أقل من شهر.. جدول امتحانات الشهادة الإعدادية 2024 بمحافظتي القاهرة والجيزة    حى شرق أسيوط يزيل التعديات على مرسى نهر النيل ب«الدوان تاون»    من 8 ل12 ساعة.. قطع المياه عن عدة مناطق بمحافظة الدقهلية مساء السبت المقبل (تفاصيل)    الأسهم الأوروبية تنخفض عند الإغلاق مع استيعاب المستثمرين للأرباح الجديدة    بوتين يعلن اعتزامه زيارة الصين الشهر المقبل    الأهلي يختتم استعداداته لمباراة مازيمبي الكونغولي    موقف ثلاثي بايرن ميونخ من مواجهة ريال مدريد في دوري أبطال أوروبا    مباحث الفيوم تلقي القبض على المتهمين بإشعال النيران في فتاة بسبب خلافات الجيرة    طرح البوستر الرسمي لفيلم السرب    مسرح فوزي فوزي بأسوان يشهد احتفالات ذكرى تحرير سيناء    هالة صدقي: «صلاح السعدني أنقى قلب تعاملت معه في الوسط الفني»    تخصيص غرف بالمستشفيات ل«الإجهاد الحراري» في سوهاج تزامنًا مع ارتفاع درجات الحرارة    عضو بالشيوخ: ذكرى تحرير سيناء تمثل ملحمة الفداء والإصرار لاستعادة الأرض    بفستان أبيض في أسود.. منى زكي بإطلالة جذابة في أحدث ظهور لها    بالفيديو.. ما الحكم الشرعي حول الأحلام؟.. خالد الجندي يجيب    لماذا حذرت المديريات التعليمية والمدارس من حيازة المحمول أثناء الامتحانات؟    وزارة التموين تمنح علاوة 300 جنيها لمزارعى البنجر عن شهرى مارس وأبريل    فيديو.. مسئول بالزراعة: نعمل حاليا على نطاق بحثي لزراعة البن    الجيش الأردني ينفذ 6 إنزالات لمساعدات على شمال غزة    الكرملين حول الإمداد السري للصواريخ الأمريكية لكييف: تأكيد على تورط واشنطن في الصراع    أنطونوف يصف الاتهامات الأمريكية لروسيا حول الأسلحة النووية بالاستفزازية    "أنا مشجع كبير".. تشافي يكشف أسباب استمراره مع برشلونة    عامل يتهم 3 أطفال باستدراج نجله والاعتداء عليه جنسيا في الدقهلية    الأهلى يخسر أمام بترو الأنجولي فى نصف نهائى الكؤوس الأفريقية لسيدات اليد    المغرب يستنكر بشدة ويشجب اقتحام متطرفين باحات المسجد الأقصى    تشكيل الزمالك المتوقع أمام دريمز الغاني بعد عودة زيزو وفتوح    يمنحهم الطاقة والنشاط.. 3 أبراج تعشق فصل الصيف    في اليوم العالمي للملاريا.. أعراض تؤكد إصابتك بالمرض (تحرك فورًا)    6 نصائح لوقاية طفلك من حمو النيل.. أبرزها ارتداء ملابس قطنية فضفاضة    سبب غياب حارس الزمالك عن موقعة دريمز الغاني بالكونفيدرالية    استجابة لشكاوى المواطنين.. حملة مكبرة لمنع الإشغالات وتحرير5 محاضر و18حالة إزالة بالبساتين    دعاء يوم الجمعة.. ساعة استجابة تنال فيها رضا الله    تشيلي تستضيف الألعاب العالمية الصيفية 2027 السابعة عشر للأولمبياد الخاص بمشاركة 170 دولة من بينهم مصر    بيان مشترك.. أمريكا و17 دولة تدعو حماس للإفراج عن جميع الرهائن مقابل وقف الحرب    دعاء الاستخارة بدون صلاة .. يجوز للمرأة الحائض في هذه الحالات    مدرب صن دوانز: الفشل في دوري الأبطال؟!.. جوارديولا فاز مرة في 12 عاما!    مصادرة 569 كيلو لحوم ودواجن وأسماك مدخنة مجهولة المصدر بالغربية    إصابة سيدة وأبنائها في حادث انقلاب سيارة ملاكي بالدقهلية    جامعة حلوان توقع مذكرتي تفاهم مع جامعة الجلفة الجزائرية    رد فعل غير متوقع من منة تيسير إذا تبدل ابنها مع أسرة آخرى.. فيديو    تحرير 498 مخالفة مرورية لردع قائدي السيارات والمركبات بالغربية    طريقة عمل مافن الشوكولاتة بمكونات بسيطة.. «حلوى سريعة لأطفالك»    ضبط عامل بتهمة إطلاق أعيرة نارية لترويع المواطنين في الخصوص    محافظ كفر الشيخ يتابع أعمال تطوير منظومة الإنارة العامة في الرياض وبلطيم    "ميناء العريش": رصيف "تحيا مصر" طوله 1000 متر وجاهز لاستقبال السفن بحمولة 50 طن    أمين الفتوى لزوجة: اطلقى لو زوجك لم يبطل مخدرات    مشايخ سيناء في عيد تحريرها: نقف خلف القيادة السياسية لحفظ أمن مصر    مستقبل وطن: تحرير سيناء يوم مشهود في تاريخ الوطنية المصرية    أبطال سيناء.. «صابحة الرفاعي» فدائية خدعت إسرائيل بقطعة قماش على صدر ابنها    محافظ قنا: 88 مليون جنيه لتمويل المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر خلال العام الحالي    فن التهنئة: استقبال شم النسيم 2024 بعبارات تمزج بين الفرح والتواصل    هيئة الرعاية بالأقصر تعلن رفع درجة الاستعداد تزامنا مع خطة تأمين ذكرى تحرير سيناء    معلق بالسقف.. دفن جثة عامل عثر عليه مشنوقا داخل شقته بأوسيم    حدث ليلا.. تزايد احتجاجات الجامعات الأمريكية دعما لفلسطين    الفندق عاوز يقولكم حاجة.. أبرز لقطات الحلقة الثانية من مسلسل البيت بيتي الجزء الثاني    الاحتفال بأعياد تحرير سيناء.. نهضة في قطاع التعليم بجنوب سيناء    أحمد موسى: مطار العريش أصبح قبلة للعالم وجاهز لاستقبال جميع الوفود    الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الإفتاء توضح أحكامها ومتى تجب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كان
