مولينجا كانت تلك الليلة الأولي التي تجتمع فيها الجماعة السرية منذ نحو شهرين أو ربما أكثر .. إن الطرائد قليلة جدا هذه الأيام والصيادون قد صاروا كسالي للغاية .. إضافة إلى أن العيون مفتحة على اتساعها في تلك الأزمنة الرديئة ! أزمنة رديئة فعلا .. والأردأ منها هو البشر الذين يتحتم عليك التعامل معهم ! ثلة من الحثالة والساقطين الذين يعتقدون الأمر مجرد نزعات إجرامية ورغبات في تصفية دماء المجتمع ولا يعلمون ، ولا يجدر بهم أن يعلموا ، أية خدمة تؤديها هذه المجموعة من الأفراد للبشرية كلها ! هيه .. كان الملل مستوليا عليها يومئذ فهي لم تغادر وكرها القذر منذ نحو ثلاثة أيام أو تزيد .. لقد خرجت فقط لتشهد الاحتفال الشهري المنتظر وعادت ثانية لتبقي منزوية في هذا الركن تنتظر عودته .. إنه لن يعود ثانية كما قيل لها من جميع من عرفوا بهروبه وكما أكدت له رسالته المشئومة التي تركها لها ، تعطفا وربما إذلالا ، تحت الوسادة المحشوة بشعره : " إنك تخيفينني يا " مولي " .. أنت تعرفين أنني أحبك .. لكن عفوا لم أعد قادرا علي مزيد من التحمل .. إنك تخيفينني وأنت تعلمين ذلك ! " تخيفه ؟! تري أي شيء أقدمت عليه وجعله يتفوه بهذه العبارة الخرقاء .. تخيفه ؟! لم تفرض عليه أبدا المشاركة في أى نشاط من أنشطة جماعتها الصغيرة ولم تخبره شيئا عنها أساسا .. فلم يجترح تلك الكذبة الصفيقة ! دخنت سيجارتها بيدين مرتعشتين .. لم تكن من هواة التدخين ولا من مدمنيه أصلا لكنهم قالوا لها أن التدخين سينسيها آلامها ومشاكلها خاصة لو أقدمت علي تجربة نوع من المخدرات السماوية الزرقاء .. كانت تقيم في غرفة عفنة مظلمة صغيرة تحيط بها حاجياتها المبعثرة دون نظام وقطع قليلة من الأثاث المغبر العتيق .. كل شيء حولها كان عتيقا عفا الزمن علي الموضة التي أتت به منذ قرن أو يزيد ! مزاجها الولوع بكل ما هو قديم وعتيق وربما متعفن كذلك هو سبب كل ما تعانيه .. لكن ما ذنبها إذا كانت قد خلقت هكذا ومعها مزاج وحشي غريب دفعها للإقامة في غرفة أرضية مظلمة تجلب السقم تاركة قصرا عتيقا تركه لها والداها .. وفيه سبع وعشرون حجرة صالحة للاستخدام عدا المرافق والخدمات ! لم يكن لها في العالم سوي جدتها وقد سئمت المرأة العجوز من محاولة تقويمها وإصلاح اعوجاجها : " أذهبي حيث تودين الذهاب وافعلي ما شئت فقد سئمت هذا كله ! " قالتها مغضبة ثم انصرفت متوكئة علي عصاها القصيرة الغليظة يساعدها خادم شاب ألتحق بخدمة الأسرة منذ أيام قلائل .. نفس الخادم الذي أضحي صديقا مقربا ثم عشيقا للفتاة اللعوب المتمردة ! كان مدار هذا الخلاف الناشب كله هو مزاج الفتاة السوداوي الأسطوري الغريب .. كانت مولعة بالقصص والأساطير المخيفة .. ليس هذا مزاجا نادرا عند الشبيبة من سنها .. البلوى أنها لم تكن مولعة فقط بل كانت تسعي للمعايشة والتجريب .. ولأجل أن ترضي مزاجها المتعفن الغريب هذا أخذت تنزلق وتنزلق .. حتى هوت في النهاية في قعر قفر مرعب مليء بالسحرة والفجار والشياطين ! ... تعرفت " مولي " علي " بيني " في السنة الجامعية الأخيرة لها .. لم يكن " بيني " هو اسم الفتاة الحقيقي ، ربما لم يكن لها اسم واحد فحسب فهي دائمة التنقل وتغيير أسمائها وصفاتها ، أو ربما لم يكن لها اسم مطلقا فهي سليلة أسرة من المعتوهين بالوراثة : " لم تكن أمي امرأة حقيقية .. كانت مسخا شيطانيا وجده أبي في كهف شنغريلا ! " لم تصدق " مولي " وضحكت بعفوية لكن الفتاة الأخرى قطبت وظهرت عليها ملامح الغضب : " إنني لا أكذب ! " لملمت " مولي " بقايا ابتسامتها الساخرة وهتفت مسترضية رفيقتها الغريبة الأطوار : " أوه .. نعم بالطبع .. بالطبع ! " الكثير من القصص الغريبة روتها لها الفتاة " بيني " ولم تصدق منها الأولي حرفا .. كان هذا حتى دعتها " بيني " لزيارة منزلهم الريفي العتيق في خارج المدينة حيث التقت " مولي " للمرة الأولي بتلك الرفقة الغريبة من الفتيات .. وتغير اسمها في تلك الليلة الأولي إلي " مولينجا " وأعطيت رسم الكهانة رغم حداثة انضمامها لتلك الجماعة الغامضة .. التي لا يعرف أحد حتى الآن فيم يفكرون بالضبط وما الذي يؤمنون به ويسعون لتحقيقه ! أنتظرونا يوميا في العاشرة مساء