العرب أول من أدرك قيمة الترجمة.. على المائدة * تدريب كوادر من المترجمين "ضرورة".. والتعاون مع ألمانيا زاد فى الفترة الأخيرة تعد الترجمة جسر التواصل الأسهل فى تعارف الشعوب، ووسيلة مشروعة للكشف عن هوية ثقافة الآخر، مما استوجب ضرورة معرفة المعوقات التى تقف دون إتمام دورها على أكمل وجه، وعلى المائدة المستديرة تم مناقشة ندوة بعنوان "الترجمة .. تجارب مؤسسة ألمانيا نموذجا " أدارتها الدكتورة سهير المصادفة وتحدث فيها متخصصون وطرحوا رؤاهم حول كل ما يعوق هذا الجانب المعرفى المهم والذى كان وسيظل أحد محاور النهوض بالأمم فى جميع المجالات . الدكتورة أمانى كمال سيد صالح، أستاذ الأدب الألمانى والأدب المقارن والترجمة بقسم اللغة الألمانية بكلية الألسن جامعة عين شمس تحدثت عن تجربتها فى مجال الترجمة وخصوصا العمل المؤسسى الأخير الذى ترجمته بالتعاون مع المعهد الألمانى للآثار بالقاهرة ووزارة الخارجية الألمانية والمدرسة الإنجيلية الألمانية بالقاهرة . وقامت بالاشتراك مع فريق عمل من قسم اللغة الألمانية بكلية الألسن جامعة عين شمس فى 2014 بترجمة ثلاثة كتب من الألمانية إلى العربية عن الحضارة المصرية القديمة .. وكذلك بردية متحف تورينو: علوم الخرائط والأرض ووصف التضاريس و تتناول البردية والتى تعد واحدة من القطع النادرة التي تتناول علم الخرائط في مصر القديمة. وهي البردية التي رسمها أمون ناخت حول عام 1150 قبل الميلاد. هذه الوثيقة لا تعتبر أول خريطة طوبوجرافية فحسب وإنما واحدة من أوائل الخرائط الجيولوجية المعروفة على الإطلاق. ويلفت النظر تشابه تكوينها مع المبادئ الحديثة لعلم الخرائط. وأوضحت كمال بأنه تم الاستعانة فى ترجمة الثلاث كتب بالعديد من المراجع المتخصصة الخاصة بعلم المصريات ومعاجم الحضارة المصرية القديمة وموسوعة مصر القديمة فى 16 جزء لسليم حسن. كما تم سؤال بعض المرشدين السياحيين حول بعض المصطلحات المتخصصة. هذا ولأول مرة يتم الاهتمام بترجمة هذا المجال "كتب المصريات" إلى الألمانية حيث أن هناك قصور شديد فى ترجمة ما كتبه الغرب عن الحضارة المصرية القديمة بالرغم من انطلاقهم فى تقدمهم من الحضارة المصرية القديمة. وأكدت على إشادة السيدة زيجيل منسقة العمل بالمعهد الألمانى للآثار بدقة الترجمة والعمل ووصفتها بأنها "ترجمة رغبتها الشديدة فى استمرار التعاون مع الفريق وذلك بترجمة كتاب ضخم جديد عن تاريخ مصر القديمة. كما تحدثت كمال عن دور قسم اللغة الألمانية برئاسة الاستاذ الدكتور طارق عبد البارى من أجل دفع عملية الترجمة وإعداد كوادر من المترجمين المتخصصين وذلك من خلال برنامج فريد من نوعه وهو برنامج الماجستير المشترك الجديد بقسم اللغة الألمانية بكلية الألسن بين جامعة عين شمس وجامعة لايبتسيج بألمانيا فى مجال الترجمة المتخصصة للغتين العربية والألمانية. ويتضمن برنامج الدراسة قيام دارسى إحدى الجامعات الشريكة بقضاء فصل دراسى إلزامى بالجامعة الشريكة الأخرى، وتقوم الجامعتان بمنح شهادة من جانبها حال إنهاء الدراسة بنجاح مما يتيح للخريجين أفضلية فريدة فى سوق العمل. وتناولت الدكتورة أمانى حركة الترجمة من الألمانية إلى العربية فى مصر فى الآونة الأخيرة، و سعيها مع القسم فى الاهتمام أيضا بترجمة أدب الطفل والشباب الألمانى الذى لم يحظ بالدراسة والاهتمام وأشارت إلى ارتفاع عدد دور النشر