مسرحية في فصل واحد


الشخصيات‮: ‬الجدة،‮ ‬في حوالي الثمانين
الأم‮: ‬أرملة ابن الجدة،‮ ‬علي مشارف الأربعين
الابنة‮: ‬في حوالي العشرين
الخالة‮: ‬في الخامسة والأربعين
الابن‮: ‬في الثانية والعشرين
المنظر‮: ‬صالة في شقة صغيرة،‮ ‬مائدة طويلة في الوسط،‮ ‬حولها بعض المقاعد الخشبية وكنبة بجوار الحائط،‮ ‬إلي‮ ‬يمينها ممر‮ ‬يفضي إلي باقي الغرف،‮ ‬وفي الواجهة دولاب عتيق،‮ ‬يبدو بضخامته،‮ ‬والأواني المتعددة بداخله،‮ ‬والساعة الأثرية الموضوعة فوقه،‮ ‬متنافرا مع أثاث الصالة الرخيص،‮ ‬وإن تكن تعلوه صورة ضخمة،‮ ‬لرجل واقف،‮ ‬يرتدي طربوشا،‮ ‬ويمسك بظهر مقعد،‮ ‬تذكر أبناء الجيل بصورة مصطفي كامل أو صورة عتيقة لجدهم في حجرة الجلوس‮.‬
‮.. ‬الباب الخارجي في أقصي‮ ‬يمين الصالة‮.‬
الوقت‮: ‬عصر أحد أيام الشتاء،‮ ‬ولكن الغرفة معتمة بعض الشيء لانعدام مصادر الضوء بها والجانب المواجه للممر الذي‮ ‬يوجد به دولاب الفضيات أشد إضاءة من‮ ‬غيره‮.‬
‮(‬يرفع الستار عن الأم وقد جلست علي الكنبة تطرز شيئا،‮ ‬بينما جلست الابنة علي طرف المائدة،‮ ‬ووراءها دولاب الفضيات،‮ ‬تكتب‮.......‬
‮ ‬
الأم‮: ‬ألم تتعبي بعد؟
الابنة‮: (‬ترفع رأسها‮) ‬نعم؟
الأم‮: ‬أقول ألم تتعبي بعد؟
الابنة‮: (‬تواصل الكتابة دون أن ترد‮).‬
الأم‮: ‬إنك تكتبين منذ ساعتين‮!‬
الابنة‮:( ‬دون أن ترفع رأسها،‮ ‬وبهدوء مبالغ‮ ‬فيه‮) ‬هذا لأن لدي محاضرات كثيرة،‮ ‬ولابد أن أنقلها‮.‬
الأم‮: ‬ولكن لم لا تذهبين إلي الكلية بدلا من أن تنقليها في البيت؟‮ - ‬مجرد أيام إلي أن‮ ‬يفرجها ربنا بقرشين‮.‬
الابنة‮: (‬ترفع رأسها وتقول محتجة‮) ‬ماما‮!‬
الأم‮: ‬أقصد‮ ‬يا ابنتي‮.. (‬تواجه نظرات الابنة لفترة‮).. ‬حسنا،‮ ‬وما دمت لا تريدين‮.‬
‮(‬يدخل الابن من الممر وهو‮ ‬يضحك‮.. ‬فتبتسم الأم‮).. ‬ها‮.. ‬ماذا كانت جدتك تريد؟
الابن‮ (‬وهو ما زال‮ ‬يضحك‮) ‬شيء بسيط‮. ‬تريد أن تطعم العصافير‮.‬
الأم‮: ‬العصافير؟ ليس لدينا عصافير‮.‬
الابن‮: ‬ولكن هي عندها‮. ‬لقد رأت عصفورا‮ ‬يلتقط حبة علي حاجز الشرفة‮. ‬وهي تريد الآن أن تعد وليمة للعصافير‮. ‬ما أطيب قلبها‮!‬
الابنة‮:( ‬تضحك بالرغم منها‮ ).‬
الابن‮: ‬لماذا تضحكين؟ هه‮.‬
الأم‮: ‬دعها في حالها،‮ ‬ها،‮ ‬وماذا فعلت لجدتك؟
الابن‮: ‬أعطيتها قطعة من الخبز‮.. ‬فشتمتني‮.‬
الأم‮: ‬لماذا؟ ألا تأكل العصافير الخبز؟
الابن‮: ‬لا،‮ ‬إنها تطلب السمسم‮.‬
الأم‮: ‬يا إلهي‮! ‬الحمد لله أنها لم تطلب البرغل‮!‬
الابنة‮: ‬البرغل؟ ما هو البرغل؟
الأم‮: ‬البرغل‮ ‬يا حبيبتي هو‮......‬
الابن‮: ‬وكم‮ ‬يتكلف السمسم؟ سأشتري بقرش‮. ‬ألا‮ ‬يكفي هذا؟‮.. ‬لو رأيت ثورتها‮!‬
الابنة‮: (‬تضحك‮).‬
الابن‮: (‬غاضبا‮) ‬لماذا تضحكين؟ ليس عيبا أن‮ ‬يرضي الإنسان جدته العجوز‮. ‬أليس كذلك‮ ‬يا أمي؟
الأم‮: ‬نعم،‮ ‬ثم إنها جدتك،‮ ‬وعجوز‮..‬
الابن‮: (‬مخاطبا أخته‮) ‬إنها رقيقة القلب‮. ‬ليس عيبا أن‮ ‬يحب الإنسان العصافير‮! ‬ليتك كنت مثلها‮!‬
الابن‮: ‬ماذا تقصدين؟
الابنة‮: (‬في براءة‮) ‬ألست أنت مثلها؟ ألا تحبان بعضكما كثيرا؟
الابن‮: ‬أيتها الخبيثة‮! ‬إنني أفهم قصدك‮! ‬تقصدين أنني كجدتك‮. ‬أليس كذلك؟
الابنة‮: ‬أنت ذكي جدا‮. ‬اذهب الآن لتشتري السمسم وإلا تأخرت‮.‬
الأم‮: ‬نعم،‮ ‬اذهب،‮ ‬وإلا بدأت جدتك في الصراخ فلا نستطيع إسكاتها‮.‬
الابن‮: (‬ضاحكا وهو في طريقه إلي الباب‮) ‬أنا منحرف؟‮! ‬فليسامحك الله‮..‬
‮(‬يخرج‮).‬
الأم‮: (‬تقوم وتتجه نحو الابنة في عتاب‮) ‬لماذا تكلمين أخاك دائما هكذا؟
الابنة‮: ‬هكذا،‮ ‬كيف؟
الأم‮: (‬مشوحة بيديها‮) - ‬هكذا‮! ‬
الابنة‮: ‬ولكن أنا لم أحدثه‮ (‬هكذا‮). ‬كل ما قلته له إنه‮ ‬يحب جدته‮. ‬ألا‮ ‬يحبها حقا؟
الأم‮: ‬نعم‮. ‬ولكنك قلت إنه كجدته‮! (‬تضحك فجأة‮).‬
الابنة‮: (‬تضحك هي الأخري‮).‬
الأم‮: (‬في ندم مفاجئ‮) - ‬لماذا تضحكين؟ لا‮ ‬ينبغي أن تضحكي من جدتك‮.. ‬إنها عجوز وطيبة‮. ‬كان أبوك رحمه الله‮ ‬يرحمه‮ ‬يحبها‮ (‬تتأوه‮) ‬كان ابنا طيبا،‮ ‬وأبا‮..‬
الابنة‮: ‬في دهشة ولماذا تقولين هذا الآن؟ أنا لم أقل شيئا عن أبي أو جدتي أو أي أحد‮.‬
الأم‮: ‬حسنا‮.. ‬كنت أريد أن أقول‮.. ‬ينبغي أن نحتمل جدتك‮.‬
الابنة‮: ‬ومن الذي لا‮ ‬يحتمل جدتي؟ نحن لا نفعل شيئا سوي أن نحتمل جدتي‮ (‬تشير إلي الدولاب‮) ‬لماذا نبقي علي كل هذه الفضيات التي لا داعي لها؟ من أجل جدتي‮. ‬ولماذا نشتري السمسم للعصافير؟ من أجل جدتي‮. ‬ما الذي لا نفعله من أجل جدتي؟
الأم‮: (‬تتجه نحو الدولاب في بطء‮) ‬ليس من أجلها فقط‮. ‬لقد بعنا كل شيء‮. ‬لم‮ ‬يبق لنا‮ ‬غير هذا الدولاب‮.‬
الابنة‮: ‬ماذا؟ لا أفهم‮.‬
الأم‮ : (‬ناظرة إليها‮) - ‬أنا أيضا أريد أن تبقي هذه الفضيات‮.. (‬في شيء من الحياء‮) ‬لقد كانت هدية أبيك لي‮.‬
الابنة‮: (‬في بطء‮) ‬ورغم ذلك فقد سمحت بأن تبيعها ذات‮ ‬يوم‮.. ‬مع بقية الأشياء‮. ‬لم‮ ‬يوقفك شيء‮ ‬غير صراخ جدتي الهائج‮.‬
