أقل من شهر.. جدول امتحانات الشهادة الإعدادية 2024 بمحافظتي القاهرة والجيزة    حملة مقاطعة الأسماك: وصلنا ل25 محافظة.. والتاجر تعود على المكسب الكبير مش عايز ينزل عنه    رئيس برنامج دمج أبناء سيناء يكشف جهود الدولة لتحقيق التنمية المستدامة    الأسهم الأوروبية تنخفض عند الإغلاق مع استيعاب المستثمرين للأرباح الجديدة    حماس تكشف عن عرض قدمته لإسرائيل لوقف إطلاق النار: مجندة أمام 50 أسيرا وأسيرة    علي فرج يواصل رحلة الدفاع عن لقبه ويتأهل لنهائي بطولة الجونة للإسكواش    صدمة قاتلة لبرشلونة بشأن الصفقة الذهبية    موقف ثلاثي بايرن ميونخ من مواجهة ريال مدريد في دوري أبطال أوروبا    الأرصاد: تسجيل مزيد من الانخفاض في درجات الحرارة غدا الجمعة    تامر عاشور وأحمد سعد يجتمعان بحفل غنائي بالإمارات في يونيو المقبل    التغيرات المناخية ودور الذكاء الاصطناعي.. لقاء ثقافي في ملتقى أهل مصر بمطروح    هالة صدقي: «صلاح السعدني أنقى قلب تعاملت معه في الوسط الفني»    تخصيص غرف بالمستشفيات ل«الإجهاد الحراري» في سوهاج تزامنًا مع ارتفاع درجات الحرارة    عضو بالشيوخ: ذكرى تحرير سيناء تمثل ملحمة الفداء والإصرار لاستعادة الأرض    بفستان أبيض في أسود.. منى زكي بإطلالة جذابة في أحدث ظهور لها    بالفيديو.. ما الحكم الشرعي حول الأحلام؟.. خالد الجندي يجيب    لماذا حذرت المديريات التعليمية والمدارس من حيازة المحمول أثناء الامتحانات؟    فيديو.. مسئول بالزراعة: نعمل حاليا على نطاق بحثي لزراعة البن    الجيش الأردني ينفذ 6 إنزالات لمساعدات على شمال غزة    الكرملين حول الإمداد السري للصواريخ الأمريكية لكييف: تأكيد على تورط واشنطن في الصراع    أنطونوف يصف الاتهامات الأمريكية لروسيا حول الأسلحة النووية بالاستفزازية    وزارة التموين تمنح علاوة 300 جنيها لمزارعى البنجر عن شهرى مارس وأبريل    المغرب يستنكر بشدة ويشجب اقتحام متطرفين باحات المسجد الأقصى    الأهلى يخسر أمام بترو الأنجولي فى نصف نهائى الكؤوس الأفريقية لسيدات اليد    عامل يتهم 3 أطفال باستدراج نجله والاعتداء عليه جنسيا في الدقهلية    تشكيل الزمالك المتوقع أمام دريمز الغاني بعد عودة زيزو وفتوح    يمنحهم الطاقة والنشاط.. 3 أبراج تعشق فصل الصيف    في اليوم العالمي للملاريا.. أعراض تؤكد إصابتك بالمرض (تحرك فورًا)    6 نصائح لوقاية طفلك من حمو النيل.. أبرزها ارتداء ملابس قطنية فضفاضة    سبب غياب حارس الزمالك عن موقعة دريمز الغاني بالكونفيدرالية    استجابة لشكاوى المواطنين.. حملة مكبرة لمنع الإشغالات وتحرير5 محاضر و18حالة إزالة بالبساتين    دعاء يوم الجمعة.. ساعة استجابة تنال فيها رضا الله    تشيلي تستضيف الألعاب العالمية الصيفية 2027 السابعة عشر للأولمبياد الخاص بمشاركة 170 دولة من بينهم مصر    بيان مشترك.. أمريكا و17 دولة تدعو حماس للإفراج عن جميع الرهائن مقابل وقف الحرب    دعاء الاستخارة بدون صلاة .. يجوز للمرأة الحائض في هذه الحالات    مدرب صن دوانز: الفشل في دوري الأبطال؟!.. جوارديولا فاز مرة في 12 عاما!    