«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عملية الإصلاح فى العالم العربى
نشر في شموس يوم 08 - 12 - 2015

إن أولى الحقائق في هذه المرحلة الحرجة التي يمر بها العالم العربي وأطلق عليها مرحلة التغيرات وليست مرحلة الإصلاحات، كما كانت تسمى منذ زمن غير بعيد، هي أن تنتقل الشعوب العربية فيها إلى العصر العالمي الجديد للشعوب الحية والحرة القادرة على الإمساك بمصائرها، على أن تكون المؤسسات العسكرية في العالم العربي هي موطن القدرة في فكرة الدول العربية وأساسها، وليست أداة تحت سلطات عربية قد تظهر على الساحة العربية أو أن تكون دائما في هذه المرحلة الحرجة التي يمر بها العالم العربي.
مرحلة التغيرات حكما فاصلا بين الشعوب العربية، أصل الشرعية ومصدرها بين السلطات الحاكمة، وهذا في حالة حدوث أي طارئ سياسي حتمي، حيث تصبح فيه الشرعية ليست في موقع الحاكم حين تقوم هذه الشعوب بنزع الشرعية عن السلطات الحاكمة وتصبح هذه السلطات لا تملك الشرعية وغير قادرة على إصدار قرارات واضحة المعالم وواجبات التنفيذ في بلدانها. وتقوم الجماهير العربية بمسك الشرعية في يدها والبحث عن قوة سياسية جديدة وناضجة تستطيع أن تمد جسرا يملأ الفراغ بين الشرعية والسلطات، هذا في وقت الكل يعرف فيه أن القوى السياسية في العالم العربي لا تبدو قادرة، فالمعارضة السياسية في العالم العربي قد ذبلت منذ السبعينيات، حيث نستطيع أن نقول إن منذ ولادتها ولدت ذابلة، فلو كانت المعارضة في العالم العربي قادرة على أن تعارض الأنظمة لما كانت هناك مظاهرات ومسيرات في كثير من البلدان العربية مطالبة بالإصلاح من قبل، واليوم ها هي تطالب بالتغيير، فالكل يعرف أن الأحزاب السياسية في العالم العربي كانت عاجزة عن إزاحة الاستعمار.
أما اليوم فقد عجزت عن وقف الفساد، ولم تستطع المعارضة أن تمتلك الشجاعة لإثبات وجودها وفاعليتها وظلت على حافة الأنظمة وعلى هامشها منذ السبعينيات، أقول هذا لأن العالم كله، القريب والبعيد، والصديق والغربي، أصبح طرفا موجودا في الأزمة السياسية التي تعيشها بلداننا العربية ومؤثرا فيها، هذا في الوقت الذي أصبح فيه يرى العالم كل يوم تولد شرعية جديدة في بلد عربي معين، فأخذ يتابع وهو مبهور بحركة هذه الشعوب ولا يعرف أي شيء عن هذه الشعوب، التي هي منشغلة بما هي فيه ومستغرقة في عملية استكمال مهمتها التي أخذتها على عاتقها، وقد نادى إليها قلقها على أحوال أوطانها التي دعتها لنصرتها في وقت تراجعت فيه القوى الوطنية في كل بلد عربي. ورأت هذه الشعوب أن مستقبل بلدانها بيدها وليس بيد أحد، فالشعوب العربية اليوم حرة وهي قادرة على فعل المعجزات إذا ما تحوّلت الكلمات الجامدة (الإصلاح والتغيير) إلى أفعال حية مثل إصلاح البيوت وتعديل القوانين والمناهج التعليمية والحوار الداخلي والحوار مع الآخر وتغيير الأنظمة والمشاركة السياسية والديمقراطية وحقوق الإنسان وتعميم الديمقراطية، فهذه الأفكار وهذا التحرك سيدخل حيوية وديناميكية في مجتمعاتنا العربية إذا توفرت النيات الصادقة وتضافرت الجهود من أجل تحقيق التغيير المنشود والمصالحة الوطنية في كل بلد عربي، وحل المشاكل العالقة وإزالة أسباب التخلف ومعالجة مواطن الضعف، وهذا ما يفرض قوانين لكل انطلاقة وضوابط وشروط لكل تغيير وجدول أعمال ومواعيد وآلية تنفيذ لكل خطوة حتى تحقق هذه الشعوب ما تصبو إليه:
