إحالة 6 مشروعات قوانين للجان النوعية بالبرلمان    تربية رياضية بنها تحصل على المركز الأول في المهرجان الفنى للمسرحية    أسعار الذهب اليوم الاثنين 20-5-2024 (آخر تحديث)    مدبولي يعاين أعمال الحفر من داخل أحد أنفاق المترو    تنفيذ أعمال صيانة ونظافة 1834 عمارة إسكان اجتماعي بأكتوبر الجديدة    أسعار السمك اليوم الاثنين 20-5-2024 في محافظة قنا    وزيرة البيئة: تدوير المخلفات يساعد الدولة على الوفاء بالتزاماتها تجاه التغيرات المناخية    الهلال الأحمر الإيرانى: انتشال جثث الرئيس إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته ومرافقيهما من موقع حادث تحطم المروحية    الاثنين 20 مايو 2024.. ارتفاع مؤشرات البورصة فى بداية تعاملات اليوم    تداول 15 ألف طن و818 شاحنة بضائع عامة ومتنوعة بمواني البحر الأحمر    تعيين علي باقري وزيرا للخارجية الإيرانية خلفا لعبد اللهيان    خبير في العلاقات الدولية: إسرائيل تستخدم سلاح الجوع لكسر صمود الشعب الفلسطيني    الأسد: عملنا مع الرئيس الإيراني الراحل لتبقى العلاقات السورية والإيرانية مزدهرة    ماذا نعرف عن وزير خارجية إيران بعد مصرعه على طائرة رئيسي؟    أخبار الأهلي: تحديد مدة غياب علي معلول    ارتياح بين طلاب الشهادة الإعدادية بالشرقية بعد امتحان الإنجليزي (صور)    حرامي ضربه بالنار.. مقتل مواطن داخل منزله فى قنا    في ذكرى وفاته.. سمير غانم «نجم» المتلقى الدولى للكاريكاتير 2024    أتزوج أم أجعل امى تحج؟.. وكيل وزارة الأوقاف يوضح    «رمد بورسعيد» يحصل على الاعتراف الدولي للمستشفيات الخضراء«GGHH»    لمرضى الضغط المرتفع.. احذر هذه الأطعمة خلال الموجة الحارة    8 بطولات في 9 سنوات، مسيرة كلوب مع ليفربول    جامعة بنها تنظم المؤتمر السنوي الثالث لطلاب الدراسات العليا فى مجال العلوم التطبيقية    تقارير تكشف آخر تطورات تجديد خيسوس مع الهلال السعودي    قبل نظر جلسة الاستئناف على حبسه، اعترافات المتسبب في مصرع أشرف عبد الغفور    طريقة عمل العدس بجبة بمكونات بسيطة    السوداني يؤكد تضامن العراق مع إيران بوفاة رئيسها    اليوم.. محاكمة طبيب نساء بتهمة إجراء عمليات إجهاض داخل عيادته    دعاء النبي للتخفيف من الحرارة المرتفعة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 20-5-2024    باكستان تعلن يوما للحداد على الرئيس الإيرانى ووزير خارجيته عقب تحطم المروحية    السيطرة على حريق بمنفذ لبيع اللحوم فى الدقهلية    تفاصيل الحالة المرورية اليوم الإثنين 20 مايو 2024    نجمات العالم في حفل غداء Kering Women in Motion بمهرجان كان (فيديو)    عمر كمال الشناوي: مقارنتي بجدي «ظالمة»    أول صورة لحطام مروحية الرئيس الإيراني    فلسطين.. شهداء وحرجى في سلسلة غارات إسرائيلية على قطاع غزة    ما حكم سرقة الأفكار والإبداع؟.. «الإفتاء» تجيب    محمد عادل إمام يروج لفيلم «اللعب