقطاع واتلاف في الرقعة الزراعية القديمة والتي تتميز عن الأراضي الجديدة بارتفاع جودتها وانتاجيتها, والمصانع الجديدة في القطاع الخاص قابلها اهمال وتراجع كبيرين في مصانع القطاع العام, والتحسن في مجال مياه الشرب والصرف الصحي رافقه ازدياد كبير في معدلات تلوث المياه والهواء والتربة بما أثر سلبا علي صحة المصريين. كان الفساد أبرز العوامل في ارتفاع تكلفة هذه المشروعات. وقد ترافق الفساد مع قلة الكفاءة وتراجع مستويات الأداء وعدم الاستخدام الأفضل للموارد, وليس صعبا بالنسبة لمصر اثبات فشل التنمية الرأسمالية, فبعد ثلاثة عقود من التطبيق, جري خلالها اهدار موارد ضخمة, لم تتمكن بلادنا من الهروب من أسر التخلف لتنطلق إلي آفاق التقدم الرحبة, مثل دول أخري بدأت معها السير في طريق التنمية في فترات زمنية متقاربة, ولأن لغة الأرقام هي دائما الأصدق, فقد عرض د. العيسوي كيف تراجع معدل النمو في الناتج المحلي الاجمالي اعتمادا علي تقارير البنك الدولي وتقارير وحدة معلومات الايكونوميست عن الاقتصاد المصري وخطط التنمية الاقتصادية المصرية. فعلي سبيل المثال شهدت السنوات الثماني( من5791 وحتي3002) انخفاضا متواصلا في معدلات النمو الاقتصادي, بينما تمكنت ماليزيا خلال نفس الفترة مضاعفة ناتجها المحلي الاجمالي أكثر من5 مرات, واستطاعت كوريا الجنوبية مضاعفة ناتجها6 مرات, ونجحت الصين في مضاعفة ناتجها9 مرات, بينما لم تتمكن مصر من مضاعفة ناتجها سوي4 مرات تراجعت أيضا في نفس الفترة معدلات الاستثمار المحلي الذي يعد أهم العوامل في انخفاض النمو الاقتصادي, ويتضح هذا التواضع الشديد في السنوات الأخيرة عند المقارنة بالمعدلات التي تحققت في الاستثمار في عدد من الدول, ففي عام1002 كان معدل الاستثمار المحلي الاجمالي51% في مصر مقابل83% في الصين و92% في ماليزيا و72% في كوريا الجنوبية و32% في الهند( ويلاحظ أن مصر كانت تحقق معدلا للاستثمار في عام5791 أكثر من الدول الأربع), وبالنسبة للتصنيع, وطبقا لبيانات وزارة التخطيط فقد حدث تراجع في معدل نمو القيمة المضافة في قطاع الصناعة, مما جعل نصيب الصناعة في الناتج المحلي الاجمالي يدور حول مستوي بالغ التواضع(61%) خلال الجزء الأكبر من العقود الثلاثة الماضية.
وبالنسبة للعمالة, فقد اتجهت معدلات البطالة للتزايد منذ دخول مصر عصر الانفتاح الاقتصادي حتي الوقت الحاضر, وأغلب المتعطلين من الشباب الباحثين عن عمل لأول مرة, وقد زادت نسبة هؤلاء الي اجمالي المتعطلين من28% في8891 الي29% في4002, ويضاف الي البطالة مشكلة ضعف مستوي الأجور ومشكلة نقص التشغيل التي يقدر انتشارها بين ثلث ونصف قوة العمل.
الفقر وتوزيع الدخل
وفي سياق تنفيذ السياسة الليبرالية للتنمية, اتجه مؤشر أعداد الفقراء الي التصاعد, فقد ارتفعت نسبتهم في بداية تطبيق سياسة الانفتاح الاقتصادي من6.83% في عام47 5791 الي4.34% في2891 ثم الي84% في عام6991, وكانت نسبة الفقراء في الريف أعلي كثيرا منها في المدن, وفي الوقت الذي ازدادت فيه نسبة الفقراء صاحب هذه الزيادة تفاوت كبير في الدخول نتيجة التوزيع الظالم للدخل, زادت أيضا معدلات التضخم الذي يؤدي الي تآكل القدرة الشرائية للنقود, وهو مايؤثر سلبا علي أصحاب الدخول الثابتة ومحدودي الدخل والفقراء, وقد أسهم ارتفاع التضخم في تدهور توزيع الدخل.