أولا: إن أي تغيير أو إصلاح يجب أن ينبع من الداخل أي من صميم المجتمعات العربية حسب خصوصياتها وأوضاعها وعاداتها وقيمها، ومع مبدأ ثابت هو عدم الخروج عن مبادئها وفرض مبادئ غريبة عن مجتمعاتها لأنظمة ومبادئ لا تستورد. فلقد عانينا خلال القرن الماضي من أخطاء استيراد المبادئ والأنظمة المعلبة والقوانين الجاهزة، فلا الرأسمالية كانت مفصلة على الجسد العربي ولا الشيوعية تماشت ومزاجات الشعوب العربية ولا الاشتراكية جلبت لهذه الشعوب الصحة والقوة والسعادة وحتى الديمقراطية الغربية التي جُربت في كثير من البلدان العربية لا يمكن أن تنجح في البلدان العربية، لأن شروطها ومتطلباتها غير متوفرة، ومن بين هذه الشروط غير المتوفرة الوعي السياسي من جهة، وعدم وجود أحزاب سياسية فعالة وقادرة على خوض الانتخابات بنزاهة، وتسلم الحكم باقتدار بعيدا عن الخصومات والمزاجات الشخصية، هذا مع عدم وجود برامج عملية واضحة متفق عليها تتناول كل مرافق الحياة العامة والسياستين الداخلية والخارجية في كثير من البلدان العربية.
ثانيا: إن أي تغيير أو تعديل أو إصلاح لا يمكن أن يتحقق في ليلة وضحاها، بل لا بد من التأني والصبر، وهذا ما يتطلب اعتماد المرحلية في عملية التنفيذ لأي برامج واضحة وجداول زمنية تحدد الأولويات والنقاط التي لا خلاف عليها بين جميع شرائح المجتمعات للبدء بتنفيذها، ثم بعد ذلك الانطلاق في النقاط والقضايا المختلف فيها. ولا بد في هذا المجال أن يكون هناك تعميم للوعي وتوسيع لنطاق الحوار من المدرسة إلى العمل، إلى الجامعة، إلى المسجد وصولا إلى البيت عرين الشباب الذين تعلق عليهم آمال مستقبل الشعوب العربية.
ثالثا: إن أي إصلاح أو تعديل لا يمكن أن يحقق أهدافه إذا لم يتزامن مع رفع عجلة التنمية الاقتصادية والمالية والاجتماعية والثقافية، وحل المشكلات التي أصابت المجتمعات العربية مثل البطالة والتخلف وضعف المناهج والتعليم وعدم مواكبة روح العصر والقوانين المعرقلة للنمو والمبادرة الفردية وحرية العمل والاستثمار والقضاء على الأمية من جذورها، ولا بد من التركيز على دور الشباب في المشاركة في إيجاد الحلول والحوار، لأنهم عماد المستقبل وحملة شعلة الأمل، علما بأنهم يشكلون أكثر من 70 في عدد سكان العالم العربي، ولا بد من توفير فرص عمل لهم وبناء شخصيتهم على أساس التوفيق بين معادلتي العلم والإيمان.
رابعا: أي إصلاح أو تعديل أو تغيير لا يستند إلى مبدأ العدالة وسيادة القانون ومساواة الجميع أمامه لا يمكن أن يحقق أي نجاح بل سيؤدي إلى الفشل والإحباط، فالعدل هو أساس الملك.
خامسا: إن أي إصلاح أو تغيير يجب أن يتم بالتوافق والحوار والتفهم والتفاهم والإعتدال والوسطية وليس بالوسائل غير المشروعة، وقد قاست كثير من الشعوب العربية الأمرين خلال العقود السابقة ودفعت ثمنا باهظا وغاليا.
سادسا: لا يمكن تحقيق أي إصلاح أو تغيير بمعزل عن المحيط العربي، وهذا يتطلب العمل على إصلاح البيت العربي في وقت واحد مع إصلاح البيت الداخلي لكل بلد عربي، وهذا بإتخاذ حلول للقضايا العربية وحل المشكلات والخلافات بين الدول العربية وتحقيق إتحاد عربي وبعده تحقيق تكامل إقتصادي بين المجتمعات العربية.
