ودعت تينارييس زملاءها في العمل، والذين كانت تقطع معهم عدة بلوكات، وصعدت سيارة الركاب التي ستنزلها بالقرب من بيت روسا. كان من حظها أن وجدت في هذه الساعة مقعدا، رمت بنفسها عليه لتستريح جنب الشباك، كانت متعبة بشدة مثل كل آخر الأسبوع، وكان شيئا طيبا أن غدا يوم سبت نصف يوم عمل فقط. لكن بعده سيكون يوم الأحد وهي لا تحتمل أيام الأحد تلك. قداس الساعة 11.30، أيس كريم فانيليا، شوكولاته، سينما الحفلة الثانية ببروجرام يعاد مرة أخري، وقاعة السينما مكتظة بالناس، بروائح غير مستحبة ودخان، وكعكة وزجاجة كوكاكولا عند الخروج من السينما، وتظل نهاية يوم الأحد مثل كل المئات من أيام الأحد الماضية والأخري في المستقبل، وبعدها أيام الاثنين والثلاثاء، وكل أيام الأسبوع بكاملها شغل، دون وقت لا تفعل فيه شيئا، حتي ولا لطلاء الأظافر فكرت في ذلك بينما كانت تتأمل طلاء أظافرها الذي كان معمولا بشكل سيئ والذي بدأ يتقشر. «يارب تكون روسا في حالة طيبة» ففي الأسبوع الماضي رأتها مرهقة بشدة، وهو شيءطبيعي مع الشغل الكثير، وهي وحدها تتحمل كل الشغل والعناية بما يحتاجه الأولاد. ويحتاجه سانتياجو. ومن حظها أن سانتياجو كان بالغ الطيبة معها ولا يبخل عليها بكل ما لديه، والشيء الوحيد غير الطيب أن حديثه معها كله عن الشغل لا أكثر. وانهما تقريبا منشغلان دائما بالبحث عما يمكن أن يزيد دخلهما. لكن كم يحب روسا. وإذا لم يكن يوفر لها ما يريحها فليس ذلك بإرادته إنه رجل طيب في الحقيقة، جاد جدا وشغال، ولا يمشي مع أصحاب حتي ولا للتنزه، ودائما من بيته لشغله، محظوظة روسا، زوج مثل سانتياجو، أولادها، وبيت صغير. يبدو لها هذا شيئا طيبا، وأنها تمتلك الكثير. وعلي العكس هي... تنهدت تينا وهزت رأسها محاولة أن تتحاشي هذا الاتجاه الذي تأخذها إليه أفكارها فهي لا تحب التفكير في نفسها، ولا في حياتها، فهو يسبب لها الأذي، وينتهي دائما بحزن. إن أكثر ما يزيد من آلامها كونها تعيش وحيدة، دون أن تجد ذلك الشخص الذي تحتاج إليه، وليس لها سوي غرفة في الطابق الثالث. لمبني مظلم وقذر. غرفة شديدة الضيق حيث تتسع بالكاد لحاجاتها: سرير نحاسي زال لونه خلال السنين والذي اعتقدت مرة أن لونه كان ذهبيا، ثم المائدة حيث تتناول طعامها وتكوي ملابسها وماكينة الخياطة التي تركتها لها أمها وهذا الدولاب العتيق الذي لا تجرؤ علي بيعه لأنها بذلك كما لو كانت تبيع ذكرياتها كلها: فقد كان يحتفظ بملابس أبيها وأمها، وملابسها هي، وبعض المدخرات وصور العائلة. حاجات مثل هذه. هنا تشيخ في هذه الغرفة الكئيبة، بالغة الكآبة مثلها هي نفسها. مثل فقدان الأمل الذي راح يتزايد يوما بعد يوم، كل شيء كان سيختلف لو أن أبويها لم يكونا علي قيد الحياة، لكنهما الآن طاعنان جدا في السن ونهبا لأمراض عديدة.. وما سيجري علاوة علي ذلك هو أن تراهما يعانيان سنينا وسنينا، ربما كان قدرها أن تظل وحيدة في الدنيا. لا يمكنها حتي أن تكون لها قطة أو كلب في هذه الغرفة شديدة الضيق، وعصفور الكناريا المسكين الذي أهدته لها روسا مات فجأة، وبلا شك لأنه افتقد الهواء والشمس... كيف يمكن أن تكون لها شقة، كما يمكن أن يكون لها زوج، وأولاد، رجل يأخذها في حضنه ويقول لها. تينا» بصوت حنون؟ وعلي الرغم من أن عليها أن تشتغل كثيرا مثل روسا، إلا أنها عارفة أنه عندما يحل الليل سيأتي هو، يتعشيان معا ويدردشان في كل ما جري خلال اليوم، وعن الأطفال، وبعد ذلك يتفرجان علي التليفزيون وإن لم يكن فعلي الأقل سيستمعان للراديو لوقت قصير، بعدها تنام برأسها علي كتفه، عندها لن تشعر بالبرد في الليالي، ستنام مطمئنة وهي تصغي لتنفسه، وتري الأطفال وهم يكبرون وتسمعهم وهم يقولون ماما... وأوشكت الدموع أن تفر من عينيها إلا أنها انتهت إلي أنها في سيارة الركاب المزدحمة بالناس فتمالكت نفسها وفقط دارت براحتها علي خديها، وبسرعة أخرجت من حقيبتها مرآة صغيرة ومنديلا. جففت دموع عينيها وانشغلت بالتطلع للخارج وهي حزينة جدا، تخشي أن يكون أحد قد انتبه لما حدث. توقفت السيارة عند اللحية الزرقاء والتي بدا طلاؤها في ضوء النهار بالغ الاتساخ من اللون البرتقالي والأزرق الغامق. ونور النيون الذي كانت تراه في كل الليالي مطفأ. وما من شك في أنها منطقة سيئة وخطرة، كما تقول لها روسا دائما، لكنها قريبة من شغلها والغرفة إيجارها مائة بيسو فقط، وهذا هو كل ما تستطيع أن تدفعه. شدت طرف الجونلة حتي تغطي ركبتيها اللتين انكشفتا وعادت للتفكير في تلك الليالي التي يكون النوم قد طار من عينيها والساعات تمر وهي تتطلع إلي اللوحة المضاءة للحية الزرقاء التي تنير وتنطفيء ، بينما تسمع طوال الوقت وحتي الفجر تلك الموسيقي الصاخبة لهؤلاء المجانين. تراهم وهم خارجين أزواجا بأعداد لا حصر لها وهم يغنون أو يطلقون ضحكاتهم في قهقهات عالية، وأحيانا يفاجئونها في الشارع المزدحم، يتصايحون بشتائم أكثر انحطاطا، وبعدها يتصالحون ويختفون، متعانقين في الشوارع المظلمة. وفي أحيان أخري تأتي دورية الشرطة وتهجم عليهن ثم تمضي بهن. وهي دائما تحتقر تلك الأصناف من النساء المفرطات في أنفسهن بسهولة، وسيئات السمعة. ضحكاتهن تظل في مسامعها، وعليها أن تدفن رأسها تحت المخدة وتنتحب لإحساسها بالسخط والمهانة، وتظل تقاوم حتي تروح في النوم، وانتبهت إلي ان هذه هي محطتها ونزلت من العربة. ورأت أن نور النهار ما زال إلي حد ما، وأنها لا تحس بالبرد، مما جعلها راغبة في أن تتمشي. عفوا يا آنسة، أتسمحين لي بصحبتك؟ فتحت تينا عينيها باستنكار ولبثت تقريبا مشلولة أمام المفاجأة. حضرتك جعلتني أشعر بعاطفة نحوك، منذ ركبت السيارة وأنا متأثر بك: لك عينان معبرتان في الحقيقة. معذرة يا سيد، وتمكنت تينا أن تقول في النهاية لكنني لم أتعود علي الكلام مع من لا أعرفهم. لو حضرتك سمحت لي أن أقدم لك نفسي الآن فلن أكون ممن لا تعرفينهم. هذا ما قاله الرجل لماذا لا تعطيني الفرصة، ألا يمكن أن نكون حقيقة أصدقاء؟ بدأت تينا تسير بأسرع ما أمكنها، وهي ترغب في الوصول في أقرب وقت ممكن إلي بيت صديقتها وتخلص نفسها من ذلك الوقح، عبرت الشارع والإشارة حمراء وكان عليها أن تجري متحاشية أن يوبخوها. وعندما بلغت الرصيف تنهدت بارتياح وهي تفكر بأنها نجحت في أن تخيب أمل هذا الرجل سييء السلوك. لو أننا ارتبطنا بإنسان ما، فإننا سنحس بوجودنا (وها هو مرة أخري بجانبها) لكن أكثر ما يخيفني ألا يكون لنا ارتباط بأحد،ألا يمكن ان تمنحيني الفرصة؟ لم ترد تينا عليه، وقررت أنه من الأفضل ألا تتكلم معه كلمة زيادة، حتي يتعب ويتركها في سلام. أؤكد لك أنك جعلتني مشدودا بعواطفي إليك قال لها ذلك دون أن يفقد حماسه بسبب صمت تينا ومنذ أن رأيتك وأنا متأثر بك. ما من شيء بدا لهما أبعد من بيت روسا ، وماذا لو أن روسا لم تكن موجودة ووجدت الباب مغلقا؟ دائما هي تنتظر أيام الجمعة في هذه الساعة. لكن من السهل جدا أن نصبح أصدقاء قال لها ذلك بإلحاح. ما هو الحال لو أن روسا كانت قد ذهبت ليراها الطبيب ولم تعد إلي الآن! ففي الأسبوع الماضي قالت انها تشعر بأنها ليست بصحة جيدة. ألن تقولي لي ما هو اسمك؟ سألها الرجل. وصلت في النهاية إلي بيت روسا، وأطلقت تنهيدة ارتياح عندما أغلقت الباب خلفها، وبقيت لدقائق واقفة جنب الباب حتي سمعت الخطوات وهي تبتعد. كانت روسا تكوي عندما ظهرت تينا وهي مستثارة للغاية، بخدين محمرين وهي تلهث من المشي في الطريق، وبعد أن شربت كوب ماء حكت لصديقتها ما جري، بالتفاصيل كلها. ضحكت روسا راضية وأحبت أن تعرف ما نوع الرجل. إنني حتي لم أر وجهه اعترفت لها تينا. واصلت روسا، لوقت كاف، تعليقاتها، وهي تمزح مع تينا حول ما جري وفجأة ظلت تتطلع بطريقة خبيثة إلي تينا. هذا اليوم يومك، بلا شك قالت ذلك وهي ميتة من الضحك حقيقي أن هذا السويتر الأزرق يجعلك أكثر جمالا. واعترضت تينا قائلة إن ما تقوله روسا ليس صحيحا، لكنها راحت تقترب كما لو أنها لا تقصد، من دولاب الملابس ذي المرآة وراحت تتأمل نفسها فيها وبخجل حقيقي وخوف من أن تكون روسا تحسب أنها تتطلع الي نفسها في المرآة، بعدها، وبعناية وانتباه. انزلقت راحتاها فوق نهديها، واستندتا علي خصرها الضيق، لم تكن سيئة ولكي تكون صادقة مع نفسها عليها أن تري بأنها حسنة المظهر بما فيه الكفاية، لكن أي معاناة، وأي سوء حظ لهذا الجسم الذي يمثل هذا الحسن، إنه يذبل في ظل الوحدة، دون أن يعرف لمسة حنان ولا طعم اللذة، وأقل ما يستطيعه هو أن يئن ويتأوه. أنت الان أفضل، والآن عليك ألا تتطلعي الي نفسك كثيرا هذا ما قالته روسا خجلت تينا ومضت لتجلس علي كرسي هزاز، ولها المزاج كله الذي لطفلة مندهشة من عفرتتها، أخذت تتطوح وتبتسم سعيدة، كم هو إحساس جميل ما تحس به دائما وهي تتطلع الي روسا، تتحدثان معا، فتنقضي الساعات وتنساها أحزانها، كم تحب أن تراها كل يوم، كما كانت الحال من قبل، عندما كانتا جارتين وروسا لم تكن قد تزوجت وقتها، وهي تعيش مع أبويها..