مع العيال»    معوض: نتيجة الذهاب سبب تتويج الزمالك بالكونفدرالية    روقا: وصولنا لنهائي أي بطولة يعني ضرورة.. وسأعود للمشاركة قريبا    خلال أيام.. موعد إعلان نتيجة الصف السادس الابتدائي الترم الثاني (الرابط والخطوات)    تسنيم: انقطاع الاتصالات السلكية واللاسلكية والراديو في منطقة سقوط المروحية    سمير صبري ل قصواء الخلالي: مصر أنفقت 10 تريليونات جنيه على البنية التحتية منذ 2014    الأميرة رشا يسري ل«بين السطور»: دور مصر بشأن السلام في المنطقة يثمنه العالم    دعاء الرياح مستحب ومستجاب.. «اللهم إني أسألك خيرها»    قبل إغلاقها.. منح دراسية في الخارج للطلاب المصريين في اليابان وألمانيا 2024    لبيب: نملك جهاز فني على مستوى عال.. ونعمل مخلصين لإسعاد جماهير الزمالك    الشماريخ تعرض 6 لاعبين بالزمالك للمساءلة القانونية عقب نهائي الكونفدرالية    اليوم.. علي معلول يخضع لعملية جراحية في وتر أكيليس    استشهاد رائد الحوسبة العربية الحاج "صادق الشرقاوي "بمعتقله نتيجة القتل الطبي    استعدادات عيد الأضحى في قطر 2024: تواريخ الإجازة وتقاليد الاحتفال    مصدر أمني يكشف حقيقة حدوث سرقات بالمطارات المصرية    الإعلامية ريهام عياد تعلن طلاقها    نقيب الأطباء: قانون إدارة المنشآت الصحية يتيح الاستغناء عن 75% من العاملين    حتى يكون لها ظهير صناعي.. "تعليم النواب" توصي بعدم إنشاء أي جامعات تكنولوجية جديدة    أيمن محسب: قانون إدارة المنشآت الصحية لن يمس حقوق منتفعى التأمين الصحى الشامل    تقديم الخدمات الطبية ل1528مواطناً بقافلة مجانية بقلين فى كفر الشيخ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحلة الى العالم الآخر/ قصة قصيرة /
نشر في شموس يوم 04 - 11 - 2020


للكاتبة والأديبة البلغارية دينكا إليِّفا
ترجمها من اللغة البلغارية إلى العربية
د0محمد طرزان العيق
إهداء إلى روح والِديَّ
منذ وقت وهم يعزمون على خوض التجربة
قالت الجدة سيفدالينا: سنرتدي ملابسنا الجديدة ونذهب إلى الفراش0
عبس الجد أتاناس وتمتم: حسنًا ، لو كانت الأمور تحدث هكذا!00
أجابته زوجته العجوز ، معترضة : ولم لا تحدث ؟!0000يكفي أن يرغب الانسان في ذلك ويعقد النيّة00
كان كلاهما طاعنين في السِّن وقد إنحنى ظهريهما تحت عبئ السنين0 وحتى وقت قريب ، كانت الجدة لا تنفكُّ تحسب سنوات عمرها – لقد ولدت كهبةٍ من الله0وعلى النقيض من ذلك لم يكن الجد أتاناس يكلّف نفسه عناء تَذكُّر هذه السنوات على الإطلاق – وكان يقول لنفسه ولتكن بقدر ما تكون!000
كان العجوزان يعيشان بمفرديهما وعلى ما يبدو فإن هذا المنزل العتيق ، الذي يأويهما يمكن أن يصمد لشتاء آخر أو نحو ذلك ، وكل ما يحتاجه هو إعادة ترتيب بلاطات السقف القرميدية0 وقد كانت الغرفة التي كانا يعيشان فيها دافئة و تعلو جدرانها طبقات من الدخان 0 أمّا فناء المنزل000فكان يعاني من الاهمال ، والله وحده يعلم كم صيفٍ قد مرَّ ولم يتم جزَّ أعشاب الحديقة!000