سابعا: لا بد من الانفتاح على العالم الخارجي بحكمة ومرونة وتعقل انفتاح بأخذ شكل التدرج، حيث تتسارع خطواته مع الدول والمجتمعات القريبة منا والمتفهمة لأوضاعنا ومعرفتنا معرفة جيدة بأننا ندعو إلى المحبة والسلام والمساواة والعدل، فهذا هو الطريق طريق الخروج من النفق المظلم والسبيل الأمثل لعالمنا العربي في هذه المرحلة مرحلة هبوب رياح التغيير0
هل أصبحت الشعوب العربية مقتنعة بالتغيير؟
إن المسيرات التي ظهرت في الشارع العربي، هي تعبير عن المطالبة بتغيير سياسي يعتبر عاملا سياسيا صعبا، وسيكون في المستقبل ضروريا وصعب الاعتراف بالواقع الذي سيرافقه اعتراف قانوني، خاصة وأن القوى الشعبية أصبحت ظاهرة عالمية، وهذا ما يؤدي إلى ظهور منظمات خارج الإطار الشرعي، ويفرض فهما لهذه الظواهر، خاصة وأن هناك تغييرات داخلية ضرورية ومنافسة حميدة مع أنها جاءت متأخرة، ثم إن هذه التحركات جاءت لإثبات الوجود والعمل السياسي، وحتى بالنسبة للجماعات الإسلامية التي كانت أيام أحادية الحزب في البلدان العربية التي تعتبر أنظمة الحزب الواحد والرأي الواحد الذي له حق القول، هو واحد، والآخرون عليهم أن يسمعوا ويوافقوا أو ينافقوا. أما هذه المرحلة، فلا ينجح معها الكبت وإسكات أصوات الشعوب بالقوة بفرض مرحلة جديدة، ونعني بها حشد هذه الشرائح وتوجيهها سياسيا واجتماعيا نحو مرحلة الإصلاح، هذا من جهة. ومن جهة ثانية، فإن الدين عقيدة ومناهج يجب أن يحترمه الجميع، والدين والسياسة هما مسألتان عالميتان، والدين يلعب دورا أساسيا في الحياة السياسية، لأن تجربة القضاء على الاتجاه الإسلامي باءت بالفشل، فالإتجاه الإسلامي أصبح مرتكزا على النهضة وأسلوبا للحياة، خاصة وأن الأحزاب الإسلامية هي في حقيقتها أحزاب مدنية بعيدة عن الثغرات الجهوية وحتى الدينية، ثم مطالبة الشارع العربي بالتغيير، الذي أصبح مطلوبا بعدم رفض القوى الشعبية الأخرى أو رفض مشاركة المجتمع في التغيير. كما أن لهذا التغيير وهذه التحركات في الشارع العربي، علاقة بالضغوطات الأمريكية من جهة، والاختلاف القائم بين مصالح الشعوب الإسلامية والأنظمة الحاكمة في هذه البلدان، هذا من جهة. ومن جهة ثانية، فإن الإختلاف بين مصالح الشعوب العربية ومصالح الولايات المتحدة الأمريكية كان سببا في تأخر مطالبة الولايات المتحدة الأمريكية بالتغيير وإحداث الإصلاح، وما على الدول العربية إلا أن تتوب وتعود إلى شعوبها وتسلم لها الأمر لتختار من يقودها ويمثلها بكل حرية، والشيء الملاحظ هو التحركات الكثيرة لوزيرة الخارجية الأمريكية لتمييع ما تعانيه الولايات المتحدة الأمريكية في أفغانستان والعراق، والمأزق الذي أوقعت نفسها فيه، خاصة وأن الشعب العراقي ضد التدخل الأجنبي في شؤونه الداخلية وضد الهيمنة الأمريكية ذات السياسة التسلطية، ولا يمكن للبيت الأبيض أو الإليزي فرض ضغطهما على الشعوب العربية.