مصادرة 569 كيلو لحوم ودواجن وأسماك مدخنة مجهولة المصدر بالغربية    إصابة سيدة وأبنائها في حادث انقلاب سيارة ملاكي بالدقهلية    جامعة حلوان توقع مذكرتي تفاهم مع جامعة الجلفة الجزائرية    رد فعل غير متوقع من منة تيسير إذا تبدل ابنها مع أسرة آخرى.. فيديو    تحرير 498 مخالفة مرورية لردع قائدي السيارات والمركبات بالغربية    طريقة عمل مافن الشوكولاتة بمكونات بسيطة.. «حلوى سريعة لأطفالك»    ضبط عامل بتهمة إطلاق أعيرة نارية لترويع المواطنين في الخصوص    محافظ كفر الشيخ يتابع أعمال تطوير منظومة الإنارة العامة في الرياض وبلطيم    مشايخ سيناء في عيد تحريرها: نقف خلف القيادة السياسية لحفظ أمن مصر    أمين الفتوى لزوجة: اطلقى لو زوجك لم يبطل مخدرات    الرئيس السيسي: نرفض تهجير الفلسطينيين حفاظا على القضية وحماية لأمن مصر    مستقبل وطن: تحرير سيناء يوم مشهود في تاريخ الوطنية المصرية    أبطال سيناء.. «صابحة الرفاعي» فدائية خدعت إسرائيل بقطعة قماش على صدر ابنها    محافظ قنا: 88 مليون جنيه لتمويل المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر خلال العام الحالي    فن التهنئة: استقبال شم النسيم 2024 بعبارات تمزج بين الفرح والتواصل    هيئة الرعاية بالأقصر تعلن رفع درجة الاستعداد تزامنا مع خطة تأمين ذكرى تحرير سيناء    معلق بالسقف.. دفن جثة عامل عثر عليه مشنوقا داخل شقته بأوسيم    حدث ليلا.. تزايد احتجاجات الجامعات الأمريكية دعما لفلسطين    الفندق عاوز يقولكم حاجة.. أبرز لقطات الحلقة الثانية من مسلسل البيت بيتي الجزء الثاني    الاحتفال بأعياد تحرير سيناء.. نهضة في قطاع التعليم بجنوب سيناء    أحمد موسى: مطار العريش أصبح قبلة للعالم وجاهز لاستقبال جميع الوفود    الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الإفتاء توضح أحكامها ومتى تجب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجزائر بين ترشح بوتفليقة والحاجة لجمهورية ثانية
نشر في البديل يوم 17 - 03 - 2014

تدخل الجزائر في مرحلة الانتخابات الرئاسية في 17 أبريل 2014، لكن الانتخابات هذه المرة ليست كسابقاتها؛ لأنها ليست عملية دستورية لاختيار رئيس الجمهورية فقط، بل سبقها وسيوازيها وسينجم عنها، وضع يجعل مستقبل الجزائر على مفترق طرق: إما استمرار النموذج الحالي بخصائصه ومقوماته، أو نموذج جديد، أو مسار غير واضح المعالم. ومن ذلك يجب أولاً أن نحدد مقومات النظام السياسي الذي يحدد النموذج الانتخابي قبل الحديث عن مجمل العوائق التي يمكن أن تحد من فاعليته وجاذبيته بعد الانتخابات الرئاسية المقبلة.
أسس "الجمهورية الأولى"
يقوم النظام السياسي على ركائز محددة ومرتبطة تجمعها غاية التنظيم المتمثل في استمرار النمط أو النموذج السياسي في دولة الاستقلال، وهو فعلاً يعتبر من الأنظمة المرنة التي استطاعت أن تتجاوز انهيارات المنظومة الاشتراكية؛ لعوامل متعددة: العامل الأول هو ارتكاز الدولة على قدر من الوحدة النفسية المرتبطة بعدالة قيام الدولة، المتمثلة أساسًا في مفهوم الشرعية؛ حيث إن غياب إرث تاريخي كبير دفع السياسيين إلى صناعة الملحمة ارتباطًا بالاستعمار الفرنسي.