وتمتمت الجدة متأفّفة: إني أخشى الخروج من المنزل ، تلك الحشائش في الحديقة تصدر أصواتاً صاخبة000
والحقيقة أن زوجها العجوز قد قام بقص وجزِّ هذه الأعشاب والحشائش مرات ومرّات ، غير أن يداه لم تعد تقويان على هذا الجهد وصحته لا تساعده على ذلك 0
وقال الجدُّ بغضب: كم من مرّةٍ قد قمتُ بجزِّ أعشاب الحديقة وتشذيبها!؟000
كانت الجدة ترتدي تنورة صوفية بشكل دائم سواء في الشتاء أو في الصيف000لقد قامت ،عندما كانت صبيّة صغيرة بغزلها وحياكتها 0وكانت تعتمد على هذه التنورة اليتيمة لتقدير مدى تقدمها في العمر وكذلك مدى نحافة جسمها000ولقد إعتادت كل صباح على قياس محيط خصرها عبر عدِّ الأزرار التي تحتاجها لشد الحزام حول خصرها النحيل 0
وقالت متبرّمةً كنت أشد الوثاق ثلاث مرات وأما عندما كنت فتاةً صغيرة 00
قاطعها العجوز ساخراً : عندما كنتِ شابَّة ، كان كل شيء بالفعل مختلفًا !000
لم تصمت الجدة وردّت على زوجها قائلة : نعم كان الأمر مختلفًا وبالنسبة لك أيضًا0
كان الجد أتاناس يجلب أكياسًا مليئة بالكامل بالملابس من المدينة ،ولهذا كان يرتدي كل يوم ملابس مختلفة0 وعندما كان يذهب إلى الحانة ، كان البعض يتحرّشون به ويحاولوا مضايقته فيقوم أحدهم متهكماً بتوجيه السؤال إليه : أيها الجد ناسكو(1)، هلَّا أخبرتنا بماركة الشروال الواسع الذي ترتديه؟!00
فيجيبه الجدُّ قائلاً : ويحك إنه ليس شروال إنه بنطال جينز000إنه لحفيدي
* طيّب ، طيّب "إذن هو الجينز000 هل هو صناعة أمريكية ؟!000
ويعقّب آخر بسخرية ، طبعاً إنه أمريكي الصنع ، ألا ترى كلمة ريلا(2) المكتوبة على البنطال؟!00
وأوضح الجدُّ أتاناس : لدي المزيد من هذه السراويل ، إنها أكثر حداثة وعصرية وتواكب الموضة وبعضها ذات جيوب عديدة000
وإنخرط الرجالُ في الحانة في نقاش مطوّل حول مَن يرتدي هذه الملابس وحول كيفية إرتدائها0
كان واحد من قرية "جوروتسفيت" يرتدي ملابس عسكرية بكامل زينتها وتفاصيلها وعلى ما يبدو فقد كان ابنه عقيدًا في الجيش . كان هذا القروي يرتدي البدلة العسكرية ، ويقوم وبلا أدنى حرج برعي أغنامه ، في حين كانت أكتافه تتزين بنجوم الرتبة العسكرية . بينما حظي قروي آخر ببدلة طيّار حربي فإرتداها وقام بقيادة عربة يجرُّها حمار!000
وقد يتساءل البعض هل أنجب الجد ناسكو وزوجته سيفدالينا أطفالًا ، بالطبع ، ولم لا يستطيعا الانجاب؟!000 بل و كان لديهما أحفاد. لكن الشباب لا يريدون أن يزعجهم أحد
ويفضلون الاستقلال بحياتهم 0 ومن جهة أخرى كان كبار السن أيضاً يعتقدون بأنه من الأفضل أن يعيشوا لوحدهم
وفي السنوات السابقة ، عندما كان الجد ناسكو ما زال قوي البُنية كان يستطيع أن يجز الحشائش الضارة في واجهة المنزل ويقصها ويشذبها0
والآن بعد أن إزدادت عليهما ضغوط الحياة ، فلم يعد في وسعهما سوى الجلوس أمام منزلهما ويتبادلان أطراف الحديث . غير أن الحكايات قد نفذت ولم يعد لديهما ما يقولان لبعضهما. ولقد إستعادا تاريخ حياتهما جيئة وذهاباً ، بكل تفاصيلها ولعدة مرات0
