بعد ثلاث ساعات كانت " مولي " ترجع إلي بيتها مشتتة الذهن وفي حالة ذهول وضياع كامل .. " مولي " عفوا " مولينجا " التي ما صارت " مولي " بعد فقد تغيرت حتى العظم .. لقد حصلت علي اللقب وتكبرت عليهم فصارت السادنة والكاهنة وخادمة الكأس المحترمة ! ولم يكن ذلك ألا لأنها الوحيدة التي أقدمت حينما أحجمت الباقيات وخفن وتلفعن بالذعر .. فهي التي بدأت الوليمة وهي التي غرست أول سكين في قلب " كالي " وانتزعته من موضعه ! المصيبة أنها لا تذكر كيف ومتى أقدمت علي فعل كل ذلك .. إن كل ما تذكره أنها رمقت " بيني " بنظرة طويلة صامتة وهي واقفة بجوار المنضدة التي أراحوا عليها الجثة الدافئة وأخذت تتعجب من حالتها : " إنها دافئة ! " هتفت " تيرالا " بعصية وهي تتحسس جبين الميتة الناصع الشاحب : " لا تزال دافئة ! " كانت الفتاة المسكينة ذات العيون الأربعة تتساءل برعب أكثر منها تقرر حقيقة لكن أحدا ممن حولها لم يبالي بالإجابة علي سؤالها الحائر : " كيف لا تزال دافئة حتى الساعة ؟! " للمرة الثالثة لم يهتم أحد بالرد عليها خاصة " مولي " التي كانت في موقف خاص جدا .. فقد أمسكت عينا " بيني " النفاذتان وسيطرتا عليها سيطرة مميتة فسرت برودة في أحشائها وشعرت بقوة تستولي عليها وتنتزع روحها وتضع بدلا منها روحا جديدة .. روحا لا تنتمي لها ولا تعرف من أين جاءت بها ! كانت " بيني " قد هيأت كل شيء لليلتها الجهنمية فأحضرت طاقم سكاكين ومقصات وملاقط وحتى الأطباق والشوك أعدتها وجهزت قدرا كبيرا وعدة كئوس صفراء لامعة : " إنها من الذهب ! " شهقت فتاة رهبة ودهشة وفزعا بينما كانت "مولي " ترقب الجثة الراقدة أمامها وثمة شيء غريب ينمو داخلها .. كان تركيزها منصبا تماما علي جسد " كالي " العاري ودوي من أفكار تطن في رأسها كخلية نحل .. مضت عليها لحظتين هكذا ثم فجأة بدأت تغني .. ارتعشت شفتاها واتسعت عيناها وبقيتا مفتوحتين ثابتتين بلا اهتزاز ولا حركة لأجفانها .. خرج صوت ضعيف مبتور من بين شفتيها ما لبث أن أنتظم في أغنية قصيرة مكررة القرار لا تعرف لها معني .. نظرت إليها الفتيات مندهشات وبعضهن شعرن بالرعب بينما ابتسمت " بيني " بسعادة وظهر فكيها كلاهما ولمعت أطراف أسنانها الأمامية بشكل أعطاها منظر شيطاني مخيف : " إنها لغة كنعانية ! " همست " بيني " فلم يحفل بها أحد وإن علت وجوه الجميع مزيد من الدهشة وكثير من الفزع : " إنها اختيرت .. ياللسعادة .. لقد اختاروها ! " صمتت " مولي " فجأة وتحولت تنظر إلي الفتيات فتجمدت الدماء في عروقهن .. اقتربت من مجمع القواطع والشفرات التي أعدتها الشريرة وتناولت منها سكين طويلة لها شفرة تلمع كوجه شيطان سعيد بهلاك البشر .. وبدون لحظة تردد أو لحظة خوف رشقتها ككابوس في صدر " كالي " الميتة فحطمت عظمها واخترقته حتى وصلت إلي القلب .. صرخت " تيرالا " وأغمضت عينيها بينما انفجرت نافورة من الدم غطت وجهها ووجهي فتاتين أخريين بالقرب منها .. توقفت المسكينة عن التنفس للحظة وتجمدت كتمثال من خشب للحظة وشعرت أن رئتاها توقفتا عن العمل وضغطت جفونها بقوة .. بقيت الفتيات ساكنات للحظة بما فيهن " بيني " وكأنهن تماثيل حجرية متآكلة .. وبغتة سحبت " مولي " سكينها من صدر كالي ساحبة معها نافورة