كذلك بات من المؤكد أنهم سيمنحون سانتياجو زيادة في راتبه، هذا ما حكته لها روسا،ولذلك لم تعد هناك ضرورة لتشتغل ساعات إضافية كل الليالي. إنهم راضون تماما، وسيجنبون جزءا ضئيلا من المبلغ الزائد لديون حل موعد سدادها من أثمان حاجيات اشتروها، يمكنهم أن يروا بعضهم أكثر. وجدت أياما لم نكن نري بعضنا تقريبا شكت لها روسا. أنت لا تعرفان كم أنا سعيدة لأنك أخبرتني بذلك هذا ما قالته لها تينا وفكرت بأنها قد أتت بالفعل الساعة التي ستتحسن فيها حالتهما المادية، بعد سنوات كثيرة من العيش في ضيق شديد. خبر طيب آخر أن الفتاة الجالسة علي خزينة المصنع، الذي يشتغل فيه سانتياجو، ستتزوج وتترك مكانها خاليا. سانتياجو من رأيه أن بإمكانك أن تحصلي علي وظيفتها ألا يبدو لك ذلك شيئا رائعا؟ سألتها روسا، فرحت تينا كثيرا بهذا الخبر، لأنها كانت دوما راغبة في هذه الوظيفة لكنها لم يغادرها إحساسها بالتأذي عندما فكرت بأن مكان موظفة الخزينة صار خاليا بسبب أنها ستتزوج، آلاف الشابات كلهن يتزوجن ماعدا هي، لكن روسا لم تتح وقتا أكثر في مواصلة التفكير في حظها السييء لأنها بدأت تتكلم في أمور أخري. وبينما كانتا تجهزان العشاء، فوجئت تينا بأنها تعد خططا محكمة لتزيد دخلها، فتستطيع عندئذ أن تستأجر شقة صغيرة بالقرب من روسا وسانتياجو. كم هو رائع أن تترك للأبد تلك الغرفة الفظيعة ولا تعود لتري اللحية الزرقاء وذلك الكهف القذر والذي كثيرا ما أثر فيها بشكل تشعر فيه روحها كلها بالمهانة، عمل مختلف حيث لا يكون عليها أن تقوم بإنجاز (مقطوعية) إجبارية كالتي في مصنع السويترات. حيث لابد أن تعمل مائة كم سويتر، أو مائة ياقة دون أن تجد وقتا حتي لالتقاط أنفاسها. وعلي العشاء علقت روسا بأن البرد لم يتأخر وقد بدأ والأولاد بالفعل ليس عندهم شيء مناسب للبرد يلبسونه، وسألت تينا إذا كانت تستطيع أن تحصل لهم من المصنع علي بعض السويترات بسعر معقول، وتينا أكدت لها أنه ممكن، قائلة لها إن المصنع يمنح العاملين تخفيضا كبيرا. عندئذ قرروا الحصول علي ملابس داخلية للأولاد واختيار الألوان التي ترضيهم أكثر، وبالنسبة للصبيان فقد تحمسوا بشدة لأن يكون لهم سويتر جديد ويحظون بألوان أفضل من زملائهم. ولم تكن روسا موافقة علي ذلك، إذ أنها دائما تشتري الملابس وهي تفكر في تلك التي تعيش زمنا أطول ولاتبدو مثل ملابس القرويين. لقد بذلتا جهدا كبيرا لجعل الأطفال يمضون للنوم، وبعد أن نجحتا في ذلك رفعتا ما علي المائدة وجلستا تتبادلان الحديث لفترة أخري. روسا سمعت من الراديو رواية مسلسلة، حلقتين في الأسبوع، كانت الرواية جميلة جدا ومشوقة إلي أقصي حد، والشيء الوحيد الذي ضايقها أنها لم تتمكن في بعض الحلقات من الاستماع اليها لكنهم كالعادة يبدأون الحلقة بتقديم ملخص موجز للفصول السابقة فتستطيع متابعة الرواية، والتي تثير في الحقيقة مشاعر الواحد في مرات كثيرة حتي تجعله يبكي. حتي هي، والتي ما كانت تبكي أبدا، انهمرت دموعها وهي تسمع انيتا دي مونتيمار. وتينا كانت قد سمعت أيضا فصلا من هذه الرواية. في اليوم الذي كلفت فيه من الورشة بالخروج وترك الراديو. في العادة هي تشغل الراديو علي برامج