صاحب أيضا النمو الاقتصادي خلال العقود الثلاثة الماضية رغم تواضعه زيادة كبيرة في حجم الدين العام وفي عبء خدمته, وشهد سعر صرف الجنيه المصري تدهورا متواصلا خلال الفترة من4791 وحتي الآن, وكانت النتيجة الطبيعية لهذا الفشل تردي مستوي الخدمات العامة خاصة في مجالي التعليم والصحة, وأصبحت امكانية الحصول علي خدمة تعليمية وصحية معقولة رهنا بتوافر قدرة مالية كبيرة لدي المواطن, وحتي عندما تتوافر هذه القدرة المالية, فليس هناك ضمان للحصول علي الخدمة التعليمية أو الصحية المناسبة رغم الإنفاق الكبير عليهما.
التبعية الاقتصادية
يؤكد المؤلف العلاقة الوثيقة بين التخلف والتبعية, فالتبعية هي جوهر التخلف, وغياب التقدم يعني استمرار التخلف وبالتالي التبعية, وتبعية الدولة في المجال الاقتصادي تعني احتلالها مكانا متدنيا في نظام تقسيم العمل الدولي, ومع ضعف التصنيع أو غياب الجهود الجادة للنهوض بالصناعة وعدم وجود قاعدة وطنية للعلم والتكنولوجيا, لابد أن تستمر الدولة في وضعها المتدني طبقا لنظام تقسيم العمل الدولي, وهناك عدد من المؤشرات التي يستند اليها د.العيسوي عند الحديث عن التبعية والاستقلال, وهي انخفاض حجم التجارة بالنسبة للناتج المحلي طوال السنوات العشرين الماضية, وقد تناقصت نسبة المعونات الأجنبية الي الناتج المحلي الاجمالي من02% عام5791 الي6.5% في عام5891 ثم الي3.3% في5991 وواصلت تناقصها الي3.1 في1002, وفيما يتعلق بالمؤشرات العلمية والتكنولوجية, فأمامنا شوط طويل حتي تظهر قاعدة وطنية قوية للعلم والتكنولوجيا, فالتبعية العلمية لاتزال عميقة.
وبالنسبة الي الاكتفاء الذاتي من الأمن الغذائي الذي هو أحد المقومات الأساسية لتأمين الاستقلال الوطني, فقد هبطت نسبة الاكتفاء الذاتي من القمح الذي يعد سلعة رئيسية في سلة الغذاء المصرية, وتدهور نسبة النقص من6% عام0791 الي63% في5791 ثم الي82% في0891 ثم الي02% في5891, لكن استيراد القمح بنسبة4.14% من الحجم الكلي للاستهلاك يؤكد التبعية الغذائية.
أسباب فشل التنمية الرأسمالية في مصر
فشل نموذج التنمية الرأسمالية في مصر في صيغته الليبرالية الجديدة لأن شروط تطبيقه بنجاح لم تكن قائمة في المجتمع المصري, لقد أدت اجراءات التثبيت الاقتصادي الي انكماش كبير, ودخل الاقتصاد في حالة ركود طويل, لم يخرج منها حتي الآن, أما الافتراض بأن انسحاب الدولة من الاستثمار الانتاجي والانتاج المباشر من شأنه ان يفسح المجال أمام القطاع الخاص ويطلق طاقاته, فقد تراجع الاستثمار الخاص مع تراجع الاستثمار العام, وهبط مستوي الأداء الاقتصادي.