الأم‮: (‬مواصلة كلامها‮) - ‬في‮ ‬يوم القران أتي لي بهذه الفضيات‮. (‬تسكت لحظة‮).‬
الابنة‮: (‬كما لو كانت تكلم نفسها‮) ‬إنها تساوي مائة جنيه علي الأقل‮.‬
الأم‮: ‬واشترينا الدولاب بعد ذلك‮.‬
الابنة‮: ‬عم تتكلمين‮ ‬يا أمي؟
الأم‮: (‬كما لو كانت تفيق من حلم،‮ ‬تتجه نحو ابنتها‮) - ‬نعم،‮ ‬كنت أحكي لك عن أبيك رحمه الله‮. ‬لقد حلمت به الليلة‮.‬
الابنة‮: (‬تنظر لأمها نظرة قصيرة،‮ ‬ثم تعود للكتابة‮).‬
الأم‮: (‬تتجه نحو ابنتها وتكلمها في تودد‮) ‬ألم تتعبي بعد من الكتابة‮ ‬يا حبيبتي‮. (‬تقف قبالتها‮) ‬كنت أريد أن أقول‮.. ‬
الابنة‮: (‬بينما تكتب‮) ‬كنت أريد أن أقول إننا تكلمنا كثيرا في هذا الموضوع‮ ‬يا ماما‮. (‬في هدوء‮) ‬لن أذهب إلي الكلية إلا إذا اشتريت لي فستانا جديدا‮.‬
الأم‮: ‬ولكنك تعرفين كل شيء‮. ‬تعرفين أنني لا أملك شيئا‮.. ‬أن صاحب البيت‮.‬
الابنة‮: (‬كما لو كانت تردد درسا في المحفوظات‮) - ‬لم‮ ‬يستلم الإيجار،‮ ‬وكذلك البقال،‮ ‬والجزار والعالم كله‮.‬
الأم‮: ‬حسنا‮. ‬ما دمت تعرفين كل شيء فإنك‮ ....‬
الابنة‮: ‬نعم انني أعرف كل شيء؟‮ (‬فترة تعود إلي هدوئها المتكلف‮) - ‬أنا لا ألوم أحدا‮. ‬ولا اطلب العمر‮.. ‬سأبقي في البيت إلي أن تحصل معجزة وتجيء الفلوس‮. ‬كل ما في الأمر أنني لا استطيع أن أذهب إلي الكلية بفستان واحد إلي الابد‮.‬
الأم‮: ‬ولكنه لم‮ ‬يتمزق‮.. ‬وتستطيعين أن‮.. ‬بل إنه‮ ‬يكاد‮ ‬يكون جديدا‮!‬
الابنة‮: (‬ترفع رأسها ثانية وتتكلم كما لو كانت علي وشك البكاء‮): ‬ماما‮! ‬إن بعض البنات عندنا‮ ‬يرتدين فستانا كل‮ ‬يوم‮! .. ‬وأنا لا‮ ‬يهمني ذلك‮. ‬أنا لا أريد الأبهة‮. ‬كل ما أريده هو ألا‮ ‬ينظر لي الأولاد والبنات في كل وقت ليقولوا‮: ‬مسكينة‮! ‬إنها لم تغير هذا الفستان منذ أن دخلت الكلية‮!"‬
الأم‮: (‬تضع‮ ‬يدها علي كتف ابنتها وتقول في حنان‮): ‬يا حبيبتي‮! ‬هل‮ ‬يقولون لك هذا؟
الابنة‮: (‬في شيء من الضيق‮) ‬بالطبع لا‮ ‬يقولونه لي‮ ‬يا أمي،‮ ‬ولكنني أراه في عيونهم‮.‬
الأم‮: ‬هل أغضبتك‮ ‬يا حبيبتي؟ قولي إنك لست‮ ‬غاضبة مني‮.‬
الابنة‮: ‬ولماذا أغضب منك‮ ‬يا ماما‮. ‬فقط كنت أشرح لك،‮ ‬حتي لا تظني انني أطلب القمر‮. ‬أنا لا أطلب القمر،‮ ‬ولا أضايق أحدا‮. ‬لقد قلت لصاحباتي إنني مريضة‮. ‬ولذا فهن‮ ‬يرسلن كراسات المحاضرات لأنقلها‮. ‬قلت لهن إن لدي روماتيزم في المفاصل‮ (‬ثم وهي تضحك بعد فترة‮) ‬وفي الحق إن أقدامي تؤلمني من السير الطويل كل‮ ‬يوم إلي الجامعة‮!‬
الأم‮ (‬شاردة‮) ‬نعم‮. ‬نعم‮. ‬أنا لا أريد أن تغضبي مني فالله‮ ‬يعلم أنني أفكر طول الوقت وأحاول أن أدبر الأمور،‮ ‬ولكن‮.. (‬يسمع جرس الباب‮. ‬تنتبه الأم‮).‬
لعله زائر‮. ‬والبيت بهذه الفوضي‮! ‬خبئي هذه‮ "‬الكراكيب‮" ‬أصلحي المفرش‮.. ‬أو‮.. ‬اسمعي،‮ ‬نظفي أنت‮ ‬غرفة الجلوس بينما أرتب أنا الصالة‮. (‬تقف الابنة عاجزة عن متابعة إرشادات الأم المتلاحقة‮).‬
الابنة‮: (‬بهدوء‮) ‬وهل نقول للطارق أن‮ ‬ينتظر حتي نفعل هذا؟‮ ‬
المائدة‮. (‬تفتح الابنة الباب وتدخل الخالة‮).‬
الابنة‮: ‬كيف حالك‮ ‬يا خالتي؟
الخالة‮: ‬بخير‮ ‬يا حبيبتي‮..‬
‮(‬تتقدم الأم من الخالة وتتبادلان القبل‮).‬
الأم‮: ‬أهلا‮.. ‬أهلا‮.. ‬ما هذه الغيبة الطويلة؟
الخالة‮: ‬وهل تسألون أنتم؟ كيف حالكم جميعا‮.. ‬أوف لهذا السلم المتعب‮!‬
‮(‬تجلس علي أول مقعد‮ ‬يصادفها،‮ ‬وهو المقعد الذي كانت تجلس عليه الابنة‮).‬
الأم‮: ‬ايه‮.. ‬لم نعد شبابا‮ ‬يا أختي الحبيبة‮.. ‬هيا‮ ‬يا بنتي أحضري القهوة‮.‬
الخالة‮: ‬لا داعي لذلك،‮ ‬سأنزل حالا‮. (‬تخرج الابنة من الممر‮).‬
الأم‮: (‬تجلس في المقعد المجاور للخالة‮) ‬كيف حالكم؟ وكيف حال الأولاد،‮ ‬والحاج؟
الخالة‮: (‬وهي تتنهد‮) ‬نحمده علي أية حال‮. ‬الأولاد لا‮ ‬يكفون عن الشجار،‮ ‬والحاج لا‮ ‬يكف عن المطالب‮.‬
الأم‮: ‬الأولاد لا‮ ‬يكفون عن الشجار في أي مكان‮. ‬قبل أن تأتي إلي هنا كانت ابنتي تتهم أخاها بالعبط‮.‬
الخالة‮: (‬وهي تضحك‮) ‬في الحق إن ابنك طيب القلب جدا‮ (‬مستدركة‮) ‬ولكنه ليس عبيطا‮..‬
الأم‮: ‬إنه رجلنا علي أية حال‮. ‬لولا أنه‮ ‬يعمل في تلك الشركة ليل نهار لما استطعنا أن نعيش‮. ‬لقد ترك مدرسته ليعولنا‮.‬
الخالة‮: ‬هذا حق‮. ‬يكفي أنه‮ ‬يعمل‮. ‬أما أنا فتعالي‮.. ‬انظري ماذا‮ ‬يفعل ولدي‮: ‬لا هم له سوي أن‮ ‬ينغص علي أخته حياتها‮. ‬منذ أيام قلب الدنيا وأحال البيت ثورة لأنها لبست فستانا قصير الكم،‮ ‬ولم‮ ‬يكفه هذا،‮ ‬بل ذهب إلي أبيه وأخبره‮.‬
الأم‮: ‬وماذا فعل أبوه؟
الخالة‮: ‬تشاجر معي‮.‬
الأم‮: ‬أنت؟
الخالة‮: ‬نعم‮: ‬أنا‮! ‬اتهمني أنني أدلل البنت وأفسدها وطلب مني أن أصلح الفستان حالا ليصبح حشمة‮.‬
الأم‮: (‬واجمة‮) ‬وفعلت ذلك؟
الخالة‮: ‬قلت له إنني سأصلحه،‮ ‬وخرجت من عنده فدخلت هي وبكت،‮ ‬وأقسمت أن الفستان حشمة فطيب خاطرها وسمح لها أن ترتديه‮.‬
الأم‮: (‬وهي ماتزال شاردة‮) ‬عجيب‮!‬
