إن عدم فهم فهم مختلف الأطراف الفاعلة سياسيا لجوهر عملية التعددية السياسية جعل كل طرف نصيرا متحمسا للتعددية السياسية شريطة أن تأتى هذه التعددية به هو للحكم أو تسمح له بالإستمرار فيه0 فعدم الفهم هذا من طرف السلطة والمعارضة لحقيقة التداول السلمى على السلطة وإمكانية تبادل الأدوار والمواقع هو الذى عمل على إفشال التجربة السياسيةالجزائرية0 لأن النظام السياسى يكون متماسك بجهود الذين يكونون فى الحكم من أجل البقاء فيه والذين خارج الحكم من جل الدخول فيه وكلا الطرفين يتبع القواعد السائدة لأن كل منهما له مصلحة فى أن تضمن له فرصة العودة إلى الحكم من خارجه0 إلا أن ذلك التناوب السياسى السلمى للسلطة ليس من صفات أو سمات السياسية الجزائرية0 فالسمة السائدة هى وجود نخبة حاكمة يعنى جماعة سياسية واجتماعية واحدة0 وأن المعارضة لا تشارك فى الحكم وإنما تستخدم لإضفاء الشرعية وخلق الشعور بجدية اللعبة 0 كما أن المعارضة فى الجزائر تقبل بذلك الإستخدام ليس بسبب توقعها أن تجد نفسها فى السلطة فى المرة القادمة عن طريق الإنتخاب 0 وإنما لأسباب يمكن إرجاعها إلى سياسية تقسيم الغنائم وتوزيع عوائد الريع النفطى على المشاركين فى العملية السياسية وعلى الذين يضفون عليها نوعا من الشرعية0 هذا من جهة ومن جهة ثانية فإن الإطار الثقافى فى الجزائر فى الحقيقة قد مثل إحدى تجليات النفوذ الذى مارسه الإحتلال الفرنسى على الجزائر حيث قد ترك بصماته واضحة على البنية الثقافية كما أنه حقيقة قد حفر أخاديد عميقة فى النسيج الإجتماعى الجزائرى 0 كما أن الإحتلال فى الحقيقة قد نجح فى فرض اللغة الفرنسية كرمز للمعاصرة ووسيلة للتأهيل المهنى وكذا الإنفتاح على العالم0 كما أن هذه الأداة طبعا يعنى اللغة الفرنسية قد ساهمت فى قولبة السلوكيات وأنجت نخبا عملت على ترسيخ هيمنة اللغة الفرنسية0 نقول هذا طبعا حتى وإن كان بعد الإستقلال قد تميزت الثقافة السياسية الجزائرية بنزعة شعبية عارمة كانت قد صنعتها المطالب الوطنية من أجل أن تكون الدولة بأجهزتها وبرامجها هى المصدر الرئيسى للخدمات لأن الدولة عادة هى الخادم للمجتمع0 كما إنعكست تلك الثقافة السياسية على ميكانزميات تشغيل أجهزة النظام السياسى فى صورة العداء الجذري من قبل النظام العام تجاه أى ممارسة للمساومة السياسية تستهدف التعددية السياسية أو التنظيمية فى الجزائر0 هذا من جهة ومن جهة ثانية فإن الثقافة السياسية التى حكمت العقل السياسى عند مختلف الفرقاء فى الساحة السياسية الجزائرية قد كانت ثقافة واحدة فى الحقيقة تحمل نفس السمات والخصائص فهى ثقافة أحادية منغلقة على نفسها متكفية بذاتها نافية للآخر أى أنها كانت عقلية إستئصال عند معظم الفاعلين السياسيين وهذا طبعا راجع للثقافة الجزائرية تاريخيا التى تجسد لكثير من الإنعكاسات ومؤثرات الحكم الإستعمارى الفرنس الطويل للبلاد 0 وعلى رأسها التدمير المعتمد للثقافة السياسية التقليدية والمحلية0 هذا طبعا مع قيام الإدارة الإستعمارية الفرنسية بدور إحتكارى فى تشغيل الطاقة الإنتاجية والعاملة بالجزائر0 وفى إقرار المساواة الفعلية بين شرائح المجتمع الجزائرى المختلفة0 وذلك طبعا بتطبيق سياسات وإجراء ات وقوانين واحدة عليها جميعا بلا إستثناء 0 وهذا ما يطلق عليه سياسة الفرنسة الإجتماعية أو سياسة الدمج الجذرى الإجتماعى 0كما أن هناك عدة عوامل