فالشعوب العربية قادرة على إيجاد عقد اجتماعي يجمع أبناء الوطن في بلدهم العربي خاصة، والكل يلاحظ ذلك التغيير الذي حدث في تونس الشقيقة في انتظار دول شقيقة أخرى الداعية إلى الإصلاح وزيادة مؤيديها خاصة التنسيق بين هذه الفئات الاجتماعية والقيام بإصلاح اجتماعي وسياسي واقتصادي وقضائي، لأن التجميد لا يقبل بالتغيير، خاصة وأن في كل دولة جمود وقيادة عجوز لا يمكنها القيام بالتغيير، وإذا ما حاولت القيام بالتغيير فإنها ستحظر في تحركاتها، لأن كل شيء في عالمنا العربي متوقف، هذا في وقت العالم من حولنا غير متجمّد، وحتى إذا أردنا الآن التحرك فإننا سوف نتحرك ببطء وخططنا لا تكون في مستوى تحرّك غيرنا، بل تكون بأقل ما هو ضروري. إن هذا العجز عن الحركة أوجد فجوة دخل منها الغير، لأن الأقدر على الحركة هو الذي يتحرّك، ونحن تركنا الساحة فارغة، فتحرك فيها غيرنا وملأ الفراغ وأصبح يقرر محلنا، هذا النوع من التجمّد منع الحيوية الاجتماعية من الحركة وإيجاد أفكار جديدة وجيل جديد خلال العقود التي مضت، فبقاء زعماء العرب في الحكم لثلاثة عقود أو أكثر كان استمرارا للتجميد، لأن البقاء في الحكم والسلطة أكثر من اللازم، والخوف من التغيير من جهة ثانية، كانا السبب في هذا التجميد وهذا الوضع الذي تعيشه الشعوب، وهذا ما يجعلنا نقول في هذه اللحظة الحرجة التي تعيشها الشعوب العربية ويمكن تسميتها بلخطة التغيير إن:
من شعبية القضية في كل بلد عربي، لأن الشعوب وحدها القادرة على حل مشاكلها ولا تستطيع الأنظمة المعزولة عن شعوبها أن تنهض بمسؤولية تحرير أنفسها وتحرير أراضيها، وعلى رأسها الأرض المقدسة في فلسطين، فالشعوب العربية مفروض عليها في هذه المرحلة إثبات وجودها أمام اليهود وضرورة النهوض بمسؤولياتها0
إلغاء معادلات التبعية: لأنه من المسائل الحادة والمثارة على مسرح قضايانا هي فكرة تبعية قضايانا إلى قوة من القوى الكبرى، وهذه الفكرة تنطلق من هزيمة داخلية ومن عدم التقييم الصحيح لطاقات شعوبنا، إن لم تكن منطلقة من عمالة مطلقة، ومن هنا فمن حق الشعوب العربية اليوم أن تتحرك وتخلص نفسها من قوى الشر وأيدي الأشرار، وأن لا تقعد عن العمل حتى يقوم آخرون من الخارج بتخليصها، إذن فلا بد أن تتحوّل من الخوف إلى الشجاعة ومن اليأس إلى الإطمئنان، ومن التفكير في الذات إلى التفكير في المصلحة العليا للأمة العربية، ومن التفرقة إلى التجمع، وهذا التغيير الإعجازي يؤدي إلى حل مشاكلنا الكبرى التي أجمع الأعداء على استحالة حلها0
لا خوف من العزلة: العزلة عن القوى الاستعمارية تؤدي إلى نمو شخصيتنا العربية وقطع تبعيتنا لغيرنا والاعتماد على أنفسنا في استمداد العزم منها، لأننا إن لم نعتمد على أنفسنا، فإن فخ الدول الاستعمارية سيطبق علينا إلى الأبد، ومن هنا فلا بد من استمداد العزم من أنفسنا للقضاء على الهيمنة الاستعمارية0
الوحدة مقدمة ضرورية: الأمة المتفرقة والشعوب المتنافرة غير قادرة على أن تعمل أي شيء، فهذه المسألة البديهية هي أهم خطوة عن طريق تحرر شعوبنا العربية من البراثن الاستعمارية، مع أن مقدمة الوحدة موجودة بأجمعها بين أبناء الشعوب العربية، غير أن الموانع المتمثلة في الدرجة الأولى بالأنظمة الحاكمة التي تحول دون تحقيق هذه الوحدة، فهذه الأنظمة تعيش في صراع مع بعضها بسبب انتماأتها الاستعمارية المختلفة وخضوعها لألاعيب السياسة الدولية المخادعة، مما أدى بها إلى هذه الحالة المزرية التي تعيشها شعوبها الثائرة اليوم. كما أن هذه الأنظمة أصبحت اليوم تعيش في صراع مع شعوبها بسبب انفصالها عن الجماهير وابتعادها عن آمال شعوبها وآلامها، وأن ما أصابنا له سببان هما:
مشكلة الدول العربية مع بعضها، ومع الأسف لم تستطع هذه الدول أن تجد حلا لها ولخلافاتها، بينما يعرف الجميع أن هذه المشاكل ناتجة عن هذه الخلافات0
الانفصال بين الجماهير والحكومات، لأن الحكومات تعاملت مع الجماهير بطريقة تخلت معها الجماهير عن دعم الحكومات، فمن المفترض أن تحل المشاكل بيد الشعوب، ولكن انعدام الثقة والتفاهم بينها أدى إلى تفاقم مشاكل الدول العربية وجعل شعوبها بعيدة عن تحمّل أعباء هذه المشاكل لعدة عقود.