كان افتراض أن تحرير التجارة والاندماج في السوق الرأسمالي سيؤدي الي المنافسة التي تحفز النمو وترفع الكفاءة بما يؤدي الي التنمية, لكن الواقع يقول إن الصناعات الوطنية واجهت منافسة غير متكافئة قبل ان تتأهل لدخول السوق.
كان هناك أيضا افتراض بأن تراجع مساهمة الدولة في النشاط الاقتصادي والحد من دور التخطيط وإطلاق المجال امام قوي السوق, يقوي المنافسة التي تعزز التنمية وتحسن الكفاءة, لكن حدث عكس ذلك, فقد أصبح المجال متسعا امام فوضي السوق وقيام احتكارات, وفشل قانون تعزيز المنافسة ومنع الاحتكارات الذي صدر عام5002 في علاج هذه الفوضي.
تناول المؤلف بعد ذلك النتائج السلبية للتنمية الرأسمالية في الدول النامية, وكشف خداع الدعايات التي تتحدث عن نجاح تجارب دول شرق آسيا المعروفة بالنمور, فهذه الدول لم تطبق النظام الاقتصادي الليبرالي طبقا لوصايا واشنطن ونصائح البنك الدولي الداعية الي عولمة الليبرالية الاقتصادية الجديدة, بل اتخذت اجراءات تحمي صناعاتها وفرضت ضرائب علي وارداتها بما يتعارض مع مطالب الليبراليين الجدد, فليس من المنطقي تطبيق قواعد تجارية موحدة علي جميع الدول بغض النظر عن مستوي التطور الذي حققته كل منها وظروف كل دولة, فحقائق التاريخ الاقتصادي لأوروبا وأمريكا تشير الي ان التنمية لم تتحقق هناك علي أساس السياسات التي يوصي بها الليبراليون الجدد الدول النامية أو يفرضونها عليها, لكن التنمية حدثت وتقدم التصنيع وراء أسوار الحماية, ولم تتوقف الدول الصناعية عن اللجوء الي أدوات الحماية من المنافسة الأجنبية, وقد أغلقت كل الأبواب أمام دخول المنتجات الأجنبية الي أسواقها, حتي بعد أن حققت درجة عالية من التقدم الاقتصادي والتكنولوجي, إن دروس التاريخ ترفض منطق الليبرالية الجديدة في تحرير التجارة وإلغاء الحماية والدعم الذي يهدف إلي مساعدة الصناعات الناشئة في الدول النامية علي اكتساب القدرة التي تمكنها فيما بعد من مواجهة المنافسة مع المنتجات الأجنبية.
دول شرق آسيا
يرد الكاتب علي من روجوا لسياسات البنك الدولي, فالنجاح الذي حققته دول شرق آسيا مثل كوريا الجنوبية وتايوان وسنغافورة لم يكن بفعل اعتمادها المفرط علي آليات السوق, بل كان بفضل قيام حكومات هذه الدول باتخاذ عدد من السياسات الصناعية والتجارية والاجتماعية الداعمة للتنمية, وتدخل الدولة في إقامة مشروعات تعمل علي تحقيق تغييرات هيكلية تدعم الاقتصاد, بالإضافة إلي السعي بجميع الوسائل لترويض قوي السوق والتحكم في مساراتها وتسخيرها لخدمة التنمية.
يقول المؤلف( إن البنك الدولي لم يكتف بترويج وهم الاعتماد علي السوق في التجارب الآسيوية, بل منع نشر التحليلات المضادة لهذا التوجه حتي عندما جاءته من قسم تقييم العمليات التابع له, فقد رفض نشر تحليل أشير فيه إلي لجوء حكومتي كوريا الجنوبية وتايوان إلي التدخل بشكل حاسم في عمل الأسواق من أجل إنجاز التصنيع). تجربة شرق آسيا طبقا للاقتصاديين الآسيويين تقول إن الحكومات تستطيع أن تتدخل انتقائيا وبشكل فعال, بما يؤكد أن وصايا الليبيرالية الجديدة وقوانين العولمة غير قابلة للتعميم, لقد أثبتت التجارب أنه لا سبيل لإصلاح فشل السوق سوي بالتدخلات الحكومية,( يؤكد هذا الرأي في اعتقادي تدخل الحكومة الأمريكية لإنقاذ المؤسسات المالية وصناعة السيارات في الأزمة الاقتصادية التي وقعت في عام9002 والتي اهتزت لها أسواق العالم, وتحملت حكومة واشنطن آلاف المليارات ووضعت قواعد وشروط تلتزم بها إدارات هذه المؤسسات, واضطرت عشرات الحكومات الأوروبية للسير في نفس الطريق), وقد صدرت مجلة إيكونوميست البريطانية وعلي غلافها السؤال التالي: هل هي نهاية الرأسمالية وعودة الاشتراكية؟, وكان عنوان غلاف عدد آخر من نفس المجلة يقول: كينز يموت للمرة الثانية.