تذكرت الجدة سيفدالينا كيف أنها كانت تذهب وهي صغيرة كي ترعى الجاموسة ، وكيف أنها بسبب هذه الجاموسة ، لم تتمكن من إكمال المدرسة سوى للصف الرابع فقط 0
وتتذكر العجوز كيف أن قريبتها الأكبر منها كاكا (3) "ميكا"، التي تمكنت من الدراسة حتى الصف الثاني وهذا ما سهّل خطوبتها لأحد التجار وأضافت; كم كنتُ أحسدها على حظها وأنا أراها جالسة في دكان زوجها000 وأمّا كاكا "كريستينا" ، التي كان زوجها000
هنا قاطعها الجد ناسكو وقال لزوجته العجوز لم يكن حظِّك مثلهن ، كما أن التاجر لم يكن يعجبك ولم تكوني تستلطفيه !000
وردَّت عليه الجدة سيفدالينا : لا يمكن للأشياء أن تتكرر في نفس المكان والزمان ، وهذه الحياة تحمل لكل شخص منّا أشياء مختلفة0
صمتت الجدّة لبعض الوقت ، ثم عادت ذكريات الماضي إلى مخيلتها فقالت:
* أتذكرُ يوم شاهدتك متلبساً بأم عيني مع نادلة الحانة ، وقد رأيتكما ، كيف كنتما تتقلبان كقطط هائجة في الغرفة الخلفية000 يا لها من إمرأة!00لقد كانت سيرتها على لسان كلِّ نسوة القرية وكنَّ يشكُين من تصرفاتها!000
* لوّح الجدُّ بيده وقال دعكِ من هذا وأتركي
قاطعته الجدة : ماذا أترك؟! حسنًا ، لو أن أطفالنا لم يكونوا صغاراً لكنتُ قد فكَّرتُ000
* بماذا كنت تفكرين؟!000
* كنت سأغادرك وأترك المنزل!000
* وإلى أين كنتِ ستذهبين؟000
* تسألني إلى أين !000 كنت سأجدُ 000
لنترك هذا جانباً ، فلقد إنتهى الأمر000الزمان يجري كالنهر –
* – نعم إنه نهرٌ لكنه مختلفٌ من شخص إلى آخر!000 كنت ألهثُ متنقلة من الصباح حتى الليل في الحقول ، وعندما أعود للمنزل كي أحاول بالكاد أن000
* وأنا, ألم أكن أسعى أيضاً جاهداً ولاهثاً؟
* نعم أنت أيضاً ، لم تكن تألو جهداً ، غير أن دكان الاغذية الغريب (مخزن لبيع كل شيئ) 000
* فهل كنت أبالغ في الشرابِ وأسكر؟!000أنتِ تعرفين أنه كان هناك بعض000
أجابت الجدة: لا لم تكن تسكر، ولكنك كنت تجد المبررات لتخرج !0 وتساءلت الجدة: ماذا كان إسم تلك الفتاة ؟!، هل كان "دوروتيا" ؟!000تلك الفتاة التي كانت تأتي من المدينة...آه كيف كانت تغنّي وتتدلّع0
رفع الجدُّ ناظريه إلى زوجته العجوز وقال متسائلاً : أو تظنّين أنّني لا أعرف لماذا كان ذلك البستاني يعطيك بطيخاً؟!000
دافعت الجدة سيفدالينا عن نفسها: وا عجباه ، لقد أعطاني بطيخة واحدة فقط ، يالها من معجزة !000
* لا لم تكن بطيخة واحدة000وتابع : لقد كنت أجزُّ الاعشاب والحشائش في حقل الانابيب الخمسة (بتِّي تشورتشيتا) ، حينَ مرَرتِ من هناك000
* نعم ، كنت ذاهبة لأعيد الحمار إلى حظيرة الحيوانات!000
* آ ها !000وماذا بخصوص ثوبكِ الذي كان عالقاً بشوكِ السور؟!000
صحيح ،علق بالشوك000 –
* ثم إقتربَ منك ذلك الرجل000
نعم إقتربْ000 –
* وماذا قال لك؟!000
لم يقلْ لي شيئاً000 –
لا ، بل قالَ لكِ ، قد قالْ!000 –