الألمانية المتخصصة فى ادب الطفل – ما يزيد عن 70 دار نشر – فى مقابل ضآلة عدد دور النشر المصرية فى هذا المجال. الدكتورعاصم العمارى بقسم اللغة الألمانية كلية الألسن جامعة عين شمس قال إن أجدادنا عرفوا الترجمة وأثبتوا جدارتهم فيها وتفوقوا على كافة الشعوب قاطبة وهذا سر نجاهم فى التواصل والتكامل مع جميع الأمم الأخرى . ورغم قيام القيصر كاركالا بحرق مكتبة الإسكندرية فى القرن الثالث الميلادى التى تأسست فى سنة 300 قبل الميلاد وضمت سبعمائة ألف كتاب إلا أن العرب لم ييأسوا وعقدوا العزم وسعوا سعياً حثيثاً لنقل الحضارة اليونانية القديمة ، ولولاهم لما عرفت البشرية شيئاً عن هذه الحضارة العريقة . وأضاف : لقد أدرك العرب أن الترجمة هى أهم أدواتهم نحو اللحاق بركب الحضارة ولهذا شغفوا بالحضارة اليوناينة عام 680م عندما أسس المأمون مدرسة الحكمة للترجمة واصلوا هذا العمل المتميز فى القرنين الثانى والثالث عشر الميلاديين فى مدرسة طليطة للترجمة بالأندلس التى بدأت فيها الحركة العلمية للعرب فى الازدهار حيث إنكبوا على نقل الحضارة اليونانية القديمة للبشرية جمعاء . وحشدوا لها المترجمين المجيدين كابن البطريق ثم الفارابى ، ولم يتخلص العرب من هذا التراث بحجة أنه أجنبى بل حفظوه وأعادوه للحياة مرة أخرى، و طوروا هذا العلم ليصبح تطبيقياً حتى تستفيد منه البشرية . وهنا تجدر الإشارة إلى ظهور الطبعة الأولى للقاموس العربى الإنجليزى للمستشرق ادوارد وليم لين والشيخ الأزهرى إبراهيم عبد الغفار الدسوقى فى لندن عام 1863 . وكل هذا يؤكد أيضاً الدور الفاعل للترجمة فى التواصل مع كافة الأمم رغم تباين وجهات النظر حول عدة قضايا ؛ فالخلاف يعمق الاحترام المتبادل ويؤكد حتمية الحوار. وأشار العمارى أن هذا ما كانت عليه الترجمة فى الماضى ، وأما حاضرها فمغاير تماماُ حتى أعلن عن فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل للآداب عام 1988 الذى لم يكن معروفاً بالنسبة للقارئ الغربى بصفة عامة وللأوروبى بصفة خاصة وهنا أدركنا أنه بالفعل فاتنا الكثير . فمن البديهى أن نجيب محفوظ لم يكن أديباً مغموراً ولكن ما نقل من أعماله على سبيل المثال لا على الحصر إلى الألمانية قبل الجائزة هو كتاب يتيم هو "ثرثرة فوق النيل" أصدرته دار نشر مغمورة فى برلين"Edition Orient" أعلنت إفلاسها بعد ذلك بوقت قليل . وأرجع العمارى أهم الأسباب فى ذلك إلى التراجع فى حركة الترجمة وغياب الخطة الواعية وترك المجال للغرب الذى بدأ يتحدث فجأة ولأول مرة عن عالمية الأدب العربى ودوره البارز فى نشر السلام والتواصل بين الحضارات بعد جائزة نوبل لمحفوظ ،. وما لبث أن غمر الأسواق الأوروبية بالدرجة الأولى فيضان من ترجمات للأدب العربى ومن فرط شغف القارئ بهذا الأدب تم نقله دون ضابط أو رابط ومن أشخاص تنقصهم الخبرة فى كل من الثقافة العربية والترجمة ، والأغرب من ذلك هو تخصص دارين للنشر فقط فى سويسرا . ومن هنا نحاول أن نضع حجر الأساس لبداية واقعية سليمة أساسها اللغة العربية والكتاب العربية ودور النشر ومعارض الكتب ومؤسسات الفكر العربى والدعاية والتسويق للثقافة العربية بالداخل والخارج ودعم القراءة مع الحفاظ على الهوية وصناعة المترجم وخطط للترجمة وجوائزها ودعمها وأخيراً اتقان اللغات الأجنبية والتعرف على الثقافات الأخرى وتقبل الحوار والخلاف فى الرأى.