وقد كان للاستعمار بالجزائر خصائص متعددة؛ فهو من جهة كان يبتغي الاستمرار باعتبار هذه المنطقة الجغرافية تابعة للجمهورية الفرنسية، وهو ما كان يصطلح عليه بالجزائر الفرنسية، ومن جهة أخرى مزج بين الثقافي والحضاري، وهو ما كوَّن شخصية وطنية "منفصمة" بين المفاهيم الغربية ونظيرتها المأخوذة من القيم الهوياتية العربية الإسلامية. وآخر الخصائص التي أعقبت الاستعمار هي قيام الدولة كجهاز بطريقة عنيفة عقب حرب تحرير خلفت من بين ما خلفت أكثر من مليون شهيد.
في الجزائر، لا يمكن الإيمان بتوجه نظري غير تلك التي ترهنه بمسار طويل ابتدأ منذ الاستقلال، وقبله أحيانًا جعل السياسة في عقول الجزائريين هي الدولة وقيم الثورة. العامل الثاني مرتبط بمكتسبات ومنطلقات النظام الجزائري ومفهوم القوة والاستقرار القائم على القدرة على التحكم في المحيط الإقليمي؛ فمن جهة عملت الجزائر على استبعاد المنافسة مع دول الجوار، ومنها أساسًا تونس والمغرب، باستراتيجية التقزيم ودعم الانفصال، ومن جهة أخرى اعتبرت الجزائر مفهوم القوة مرهونًا -إضافة للعامل الجغرافي- باكتساب التحكم في الطاقة التي تتوفر عليها وتتحكم فيها بشكل كبير.
أما العامل الأخير، فهو ارتكاز النظام السياسي على فكرة الاستقرار الداخلي وفق نمط مستقر ومتحكم فيه يقوم على نمط خاص للتوزيع السلطوي للقيم بين مكونات الشعب الجزائري، وينهض على توزيع الثروة على المستوى الدولي بما يضمن الولاء الخارجي. ويُحمَى ذلك بمؤسسات مدنية وعسكرية. عسكريًّا هناك جهازان في غاية التنظيم والتعقيد؛ هما: مؤسسة الجيش والمخابرات باختلاف تخصصاتها. أما المؤسسة المدنية الأضخم فهي حزب جبهة التحرير الوطني الذي كان الحزب الوحيد إبان مرحلة الصراع (شرق-غرب).فهل يمكن أن يستمر النظام بمقوماته التقليدية بعد الانتخابات المرتقبة؟.
مرض الرئيس أم انهيار نموذج؟
الإيمان بالمؤسسات يدفع إلى الحديث عن طبيعة تفاعل المعنيين بالانتخابات الجزائرية الرئاسية. ومن هذه الزاوية يبدو أن المعركة بين حزب جبهة التحرير الوطني وباقي الأحزاب، التي يظهر أنها لم تعد تؤمن بقدرتها على مجابهة الآلة التي لا تنهزم المتمثلة في جبهة التحرير الوطني.
اللعبة الانتخابية حول الرئاسيات هي للكبار فقط من مؤسستي الجيش والداخلية. ويُعتقد أن الاختلاف حول الشخصية التي ستخلف بوتفليقة ليس حول الطريقة بل حول الاسم فقط؛ فقبل الإعلان الرسمي لترشحه بدا جليًّا عدم التوافق بين مؤسستي الجيش وكبار مسئولي الداخلية الذين كانوا أكثر تحفظًا على إعادة بوتفليقة لكرسي الرئاسة، لكن "الإصرار" الذي برهن عليه المراهنون على الرئيس المنتهية ولايته، دفعه إلى إعلان ترشيحه رسميًّا يوم السبت 22 فبراير 2014، ليقدم ملفه رسميًّا لرئيس المجلس الدستوري في 3 مارس من السنة نفسها.
وقبل سنة، كان النزال الداخلي بين التيارين الكبريين في دواليب السلطة، الذي دار بين جناح بوتفليقة، الذي كان قد التأم أيام مشروع الوئام المدني والمصالحة الجزئية مع نهاية تسعينيات القرن العشرين، وبين جناح المخابرات التي تعد المركز الأول للقرار بالجزائر وواحدة من أقوى الأجهزة الاستخباراتية على المستوى الدولي.
