إفتتح الدكتور حمدى أبو المعاطى نقيب التشكيلين والدكتور أحمد فؤاد نقيب تشكيليين الإسكندرية والفنانة فاطمة الزهراء بسيم وكاتبة هذه السطور معرض الفنان أحمد عبد الحميد بقصر التذوق بسيدى جابر. حمل المعرض عنوان "روح المكان" حيث رسم الفنان التفاعل الوجدانى بينه وبين مدينة الأسكندرية ، تلك المدينة الساحلية الخلابة التى كانت ولا تزال مصدراً خصباً لإلهام الفنانين والمبدعين الذين أبدعوا فى تجسيد طرزها المعمارية وشواطئها البديعة ومعالمها التاريخية وشخصياتها الواقعية ورموزها الحضارية وضيوفها وروادها من كل حد وصوب . ولكننا نرى الفنان أحمد عبد الحميد قد تناول تلك المدينة فى لوحاته فى المعرض الحالى من منظور آخر وجدانى شعورى ظهر فيه تفاعله النفسى مع المكان بجميع عناصره المادية مثل معالم المكان وروعة مشاهد الشروق والغروب وتعانق أشعة الشمس مع البحر وأحتضانها له ، وعناصر أخرى تفاعلية لا مادية مثل الطقس ونوات غضبه والرياح العاتية والنسمات الصيفية الرقيقة الحانية والمشاعر المتدفقة بين الأماكن والبشر والقلوب فى فترات الصيف الطويلة إذا تحدثنا عن أعمال الفنان أحمد عبد الحميد سنجد أنها تتسم بالتجريد والتبسيط المحسوب الذى يحتفظ بروح الأشياء ، مع التمسك بالتعبيرية الرمزية فى بعض الأعمال مما يعطى لأعماله طابعاً خاصاً . كما أن الألوان فى لوحاته تمتزج فى تداخلات قوية عاصفة غاضبة فى أحيان ، وحانية رقيقة فى أحيان أخرى ، مثلها مثل بالتة ألوانه التى تتباين وتتنوع فنجدها تتميز أحياناً بالسخونة الشديدة فى بعض اللوحات ، بينما نراها فى أحيان أخرى ذات ألوان بارده حانية رقيقة ، هذا التضاد فى المشاعر والألوان هو من سمات مدينة الإسكندرية بطقسها المتقلب فى أيام الشتاء الباردة على شاطى المدينة الخلابة. ولكننا نجد فى أعمال عبد الحميد أنه على الرغم من التبسيط الذى ينتهجه الفنان فى لوحاته إلا اننا لا نخطئ فى تحديد الأماكن داخل لوحاته من خلال دلالاتها الروحية وعبقها الذى تتعطر به لوحات عبد الحميد. كما ان العنصر البشرى فى أعمال عبد الحميد لا ينفصل عن المكان وروحه ، بل بتفاعل معه ليمتزج به فى أحيان كثيرة وينفصل عنه فى أحيان نادرة ليقف على الجانب الأيمن من العمل يرصد ويترقب وينتظر ويتحين لحظة العناق مع المكان بعد أن يكون قد أفضى له بأسراره وأمنياته وحكمته. بلاغة عميقة تغلف أعمال أحمد عبد الحميد مما يجعلها ذات طبيعة خاصة تميزة عن غيره ممن تأثروا فى أعمالهم بالمكان. حقاً انه معرض يستحق المشاهدة أكثر من مرة.