الخالة‮: ‬نعم‮.. ‬نعم‮.. ‬هكذا تجري الأمور في بيتنا‮.. ‬كلمة من ابنته أو دمعة تحل كل شيء،‮ ‬أما أنا فمهما قلت أو فعلت فأنا علي خطأ،‮ ‬من مطلع الصباح حتي النوم‮!.. ‬إنه‮ ‬يريد ماء الوضوء دافئا،‮ ‬فإذا أعددته له فلابد أن‮ ‬يكون أسخن من اللازم أو أبرد من اللازم،‮ ‬الأكل لابد أن‮ ‬يكون فيه عيب ما‮. ‬وإذا أخطأ الأولاد فأنا السبب دائما‮... ‬و‮.....‬
الأم‮: (‬وهي تبتسم‮) ‬هذه الاشياء البسيطة‮! ‬إنها هي الحياة‮.. ‬
الخالة‮: (‬مواصلة كلامها‮) - ‬حتي القهوة‮! ‬القهوة التي أعملها له من عشرين عاما لم تعد تعجبه‮. ‬سكرها قليل،‮ ‬بنها رديء‮.. ‬ثقيلة‮.. ‬خفيفة‮.. ‬ومن أجل ذلك،‮ ‬واسمعي،‮ ‬فإنه‮ ‬يسهر علي المقهي كل ليلة‮.. ‬فإذا سألته عن السبب كان رده جاهزا‮ - ‬إنهم هناك‮ ‬يقدمون له‮ "‬قهوة‮" ‬هكذا‮ ‬يقول‮!‬
الأم‮: ‬ولكنه في بعض الليالي‮ ‬يعود مبكرا،‮ ‬أليس كذلك؟
الخالة‮: ‬نعم‮.‬
الأم‮: ‬وفي بعض الأحيان تعجبه القهوة والأكل؟
الخالة‮: ‬مرة في السنة‮!‬
الأم‮: ‬هذا‮ ‬يكفي‮. ‬ألا‮ ‬يكفي هذا؟ ماذا نريد من الحياة‮ ‬غير أن نرضي رجالنا‮. ‬أو نعمل لإرضائهم‮.. ‬أذكر أن المرحوم‮..‬
الخالة‮: (‬بسرعة‮) ‬فليرحمه الله‮ ‬يا أختي‮. (‬بعد فترة‮) ‬إنك لا تتكلمين عن شيء سواه طول الوقت وطول عمرك‮.‬
الأم‮: (‬بلهجة الفجيعة‮) ‬وماذا كانت حياتي بدونه‮. ‬هل أنسي؟
الخالة‮: (‬في دهشة‮) ‬ولكنك حزنت عليه بما فيه الكفاية‮!.. ‬ثلاث سنوات أفنيت نفسك في الحزن‮.. ‬فلتفكري الآن في نفسك‮.. ‬في أولادك‮.‬
‮(‬تدخل الابنة حاملة صينية عليها فنجان من القهوة وكوب من الماء وتقدمها للخالة‮).‬
الخالة‮: ‬أشكرك‮ ‬يا حبيبتي‮ (‬تتناول الكوب‮) ‬كيف حالك؟
الابنة‮: ‬الحمد لله‮ ‬يا خالتي‮.‬
الخالة‮: ‬وكيف حال المذاكرة؟‮.. ‬قالت لي ابنتي إنك لا تذهبين إلي الكلية‮..‬
الابنة‮: ‬عن إذنك‮ ‬يا خالتي‮! (‬تضع الصينية علي المائدة وتخرج مسرعة من الغرفة عبر الممر‮).‬
الخالة‮: ‬مالها؟
الأم‮: (‬مرتبكة‮) ‬أنها متعبة بعض الشيء‮.. ‬تشاجرت مع أخيها‮ (‬مستدركة‮) ‬ولديها روماتيزم في المفاصل‮!‬
الخالة‮: ‬مسكينة‮! ‬في سنها هذه تشعر بالحاجة إلي من‮ ‬يرعاها‮.‬
الأم‮: ‬كان أبوها أحسن الآباء‮..‬
الخالة‮: (‬بهدوء وهي ترشف القهوة‮).. ‬عندي أب لها‮!‬
الأم‮: ‬ماذا‮!‬
الخالة‮: (‬تضع الكوب علي المائدة‮) ‬لا داعي للف والدوران‮.. ‬لقد كنت أمر من هنا صدفة‮ - ‬ولكنني رأيت أن آتي لأكلمك الآن‮.‬
الأم‮: (‬في دهشة عظيمة‮) ‬تكلمينني عن ماذا؟ قولي‮.. ‬أنت لا تقصدين‮.‬
الخالة‮: (‬وهي تحدق في وجه الأم باهتمام‮) ‬هل تعرفين ابن عم زوجي؟
الأم‮: (‬في استنكار‮) ‬الفلاح‮! (‬ثم مستدركة‮) ‬ذلك المزارع الغني؟
الخالة‮: ‬نعم،‮ ‬إنه ليس‮ ‬غنيا فحسب،‮ ‬ولكنه رجل طيب القلب،‮ ‬و‮.....‬
الأم‮: (‬تقف وتتكلم بلهجة‮ ‬غريبة‮) ‬تعلمين أن ابنتي في الجامعة‮!‬
الخالة‮: ‬نعم،‮ ‬ولكنك مازلت شابة وجميلة،‮ ‬وهو‮ ‬يناسبك في السن‮.‬
الأم‮: (‬كما لو كانت لم تسمع‮): ‬وإن أباها كان محاميا‮..‬
الخالة‮: ‬عجبا،‮ ‬وما علاقة هذا بالموضوع؟
الأم‮: (‬وهي تتحرك في عصبية‮) ‬إن ابنتي في الجامعة‮.. ‬وكان أبوها محاميا‮.. ‬كان زوجي‮.. ‬وكان زوجا طيبا‮..‬
الخالة‮: ‬وقد أخلصت له في حياته‮.. ‬وحزنت عليه عندما مات‮.. ‬وهذا‮ ‬يكفي‮.‬
الأم‮: ‬وكان لا‮ ‬يبخل عليّ‮ ‬بشيء‮.‬
الخالة‮: ‬أعرف‮.‬
الأم‮: (‬تنحني وتقترب بوجهها من الخالة‮) ‬كان لدينا تليفون،‮ ‬أتسمعين؟
الخالة‮:..........‬
الأم‮: ‬وكان سيشتري سيارة كبيرة‮. ‬كانت أمه تملك أرضا،‮ ‬وأبوه موظفا كبيرا‮....‬
الخالة‮: (‬وهي تذرع الغرفة‮) ‬فقط كنت أريد أن‮ ‬
الأم‮: (‬تتجه نحو ابنتها وتكلمها في تودد‮) ‬ألم تتعبي بعد من الكتابة‮ ‬يا حبيبتي‮. (‬تقف قبالتها‮) ‬كنت أريد أن أقول‮.. ‬
الابنة‮: (‬بينما تكتب‮) ‬كنت أريد أن أقول إننا تكلمنا كثيرا في هذا الموضوع‮ ‬يا ماما‮. (‬في هدوء‮) ‬لن أذهب إلي الكلية إلا إذا اشتريت لي فستانا جديدا‮.‬
الأم‮: ‬ولكنك تعرفين كل شيء‮. ‬تعرفين أنني لا أملك شيئا‮.. ‬أن صاحب البيت‮.‬
الابنة‮: (‬كما لو كانت تردد درسا في المحفوظات‮) - ‬لم‮ ‬يستلم الإيجار،‮ ‬وكذلك البقال،‮ ‬والجزار والعالم كله‮.‬
الأم‮: ‬حسنا‮. ‬ما دمت تعرفين كل شيء فإنك‮ ....‬
الابنة‮: ‬نعم انني أعرف كل شيء؟‮ (‬فترة تعود إلي هدوئها المتكلف‮) - ‬أنا لا ألوم أحدا‮. ‬ولا اطلب العمر‮.. ‬سأبقي في البيت إلي أن تحصل معجزة وتجيء الفلوس‮. ‬كل ما في الأمر أنني لا استطيع أن أذهب إلي الكلية بفستان واحد إلي الابد‮.‬
الأم‮: ‬ولكنه لم‮ ‬يتمزق‮.. ‬وتستطيعين أن‮.. ‬بل إنه‮ ‬يكاد‮ ‬يكون جديدا‮!‬
الابنة‮: (‬ترفع رأسها ثانية وتتكلم كما لو كانت علي وشك البكاء‮): ‬ماما‮! ‬إن بعض البنات عندنا‮ ‬يرتدين فستانا كل‮ ‬يوم‮! .. ‬وأنا لا‮ ‬يهمني ذلك‮. ‬أنا لا أريد الأبهة‮. ‬كل ما أريده هو ألا‮ ‬ينظر لي الأولاد والبنات في كل وقت ليقولوا‮: ‬مسكينة‮! ‬إنها لم تغير هذا الفستان منذ أن دخلت الكلية‮!"‬