وقد تبين من التعديل الوزاري لسنة 2013 من خلال التركيبة الحكومية، مدى النفوذ الذي حققه أنصار "اتجاه الوئام المدني"، ومدى الزحف على المؤسسات؛ فمن جهة تم تنصيب أحمد قايد صالح رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي نائبًا لوزير الدفاع الوطني، ورمضان العمامرة وزيرًا للخارجية. وعمومًا عكست التعيينات القوة الحقيقية للتيار النافذ الحقيقي بالجزائر. وبقي عبد المالك سلال رئيسًا للوزراء تعبيرًا عن استمرارية تحمي مصالح أطراف أخرى، لكن الهدف كان هو رئيس المخابرات الجزائرية الذي تعرض بدوره لهجمات متتالية لم تكن كفيلة بتنحيته من صراع الأجنحة غير المستقر وغير المتزن منذ مرض الرئيس بوتفليقة الأخير.
وجاءت تصريحات عمار سعداني الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني في غمرة السباق نحو الرئاسة لتعزيز ضبابية المشهد داخل الجزائر؛ فقد هاجم مباشرة رئيس مديرية الاستعلامات والأمن محمد مدين المعروف حركيًّا بتوفيق، وهو واحد من عرَّابي الجزائر ما بعد انتخابات 1992، أو ما تعرف بالشرطة السياسية للبلاد؛ عندما اعتبر أن الجهاز يسيطر على كافة دواليب الحياة السياسية والاقتصادية للبلاد. وقد وازى ذلك نشر جريدة "الخبر" أن الرئيس قد عزل جنرال المخابرات القوي من منصبه (راجع جريدة الخبر الجزائرية يوم الخميس 6 فبراير 2014). لكن تنبه الأطراف إلى خطورة الهجوم على المخابرات دون ضمانات للجيش. وقد عبر عن ذلك أحمد محمدي الذي كان أودع ترشيحه؛ إذ أكد أن "هذه التصريحات تهدف إلى إحداث شرخ بين الشعب والجيش، وزعزعة الوحدة بين الجزائريين التي يضمنها الجيش"، ومن ثم تمت المسارعة للتخفيف من هذا المنحى بإصدار بلاغ رئاسة الجمهورية بعد حادث سقوط طائرة عسكرية في 11 فبراير الماضي؛ حين دعا إلى عدم المس بنزاهة الأجهزة العسكرية التابعة للدولة.
عمومًا، جرى العرف بهذه الدولة على أن تكرار اسم المسئولين الأمنيين إعلاميًّا يعني فقدان الحماية من "النظام" العميق للدولة. ولعل ذلك يجعل التساؤل يتكرر حول التنسيق بين مختلف الاتجاهات في الجزائر وما إن كانت اتجاهات بتحالفات مستقرة.
الأساس هو إعادة بوصلة التوجهات الكبرى للدولة التي تاهت بعد الصراع العسكري الداخلي بين الجماعات المسلحة وأجهزة الدولة التقليدية لأكثر من 10 سنوات، والتوجه العام على الأقل بين تيار إصلاحي يدعو إلى اعتماد أساليب مستحدثة لتكريس مبادئ الدولة الحديثة، وهو –للإشارة- لا يتمثل في الجيش كمؤسسة، وبين اتجاه يعمل على تكريس استمرار تحكم مؤسسات بعينها في ظل وضع غير ديمقراطي. ولذلك جاءت بعض التصريحات التي ترى في استمرار بوتفليقة استمرارًا للنموذج الثاني، ومن أهمها تصريح مولود حمروش رئيس الحكومة السابق الذي دعا إلى إسقاط النظام الجزائري الحالي بأسلوب هادئ يكون فيه دور مركزي للجيش، قائلاً: "هذا النظام تآكل وسيسقط لذلك، وأنا أريد إسقاطه بأسلوب هادئ وبقرارات، لا بموجة هوجاء" (جريدة الشروق، 17/02/2014)، وهي، ظاهريًّا، دعوة مباشرة للانتفاضة ضد النموذج الحالي، لكنها قد تخفي رسالة ضمنية من مدين قائد المخابرات.
على عكس الاتجاه الجذري السابق، جاءت باقي التصريحات لتؤكد أن المعارضة السياسية الرسمية بالجزائر أضعف من أن تحقق إجماعًا على إيقاف زحف الرئيس الحالي بوتفليقة. وقد عبر عن ذلك جل الاتجاهات بما فيها الإسلاميون الذين يبدو أنهم غير قادرين على تكثيف الضغط بعيدًا عن الشارع الذي فقدوا منه كثيرًا من التعاطف الذي كان هو السمة العامة لعقود.
