عندما بدأ يتحسس نفسه ، ألفى وجوده غريباً ، مقذوفاً بقوة في هوة عالم ما لا يدرك منه شيئاً ، لم يصدق نفسه آنذاك ، الألم لا يعدو عن كونه مسرحية متناثرة الفصول .. وعندما أفاق من نومه كان جسده ينضح بالعرق الغزير الذي يتصبب منه ، حاول جاهداً أن يستقيم بجسده على الأرض كانت الأشياء تدور حوله وكأنها نهاية لمجزرة عنيفة ، لم يستطع احتمال أفكاره ، لقد أستيقظ .. أنه يقظ .. يعي ولكن لم يجرؤ على قول ذلك لأنه خائف وأشد خوفاً من أي وقت ، رأسه وصدره مثقلان بالهواجس والقلق الذي لا يفهم دلالته ، ما أن جلس الى مائدته ، حتى أرتابَ بنظراته الشاردة وتعابير وجهه ، قسماته الدالة ، التي كان تعبيرها المضطرب كانها تبحث عن شيء فقده كانت نظراته تسرح في محيط الغرفة وسقفها ، تبحث ، تفتش بدأب ، عن شيء مفقود أو ربما فقده للتو .. ظلت عيناه تحومان في الزوايا .. الاثاث المتناثرة بلا ترتيب ، الجدران المتسخة ببقع شتى ، لعلها تجد ما يبحث عنه ، وبغتة حاول أن يسأل نفسه .. من هو ؟! كانت أحاسيسه لا تدرك الإجابة .. فظل هكذا ، لا يعرف عم يبحث .. أنه ذلك إل (هو) هذا الشيء الذي لا تقدر عيناه على رؤيته ..آه .. أنه يشعر به ، يحس به في دواخلهِ في ذهنهِ ، في شعورهِ ، أنه يختلج في كيانه ، لكنه رغم ذلك لم يستطيع تمييزه أو رؤيته .. وعندما خرج الى الشارع ممتلئاً بالإحساس بالاضطراب والقلق لم يكن راغباً في لقاء أي كائن بشري ، حتى أصدقائه كان همه منصباً في البحث عن ذلك الشيء ، كان يفكر ، يهجس يحس الآن أن شيئاً ما في أعماقهِ يسأله يردد سؤاله . عمن يبحث ؟ أين يذهب ؟ وبصعوبة يعثر على الإجابة فكان يرد بلا مبالاة .. أنني أمضي لا بحث عنه .. من هو الذي تفتش عنه ؟! أنت أيضاً لا تعرف .. بل ربما لا يعرفه الجميع .. كان يسير بتؤدة ، ويسرع تارة ، يجوب الشوارع والأزقة بسأم ، يحلق بانتباه في كل شيء أمامه يبدو تماماً كالمجنون.. يظل يطوف الشوارع ، يفتش في الركام ، النفايات ، الحيطان ، أي شيء يصادفه قد يمر من هنا.. فيجده ، يلتقي به ، لكنه يفشل في العثور على ذلك الشيء المبهم يظن أنه سيلقاه في هذا الزقاق أو ذلك الشارع الواسع أو بين تلك الزهور أو ربما .. داخل هذا الحوض المائي ، ولكن .. هل التقى به ؟! كان هذا السؤال يبيًت في أعماقه حيرة لا حدود لها ، ربما يكون قد رآه .. دون أن يعرفه لكن حدساً ينمو في دواخله بقوة سوف لن يجده حتى لوجاب كل الشوارع ، البيوت والأشجار ، الطرقات ، كان هذا الحدس يحيره لكن شيئاً ما ، ينبثق في أعماقه فيشعر أنه ، في يوم غير معروف ألبته ، سيلقاه ويراه ، مؤنقاً ، ملتمعاً ، كإطلالة الشمس..