الأم‮: (‬تضع‮ ‬يدها علي كتف ابنتها وتقول في حنان‮): ‬يا حبيبتي‮! ‬هل‮ ‬يقولون لك هذا؟
الابنة‮: (‬في شيء من الضيق‮) ‬بالطبع لا‮ ‬يقولونه لي‮ ‬يا أمي،‮ ‬ولكنني أراه في عيونهم‮.‬
الأم‮: ‬هل أغضبتك‮ ‬يا حبيبتي؟ قولي إنك لست‮ ‬غاضبة مني‮.‬
الابنة‮: ‬ولماذا أغضب منك‮ ‬يا ماما‮. ‬فقط كنت أشرح لك،‮ ‬حتي لا تظني انني أطلب القمر‮. ‬أنا لا أطلب القمر،‮ ‬ولا أضايق أحدا‮. ‬لقد قلت لصاحباتي إنني مريضة‮. ‬ولذا فهن‮ ‬يرسلن كراسات المحاضرات لأنقلها‮. ‬قلت لهن إن لدي روماتيزم في المفاصل‮ (‬ثم وهي تضحك بعد فترة‮) ‬وفي الحق إن أقدامي تؤلمني من السير الطويل كل‮ ‬يوم إلي الجامعة‮!‬
الأم‮ (‬شاردة‮) ‬نعم‮. ‬نعم‮. ‬أنا لا أريد أن تغضبي مني فالله‮ ‬يعلم أنني أفكر طول الوقت وأحاول أن أدبر الأمور،‮ ‬ولكن‮.. (‬يسمع جرس الباب‮. ‬تنتبه الأم‮).‬
لعله زائر‮. ‬والبيت بهذه الفوضي‮! ‬خبئي هذه‮ "‬الكراكيب‮" ‬أصلحي المفرش‮.. ‬أو‮.. ‬اسمعي،‮ ‬نظفي أنت‮ ‬غرفة الجلوس بينما أرتب أنا الصالة‮. (‬تقف الابنة عاجزة عن متابعة إرشادات الأم المتلاحقة‮).‬
الابنة‮: (‬بهدوء‮) ‬وهل نقول للطارق أن‮ ‬ينتظر حتي نفعل هذا؟‮ ‬
المائدة‮. (‬تفتح الابنة الباب وتدخل الخالة‮).‬
الابنة‮: ‬كيف حالك‮ ‬يا خالتي؟
الخالة‮: ‬بخير‮ ‬يا حبيبتي‮..‬
‮(‬تتقدم الأم من الخالة وتتبادلان القبل‮).‬
الأم‮: ‬أهلا‮.. ‬أهلا‮.. ‬ما هذه الغيبة الطويلة؟
الخالة‮: ‬وهل تسألون أنتم؟ كيف حالكم جميعا‮.. ‬أوف لهذا السلم المتعب‮!‬
‮(‬تجلس علي أول مقعد‮ ‬يصادفها،‮ ‬وهو المقعد الذي كانت تجلس عليه الابنة‮).‬
الأم‮: ‬ايه‮.. ‬لم نعد شبابا‮ ‬يا أختي الحبيبة‮.. ‬هيا‮ ‬يا بنتي أحضري القهوة‮.‬
الخالة‮: ‬لا داعي لذلك،‮ ‬سأنزل حالا‮. (‬تخرج الابنة من الممر‮).‬
الأم‮: (‬تجلس في المقعد المجاور للخالة‮) ‬كيف حالكم؟ وكيف حال الأولاد،‮ ‬والحاج؟
الخالة‮: (‬وهي تتنهد‮) ‬نحمده علي أية حال‮. ‬الأولاد لا‮ ‬يكفون عن الشجار،‮ ‬والحاج لا‮ ‬يكف عن المطالب‮.‬
الأم‮: ‬الأولاد لا‮ ‬يكفون عن الشجار في أي مكان‮. ‬قبل أن تأتي إلي هنا كانت ابنتي تتهم أخاها بالعبط‮.‬
الخالة‮: (‬وهي تضحك‮) ‬في الحق إن ابنك طيب القلب جدا‮ (‬مستدركة‮) ‬ولكنه ليس عبيطا‮..‬
الأم‮: ‬إنه رجلنا علي أية حال‮. ‬لولا أنه‮ ‬يعمل في تلك الشركة ليل نهار لما استطعنا أن نعيش‮. ‬لقد ترك مدرسته ليعولنا‮.‬
الخالة‮: ‬هذا حق‮. ‬يكفي أنه‮ ‬يعمل‮. ‬أما أنا فتعالي‮.. ‬انظري ماذا‮ ‬يفعل ولدي‮: ‬لا هم له سوي أن‮ ‬ينغص علي أخته حياتها‮. ‬منذ أيام قلب الدنيا وأحال البيت ثورة لأنها لبست فستانا قصير الكم،‮ ‬ولم‮ ‬يكفه هذا،‮ ‬بل ذهب إلي أبيه وأخبره‮.‬
الأم‮: ‬وماذا فعل أبوه؟
الخالة‮: ‬تشاجر معي‮.‬
الأم‮: ‬أنت؟
الخالة‮: ‬نعم‮: ‬أنا‮! ‬اتهمني أنني أدلل البنت وأفسدها وطلب مني أن أصلح الفستان حالا ليصبح حشمة‮.‬
الأم‮: (‬واجمة‮) ‬وفعلت ذلك؟
الخالة‮: ‬قلت له إنني سأصلحه،‮ ‬وخرجت من عنده فدخلت هي وبكت،‮ ‬وأقسمت أن الفستان حشمة فطيب خاطرها وسمح لها أن ترتديه‮.‬
الأم‮: (‬وهي ماتزال شاردة‮) ‬عجيب‮!‬
الخالة‮: ‬نعم‮.. ‬نعم‮.. ‬هكذا تجري الأمور في بيتنا‮.. ‬كلمة من ابنته أو دمعة تحل كل شيء،‮ ‬أما أنا فمهما قلت أو فعلت فأنا علي خطأ،‮ ‬من مطلع الصباح حتي النوم‮!.. ‬إنه‮ ‬يريد ماء الوضوء دافئا،‮ ‬فإذا أعددته له فلابد أن‮ ‬يكون أسخن من اللازم أو أبرد من اللازم،‮ ‬الأكل لابد أن‮ ‬يكون فيه عيب ما‮. ‬وإذا أخطأ الأولاد فأنا السبب دائما‮... ‬و‮.....‬
الأم‮: (‬وهي تبتسم‮) ‬هذه الاشياء البسيطة‮! ‬إنها هي الحياة‮.. ‬
الخالة‮: (‬مواصلة كلامها‮) - ‬حتي القهوة‮! ‬القهوة التي أعملها له من عشرين عاما لم تعد تعجبه‮. ‬سكرها قليل،‮ ‬بنها رديء‮.. ‬ثقيلة‮.. ‬خفيفة‮.. ‬ومن أجل ذلك،‮ ‬واسمعي،‮ ‬فإنه‮ ‬يسهر علي المقهي كل ليلة‮.. ‬فإذا سألته عن السبب كان رده جاهزا‮ - ‬إنهم هناك‮ ‬يقدمون له‮ "‬قهوة‮" ‬هكذا‮ ‬يقول‮!‬
الأم‮: ‬ولكنه في بعض الليالي‮ ‬يعود مبكرا،‮ ‬أليس كذلك؟
الخالة‮: ‬نعم‮.‬
الأم‮: ‬وفي بعض الأحيان تعجبه القهوة والأكل؟
الخالة‮: ‬مرة في السنة‮!‬
الأم‮: ‬هذا‮ ‬يكفي‮. ‬ألا‮ ‬يكفي هذا؟ ماذا نريد من الحياة‮ ‬غير أن نرضي رجالنا‮. ‬أو نعمل لإرضائهم‮.. ‬أذكر أن المرحوم‮..‬
الخالة‮: (‬بسرعة‮) ‬فليرحمه الله‮ ‬يا أختي‮. (‬بعد فترة‮) ‬إنك لا تتكلمين عن شيء سواه طول الوقت وطول عمرك‮.‬
الأم‮: (‬بلهجة الفجيعة‮) ‬وماذا كانت حياتي بدونه‮. ‬هل أنسي؟
الخالة‮: (‬في دهشة‮) ‬ولكنك حزنت عليه بما فيه الكفاية‮!.. ‬ثلاث سنوات أفنيت نفسك في الحزن‮.. ‬فلتفكري الآن في نفسك‮.. ‬في أولادك‮.‬
‮(‬تدخل الابنة حاملة صينية عليها فنجان من القهوة وكوب من الماء وتقدمها للخالة‮).‬
الخالة‮: ‬أشكرك‮ ‬يا حبيبتي‮ (‬تتناول الكوب‮) ‬كيف حالك؟
الابنة‮: ‬الحمد لله‮ ‬يا خالتي‮.‬