قد جعلت الجزائر لم تتمكن فى الحقيقة من بلورة التحول الديموقراطى الحقيقى والفعال نحو التعددية السياسية0 وهذا ربما يعود إلى عدة عوامل داخلية وأخرى خارجية0 وقد يكون العامل الأول فى منظومة العوامل الداخلية التى أدت إلى تعثر التحول الديموقراطى فى الجزائر هو طبعا أن التعددية السياسية لم تأتى نتيجة تطورطبيعى داخلى فى بنية المجتمع الجزائرى أو حتى تعبيرا عن نضج إجتماعى جزائرى يسمح بتنى أفراد المجتمع الجزائرى لمجموعة من القواعد والقيم الحاكمة بناء على مقولات فكرية متماسكة تؤدى طبعا إلى قبول حقيقى لمبدأ التداول السلمى على السلطة 0 وكذا الإعتراف بحق الآخر فى الوجود إضافة إلى شرعية الحق فى الإختلاف0 وهذا طبعا مما جعل تجربة التحول تفشل نحو التعددية السياسية فى الجزائر لعدم توافرطبعا العديد الشروط الفكرية والإجتماعية والسياسية والإقتصادية 0 هذا من جهة ومن جهة ثانية فإن المتتبع لتطور صراع الحركة الإسلامية الجزائرية مع خصومها يلاحظ طبعا أن حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ أنذاك لم تعقد مؤتمرها0 كما أنه طبعا لم يعتد الإنضباط الداخلى كحزب0 وهذا مما جعل الكثير من المتتبعين لحزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ يتوقعون بأنه لا يستطيع الصمود أمام الهجمات السياسية التى كانت قائمة ضده0 وهذا مما جعل هذا الحزب السلامى يتعرض للتشتت والتشرذم إثر وقوع بعض المواجهات بين السلطة التى كانت قائمة أنذاك وبين أنصاره الذين كانوا منقسمين على أنفسهم إثر إعلانهم العصيان المدنى واعتقال بعض قادتهم 0 وهذا طبعا مما فتح المجال لعناصر أخرى أكثر تشددا لإعادة تنظيم نفسها وانتهاج العمل المسلح0 لكن لكى نستطيع أن نتعرف على الطريق الذى يؤدى إلى جذور العنف المسلح 0 لابد لنا من الرجوع طبعا الحركة الإسلامية الجزائرية التى نشأت فى بداية ثمانينيات القرن الماضى يعنى قبل أحداث أكتوبر هذه الحركة كانت تسمى بالحركة الإسلامية المسلحة فى الجزائر حيث كانت بعض عناصرها من بقايا جماعة تأسست فى السبعينيات وحاولت القيام ببعض الأعمال العنيفة ضد السلطة أنذاك إلا أنها فى الحقيقة كانت قد فشلت مع قائدها قد كان عضوا سابقا فى جيش التحرير الوطنى وأحد المشاركين فى حرب التحرير الجزائرية0 هذا ويبقى القول بأن العامل الداخلى يتمثل فى عدم تهيئة المجتمع الجزائرى لهذا التحول السياسى المفاجئ إضافة إلى عدم إعداد المؤسسات التى تستقبل هذا التحول0 هذا من جهة ومن جهة ثانية فإن مختلف الأطراف السياسية قد تعاملت مع هذه التعددية المفاجئة بمفهوم التوظيف لتحقيق أهداف خاصة0وليس إيمانابها كحق وعملية ربما تكون لها بعض الخسائر على مستوى كل طرف0 فالسلطة فى الرئيس الراحل الشادلى بن جديد رحمه الله حاولت إستخدام التعددية لصالحها بهدف إعادة تأسيس شرعية جديدة لنظام تهاوت أسس شرعيته تحت ظل الأزمات الإقتصادية والإجتماعية 0 فحتى الإسلاميين الذين إستفادوا من تجربة التحول الديموقراطى والذين فازوا فى الإنتخابات المحلية فى عام 1990 والدول الأول فى الإنتخابات التشريعية فى عام 1991 0فقد كانت عندهم التعديدية عندهم وسيلة للوصول إلى السلطة ذون النظر إلى إنجاح التجربة فى الجزائر فى التحول نحو الديموقراطية و التعددية السياسية وإعادة بناء المجتمع الجزائرى وكذا نظام الدولة الجزائرية على أسس ديموقراطية0