رفض مؤامرات المماطلات السياسية: القضايا العربية إذا ما أصيبت بالألاعيب والمماطلات السياسية هذه في أزقة عصبة الأمم ومنظمة الأمم المتحدة والمؤتمرات والمحادثات والاجتماعات والخطابات إلا بالعمالة والخيانة التي إتصف بها بعض ملوك ورؤساء هذه الدول، وهذا ما جعل صبر الشعوب ينفذ وأصبحت ثائرة على قياداتها في بعض البلدان العربية، ومازالت الأيام والشهور والسنون ستكشف الكثير من المستور0
رياح التغيير تهب على العالم العربي:
أغلب ظني أن ما يجري في بعض بلدان العالم العربي هذه الأيام يمكن أن يكون جرعة من مصل يزيد الشعوب العربية حصانة لرفض كل أنواع حكم الفرد ويضاعف من حصانتها للتمسك بأن حكما ديمقراطيا تكون السيادة فيه للشعب وتكون حرية الإرادة والفكر والتعبير حقا مقدسا لكل مواطن لا يتعدى عليها أحد ولا يصادرها أحد، وفي ظني كمواطن عربي أن أي شعب مهما كان حظه من التقدم والنضج، يمكن أن يتعرّض في مرحلة من مراحل تاريخه لتجربة أو تجارب تسلب فيها الحرية باسم الحرية وتغيب فيها الديمقراطية باسم الديمقراطية، وتكتب فيها إرادة الشعوب باسم إرادة الشعوب، حدث هذا في كثير من البلدان منها فرنسا البلد الذي استعمر فترة قصيرة بعد ثورتها الشعبية، ثم بعد ذلك استعاد الشعب الفرنسي وعيه واستخلص إرادته، ولم تعد تلك السنين أكثر من ذكريات سوداء في تاريخ الشعب الفرنسي، ومجرد جرعة من مصل تعصمه من أي انزلاق آخر، وحدث هذا أيضا في بلد كألمانيا مع ما يتمع به شعبها من حضارة وتقدم أيام "هتلز' ثم آفاق الشعب الألماني بعد الكارثة، وخرج يبني بلده من جديد في ظل ديمقراطية حقيقية جعلت منه خلال عدة سنوات إحدى القوى الاقتصادية والصناعية الكبرى في العالم، ومثل فرنسا وألمانيا بلدان كثيرة أوروبية وعربية إلا أن الشعوب الأوروبية قد أفاقت بعد الكوارث التي أصابتها، أما البلدان العربية فلا زالت تئن تحت هذه الكوارث. وفي ظني أن الشعوب العربية، وربما على ثقة بأنها ستكون السباقة إلى هذه الاستفاقة، وستكون مثالا لبقية شعوب العالم الأخرى كما كانت السباقة إلى إعطاء القدوة في التحرر والاستقلال، والأيام القادمة ستكشف عن هذا. لذا، أقل هذا عن ثقة وليس مجرد تمني أن تجربة الشعوب العربية تصلح أن تكون جرعة من مصل تقود شعوب عالمنا العربي إلى أملها في غد مشرق بدلا من أن تجره إلى هاوية اليأس أو خطيئة اللامبالاة، مع أنني أعلم أن الكثير من أبناء الوطن العربي تحت ضغط الحملات الإعلامية المكثفة والموجة العربية والعالمية. قد أوشكوا أن يفقدوا الأمل في جدوى الإصلاح بالنظام الديمقراطي، وراح البعض من هؤلاء يمد بصره إلى الماضي السحيق أو الغرب البعيد باحثا عن وصفة تحقق آمال الشعوب العربية، وتوقف تيار التدهور والانحطاط الذي تنحدر إليه يوما بعد يوم.