الخالة‮: ‬وكيف حال المذاكرة؟‮.. ‬قالت لي ابنتي إنك لا تذهبين إلي الكلية‮..‬
الابنة‮: ‬عن إذنك‮ ‬يا خالتي‮! (‬تضع الصينية علي المائدة وتخرج مسرعة من الغرفة عبر الممر‮).‬
الخالة‮: ‬مالها؟
الأم‮: (‬مرتبكة‮) ‬أنها متعبة بعض الشيء‮.. ‬تشاجرت مع أخيها‮ (‬مستدركة‮) ‬ولديها روماتيزم في المفاصل‮!‬
الخالة‮: ‬مسكينة‮! ‬في سنها هذه تشعر بالحاجة إلي من‮ ‬يرعاها‮.‬
الأم‮: ‬كان أبوها أحسن الآباء‮..‬
الخالة‮: (‬بهدوء وهي ترشف القهوة‮).. ‬عندي أب لها‮!‬
الأم‮: ‬ماذا‮!‬
الخالة‮: (‬تضع الكوب علي المائدة‮) ‬لا داعي للف والدوران‮.. ‬لقد كنت أمر من هنا صدفة‮ - ‬ولكنني رأيت أن آتي لأكلمك الآن‮.‬
الأم‮: (‬في دهشة عظيمة‮) ‬تكلمينني عن ماذا؟ قولي‮.. ‬أنت لا تقصدين‮.‬
الخالة‮: (‬وهي تحدق في وجه الأم باهتمام‮) ‬هل تعرفين ابن عم زوجي؟
الأم‮: (‬في استنكار‮) ‬الفلاح‮! (‬ثم مستدركة‮) ‬ذلك المزارع الغني؟
الخالة‮: ‬نعم،‮ ‬إنه ليس‮ ‬غنيا فحسب،‮ ‬ولكنه رجل طيب القلب،‮ ‬و‮.....‬
الأم‮: (‬تقف وتتكلم بلهجة‮ ‬غريبة‮) ‬تعلمين أن ابنتي في الجامعة‮!‬
الخالة‮: ‬نعم،‮ ‬ولكنك مازلت شابة وجميلة،‮ ‬وهو‮ ‬يناسبك في السن‮.‬
الأم‮: (‬كما لو كانت لم تسمع‮): ‬وإن أباها كان محاميا‮..‬
الخالة‮: ‬عجبا،‮ ‬وما علاقة هذا بالموضوع؟
الأم‮: (‬وهي تتحرك في عصبية‮) ‬إن ابنتي في الجامعة‮.. ‬وكان أبوها محاميا‮.. ‬كان زوجي‮.. ‬وكان زوجا طيبا‮..‬
الخالة‮: ‬وقد أخلصت له في حياته‮.. ‬وحزنت عليه عندما مات‮.. ‬وهذا‮ ‬يكفي‮.‬
الأم‮: ‬وكان لا‮ ‬يبخل عليّ‮ ‬بشيء‮.‬
الخالة‮: ‬أعرف‮.‬
الأم‮: (‬تنحني وتقترب بوجهها من الخالة‮) ‬كان لدينا تليفون،‮ ‬أتسمعين؟
الخالة‮:..........‬
الأم‮: ‬وكان سيشتري سيارة كبيرة‮. ‬كانت أمه تملك أرضا،‮ ‬وأبوه موظفا كبيرا‮....‬
الخالة‮: (‬وهي تذرع الغرفة‮) ‬فقط كنت أريد أن‮ ‬
الأم‮: (‬تتجه نحو ابنتها وتكلمها في تودد‮) ‬ألم تتعبي بعد من الكتابة‮ ‬يا حبيبتي‮. (‬تقف قبالتها‮) ‬كنت أريد أن أقول‮.. ‬
الابنة‮: (‬بينما تكتب‮) ‬كنت أريد أن أقول إننا تكلمنا كثيرا في هذا الموضوع‮ ‬يا ماما‮. (‬في هدوء‮) ‬لن أذهب إلي الكلية إلا إذا اشتريت لي فستانا جديدا‮.‬
الأم‮: ‬ولكنك تعرفين كل شيء‮. ‬تعرفين أنني لا أملك شيئا‮.. ‬أن صاحب البيت‮.‬
الابنة‮: (‬كما لو كانت تردد درسا في المحفوظات‮) - ‬لم‮ ‬يستلم الإيجار،‮ ‬وكذلك البقال،‮ ‬والجزار والعالم كله‮.‬
الأم‮: ‬حسنا‮. ‬ما دمت تعرفين كل شيء فإنك‮ ....‬
الابنة‮: ‬نعم انني أعرف كل شيء؟‮ (‬فترة تعود إلي هدوئها المتكلف‮) - ‬أنا لا ألوم أحدا‮. ‬ولا اطلب العمر‮.. ‬سأبقي في البيت إلي أن تحصل معجزة وتجيء الفلوس‮. ‬كل ما في الأمر أنني لا استطيع أن أذهب إلي الكلية بفستان واحد إلي الابد‮.‬
الأم‮: ‬ولكنه لم‮ ‬يتمزق‮.. ‬وتستطيعين أن‮.. ‬بل إنه‮ ‬يكاد‮ ‬يكون جديدا‮!‬
الابنة‮: (‬ترفع رأسها ثانية وتتكلم كما لو كانت علي وشك البكاء‮): ‬ماما‮! ‬إن بعض البنات عندنا‮ ‬يرتدين فستانا كل‮ ‬يوم‮! .. ‬وأنا لا‮ ‬يهمني ذلك‮. ‬أنا لا أريد الأبهة‮. ‬كل ما أريده هو ألا‮ ‬ينظر لي الأولاد والبنات في كل وقت ليقولوا‮: ‬مسكينة‮! ‬إنها لم تغير هذا الفستان منذ أن دخلت الكلية‮!"‬
الأم‮: (‬تضع‮ ‬يدها علي كتف ابنتها وتقول في حنان‮): ‬يا حبيبتي‮! ‬هل‮ ‬يقولون لك هذا؟
الابنة‮: (‬في شيء من الضيق‮) ‬بالطبع لا‮ ‬يقولونه لي‮ ‬يا أمي،‮ ‬ولكنني أراه في عيونهم‮.‬
الأم‮: ‬هل أغضبتك‮ ‬يا حبيبتي؟ قولي إنك لست‮ ‬غاضبة مني‮.‬
الابنة‮: ‬ولماذا أغضب منك‮ ‬يا ماما‮. ‬فقط كنت أشرح لك،‮ ‬حتي لا تظني انني أطلب القمر‮. ‬أنا لا أطلب القمر،‮ ‬ولا أضايق أحدا‮. ‬لقد قلت لصاحباتي إنني مريضة‮. ‬ولذا فهن‮ ‬يرسلن كراسات المحاضرات لأنقلها‮. ‬قلت لهن إن لدي روماتيزم في المفاصل‮ (‬ثم وهي تضحك بعد فترة‮) ‬وفي الحق إن أقدامي تؤلمني من السير الطويل كل‮ ‬يوم إلي الجامعة‮!‬
الأم‮ (‬شاردة‮) ‬نعم‮. ‬نعم‮. ‬أنا لا أريد أن تغضبي مني فالله‮ ‬يعلم أنني أفكر طول الوقت وأحاول أن أدبر الأمور،‮ ‬ولكن‮.. (‬يسمع جرس الباب‮. ‬تنتبه الأم‮).‬
لعله زائر‮. ‬والبيت بهذه الفوضي‮! ‬خبئي هذه‮ "‬الكراكيب‮" ‬أصلحي المفرش‮.. ‬أو‮.. ‬اسمعي،‮ ‬نظفي أنت‮ ‬غرفة الجلوس بينما أرتب أنا الصالة‮. (‬تقف الابنة عاجزة عن متابعة إرشادات الأم المتلاحقة‮).‬
الابنة‮: (‬بهدوء‮) ‬وهل نقول للطارق أن‮ ‬ينتظر حتي نفعل هذا؟‮ ‬
المائدة‮. (‬تفتح الابنة الباب وتدخل الخالة‮).‬
الابنة‮: ‬كيف حالك‮ ‬يا خالتي؟
الخالة‮: ‬بخير‮ ‬يا حبيبتي‮..‬
‮(‬تتقدم الأم من الخالة وتتبادلان القبل‮).‬
الأم‮: ‬أهلا‮.. ‬أهلا‮.. ‬ما هذه الغيبة الطويلة؟
الخالة‮: ‬وهل تسألون أنتم؟ كيف حالكم جميعا‮.. ‬أوف لهذا السلم المتعب‮!‬
‮(‬تجلس علي أول مقعد‮ ‬يصادفها،‮ ‬وهو المقعد الذي كانت تجلس عليه الابنة‮).‬
الأم‮: ‬ايه‮.. ‬لم نعد شبابا‮ ‬يا أختي الحبيبة‮.. ‬هيا‮ ‬يا بنتي أحضري القهوة‮.‬