بوقرة سلطاني الرئيس السابق لحركة مجتمع السلم تحدث عن مستقبل الجزائر أيما كان الرئيس الذي ستفرزه صناديق 17 إبريل المقبل، متحاشيًا انتقاد النظام ورموزه مباشرة (تصريح على موقع الحزب، المتابعة يوم 26 فبراير 2014)، وهدد بأن الجزائر لن تقبل بالحزب الوحيد، في إشارة إلى حزب جبهة التحرير الوطني، مؤكدًا نموذج الريع الذي يعرفه الاقتصاد، وهي أشياء لا تهدد في شيء مستقبل انتخاب بوتفليقة للرئاسة. فيما وافق عبد الرزاق مقري الرئيس الحالي لحركة مجتمع السلم رأي عبد الله جاب الله رئيس حزب جبهة العدالة والتنمية، في القول بأن "ضمان نزاهة الانتخابات، تتعلق بسحب تنظيمها من وزارة الداخلية وإسنادها إلى هيئة مستقلة، بالإضافة إلى تغيير نمط الحكم، وتقديم سجل الناخبين للأحزاب"، وهو الأمر الذي قابله الجيش ببيان عبر فيه عن كونه سيعمل على الحياد في الانتخابات الرئاسية المقبلة. لقد بقيت الفجوة كبيرة بين رأي السياسيين ورأي غالبية الجزائريين الذين أحسوا ببعض الغبن في إصرار بوتفليقة على الترشح.
إشكاليات دستورية وقانونية
الوضع الذي وازى الربيع العربي الذي انطلق من جارة الجزائر، وحمل الإسلاميين إلى السلطة ممثلين في حزب النهضة التونسي، وبعد ذلك وصول الإسلاميين إلى الحكومة بالمغرب- جعل الحكام الجزائريين يقتنعون أكثر بضرورة سد الطريق على إسلامييهم الذين تصارعوا معهم لمدة تزيد عن عشر سنوات، وهم مقتنعون، على ما يبدو، بأن السير في طريق إحكام القبضة الأمنية عن طريق الأجهزة التقليدية واحدة من المسارات التي لا محيد عنها.
لكن مع بداية الإعلان عن الرئاسيات، تعقدت الأمور المرتبطة بالجوانب القانونية، وبدت غير متحكم فيها؛ فمن جهة كان على الوزير الأول عبد المالك سلال أن يعلن عن ترشيح الرئيس بوتفليقة نيابة عنه في 22 فبراير. وقد أردف سلال قائلاً إن ذلك جاء "بطلب مُلح من المجتمع المدني"، بل عند انتقاد الوضعية الصحية للرئيس صرح مقارنًا بين وضعية الرئيس بوتفليقة والولاية الثالثة للمستشارة أنجيلا ميركل، في إشارة إلى الواقع الديمقراطي الذي تدور فيه الانتخابات بالجزائر.
من الإجراءات الضرورية سحب مطبوعات الترشح التي تستلزم توقيع 60 ألف جزائري أو 600 عضو منتخب في المجالس البلدية أو الولائية أو البرلمانية ؛ وذلك على امتداد 25 ولاية من ولايات الجزائر البالغة مساحتها أكثر من مليوني كيلومتر مربع، وهو إشكال آخر تم تجاوزه دون الانتباه إلى صعوبته بالنسبة لبوتفليقة. وغالبًا ما لا يستطيع مجمل المرشحين الحصول على هذا الشرط، والذي يقرر أخيرًا هو المجلس الدستوري. ويبقى أبرز المنافسين لبوتفليقة هم علي بن فليس، وأحمد بن بيتور، وولويزة حنون، وعلي بنواري، وفوزي ربعين، وموسى الجيلالي، وموسى التواتي. وممكن ألا يكون مجمل هؤلاء سوى تكملة للسباق بالصبغة الديمقراطية لأهداف داخلية وخارجية.
