أضحت وحدها الآن هجرتها جدتها وتركها حبيبها وما من أحد ليراقبها أو يملي عليها أوامر أو يفرض عليها شيئا .. تُركت عارية في الهواء الطلق فالتمست الدفء وسط الفتيات المجنونات أمثالها ! بعد تلك الليلة الدموية الصاخبة انتظمت الفتيات اللائي شاركن في أكل قلب " كالي " في جماعة هدفها الوصول إلي الخلود .. كن خمسا فقط في تلك المرحلة ، بعد أن انقطعت فتاة لا يعرف اسمها سوي " بيني " عن المجيء واختفت نهائيا ولم يعلم أحد ما حل بها بالضبط .. والدة " بيني " الغير بشرية باتت هي أيقونتهن المقدسة ومن دمها يأخذن الخلود والشباب الأبدي الدائم .. في ليلة اجتمعن وأخذن يتدارسن ما يجب أن يقمن به بالضبط .. إنهن لن يكتفين بمجموعتهن الصغيرة بل سيعملن علي ضم المزيد والمزيد من العضوات لهن .. العضوات فقط ولا مكان للرجال ! " هل سنضم إلينا رجالا ؟! " قالت " تيرالا " فضحكت إحداهن ضحكة ماجنة قطعتها " بيني " بنظرتها الصارمة وردت بلهجة قاسية : " لا مكان للرجال بيننا ! " لكنها سرعان ما استطردت : " إلا كخدم لدينا ! " دهشت " مولي " وسألتها قلقة : " وما حاجتنا إليهم أصلا ؟! " قطبت " بيني " حاجبيها وقالت : " سيكونون صيادين لنا .. سيحضرون لنا الطرائد ! " " الطرائد ؟! " تساءلت احدي الفتيات بذعر فأجابت " بيني " فورا : " هل تعتقدن أن " كالي " ستكون الأخيرة ؟! نحن بحاجة إلي قلب بشري كل شهر لنقيم طقوسنا ! " " طقوسنا ؟! " " نعم .. إننا دين جديد ودنيا جديدة وسيكون لدينا طقوس منظمة ! " " دين .. أي دين تعنين ؟! هل سننشئ كنيسة ؟! " لوت " مولي " شفتيها وبادرت هي مجيبة : " هل تعتقدين إننا مجتمعون هنا من أجل الاعتراف .. إننا ندين بعقيدة الخلود وطقوسنا هي التي ستوصلنا إلي الحصول عليه ! " " ولكن كيف ؟! " " كيف ماذا ؟! " " كيف سنحصل علي الطرائد ؟! " ضاقت عينا " تيرالا " تحت نظارتها السميكة بينما ردت " بيني " علي الفور : " تلك ستكون مهمة يسيرة .. لكنها ليست مهمتنا علي أية حال ! " لم تفهم واحدة منهن شيئا مما تنوي " بيني " الإقدام عليه ولم يجرؤن علي سؤالها .. فقد اكتسبت شخصيتها ، خاصة بعد ليلة شق صدر " كالي " وتمزيق جثتها ، أبعادا أسطورية شيطانية وكلما همت إحداهن بسؤالها عن شيء تذكرت منظرها وأسنانها تلمع فوق هامة " كالي " الشاحبة .. فتطبق فمها علي الفور ! مضي أسبوعان ثم حدث فجأة شيء مخيف .. ففي منتصف ليلة ما اتصلت " بيني " مذعورة بصديقتها " مولي " وطلبت منها الحضور إليها فورا ! شعرت " مولي " الكاهنة بأن ثمة شيء فظيع يحدث فهرعت فورا إلي بيت " بيني " وهناك وجدت أمرا عظيما مخيفة في انتظارها : " إنها هكذا منذ ثلاث ساعات ! " " ألم تحضري لها طبيبا ؟! " " أي طبيب يا حمقاء .. أي طبيب إنها ليست بشرية مثلنا أصلا ! " صمتت " مولينجا " حائرة للحظة بينما أخذت " بيني " ترتعد وتردد : " لو ماتت .. " " أسكتي ! " " لو أنها ماتت .. " " أصمتي قلت لك ! " " لو أنها ماتت فنحن جميعا قد خدعنا ! " صرخت فيها " مولينجا " آمرة وقد بدت مخيفة كشيطان فصمتت " بيني " علي الفور : " لن تموت ! " " ألست الكاهنة .. أفعلي شيئا لإنقاذها ! " أخذت تفكر للحظة بسرعة خارقة واستنجدت بالروح القديمة التي تسكنها لتلهمها ماذا تفعل في تلك الورطة .. ورطة ورطة حقيقية سيتصدع شمل جماعتهن وبنيتها وستنهار أعمدتها في لحظة إن هوت " خاتانا " العجوز ميتة ! معني هذا إنها ليست خالدة .. معني هذا إنه ليس هناك خلود للأحياء ولا يمكن أن يكون ! خدعة هذه .. خدعة قبيحة من تلك العجوز ومن ابنتها الرخيصة التي تقرض أظافرها كتلميذة صغيرة مذنبة وهي تتطلع إلي صديقتها لتنقذها من هذه الفضيحة ! يجب أن تبقي العجوز حية .. يجب أن يجدن وسيلة لذلك ! " لن تموت لا تخافي ! " " هل .. هل هناك أمل .. حل ؟! " أحنت " مولينجا " الكاهنة رأسها وهتفت بصوت ولغة غريبان عليها : " إنها ستخلد وستنال موطئ قدم دائم في عالمنا .. لكن عليكن بتقديم قربان للحصول علي ذلك !ّ " أدركت " بيني " أن " مولي " ليست هي التي تتحدث الآن لكن الروح القديمة التي تسكنها فهتفت مرعوبة وهي تشعر بالرهبة والإجلال : " سيدتي ؟! " " روح شابة تنزع كبدها هنا .. والآن ! " الموت مرة أخري .. الموت من جديد ولكن لمن هذه المرة ؟! فكرت " بيني " بسرعة هائلة .. دارت عيناها في كل نقطة حولها ثم استقرت نظراتها أخيرا .. تناولت هاتفها المحمول وطلبت رقما بسرعة ثم سُمعت وهي تقول بلهجة باردة : " تيرالا .. أريدك هنا الآن ! " ... يتبع