ينتقل المولف بعد ذلك إلي العولمة التي تسببت في مزيد من التبعية لأمن دول الجنوب, ففي زمن العولمة والهيمنة الأمريكية, أصبح العدوان علي السيادة والمصالح الوطنية معتادا من جانب الولايات المتحدة والتدخل في الشئون الداخلية للدول النامية وكأنه حق طبيعي للقوة العظمي, ووضعت المخططات لإعادة رسم الخريطة العربية من خلال مشروع الشرق الأوسط الكبير, بهدف دمج إسرائيل في المنطقة, وفرضها علي العرب إذا لم يكن بالتفاوض فبالقوة إذا لزم الأمر, وتحت رايات العولمة ودعاوي محاربة الإرهاب ومنع انتشار الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل التي تمتلك أمريكا منها أكثر مما تمتلكه أي دول أخري, اعتبرت أمريكا نفسها صاحبة الحق في تحديد طبيعة الإرهاب ومن هو الإرهابي, ثم أباحت لنفسها شن حرب علي العراق بدعوي امتلاكه أسلحة دمار شامل والذي تبين كذبه, ولم تستطع مصر مصر أن توقف العدوان بل قدمت لها تسهيلات عسكرية, أما دول الخليج فقد تحولت إلي ما يشبه المستعمرات الأمريكية. إن مسايرة الدول النامية للعولمة وقبولها للنموذج الرأسمالي الليبرالي الجديد أضافا مزيدا من التبعية التي أعطت الأولوية لمصالح الأطراف الخارجية علي حساب المصالح الوطنية, فأطاحت بالاستقلال الوطني.
البديل: التنمية المستقلة
يقترح المؤلف نموذج التنمية الوطنية المستقلة الممتدة علي الذات كبديل عن الليبرالية الاقتصادية الجديدة التي أوقعتنا في فخ التبعية الاقتصادية وبالتالي التبعية السياسية, ويرتكز هذا النموذج علي عدد من المسلمات تأكد صدقها من واقع الخبرات العملية لنجاح وفشل التنمية, وهو يرجع إلي كتابات كبار الاقتصاديين أمثال د.إسماعيل صبري عبدالله, ود.محمد زكي شافعي, فيقول إن استقلالية التنمية لا تعني الانكفاء علي الذات أو الاكتفاء الذاتي, فالاثنان يتعارضان مع المنطق الاقتصادي السليم, فجوهر استقلالية التنمية هو توفير أكبر قدر من حرية الحركة للإرادة الوطنية المعتمدة علي تأييد شعبي حقيقي, وفي مواجهة الضغوط التي تفرضها آليات الرأسمالية والمؤسسات الراعية للنظام الرأسمالي, فليست هناك تنمية حقيقية في غياب السيادة الوطنية والعدوان علي هذه السيادة ينتقص من الحق في التنمية, واستقلالية التنمية تعني اعتماد التنمية علي القوي الذاتية للمجتمع, وتأتي في مقدمة تلك القوي القدرات البشرية والمدخرات الوطنية, ولا يعني الاعتماد علي الذات تناقص الاعتماد علي الخارج, فالمعني الإيجابي للاعتماد علي الذات هو تعظيم الاستفادة من القدرات الوطنية بحشد وتعبئة الموارد بهدف تنميتها والقضاء علي التبديد والتبذير والفساد, بما يعزز النمو الاقتصادي, ويسهم في إشباع الحاجات الأساسية للمواطن, فالهدف هو بناء اقتصاد غير تابع وقادر في نفس الوقت علي تحقيق التنمية.