من الإشكالات، المرض الذي يظهر على المرشح الرئيسي الذي يبدو في كل مرة عاملاً متناقضًا مع ما يدعيه المساندون لترشيحه؛ إذ يعتبر سلال أن الجزائر في السرعة الرابعة، في إشارة منه إلى كون العهدة الرابعة تعد سرعة أكبر. وقد دحض كل التكهنات التي كانت تعتمد على المقررات الدستورية، خاصةً المادة 88 التي تنص على إمكانية التصريح بشغور منصب رئيس الدولة في حالة وجود مانع، لكن في الواقع المترشح يجب أن يقوم بإجراءات قانونية متعددة، ناهيك عن الحملة الانتخابية لإقناع الناخبين؛ الأمر الذي يعتبر مسألة متجاوزة بالنسبة للبعض باعتبار أن بوتفليقة مترشح لعهدة رابعة، كما أن سلام قدَّم استقالته للتفرغ للحملة الانتخابية للرئيس المنتهية ولايته، وهو ما عبر عنه البعض بالترشح بالنيابة.
لكن في غياب استطلاعات الرأي، هل الجزائريون يمكنهم أن يقبلوا ببوتفليقة رئيسًا جديدًا؟. بعض الاستطلاعات كانت قد أعطت نتائج معبرة: 83% ضد ترشيح بوتفليقة لولاية رابعة، و13% مع ترشيحه، وامتنع 4% (Benjamin Roger, Jeune afrique, 24/02/2014)، هل يجب أن نصدق هذه الاستطلاعات؟ أم يجب الوثوق بما يقوله أنصار بوتفليقة بعيدًا عن المقررات القانونية والدستورية للبلاد؟! الأمر لا يبدو بسيطًا، لكن لا دليل لكل طرف على صدق نواياه.
تهديدات داخلية وتأثيرات خارجية
لا تدور الانتخابات الجزائرية في صناديق الاقتراع فقط، بل هناك رهانات كبيرة جدًّا على المستوى الدولي. الدول العظمى لا تريد مجالاً غنيًّا بالطاقة في وضعية صعبة أخرى، يمكن لذلك أن يعقد مسعاها للتقليص من الأزمة العالمية، لكن ليست المسألة مرتبطة دائمًا بالطاقة؛ فهناك رهانات أخرى. البدائل الوحيدة في الجزائر إسلامية، ولا أحد من الأوروبيين والأمريكيين يفضل أن يصل الإسلاميون إلى السلطة بالجزائر، على الأقل في ضوء وجود الإسلاميين على طرفي أجنحة دول المغرب العربي، سواء في السلطة أو في الحكومة. وربما يكون أيضًا موضوع البدائل مطروحًا بحدة في ظل الفشل الذي مثله النموذج السوري.
أيضًا هناك رهانات إقليمية كبيرة؛ لأن الصراع محتدم مع كل من المغرب وتونس، وهو أمر طبيعي ومقبول كلعبة بالمنطقة منذ فترة طويلة، لكن لا أحد بالبلدين يريد أن يكون النموذج البديل هو الفوضى، ومن ثم قد ترى هذه الدول في النموذج الذي وضعه بوتفليقة منذ بداية التسعينيات نموذجًا مستقرا ومُتحَكَّمًا فيه.
يبقى التهديد الأكبر آتيًا من الداخل، وهناك على الأقل ثلاثة أنواع منه؛ من جهة هناك مشكلة البطالة التي تهدد الاستقرار الاجتماعي بقوة؛ فالجزائريون لم يستوعبوا بعدُ كيف توزيع الثروات، وهو أمر يقوم عليه النظام كما سبق القول، أو لم يعودوا يقبلون بهذا التوزيع، ولا يقبلون أيضًا بالأرقام التي يوردها المسئولون التي تعطي الانطباع بكون الاقتصاد الجزائري في قمة الانتعاش، في حين لا يتم ملامسة ذلك بشكل واقعي. بعض الإصلاحات المعاشية همَّت الموظفين التابعين للقطاع العمومي، لكن الغالبية لا تملك هذا الامتياز.
ثاني تهديد هو الأقليات، وهو أمر يظهر بقوة في الآونة الأخيرة. هناك مطالب متعددة للأمازيغ، وإن لم يكن هناك دليل على كونهم أقلية، وهي مطالب قديمة تنحصر في الحقوق الثقافية واللغوية، لكنها أخذت أبعادًا كبرى في السنوات الأخيرة؛ فقد أسس فرحات مهني حكومة القبائل الأمازيغية، التي لم تَلْقَ دعمًا إقليميًّا كما كانت تتوخى.