غضبت الجدةُ سيفدالينا وسألتْ زوجها وهي تهز الجورب الذي كانت تحيكه:
* هل سمعت ما الذي قاله لي ذلك الرجل؟!000
مضت عدة أيام على ذلك الحديث وتلك المجادلة ، غير أن الجدّة ، كانت تتجول وهي غاضبة وعبوسة وكان يؤلمها أن تُتَّهم بأشياء لم تحدث!000ولهذا وبعد هذه المحادثة استمرت وبقسوة أكبر ، في فضح تصرفات زوجها وكان لديها الكثير من المستمسكات والأدلة ضده0 لقد كان يخونها مع نادلة الحانة 000حسناً فلقد هدأ ناسكو وأصبح رزيناً000ولكن بعد فترة من الوقت كانت له ، قصة ومغامرة جديدة!000
ذات مرَّة سرقوا منه القمح ، حين كان ذاهباً به إلى المطحنة!!000لقد كان القمح معبئاً في أربع شوالات كببرة وسرقوها كلّها دفعة واحدة000 وعلى حد زعمه فلقد ترك العربة بحمولتها وذهب ليجمع الفطر من الغابة!000 وعندها قامت امرأة من "جورنوريتشين"(4) بإستدراجه إلى الداخل000
هكذا كن نسوة "جورنوريتشين" – إنهنَّ يتربصنَ بالرجال ويتصيّدن فقط الرجال الغرباء الأجانب !000لقد كنَّ يذهبنَ إلى النهر ليغسلن الملابس ويغتسلن في النهر!...كنَّ يتجردن تماماً من ملابسهن ويصبحن عاريات تماماً!000كانت تلك النسوة عديمات الحياء ولا يخجلن من أحد أبداَ
حاول الجدُّ أن يدافع عن نفسه ، فقال: لقد قامت النسوة حينها بمطاردتي! 0
000000! ولكن لمَ لمْ تطارد النسوة رجلاً آخر ؟! كنطاردتكنّ قلت لي –
لقد كان لدى المسنَّين(الجدُّ والجدَّة) الكثير مما يقولانه لبعضهما البعض0وكثيراً ما كانا يبقيان مستيقظين طوال الليل ويظلان يثرثران ويتكلّمان ، غير أن الجد ناسكو يعاني من
نقص السمع ، ولذا كثيراً ما كانت الجدة تضطر إلى تكرار ما تقوله مرات عديدة00 وكانا يتحدثان في كل الأمور، فمثلاً تطرّقا إلى العهر وقلة الحياء والاعمال المخزية عند الناس ، وتحدثا عن مشاكلهم ومصائبهم ومصائب غيرهم من البشر0
وعندما سقط البَرَد الكبير! كانت حبّة البَرد بحجم البيضة!000عندها كان الناس يبكون وكأنهم قد فقدوا عزيزاً عليهم ، 000نعم لقد ذهب كل شيئ مزروع أدراجَ الرياح ، وذات صيف إشتعلت الاعشاب الجافة في قرية (غوغوفيتي) وكادت القرية كلها أن تحترق ، لو لم يتم إخماد النيران وذلك بمساعدة عربتي إطفاء جاءتا من المدينة 000
وتحدّث الجدّان عن المزرعة وعن الحقول ، حيث لم يرغب أحد في ذلك الوقت في إعطائها للجمعيات التعاونية في البداية ، ثم اعتاد الناس على الحياة المشتركة. وليت الأمور إستمرت على هذا النحو – فلقد قام بعض الأشخاص بتحميل سيارتهم و000
وقد تحدث المسنَّان عن أطفالهم وأحفادهم – لقد مرَّ كل شيء من خلال أفواههم. ولم ينسيا ان يتحدثا عن هذه الكنَّة000 كانت تفعل كذا وكذا وأما الكنة الاخرى فقد عملت هذا أو ذاك00الخ00
وتذكّرت الجدة سيفدالينا أيام الصبا ، كم كانت وهي فتاة صغيرة جميلة ، وذكية 000
وقالت: لقد أراد أحد شبان القرية أن يتزوجني00
فأجاب الجدُّ بعصبية : ولماذا لم يأخذك؟
فقالت : رفض أبي أن يعطيني إليه ، لأنه كان فقيرا وبلا أملاك!00