صغيرة من الدم بينما كان قلب الفتاة معلقا في طرف السكين والنصل مخترقا نصفه بالضبط ! هذه المرة لم تتقيأ إحداهن .. مرت عليهن لحظة سوداء بهتت فيه كل الأشكال والألوان حولهن .. كانت " بيني " هي أول من تحركت .. دارت حول المنضدة حتى وصلت إلي حيث وقفت الشجاعة المغوارة وطبعت قبلة باردة سريعة علي خدها ورغم أنها أحست ببرودة الموت في جسدها إلا أنها غمرتها بكلمات التقريظ والتشجيع : " يا لك من شجاعة .. لقد تم اختيارك وإننا جميعا نخضع لك ! " أفاقت " مولي " لتجد نفسها محاطة بالفتيات اللائي يرمقنها ما بين مذهولات ومرعوبات ومعجبات بينما جثة صديقتها " كالي " ترقد تحت يديها بصدر منتهك ممزق وقلبها المنزوع يتعلق بسكين في يدها ! أما بقية الأمسية فقد كان أكثر الأشياء جنونا التي حدثت لهذه المجموعة من البنات في حياتهن كلها .. أتضح أن قائدتهم ، القديمة ، " بيني " لا تريدهن أن يأكلن الجثة كلها بل سيكتفين بالقلب فقط التي تم تمزيقه إلي قطع صغيرة ووضعت كل قطعة منه طبق وقدمت لفتاة .. الغريب .. المثير للذهول فعلا أنهن كلهن أخذن أنصبتهن وأكلنها في صمت وطاعة كاملة .. هل كن منومات .. هل كنت متمالكات لقواهن العقلية ولإرادتهن وهن يفعلن ذلك ؟! لا أحد يجزم بلا ولا بنعم .. لكن " مولينجا " الكاهنة عادت إلي بيتها لتجد الجدة تنتظرها غاضبة علي غير العادة ، وكانت قد تركتها جانبا وأهملتها إهمالا كاملا في الأيام الأخيرة ، وتجد نفسها تفيق وكأنما من كابوس .. لا تعرف كيف فعلت ما فعلته ولا أية روح نجسة سكنتها ودفعتها للإقدام علي هذا الجنون .. إنها لا تعرف الآن سوي شيئا واحدا .. أن جزءا من قلب " كالي " يتم هضمه في معدتها الآن ! اندفعت إلي الحمام محاولة التقيؤ .. أدخلت أصبعها ودفعته في حلقها حتى لامس لسان مزمارها دون أن تندفع محتويات معدتها إلي الخارج .. ذهبت إلي غرفتها ، وجدتها تلاحقها طالبة منها أن تقف دقيقة لتستمع إليها ، دون فائدة .. في غرفتها انتزعت زجاجة طلاء أظافر صغيرة من درج في منضدة التزين الصغيرة الخاصة بها وفتحتها .. كانت رائحة هذه المادة دائما تسبب لها الغثيان وتدفعها للرغبة في التقيؤ .. فتحت الزجاجة وشمعت السائل الكثيف بعمق .. شمته مرة وثانية وثالثة دون أن يحدث شيء .. دلفت جدتها خلفها وصرخت فيها ثم عندما لاحظت أنها لم تعرها انتباها ضربت الزجاجة الصغيرة فطارت من يد " مولي " وصرخت فيها : " يا معتوهة استمعي إلي بدلا من تشمم طلاء أظافرك المقرفة ! " غضبت الفتاة لما فعلته جدتها وشعرت برغبة حارقة في ضربها ورفسها وركلها حتى تموت لكن ما عاجلتها جدتها بقوله جعل كافة تلك المشاعر العدائية تخمد فجأة : " سأسلمك ميراثك كاملا هذا الأسبوع .. لقد اتفقت مع المحامي علي ذلك ! " كانت تلك مفاجأة ل" مولي " التي لم تتوقع هذه الخطوة من جدتها أبدا .. لذلك شعرت فجأة بأنها بدأت تكون هي .. ستحصل علي ميراثها وتذهب بعيدا بعيدا .. وستكون كما ينبغي أن تكون .. هل هذه الأمور عجيبة ؟! لا فعليا .. العجيب حقا أن هذا يحقق نبوءة " بيني " لها الليلة بحذافيرها .. فإلي أين يمكنها الهروب من تلك الرفقة المشئومة ! أنتظروا حلقات كأس الدم يوما بعد يوم في العاشرة مساء بالتبادل مع يوميات كاتب رعب