أخيرًا هناك مشكلات الانفصال؛ ففي الجنوب الجزائري، هناك مشكلة حقيقية بين الطوارق والعرب، أو بين الأمازيغ والعرب في مناطق أخرى كغرداية مثلاً، ولم تعد الجزائر بمنأى عن الصراع الذي يدور في مالي بفعل الترابط القبلي بين الضفتين؛ فقد نشرت صحيفة "الخبر" بيانًا منسوبًا إلى المجلس الأعلى لوحدة أزواد والحركة الوطنية لتحرير أزواد والحركة العربية الأزوادية، أن مواطنين ماليين شاركوا في أعمال العنف والمشادات العنيفة التي شهدتها مدينة برج باجي مختار، لكن لا أحد يعرف المدى الذي يمكن أن تؤججه الخلافات الكبيرة على المستوى الإثني بالجزائر. وحدها السلطة المركزية القائمة على أسس القوة هي القادرة مرحليًّا على التحكم في الظاهرة، لكن أبعادها -لا شك- ستتوسع.
"بركات": هل هي نهاية الجمهورية؟
لا أحد يعلم عدد الجمهوريات بالجزائر، لكن ربما تكون جمهورية بعد الاستقلال عرفت ثلاث محطات قد استنفدت حاجاتها: المحطة الأولى بعد الاستقلال إلى حدود التعديل الديمقراطي لسنة 1989، ثم الثانية التي عمَّرت أقل من ثلاث سنوات، وأخيرًا المحطة الثالثة أو مرحلة الحرب الأهلية التي عرفت تراجعًا كبيرًا لمفاهيم الحرية والتعددية التي جاءت قبلاً؛ فهل العهدة الرابعة لبوتفليقة دليل على الحاجة إلى جمهورية ثانية؟
"بركات" هي ترجمة لكلمة وحركة "كفاية" المصرية، والغاية منها هي التصدي للولاية الرابعة لبوتفليقة، والغاية الكبرى هي الوصول بالجزائر إلى مستوى الثورة دون توريط الجيش في عملية مواجهة جديدة مع "إرادة الناخبين"؛ فمن المفترض أن تكون هذه الحركة ترجمة للاتجاهات السياسية غير الرسمية، وحتى الرسمية منها. وعمومًا فالأمر سبق أن تمت تجربته ببعض الدول كالمغرب، وقد كانت النتيجة هي الوصول إلى نموذج بديل عن النظام الذي كان سابقًا، طبعًا مع الفارق المتمثل في المطلب المرتبط باستمرار النظام وتغيير المعايير الموازية لمفهوم السلطة، وهو أمر بالغ التعقيد بالجزائر؛ حيث لا ينبني النظام السياسي على مفاهيم مستقرة ، حيث تحالفاته الداخلية غير متزنة أو ذات منطق فريد، وحيث لم يتم تنشئة علاقة السلطة بالمفاهيم التفاوضية.
بذلك فالبلاد سائرة في اتجاه باحتمالات متعددة: الأول هو الثقة التي يبديها الماسكون بزمام السلطة باعتبار أنهم لا يزالون يتحكمون في الحركات السياسية المناهضة للنموذج التقليدي. وحتى تلك التي تتفلت منهم يتم تطويقها أمنيًّا بسرعة؛ ما يعطي الانطباع بأنها معارضات معزولة، لكن يجب الحذر؛ لأن مستوى التأطير لا يرتبط بالمؤسسات الوسيطة التقليدية، وهناك إجماع هذه المرة يتمثل في الإطاحة بالولاية الرابعة لبوتفليقة. إنه نوع من التماهي مع الثورات العربية الأخيرة؛ حيث التركيز على الأشخاص أكثر أثرًا من التركيز على النظام.
وفي التماهي نفسه يمكن أن يكون السيناريو الثاني هو تصدعًا داخل التوازنات الكبرى للنظام السياسي؛ حيث بدأ يظهر تفلت بعض الاتجاهات التي تنتمي تقليديًّا إلى الجيش أو المخابرات.
السيناريو الأخير هو الفوضى بدون بدائل ثابتة. وعمومًا، هناك نوع من الوعي بأهمية الحفاظ على الاستقرار من أطراف عدة؛ لكون الجزائريين يفهمون جيدًا معنى اللا أمن، لكن هناك جيل جديد لم يعش تجربة الحرب الأهلية التي دارت رحاها منذ زهاء عقدين، وربما يكون في حاجة إلى جمهورية جديدة.
د.خالد شيات
(*) جامعة محمد الأول، وجدة، المغرب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.