الخالة‮: ‬لا داعي لذلك،‮ ‬سأنزل حالا‮. (‬تخرج الابنة من الممر‮).‬
الأم‮: (‬تجلس في المقعد المجاور للخالة‮) ‬كيف حالكم؟ وكيف حال الأولاد،‮ ‬والحاج؟
الخالة‮: (‬وهي تتنهد‮) ‬نحمده علي أية حال‮. ‬الأولاد لا‮ ‬يكفون عن الشجار،‮ ‬والحاج لا‮ ‬يكف عن المطالب‮.‬
الأم‮: ‬الأولاد لا‮ ‬يكفون عن الشجار في أي مكان‮. ‬قبل أن تأتي إلي هنا كانت ابنتي تتهم أخاها بالعبط‮.‬
الخالة‮: (‬وهي تضحك‮) ‬في الحق إن ابنك طيب القلب جدا‮ (‬مستدركة‮) ‬ولكنه ليس عبيطا‮..‬
الأم‮: ‬إنه رجلنا علي أية حال‮. ‬لولا أنه‮ ‬يعمل في تلك الشركة ليل نهار لما استطعنا أن نعيش‮. ‬لقد ترك مدرسته ليعولنا‮.‬
الخالة‮: ‬هذا حق‮. ‬يكفي أنه‮ ‬يعمل‮. ‬أما أنا فتعالي‮.. ‬انظري ماذا‮ ‬يفعل ولدي‮: ‬لا هم له سوي أن‮ ‬ينغص علي أخته حياتها‮. ‬منذ أيام قلب الدنيا وأحال البيت ثورة لأنها لبست فستانا قصير الكم،‮ ‬ولم‮ ‬يكفه هذا،‮ ‬بل ذهب إلي أبيه وأخبره‮.‬
الأم‮: ‬وماذا فعل أبوه؟
الخالة‮: ‬تشاجر معي‮.‬
الأم‮: ‬أنت؟
الخالة‮: ‬نعم‮: ‬أنا‮! ‬اتهمني أنني أدلل البنت وأفسدها وطلب مني أن أصلح الفستان حالا ليصبح حشمة‮.‬
الأم‮: (‬واجمة‮) ‬وفعلت ذلك؟
الخالة‮: ‬قلت له إنني سأصلحه،‮ ‬وخرجت من عنده فدخلت هي وبكت،‮ ‬وأقسمت أن الفستان حشمة فطيب خاطرها وسمح لها أن ترتديه‮.‬
الأم‮: (‬وهي ماتزال شاردة‮) ‬عجيب‮!‬
الخالة‮: ‬نعم‮.. ‬نعم‮.. ‬هكذا تجري الأمور في بيتنا‮.. ‬كلمة من ابنته أو دمعة تحل كل شيء،‮ ‬أما أنا فمهما قلت أو فعلت فأنا علي خطأ،‮ ‬من مطلع الصباح حتي النوم‮!.. ‬إنه‮ ‬يريد ماء الوضوء دافئا،‮ ‬فإذا أعددته له فلابد أن‮ ‬يكون أسخن من اللازم أو أبرد من اللازم،‮ ‬الأكل لابد أن‮ ‬يكون فيه عيب ما‮. ‬وإذا أخطأ الأولاد فأنا السبب دائما‮... ‬و‮.....‬
الأم‮: (‬وهي تبتسم‮) ‬هذه الاشياء البسيطة‮! ‬إنها هي الحياة‮.. ‬
الخالة‮: (‬مواصلة كلامها‮) - ‬حتي القهوة‮! ‬القهوة التي أعملها له من عشرين عاما لم تعد تعجبه‮. ‬سكرها قليل،‮ ‬بنها رديء‮.. ‬ثقيلة‮.. ‬خفيفة‮.. ‬ومن أجل ذلك،‮ ‬واسمعي،‮ ‬فإنه‮ ‬يسهر علي المقهي كل ليلة‮.. ‬فإذا سألته عن السبب كان رده جاهزا‮ - ‬إنهم هناك‮ ‬يقدمون له‮ "‬قهوة‮" ‬هكذا‮ ‬يقول‮!‬
الأم‮: ‬ولكنه في بعض الليالي‮ ‬يعود مبكرا،‮ ‬أليس كذلك؟
الخالة‮: ‬نعم‮.‬
الأم‮: ‬وفي بعض الأحيان تعجبه القهوة والأكل؟
الخالة‮: ‬مرة في السنة‮!‬
الأم‮: ‬هذا‮ ‬يكفي‮. ‬ألا‮ ‬يكفي هذا؟ ماذا نريد من الحياة‮ ‬غير أن نرضي رجالنا‮. ‬أو نعمل لإرضائهم‮.. ‬أذكر أن المرحوم‮..‬
الخالة‮: (‬بسرعة‮) ‬فليرحمه الله‮ ‬يا أختي‮. (‬بعد فترة‮) ‬إنك لا تتكلمين عن شيء سواه طول الوقت وطول عمرك‮.‬
الأم‮: (‬بلهجة الفجيعة‮) ‬وماذا كانت حياتي بدونه‮. ‬هل أنسي؟
الخالة‮: (‬في دهشة‮) ‬ولكنك حزنت عليه بما فيه الكفاية‮!.. ‬ثلاث سنوات أفنيت نفسك في الحزن‮.. ‬فلتفكري الآن في نفسك‮.. ‬في أولادك‮.‬
‮(‬تدخل الابنة حاملة صينية عليها فنجان من القهوة وكوب من الماء وتقدمها للخالة‮).‬
الخالة‮: ‬أشكرك‮ ‬يا حبيبتي‮ (‬تتناول الكوب‮) ‬كيف حالك؟
الابنة‮: ‬الحمد لله‮ ‬يا خالتي‮.‬
الخالة‮: ‬وكيف حال المذاكرة؟‮.. ‬قالت لي ابنتي إنك لا تذهبين إلي الكلية‮..‬
الابنة‮: ‬عن إذنك‮ ‬يا خالتي‮! (‬تضع الصينية علي المائدة وتخرج مسرعة من الغرفة عبر الممر‮).‬
الخالة‮: ‬مالها؟
الأم‮: (‬مرتبكة‮) ‬أنها متعبة بعض الشيء‮.. ‬تشاجرت مع أخيها‮ (‬مستدركة‮) ‬ولديها روماتيزم في المفاصل‮!‬
الخالة‮: ‬مسكينة‮! ‬في سنها هذه تشعر بالحاجة إلي من‮ ‬يرعاها‮.‬
الأم‮: ‬كان أبوها أحسن الآباء‮..‬
الخالة‮: (‬بهدوء وهي ترشف القهوة‮).. ‬عندي أب لها‮!‬
الأم‮: ‬ماذا‮!‬
الخالة‮: (‬تضع الكوب علي المائدة‮) ‬لا داعي للف والدوران‮.. ‬لقد كنت أمر من هنا صدفة‮ - ‬ولكنني رأيت أن آتي لأكلمك الآن‮.‬
الأم‮: (‬في دهشة عظيمة‮) ‬تكلمينني عن ماذا؟ قولي‮.. ‬أنت لا تقصدين‮.‬
الخالة‮: (‬وهي تحدق في وجه الأم باهتمام‮) ‬هل تعرفين ابن عم زوجي؟
الأم‮: (‬في استنكار‮) ‬الفلاح‮! (‬ثم مستدركة‮) ‬ذلك المزارع الغني؟
الخالة‮: ‬نعم،‮ ‬إنه ليس‮ ‬غنيا فحسب،‮ ‬ولكنه رجل طيب القلب،‮ ‬و‮.....‬
الأم‮: (‬تقف وتتكلم بلهجة‮ ‬غريبة‮) ‬تعلمين أن ابنتي في الجامعة‮!‬
الخالة‮: ‬نعم،‮ ‬ولكنك مازلت شابة وجميلة،‮ ‬وهو‮ ‬يناسبك في السن‮.‬
الأم‮: (‬كما لو كانت لم تسمع‮): ‬وإن أباها كان محاميا‮..‬
الخالة‮: ‬عجبا،‮ ‬وما علاقة هذا بالموضوع؟
الأم‮: (‬وهي تتحرك في عصبية‮) ‬إن ابنتي في الجامعة‮.. ‬وكان أبوها محاميا‮.. ‬كان زوجي‮.. ‬وكان زوجا طيبا‮..‬
الخالة‮: ‬وقد أخلصت له في حياته‮.. ‬وحزنت عليه عندما مات‮.. ‬وهذا‮ ‬يكفي‮.‬
الأم‮: ‬وكان لا‮ ‬يبخل عليّ‮ ‬بشيء‮.‬
الخالة‮: ‬أعرف‮.‬
الأم‮: (‬تنحني وتقترب بوجهها من الخالة‮) ‬كان لدينا تليفون،‮ ‬أتسمعين؟
الخالة‮:..........‬
الأم‮: ‬وكان سيشتري سيارة كبيرة‮. ‬كانت أمه تملك أرضا،‮ ‬وأبوه موظفا كبيرا‮....‬