و في بعض الأحيان كان كلاهما يتحدثان في شؤون السياسة. فلقد كان الجد أتاناس يتلقى بعض الصحف من مكتب البريد0
قرأ الجدُّ حروف الجريدة وقال: ها قد تحرّك الروس
* مَن الذين تحركوا؟!00
— الروس!00
* آ ها00
ثم تابع قائلاً
* الأمريكيون بخير ، وها هم يشعلون النَّار هنا وهناك، أنظري إلى ما يقوله: مندوبهم 000
قاطعته الجدّة وقالت
* دعك مما يقوله هذا الأمريكي ، إذهب لرؤية الحمار فلربما يكون عالقاً بالحبل الملتف حول جسمه !00كما أن الخنزير بحاجة لمن يضع له الطعام000سيأتي يوم وسيقوم الخنزير بهدم هذه الخرابة (الكوخ المتهالك) ، التي تأويه000
وكثيراً ما كان العجوزان يتبادلان الشكوى بعضهم لبعض حول أمراضهم!00
فتقول الجدة:
* لقد آلمتني ساقاي كثيرا تلك الليلة0
فيجيبها زوجها :وأنا أيضاً قد آلمتني ساقاي
لم يكن الجد أتاناس ولا الجدة سيفدالينا يتوقعان أن ينظر أحد إليهما بعين العطف أو ان يعتني بهما000ولقد كان أبناؤهما يعيشون بعيداً عنهما ، وكان لكل منهم همومه ومشاكله الخاصة000
وبالمناسبة كان بعض الأشخاص قد غادروا القرية وذهبوا للعيش مع أبنائهم في المدينة ، فمثلاً كانت نيكولينا بوبوفا قد ذهبت للمدينة ، حين دعتها أختها لزيارتها!000
وتقول نيكولينا أنها قد أصيبت بذعر شديد حين صعدت إلى الطابق الحادي عشر بالمصعد ، ولقد كانت خائفة طوال الوقت وكانت تظن أن هذا الصندوق ، الذي كان يتحرك للأعلى ، ربّما لن يفتح أبوابه ولهذا لم تكرر هذه المخاطرة
وإشتكت نيكولينا للجدة سيفدالينا، بأنها طوال فترة مكوثها في المدينة لم تخرج أبداً من بيت شقيقتها!000
كانت تذهب إلى الشرفة ، غير أنها كانت تصاب بالدوخة والغثيان كلما نظرت إلى الأسفل من هذا العلو ولذا كان كل ما تحلم به هو أن تعود لبيتها وتعتني بالزنابق في الحديقة!000
وعقّب الجد أتناس على ما قالته زوجته : من الافضل لنا أن نعيش لوحدنا في منزلنا!00
وها قد أتى الشتاء الآن ، وللحق فقد كان شتاء قاسياً! وتساقط الثلج بغزارة ، على سبيل المثال ، فلقد تغطى السطح و السقيفة ، وحظيرة الحيوانات بطبقة كثيفة من الثلوج000وإلى 00ان في هذا البرد ماذا سيخرجأين كان الجد أتاناس والجدة سيفدالينا سيذهبان ؟ ولأجل للماشية هانيقدمان الطعام ويخلطا لمدة ثلاثة أيام ، بل يكفيهمإن رغيفاً واحداً من الخبز كان
التي يربونها في بيتهم -الخنازير والأغنام والماعز ، وحده الحمار ماركو(5) كان يقف صابراً بجانب المذود (المعلف)000
لقد سئم العجوزان المسنّان من هذه الحياة !00
وكانت الجدة سيفدالينا كثيرا ما تكرر : سنرتدي ملابسنا الجديدة وسنذهب إلى الفراش000
إن الموت قادم إلينا لا محالة، ستأتي وحده0
وتساءل الرجل العجوز : وماذا لو لم يأت ؟!00
* – آه ، ماذا ، كيف لن يأتِ؟!00حسنًا ، سنتوقف عندها عن التنفس قليلاً و000
يقول الجد : ومَن سيجدنا؟
فتجيبه الجدة : مَن سيجدنا!000لا تخف... سيجدنا شخصٌ ما00
وقالت : لقد إنتهى كل شيئ وقد حانت تلك اللحظة ، التي ننتظرها