والعولمة ليست كتابا مقدسا إما أن يؤخذ كله أو يترك فالاختلافات في مستويات التطور الاقتصادي والاجتماعي للدول يوجب أن يعطيها الحق في اختيار وانتقاء ما يناسبها من مكونات العولمة, فالدول المتقدمة صناعيا ومؤسسات حماية النظام الرأسمالي يجب ألا تضغط علي الدول النامية لتطبيق قوانين العولمة, والدول الصناعية تعمل دائما وفق معايير مزدوجة طبقا لمصالحها, فهي لا تلتزم بما تطالب الآخرين بأن يلتزموا به! يضع المؤلف بعد ذلك القواعد التي تعتمد عليها التنمية المستقلة المعتمدة علي الذات, وهي:
1 وجود زيادة كبيرة في معدل الادخار المحلي: شرط ضروري لاستقلالية التنمية وتطورها مهما ترتب علي ذلك من تضحيات, فالتنمية التي قدر لها الاستمرار, هي التي قامت علي المدخرات الوطنية, وتراكم رأس المال الوطني, وليت هناك تنمية مع الافراط في الاستهلاك والاستيراد, ويجب عدم تصور أن الاستثمار الأجنبي والمعونات الأجنبية يمكن أن يحلا مكان الادخار المحلي في تحقيق التنمية.
ويعرض المؤلف نماذج لعدة دول حققت قفزات هائلة في التنمية اعتمادا علي جهودها وإمكاناتها الذاتية, ومن بين هذه الدول ماليزيا, وكوريا الجنوبية, وسنغافورة, والصين.
2 أهمية دور الدولة والتخطيط في نجاح التنمية المستقلة: أكدت جميع تجارب التنمية الناجحة أهمية دور الدولة في تحفيز قوي التنمية, بل في صنع التنمية, ويضاف إلي هذا الدور ضبط الاستهلاك والاستيراد بهدف رفع معدل الادخار المحلي, والسيطرة علي الفائض الاقتصادي, والمساهمة المباشرة للدولة في مجالي الإنتاج والاستثمار الإنتاجي عند تنفيذ برنامج متكامل للتصنيع والتنمية الشاملة, فالقطاع العام ركن أساسي في النموذج البديل, فالنهوض بالعلم والتكنولوجيا الوطنية وضمان تكاملها مع متطلبات برامج التصنيع والتنمية مهمة الدولة التي لا يستطيع القطاع الخاص أن يقوم بها بمفرده ولا الاستثمار الأجنبي أو الشركات المتعددة الجنسية التي تحتفظ دائما بالأبحاث العلمية التي تقوم بها مراكزها الرئيسية بالدول المتقدمة( حتي لا تتسرب إلي فقراء العالم الثالث).
3 المشاركة الديمقراطية والتوزيع العادل للثروة والدخل: نموذج التنمية المستقلة يري أن المشاركة الشعبية في اتخاذ القرارات ومتابعة تنفيذها, هي المدخل لتوليد الطاقة المعنوية أو الشحنة الروحية التي لا تتحقق التنمية بدونها. المشاركة حق أساسي للمواطن, وهدف لإنجاز تحولات عميقة في التنمية بوجه عام, والتجارب الناجحة في التنمية شهدت في بدايتها عمليات إعادة توزيع للثروة والدخل من خلال الإصلاح الزراعي وتأميم بعض شركات الصناعة وفرض الضرائب التصاعدية, وتوفير الخدمات والصحية المجانية ودعم السلع والخدمات التي تشبع حاجات المواطنين الأساسية.