لكنني مازلت على ثقة بأن الأمر لا يحتاج إلى بعث تجارب الماضي، والتعلق بأفكار لا تصلح أكثر من مادة للجدل النظري، فإذا وضعت موضع التطبيق الفعلي تهاوت وفشلت أمام واقع الحياة وواقع التطور، ثم إن الأمر في رأيي لا يحتاج لأكثر من شيء من المنطق يقود أبناء العالم العربي إلى مناقشة حرة وواعية وتحليل عقلاني يصل بهم في النهاية إلى وضع أساس متين وواقعي يقوم عليه بناء ثابت ومستقر بعد أن غاب المنطق أكثر من خمسة عقود من الزمن وغابت معه الحقيقة، شريطة أن تتحرر من خطأ الدعاوي الزائفة التي تروّج من طرف الكثير من أنصاف المثقفين بأن المستوى الثقافي والحضاري للشعوب العربية لا يسمح لها بتطبيق النظام الديمقراطي الكامل، بأن تطبقه دفعة واحدة، إنما لا بد أن يكون هناك ارتباط في المسؤولية، فيكون المنفذون مسؤولون لدى المشرعين، وهؤلاء مسؤولون لدى الشعوب على أن تعرف الشعوب العربية بأنها صاحبة الشأن كله، وتعرف أن تراقب وأن تتقاضى الحساب، هذا مع التأكيد على أن الحرية السياسية هي الشرط الأول لبناء الشخصية السوية القادرة على النهوض من الكبوة الحضارية التي تحياها الشعوب العربية في الوقت الراهن، وهذا معناه أن الحرية السياسية هي الضمان الجوهري للخروج من محنتي التخلف والتبعية، وهي أساس العودة إلى الذات. كما أن عملية التطور والتقدم لا يمكن تحقيقها في غياب احترام حقوق الإنسان العربي، وذلك أن الإنسان العربي هو قطب الرحى الذي تدور حوله كل الأهداف وتحقق من أجله كل المنجزات، وتعد في سبيل تكوينه وتنشئته وإعداده مختلف الخطط والبرامج والمناهج، تلك هي الحقيقة التي يجب أن يعلمها كل مسؤول في العالم العربي، وأن يؤديها كل عربي ويعمل في ضوئها، هذا من جهة. ومن جهة ثانية، لا ننسى بأن الإنسان هو أداة التنمية وصانعها، وهو إلى جانب ذلك هدفها وغايتها، وبقدر ما تتمكن التنمية بمختلف أساليبها ووسائلها من توفير الحياة الكريمة للفرد والمجتمع، بقدر ما تكون تنمية ناجحة جديرة بأن يسعد القائمون عليها ويفخروا بنتائجها الجيدة ويعتزوا بآثارها الطيبة، ذلك ما يجب أن يؤمن كل عربي ويسعى إلى تحقيقه دائما على أن تكون بداية الانطلاق في السير بخطى واثقة قادرة على طي المسافات وقطع المراحل والانتقال من نصر إلى آخر، ومن إنجاز إلى آخر تحقيقا لآمال أبناء العالم العربي وضرب الأمثلة في كل مناطق العالم العربي بالمواقف الشجاعة والسياسة الناجعة والممارسة الواعية على كافة المستويات، وبفضل توفير الإرادة الصلبة والفكر المستنير من أجل نهضة عربية حديثة عبر تضافر الجهود بين أبناء العالم العربي المخلص تتخللها في الواقع تضحيات كبيرة ومعاناة شاقة لتجاوز مرحلة البداية بكل تحدياتها ومشاكلها السياسية والاقتصادية والاجتماعية المحلية والإقليمية والدولية. وهكذا، فخلال سنوات معدودة يستطيع العالم العربي ءإن شاء اللهء أن يتخطى أسوار العزلة وفجوات التخلف وعقبات الصراع والتنافس الدولي في واحدة من أكثر مناطق العالم أهمية، منطقة الشرق الأوسط، ويتمكن هذا العالم أن يشكل عناصر قوة عصرية فاعلة تنهض على سواعد أبنائه، ويشعر فيها المواطن العربي بدوره وإسهامه في البناء الوطني وفي عالمه العربي من ناحية، وبثقة في يومه وغده ومستقبل أبنائه من ناحية ثانية، فضلا عن استعادة مكانة العالم العربي في المحافل الدولية وبين الأمم والشعوب، وهذا ما يوجب على أبناء العالم العربي الارتكاز على رؤية استراتيجية متكاملة تنصهر فيها عناصر القوة الكامنة في الشخصية العربية مع عوامل القوة بالغة الأهمية في التاريخ والحضارة والتراث العربي.