فتحت الجدة سيفدالينا صندوق الملابس وقالت: كل شيئ جاهز وها أنا قد وضعت هنا في هذا الصندوق نحتاجه نحن الاثنين!00
نظر الجد أتاناس لفترة طويلة إلى ملابسه الجديدة!00
ولقد كان سرواله عريضًا قليلاً وأما قميصه فكانت ياقته تبدو فضفاضة وواسعة بالنسبة لرقبته الهزيلة 0
طمأنته الجدة قائلة : لا بأس ، من الافضل أن تكون الملابس واسعة بدلاً من تضايقك وتخنقك 000 وليكن "العالم الآخر" لك فسيحاً 0
ويمازحها الجدُّ ويسأل وهل هناك "عالم آخر"؟!00
أجابت الجدَّة : نعم ، نعم فلقد كان الكاهن يقول لنا000
قاطعها الجدُّ وهو يكرَّر كلماتها بسخرية ; الكاهن يقول؟!00إسمعيني : أنا شخصيا ، لا أثق به كثيرًا 000
نهرت الجدَّة زوجها ، ووبَّخته ، دعنا نترك الكاهن وشأنه 000
وأضافت : إن كنَّا سنحضّر ملابسنا للسفر فلنحضّرها 0
كان السرير مرتباً ومغطى بشرشف ، وأما وجوه الوسائد فكانت منقوشة ومزينة بزهور وردية وزرقاء اللون0
أخذت الجدَّة سيفدالينا حذاءها العتيق وراحت تطرق كعبيه محدثةً صوتاً ، وقالت : صحيح أن الحذاء ليس بجديد ، عمره يتجاوز الثلاثين عاماً! ، غير أنه ما زال لامعاً000
كان ثوب الجدّة أخضر اللون وكانت له طيات00 طيات ثقيلة ، وكان مزيناً بشريط مخملي أسود من الأسفل ، أما المريول فكان يبدو كالحديقة لكثرة الازهار فيه0
وقد غطت الجدَّة شعرها بشال رقيق ناعم وتتزين نهاياته بخرزات زرقاء000
وقد بدت الجدة محتارة وتساءلت ; هل تضع قلادة على عنقها أم لا؟!00
إنهمك الجد أتاناس بالبحث عن حزام سرواله وفشل أن يعثر عليه وأخيراً وجده في أسفل صندوق الملابس!00 حلق الجد أتاناس ذقنه ، وقد رش وجهه الحليق بعض الكولونيا. أيضا ، تماماً مثلما كان يفعل عند ذهابه للتصويت00
وهنا مازح زوجته مرّة أخرى وتساءل; هل سيكون الآخرون هناك؟!00
فأجابته مَن هؤلاء الآخرون؟00
قال الجد; مَن سيكونون ، طبعاً هؤلاء الذين سبقونا00
فقالت ; آه نعم ،لقد فهمتك ، لعلّك تقصد نادلة الحانة!00
وأجابها زوجها ; ما بها00 فعلاً كانت إمرأة جميلة وجيدة0
فصرخت الجدة ; فليصيبكَ الطاعون ويقضي عليك هنا وفي هذه اللحظة !00
وهنا وبشكل مفاجئ وبشكل جدي، سأل الرجل العجوز; ماذا سيقول أبناؤنا؟!00
فكرت الجدة للحظة بما قال زوجها وإستمرت بتفحص خيط القلادة ، التي لم يكن فيها سوى قطعة ذهبية وحيدة وهي تضعها حول عنقها0 وردّت بسرعة على تسائل أتاناس: لن يقولوا شيئاً000
الوقت يمرّ، وها قد حان دورنا الآن!00
نصحها الرجل العجوز بشأن القطعة النقدية الذهبية: أعيديها إلى الصندوق ، ربما سيأخذها أحدهم ، حين يعثرون علينا0
من الافضل أن تبقى هذه القطعة الذهبية لأحفادنا ،علّهم يستفيدوا منها00
ترددت الجدة للحظة ثمّ شدّت طرف خيط القلادة وأحكمتها حول رقبتها0
وأما الرجل العجوز فقد قال: لقد طلبت منهم أن يدفنونا بجانب أهلنا ، ثم نظر من النافذة وأضاف: آمل أن يهدأ الطقس ويصبح أكثر دفئاً ،لأنه إذا استمر الجو بارداً فلن يستطيعوا الحفر في الأرض المتجمدة، لن يمكنهم حفر أي شيء