4 انضباط علاقات الاقتصاد الوطني بالخارج ضروري للتنمية الناجحة: علي خلاف ما يذهب إليه أنصار العولمة الليبرالية ووصايا واشنطن من أن تحرير التجارة وفتح الاقتصاد وتوجه التنمية للنجاح من شأنه أن يحفز النمو الاقتصادي, وأن الاندماج في الاقتصاد العالمي يجذب الاستثمار الأجنبي والتكنولوجيا المتقدمة إلي الدول النامية, وهو ما لم يقم عليه دليل في الواقع أو تتأكد صحته, فإن نموذج التنمية المستقلة يري أن النمو هو قاطرة التجارة, وليس العكس وأن ما يجذب الاستثمار الأجنبي هو توافر إمكانات حقيقية للنمو في الاقتصاد الوطني من خلال معدلات مرتفعة للاستثمار والادخار, كما أن تحرير التجارة وحركة رءوس الأموال عبر الحدود ورفع الحماية والدعم عن الصناعات الوطنية وتحرير أسعار الفائدة والصرف قبل التوصل إلي تقدم ملموس في بناء الطاقات الإنتاجية للدولة, وقبل تحقيق مزايا تنافسية يعتد بها, يمكن أن يلحق أضرارا فادحة بالاقتصاد الوطني يوقف فرص التنمية.
5 التعاون بين دول الجنوب علي مختلف الجبهات يسهل كثيرا من الصعاب التي قد تعترض التنمية المستقلة: هذا التعاون تفرضه التحديات المشتركة التي تواجه دول الجنوب في جهودها للتنمية في ظل الظروف العالمية الراهنة فالقدرة علي مواجهة هذه التحديات جماعيا أقوي تأثيرا بلا شك من قدرة كل دولة منفردة علي مواجهتها, والتعاون بين الجنوب والجنوب يجب أن يسير في طريقين: الأول هو تنمية القدرة التفاوضية مع الدول المتقدمة والمنظمات الدولية الخاضعة لنفوذها من أجل تعديل الشروط الجائرة والالتزامات المتشددة, والتي اضطرت دول الجنوب قبولها خاصة في منظمة التجارة العالمية من أجل الحصول علي شروط أفضل تناسب ظروفها في مجالات التجارة والاستثمار والملكية الفكرية وقضايا الأمن والتعاون الدولي, وثانيا ما يتعلق بتنمية القدرات الذاتية لدول الجنوب في المجالات الإنتاجية والتجارية والعلمية والبيئية وعبر تجميع المواهب والخبرات والمهارات المتاحة لدول الجنوب وحشدها لإنجاز مشروعات مشتركة يمكن أن يسهم بشكل فعال في تنمية الجنوب وتقليل اعتماده علي الشمال, وفي تعزيز قدرته علي المساومة مع الشمال وشركاته المتعددة الجنسية.
يختتم الدكتور إبراهيم العيسوي عرضه للقواعد التي تعتمد عليها التنمية المستقلة فيؤكد أن هذا النموذج ليس استنساخا للتجربة الناصرية في الخمسينيات والستينيات, كما أنه يختلف عن نموذج النمور الآسيوية, حتي إذا كانت هناك عناصر مشتركة بين النماذج الثلاثة.
وأهم أوجه الاختلاف عن النموذجين للناصري والآسيوي هو أن نصاب المشاركة الديمقراطية كان غائبا في هذين النموذجين, بينما له حضور قوي في التنمية المستقلة كما أن التنمية في النمور الآسيوية, بدأت بدعم من الغرب بصفة عامة, ومن الولايات المتحدة بوجه خاص, بينما واجهت التجربة الناصرية حالة من التربص والعداء الذي وصل إلي المواجهة العسكرية من جانب القوي الرأسمالية الكبري, ونموذج التنمية المستقلة يجب أن يضع في الاعتبار الاستفادة من الدروس التي أسفر عنها تطبيق النموذج الناصري, وتفادي الأخطاء التي وقع فيها.
انتهي كتاب أو رؤية الدكتور إبراهيم العيسوي لنموذج التنمية الاقتصادية البديل بهدف تصحيح أخطاء الماضي وإصلاح ما أفسده المفسدون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.