وفي هذا الإطار، تتفاعل الجهود وتلتقي الأيدي العربية في وحدة عربية قوية وصلبة يشد عودها ويشيّد بنيانها رجال مخلصون، وهنا ستتجلى عبقرية أبناء العالم العربي المخلصين في المساهمة والمشاركة والعطاء والإبداع، وتحمّل المسؤولية العربية وإرساء قواعد المشاركة العربية المستمرة والواسعة النطاق في مسؤولية البناء، حيث تصبح الدول العربية وشعوبها كالجسد الواحد، إذا اختل منه عضو إختل الجسد كله، لذا يجب أن يهدف أبناء العرب إلى أن تكون خطتهم في الداخل بناء بلدانهم العربية ويوفرون لجميع شعوبهم الحياة المرفهة والعيش الكريم، وهذه غاية لا يمكن تحقيقها إلا عن طريق مشاركة أبناء العالم العربي في تحمّل أعباء المسؤولية ومهمة البناء مع فتح الأبواب للمواطنين في العالم العربي للوصول إلى هذه الغاية، هذا مع العمل على تثبيت حكم ديمقراطي عادل في كل البلدان العربية، وفي إطار الواقع العربي، وحسب التعاليم والثوابت العربية التي تنير السبيل دائما، فعبر هذه الرؤية الاستراتيجية المبكرة اليوم تتكرس وتستمر وتتسع عملية المشاركة والدور الذي يلعبه أبناء العالم العربي في عملية البناء والتنمية وتوجيهها وتحقيقا لمزيد من فعالية هذه المشاركة وزيادة آثارها، يجب أن يحظى المواطن العربي برعاية واسعة النطاق تعليميا وثقافيا واجتماعيا، وفي مختلف المجالات كذلك، ليكون قادرا على القيام بدوره كشريك في عملية البناء العربي.
وهكذا يجب أن تمضي كل خطوات العمل جنبا إلى جنب في جهود متوازنة ومنتظمة في مجالات التنمية المختلفة لتحقيق المزيد من البناء والتطوير ولتعزيز نعمة الأمن والأمان لهذه الشعوب الأبية التي تعتز بماضيها العريق وتتباهى بحاضرها المشرق، وتخطو بثقة وتفاؤل نحو مستقبلها الواعد المضيء في ظل الرعاية الكريمة والعناية السامية، لأن الهدف الأول والأخير اليوم هو أن نبني بلداننا العربية ونوفر لجميع أهالينا الحياة المرفهة والعيش الكريم، وهذه غاية لا يمكن تحقيقها إلا عن طريق مشاركة كل أبناء العرب في تحمّل أعباء المسؤولية ومهمة البناء، وفي الأخير يمكن القول أن بناء الوطن العربي في حاجة إلى عمل أكبر وجهد أكثر وتفان في خدمة العالم العربي أشد وأظهر، فالعالم العربي في حاجة إلى المزيد من البذل والعطاء والتضحية والعمل الجاد المثمر البناء من قبل الشباب العربي المتشوق إلى آفاق المجد، وهو مدعو اليوم أن يتخذ من أجداده الميامين قدوة طيبة في الجد والعمل والصبر والمثابرة، كما أنه مطالب بأن يسهم بقدر طاقته في إيجاد البيئة الملائمة والنزيهة الصالحة للإنطلاق نحو المستقبل الواعد الذي يتطلع إليه0


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.