00
وعلّق الجدُّ وقال : وحتى لو أتوا بألة الحفر فإنها أيضاً ستعجز عن حفر الارض المتجمدة!00
استمر العجوزان في الاستعداد والتحضير لرحلتهم000 سحبت الجدة من صندوق الملابس سترة مخملية بلا أكمام وكانت جميلة ومطرزة0
وتتذكر الجدة : آخر مرّة ،ارتديتها كانت في عيد القديس "سباس" ، أثناء إحتفالنا بعيد القرية00
اقترح الجد :"علينا أن نتخلّى أنا وأنت عن طقم الأسنان000لسنا بحاجة لها ، وما الفائدة منها؟"
قالت الجدة : لا أدري بالفعل ما أقول ، لكني أعتقد أنهم قد تركوا طقم أسنان الجدة دولابتشيكا في فمها!00
ها قد خيّم الظلام00
وفجأة تذكر الجد أتاناس الخنزير وتساءل ماذا سيفعل بعدهم؟!00
قالت الجدة ضع له وكذلك للاغنام طعامهم للمرة الأخيرة00
تطلّع الرجل العجوز من حوله وقال: نحن هنا ، الآن، ومَن يرانا سيحسب بأننا في حفل زفاف ! ثم هبط على درجات السلم إلى أسفل0
كان بالكاد يستطيع أن يشق طريقه عبر الثلج المتراكم ، تجاوز البئر ، ثم انعطف نحو حظيرة الحيوانات0
وعلى ما يبدو أنه مكث في الحظيرة لفترة طويلة وتأخّر فيها!000
كانت الجدة ، تسترق السمع ، وتتلفّت حولها ، وكانت تارة تنظر إلى النافذة وتارة إلى السرير المرتّب0
وهمست قائلةً: ها هي الشموع موجودة ، عليَّ ألا أنسى المصباح00
وأخيرا عاد الجد أتاناس ، ولقد أبيضت بشرته من البرد القارس ، وبدا سعيدا وراضيا!00
ومع دخوله بدأ يتكلم :
أتعلمين بأن تلك العنزة السوداء ، ذات الجبين الأبيض قد ولدت جدياً صغيراً ، لقد رأيتها وهي تلعقه0
قالت المرأة العجوز: حسنًا ، ولكن ألن يتجمد هذا الرضيع في هذا البرد الشديد؟!" ، كان عليك أن تحضره إلى هنا 0
قال الرجل العجوز بلهجة آمرة : ضعي بعض الحطب في الموقد ، حتى تتدفأ الغرفة ، وتابع قائلاً : سأذهب لآتي بالصغير إلى هنا!0
كان الليل قد تقدم وإزدادت العتمة0 كل شيء يمكن رؤيته من خلال النافذة هو إمتداد البياض ، ما عدا بقعة واحدة فقط أمام المنزل كانت مظلمة ، حيث كان الثلج ذائباً ، وكانت أزهار الثلج الشجاعة ( نبتة الكوكيتشكا)- (6) ترفع رؤوسها مزهوة إلى الأعلى00
كانت هذه الأزهار تشكل خطاً كاملاً من الأزهار (مسكبة كاملة )!
دينكا إلييفا
هوامش
(1) ناسكو : هو تصغير للاسم الاصلي أتاناس وهي عادة متبعة في بلغاريا وكل أوروبا وتطلق للتحبب0
(2) ريلا : هو إسم أحد الجبال المشهورة في بلغاريا
(3) كاكا : تستخدم كلمة كاكا باللغة البلغارية للدلالة على الشقيقة الأكبر ، وتعادل كلمة "أبلة" باللغة العربية في اللهجة المصرية0
(4) "جورنوريتشين": هو إسم قرية من قرى بلغاريا
(5) ماركو: يطلق البلغار على الحمار عادة إسم ماركو ، مثلما يطلق الفلسطينيون مثلاً إسم أبو صابر!0
(6) الكوكيتشكا : وهي زهرة بيضاء جميلة وهي أولى النباتات التي تزهر في الثلج وهي مقاومة للبرد وترمز للصحة0


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.