البيسبول او علي حاجات ليست مهمة بالنسبة لها، وليست علي هذا النمط. ولما كانت الساعة الآن قد بلغت التاسعة من الليل، ولم يكن سانيتاجو موجودا لكي يصحبها لتأخذ سيارة الركاب، قررت تينا أن تذهب حتي لا يتأخر الوقت أكثر من ذلك، وعند وصولها الي الناحية، كانت المفاجأة الثانية لها في هذا اليوم، ان يكون موجودا هناك الرجل الذي كان قد مشي وراءها في المساء. لم تكن قد رأت وجهه لكنها تذكرت لون بدلته وقوامه. فكرت أن تعود الي بيت روسا لكن في هذه اللحظة بالضبط رأت سيارتها تصل فركبت دون تردد. اعتقدت أن الرجل لن يكون لديه الوقت للصعود فبدأت تهدأ وأخذت سيارة الركاب الملف بشكل حاد وكانت تينا علي وشك الوقوع، واذ بشخص ما يسندها في الوقت المناسب وعندما همت أن تشكره علي لطفه رأت بفزع انه هو الرجل نفسه وابتلعت الكلمات التي همت بأن تقولها. واكتفي هو بأن ابتسم لها، وعندها رأت وجهه: «إنه شاب وما من شيء يعيبه» وبالعكس فانه يبدو جذابا، وتمنت تقريبا بدلا من أن تكون ناكرة للنعمة أن يكون صديقا لسانتياجو ولروسا التي قد تستطيع أن تحاول في ظروف أخري.. انظري يا تينا، أنا أقدم لك» انه أحسن صديق.. قال إنه مهتم جدا بك. نعم وسترين أنه شاب طيب.. قال إنه عندما يزداد دخله سيطلبك لتقترني به. وتأكدي أنك فزت بورقة اليانصيب الرابحة وقليل من الشباب من ستجدونهم مثله». واحد من الركاب سأل عن محطة، والمحصل رد عليه بأنها المحطة الآتية. وعندئذ عملت تينا حسابها علي أن تأخذ سيارة ركاب اخري. وبتسرعها في الركوب لم يتح لها أن تتأكد من أنها سيارتها. والدم ينبض بشدة في صدغيها، وساقاها أصابهما الوهن. ومشوشة بشدة من هذا الذي يجري، نزلت من السيارة. هذا ما كنت أنتظره هذا ما قاله كان لدي شعور داخلي بأنك ستعودين وتظهرين. جالت تينا ببصرها في كل الاتجاهات محاولة أن تحدد اتجاهها وتري أين تستطيع أن تأخذ سيارة ما توصلها إلي بيتها. قال لها بسعادة. والآن ها أنت ترين، انه القدر. تلك الكلمات كانت كما لو أنها شعاع سقط عليها فجأة. وشعرت بأنها دخلت في حارة سد ولا مخرج منها. وذهنها بدأ يدور مثل دوامة سريعة، وتذكرت فجأة كل الحوادث التي قرأت عنها في الصحف. كلها بدأت هكذا. وانما الأمر نفسه، مثلما حدث لتلك الفتاة المسكينة، والتي اسمها ثيليا. لم يكن ذلك من وقت طويل ما قرأته عنها. انها تتذكره جيدا.. وقفت علي الناصية دون أن تعرف ماذا تفعل ولا الي أين تتجه. لم تر في أي ناحية محطة لوقوف السيارات. وامامها محل لبيع الآيس كريم والمرطبات مزدحما بشدة جرت نحوه تسأل هنا.. عندئذ قال لها الرجل. أنا أدعوك لتناول زجاجة حاجة ساقعة. موافقة؟ وهي أدركت أن الوقت قد تأخر أكثر من اللازم لتلتمس الهروب، ولكن لا أحد نجح أبدا في الهروب من قدره، تستطيع أن تحاول ألف مرة، وكلها لن تجدي. وأحيانا يحل القدر فجأة مثل الموت نفسه الذي يأتي في يوم ما، ولا أحد بإمكانه أن يفعل شيئا. واستسلمت وحدها لنهايتها الحزينة، راضية بقدرها المحتوم فتركته يقودها برقة.