وصل الامر فى نهاية حكم المخلوع (2)، إلى استقالة البعض من المواطنة، أو القفز فى البحر، بهدف الوصول إلى الشاطئ الأوروبى، او الغرق، واختار البعض دفن احلامه فى مشروع للهجرة، لكن مع فجر ثورة 25 يناير المتعثرة، فتح باب الأمل، فى بناء دولة مدنية حديثة، فهل سينجح المصريين، بعد ان كانوا فى طريقهم إلى الاستقالة الجماعية من المواطنة، لصالح الحلول الفردية، حين اتجهت شرائح من الشعب الى العشوائيات، سواء مكانا للسكن او التفكير والسلوك. وعلى الرغم من اننى رأيت أعداء الثورة فى الشوارع، رأيت اعداء الثورة يتسللون إلى الميادين، رأيت اعداء الثورة فى الدواوين، على مكاتب الحكومة التقليدية، رأيت اعداء الثورة فى الاعلام بعشواءيهم، رأيتهم يجافون فى كلامهم كل القيم الانسانية التى تنادى بالتغيير العادل، رأيتهم عشوائيون، الفهلوة سلاحهم، رأيت اعداء الثورة وسكين الغدر خلف ظهورهم. فى الوقت الذى تلقيت دعوة من هيئة قصور الثقافة، للمشاركة فى مؤتمر المواطنة وبناء الدولة الحديثة، فأيقنت ان الثورة مستمرة حتى تحقيق المشروع المصرى فى التقدم والنهوض. جاءت مشاركتي فى المؤتمر فى سياق محور تجليات المواطنة فى الفنون، فاذا كانت الدولة المدنية، تتشكل من مؤسسات نيابية تشريعية رقابية، واجهزة تنفيذية امنية، ومؤسسات اهلية، وارادة وطموح للبناء. من هذا المنطلق تكون مهمة الدولة المدنية الديمقراطية الليبرالية الدستورية المحافظة على كل أعضاء المجتمع بغض النظر عن القومية والدين والجنس والفكر. فهي تضمن حقوق وحريات جميع المواطنين باعتبارها دولةَ مواطنة، تقوم على قاعدة ديمقراطية هي المساواة بين المواطنين فى الحقوق والواجبات. فى المقابل نجد الإبداع دولة، بها وزارة للخارجية والداخلية، والدفاع، والعدل، فالعملية الإبداعية، نشاط أنساني، يسعى لتجاوز الزمان والتعبير عن المكان، لمخاطبة العائلة البشرية، بهدف ان يصب فى تراث أنساني، لذلك نشاط المبدعين يناهض التميز، باعتبارهم حراس الوطن، والمبشرين بالمثل العليا، والعدل. عندما جسد محمود مختار، الفلاحة فى تمثال نهضة مصر لم يحد هويتها العقائدية، عندما تشكلت الجماعات الفنية التى ظهرت على الساحة الثقافية، بداية عشرينات القرن العشرين، رسمت خريطة بحجم الوطن، وسعت إلى الحرية، باعتبارها مطلب المبدع، ووضع النشاط الفنى التشكيلي، ضمن المكونات الاساسية للشخصية المصرية المعاصرة، ووصل ما انقطع مع التاريخ. فيما اشتركت الجماعات الفنية، فى الاجابة على سؤال الهوية، بداية من جماعة الخيال، فى عشرينات القرن 20، التى اسسها محمود مختار، وضمت العقاد، مي زيادة، عبد القادر المازني، فيما نبتت جماعة الفن والحرية فى مناخ شهد هذه الإشارات التقدمية التى تخترق الجدار الصلب للمفاهيم التقليدية، فى تماس مع جماعة الفن والخبز فى باريس. وظهرت جماعة الفن والحرية من رحم مجتمع قاهري يشهد صراعا بين تيارين فى الحركة الفنية. التيار الأول يمثله الرعيل الأول من خريجي مدرسة الفنون الجميلة (محمود مختار ورفاقه)، أما التيار الثاني فيمثله خريجو مدرسة المعلمين العليا الذي كان يتزعمه حبيب جورجي ونظرياته في التربية الفنية وهو التيار الذي أجتذب مدرسي الرسم في مدرسة السعيدية.. يوسف العفيفي وشفيق رزق، بالإضافة إلى المفكرين حامد سعيد وحسين يوسف أمين. ولان مصر كانت ليبرالية فى الاربعينات انفردت جماعة الفن المصري الحديث أنها جمعت وهى تبحث عن شخصية فنية مصرية مستقلة بين مسارين: الأول مستقل، بطابع قومي يميز الفن المصرى، لكن من خلال الأساليب الغربية الحديثة، ويمثل هذا الاتجاه عز الدين حمودة، يوسف سيده، زينب عبد الحميد، صلاح يسرى، أما المسار الثانى، يمثل حامد عويس، وجاذبية سرى، فقد كان فناني هذا الاتجاه يبشرون فى أعمالهم بالواقعية المصرية الحديثة فى الفن. استطاعت الحركة التشكيلية المصرية عبر تاريخها انتزاع حرية الحركة، والتعبير، فقد اعتقل الجزار بسبب لوحة الجوع، وكذلك انجى افلاطون، وعز الدين نجيب، كل ذلك قبل ان يكون هناك نقابة، تجعل من الفنانين مطالبين لامتيازات فقط. ولأننا فى عصر الصورة بامتياز، فقد سعت الصورة إلى الحقيقة، فى مقابل التضليل، سعت الصورة لنقل الواقع كما هو بدون تزييف، وشكلت الصورة فى وعى الفنانين، فبشروا بواقع جديد، وتبنوا فى اعمالهم الفنية سبل النقد الاجتماعى، والسياسي، كما ساهم الجرافيك فى نشر صور تعكس رؤى وحدة المجتمع، وكانت بداية هذه المسالة بعد حادث كنيسة القديسين مباشرة، وظهرت صور الجرافيك، لمأذنة تعانق منارة، وفى الثورة انتقلت الصورة الى الواقع، لكن عندما انتبه اعداء الوطن، لهذه اللحمة، ارادوا خدش الصورة. جاء صالون الشباب الذى افتتح لأول مرة عام 1989، ليطرح رؤية لدخول الفن عصر الحداثة، وما بعدها، سواء بتشجيع تلك الاتجاهات، واضافة فروع فنية جديدة، جانبا الى جنب مع ما هو متعارف عليه، وخاصة فنون الميديا، او بدفعه لمفاهيم جديدة، تتعلق بشروط التسابق وكتابة عقد جديد، لعلاقة الفنان بالإبداع. بخلق مسارات للشباب بما يمتلك من طاقة وقدرة وخيال، يجعلهم مؤهلين لتحمل المسئولية المجتمعية، للمشاركة فى صناعة المستقبل والتقدم ناحية دولة حديثة عصرية. يبقى ان المسئولية الوطنية تدعو إلى ان قراءة المشهد الآن، مسئولية تاريخية، والمراجعة واجبة، واختيار خريطة طريق للمستقبل هدف، والمشاركة فى التحول الديمقراطي، ضرورة لان ابرز عناصر المشهد الآن، ان مصر راغبة فى التغيير. http://www.facebook.com/notes/sayed-hewedy/%D8%AF%D8%B9%D9%88%D8%A9-%D9%84%D9%84%D8%AA%D8%A3%D9%85%D9%84-%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%84%D9%89-%D9%87%D8%B0%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%A8%D9%88%D8%B9/10150443088673343