الفرز السياسي اليوم فى بلدى على أشده. هل رأيتهم سيدى الرئيس ؟ هل رأيت من الذى كان يجلس على المنصة فى مؤتمر (دستور لكل المصريين) الذى نظمته جريدة المصرى اليوم؟ إنهم كل قادة الرأى والعمل السياسي فى مصر اليوم – باستثناء حزب الحرية والعدالة بالطبع – لقد كان يجلس على المنصة دكتور / رفعت السعيد (حزب التجمع) دكتور / السيد البدوى (حزب الوفد) الأستاذ / حمدين صباحى (التيار الشعبى المصرى) الأستاذ / محمد سلماوى (حزب المصريين الأحرار) دكتور / عمرو الشوبكى (حزب العدل). لم يحضر عمرو موسي فقط لأنه كان فى مهمة بنابلس فى فلسطين، وقد أناب عنه من يلقى كلمته فى افتتاحية المؤتمر. لم يذهب كل هؤلاء القادة والمفكرين إلى هناك ، سيدى الرئيس، للتوافق حول آليات عمل الجمعية التأسيسية، لم يذهبوا أيضاً إلى هناك للإتفاق على صيغ توافقية لمواد الدستور الجديد ، بل إن من يقرأ التوصيات الصادرة عن المؤتمر ليعلم أنها صدرت إما لكى يقبل حزب (الحرية والعدالة) تنفيذها ، أو أن يرفض فتؤدى إلى إسقاط الدستور الجديد فى الشارع المصرى . بل لقد بدأت هذه القوى السياسية خطوات تصعيدية جديدة اليوم، فمن اقتراح بعمل جمعية تأسيسية موازية ، إلى اقتراح بتشكيل تأسيسية جديدة تنهى عملها فى غضون 3 شهور فى حال عدم التوصل لتوافق داخل الجمعية الحالية، إلى إعداد مسودة بديلة للمواد الخلافية الواردة فى مسودة التأسيسية لكى يتم طرحها للحوار المجتمعى بعد الإعلان عنها، إلى اقتراح بإعداد مشروع قانون بإعادة تشكيل التأسيسية وتحديد آليات عملها يعرض على سيادتكم لإصدارها فى إعلان دستورى مكمل أو مشروع قانون تصدره مستخدماً سلطتكم التشريعية. المشكلة أن الطيف السياسي فى مصر اليوم بات طيفاً ذى ثلاث شعب ، يقف على أقصى اليسار فيه مجموعة من الأحزاب تؤمن (بالليبرالية) فى مفهومها الغربى المعاصر، انضم لهم حزبان يريان أن الحل السياسي للأزمة المصرية الحالية هو (العدالة الإجتماعية)، كما يريان أيضاً أن تيار الإسلام السياسي فى البلد لا يعطى للعدالة الإجتماعية حق قدرها سواء فى نصوص الدستور أو الممارسة السياسية، وأعنى بذلك حزبى التجمع (الدكتور / رفعت السعيد) والحزب الديمقراطى الإجتماعى (الدكتور/ محمد أبو الغار)، ويتكامل معهم فى ذات الرؤية حزب المصريين الأحرار فيما كان يعرف بتيار (الكتلة المصرية) فى الإنتخابات البرلمانية الأخيرة. ويقف على أقصى اليمين فى هذا الطيف تيارات الدعوة السلفية، وتنحصر رؤيتهم فى أن حل كل مشاكل مصر وأم القضايا فى الدستور القادم هو تطبيق أحكام الشريعة فى الكتاب والسنة.. ونقف نحن (الحرية والعدالة) فى وسط الحياة السياسية المصرية بمشهدها الحالى بلا حليف أو رديف، نظن أن حليفنا الدائم والقائم هو التيارات السلفية وهذا غير صحيح ، بل الصحيح أن من ينازعنا بإصرار على صدارة المشهد السياسي المصرى الحالى هو التيارات السلفية، معركتهم معنا هى حول تطبيق الشريعة. يرون أننا متراخون متهاونون فى تطبيق أحكامها . ونحن نرى أن تسرعهم الزائد فى الموضوع قد يضر بالقضية أكثر مما ينفعها. لا ننسي فى ذلك أن الله سبحانه وتعالى خلق السماء والأرض فى ستة أيام وكان قادراً – سبحانه – أن يخلقها فى ساعة واحدة، وحرم الخمر على ثلاث مراحل لأن سنته سبحانه وتعالى هو التطور والتدرج فى كل مناحى الحياة . فماذا نحن فاعلون؟ أرى أن تفرز رجالك أنت أيضاً سيدى الرئيس ، ففى صندوق الحياة السياسية المصرية توجد عشرات الجواهر اللامعة التى يجب أن تكون معنا فى معركة الدستور القادمة. أول هذه الجواهر هو الدكتور / عبد المنعم أبو الفتوح، بحزبه الجديد (مصر القوية) ، فالرجل قد شرب من معين الإخوان المسلمين لعشرات السنين ، فالرجل مرجعيته إسلامية لا شك فى هذا ، بل إن تجربة حزبه الجديد فريدة من نوعها فهى تستهدف لأول مرة فى مصر تطبيق الليبرالية بمرجعية إسلامية، لذا فالرجل يجب أن يظل فى الوسط لا فى أقصى اليمين أو اليسار ، لأن نجاحه فى تجربته الجديدة إضافة للتجربة الإسلامية فى مصر ككل . وثانى هذه الجواهر فى الصندوق السياسي المصرى هو السيد / عمرو موسى ، بحزبه الجديد (حزب المؤتمر)، فعمرو موسي هو (جوكر السياسة العربية) بلا منازع، فى يده مفاتيح العلاقات بمعظم حكام دول منطقة الخليج ، وتحت يديه وفى جعبته أيضأً حل المشكلة الفلسطينية بإقامة الدولتين وكذلك حل المشكلة العراقية بإخراج الإستعمار الأمريكى منها، بل إن الرجل بنى شهرته فى العالم العربى أجمع على مقاومة المشروع الأمريكى الصهيونى فى المنطقة، وكلنا بالطبع مازال يذكر سبب إقالته الشهير من الخارجية المصرية والأغنية التى ربطت ما بين كره إسرائيل وحب عمرو موسي فى الوجدان المصرى الكامن. وثالث هذه الجواهر هو الأستاذ/ حمدين صباحى (زعيم التيار الشعبى المصرى) . وما هو التيار الشعبى المصرى؟ إنه (الخال) عبد الرحمن الأبنودى وأحمد فؤاد نجم وسيد حجاب وجمال بخيت – مع حفظ الألقاب لكافة الآخرين المحترمين أعضاء التيار الشعبى، إنهم هذه الدرر اللامعة فى الوجدان المصرى التى يستزيد ويستعيد الشباب فى ذكرياتهم كلمات وأشعار أغانيهم عشرات المرات فى اليوم الواحد. هل تذكر أيام الميدان المجيدة وثورة 25 يناير العظيمة؟ لم يكن الشباب فى الميدان يرددون غير أغانى عبد الحليم حافظ وأغانى السيدة شادية وياحبيبتى يا مصر. كانت خبز الشباب فى الميدان وطعامهم حين كانت البطون خاوية والعيون دامعة من أثر قنابل الغاز، إن أغانى حجاب والأبنودى ونجم وبخيت هى التى ثبتت الشباب فى الميدان وهم أنفسهم الذين سيضعون الكلمات على أفواه الشباب وفى حناجرهم مرة أخرى حين يحين الحين سواء مؤيدة للدستور أو معارضة له . ورابع هذه الجواهر فى الصندوق، بل درة الدرر هو الدكتور / السيد البدوى (حزب الوفد). فالرجل يقود حزباً شرب من معين الوطنية المصرية الخالصىة لعشرات السنين، تجربته فى التاريخ تكاد تقارب تجربتنا فى عمرها، مبادئه فى مكافحة الإستعمار البريطانى والإحتكار العالمى ثابتة لا تحيد ، وجذوره فى حماية حقوق الفلاحين والعمال المصريين ضاربة لا تميد، وإذا كان حزب الوفد هو قلب الليبرالية الوسطية المصرية الخالص ، لا يميل فيها يساراً نحو شقها العلمانى ، ولا ينعطف بها يميناً نحو جذورها الرأسمالية التى قد تهضم بها حقوق الفلاح والعامل. وإذا كان الإخوان المسلمون – ومعهم الذراع السياسي حزب الحرية والعدالة – هم قلب التجربة الوسطية الإسلامية لا ينعطفون بالتجربة نحو يسار الصوفية كما لا يحيدون بالتجربة نحو يمين السلفية . لذا فيجب أن يتكامل الوسطان لا أن يتعارضا. افرز رجالك ، سيدى الرئيس ، أو أعجم سهامك فقد اقتربت ساعة المعركة. وما أقصد بذلك معركة الإنتخابات البرلمانية ، بل معركة الدستور أعنى . المستشار / أحمد محروس - أمانة التثقيف السياسي - حزب الحرية والعدالة