الخالة‮: (‬وهي تذرع الغرفة‮) ‬فقط كنت أريد أن‮ ‬
أقول‮.......‬
الخالة‮: ‬ماذا كنت تريدين أن تقولي؟‮ (‬تدرك فجأة‮) ‬آه،‮ ‬تريدين أن تقولي إنك لا تستطيعين أن تتزوجي فلاحا لأن ابنتك في الجامعة‮. ‬ان زوجي ليس محاميا‮. ‬ولكنه تاجر‮. ‬وابنتي في الجامعة‮! ‬وجارنا محام وابنته ليست في الجامعة‮. ‬فما أهمية ذلك‮. (‬بعد فترة‮) ‬ثم انه ليس فلاحا‮. ‬إنه‮ ‬يلبس بذلة‮!‬
الأم‮: (‬تقترب منها وتبسط‮ ‬يديها‮) ‬ليست هذه هي المسألة‮!‬
الخالة‮: ‬ما هي المسألة إذن؟ أريد أن أفهمها‮.. ‬
الأم‮: (‬تسكت لحظة ثم‮ ‬يرتخي ذراعاها‮).. ‬لا أستطيع أن أشرحها لك‮.. (‬تسكت ثانية‮) ‬لا أريد أن أتزوج‮. ‬هذا هو كل ما في الأمر‮.. ‬لست شابة‮. ‬و‮....‬
الخالة‮: (‬تسكتها‮) ‬دعي هذه الحكاية‮. ‬إنك تعجبينه كما أنت‮. ‬وهو‮ ‬يريد أن‮ ‬يتزوجك‮.‬
الأم‮: (‬تقف قبالتها‮) ‬ولكنني لا أريد‮. ‬هذه هي الحقيقة‮.‬
الخالة‮: (‬تحدق في وجهها في ثبات‮) ‬لا تريدين‮.. ‬هه؟ شخت وزهدت في الدنيا وأصبحت لا تريدين الزواج‮.. ‬هه؟
الأم‮: (‬تحول نظرها عنها‮) ‬لا أريد‮. ‬يا ربي‮. ‬ماذا‮ ‬يقول أولادي؟
الخالة‮: ‬دعي أولادك لي‮ (‬في حدة‮) ‬ماذا‮ ‬يريد أولادك؟ أن تموتي من أجلهم؟ أن تموتوا جميعا من أجل لقمة العيش؟‮.. ‬ها هي النعمة تسعي إليكم‮.‬
الأم‮: (‬ترفع رأسها وتقول في قسوة‮) ‬نحن لم نشحذ‮!.. ‬نعم،‮ ‬لسنا كما كنا في أول الأمر‮. ‬ولكننا لم نشحذ،‮ ‬ولا نريد أن‮ ‬يشترينا أحد‮.‬
الخالة‮: (‬تضحك‮) ‬يا سلام‮! ‬هذا العرق التركي كنت أظنه في أولادك فقط،‮ ‬فقد ورثوه عن جدتهم‮. ‬أما أنت فممن ورثته؟‮ (‬تقلدها‮) : "‬لن‮ ‬يشترينا أحد‮"! ‬من قال إن أحد‮ ‬يريد أن‮ ‬يشتريكم‮.‬
هل الزواج شراء؟ لم أسمع بشيء كهذا من قبل‮. ‬أن تجد المرأة زوجا‮ ‬يحبها،‮ ‬وأبا لأطفالها‮. ‬رجلا بمعني الكلمة‮. ‬ألا‮ ‬يستحق هذا مجرد التفكير‮.‬
الأم‮: (‬في تردد‮) ‬ومن أدراك أن فيه كل هذه الصفات؟
الخالة‮: (‬في حماس‮) ‬أنا أعرفه‮. ‬ألست أعرفه جيدا؟ إنه ابن عم زوجي‮! ‬كيف كنت اختاره لو لم أكن أعرفه؟
الأم‮: (‬في دهشة‮) ‬تختارينه لي؟ هل أنت التي كلمته؟
الخالة‮: ‬بالطبع لا‮. ‬هل جننت؟ حسنا‮.. ‬أنت تعرفين أنه قد رآك عندي أكثر من مرة‮. ‬وبعد وفاة المرحوم فاتحني في أن‮.. ‬في أن‮ ‬يتقدم،‮ ‬ولكنني قلت له أن‮ ‬ينتظر الحداد‮. ‬ثم ماتت أمه هو‮. ‬وجاء سبب آخر،‮ ‬أما الآن فقد حان الوقت‮. ‬أليس كذلك؟
الأم‮: (‬متبلدة‮) ‬نعم؟ حان لماذا؟
الخالة‮: ‬لماذا،‮ ‬لكي تتزوجا بالطبع‮!‬
الأم‮: ‬ومن قال إنني سأتزوج؟ أنا لم أقل شيئا كهذا‮ (‬في مواجهة الصورة الكبيرة‮) ‬ماذا‮ ‬يقول أولادي؟
الخالة‮: ‬سيفرحون لأن أمهم ستسعد‮.‬
الأم‮ (‬بلهجة الفجيعة القديمة‮) ‬سعادة‮! ‬أن أمهم لم تعد تعرف معني السعادة‮.‬
الخالة‮: ‬تستطيع أن تعرفها من جديد‮. ‬فهي لم تزل صغيرة‮.‬
الأم‮: (‬تضحك ضحكة جريحة‮) ‬ليس هذا هو‮ (‬تضحك ثانية‮) ‬فلنترك هذا الموضوع‮!‬
الخالة‮: (‬في إصرار‮) ‬لا،‮ ‬لابد أن أعرف رأيك الآن‮. ‬أنا أعرفك جيدا‮. ‬أنت لا تريدين أن تفعلي شيئا سوي أن تبكي وتغلقي عليك باب‮ ‬غرفتك،‮ ‬تماما كما كنت وأنت صغيرة‮. ‬ولكن عليك أن توافقي‮. ‬الآن‮. ‬في هذه اللحظة‮. ‬من أجل أولادك‮.‬
الأم‮: (‬تضحك فجأة‮).‬
الخالة‮: ‬ما الذي‮ ‬يضحكك الآن؟
الأم‮: ‬كنت أتساءل دائما عن السبب‮.. ‬السبب الذي‮ ‬يجعله‮ .. ‬هذا الرجل الكبير الوقور‮ ‬يزور ابني‮!‬
الخالة‮: (‬وهي تبتسم‮) ‬إنه‮ ‬يحب أولادك‮.‬
الأم‮: ‬أواثقة أنت أنه‮ ‬يحب أولادي؟
الخالة‮: ‬واثقة تماما‮. ‬كثقتي من نفسي‮. ‬كثيرا ما قال لي عن ابنك‮ (‬ما أطيب هذا الولد‮) ‬إنه‮ ‬يحبه كابنه‮. ‬أما ابنتك فهو‮.. (‬تندفع الابنة داخلة من الممر وتقف لحظة وهي تجيل ببصرها بين أمها وخالتها‮).‬
الابنة‮: ‬أمي‮!‬
الأم‮: ‬نعم‮ ‬يا بنيتي‮..‬
الابنة‮: ‬خالتي‮!‬
الخالة‮: ‬نعم
‮(‬فترة‮)‬
الابنة‮ : (‬في تردد‮) ‬جدتي‮! ‬جدتي سمعت‮.. ‬أنك هنا وهي تريد أن تراك‮..‬
الخالة‮: (‬في لهجة فاترة وهي تقوم‮) ‬حقا؟ وكيف حالها؟ أنت تعلمين أنني كنت علي وشك أن أنزل‮.. (‬تضحك بينما تتجه نحو الممر‮) ‬عساها لا تحكي لي عن إستانبول،‮ ‬فالحاج في انتظاري‮..‬
‮(‬تخرج الخالة،‮ ‬تقف الابنة أمام الدولاب‮ ‬يبدو عليها الاضطراب‮. ‬الأم في الطرف المقابل‮. ‬فترة‮).‬
الأم‮: (‬تبتسم في تودد‮) ‬تعالي هنا‮ ‬يا بنيتي‮..‬
‮(‬الابنة لا تتحرك فتتقدم منها الأم ولا‮ ‬يفصل بينهما‮ ‬غير المائدة في صوت خفيض‮) ‬لماذا تعاملين خالتك دائما بهذه الطريقة؟ كادت تغضب لولا أنني قلت لها‮..‬
الابنة‮: (‬في صوت عال‮) ‬إذا كانت ستتكلم‮ (‬ثم بصوت خفيض‮) ‬إذا كانت ستتكلم عن ابنتها وتباهي بدلالها فلست أطيق أن استمع لها لحظة‮.‬
الأم‮: (‬تضحك ضحكة قصيرة‮) ‬لماذا‮! ‬إنها بنت طيبة وأنت لا تغارين منها‮.‬
الابنة‮ (‬في ألم‮) ‬بالطبع أنا لا أغار منها‮ ‬يا أمي‮.. ‬أنا لا أغار‮..‬
الأم‮: ‬نعم أنت لا تغارين منها‮. ‬إنني أعرف أن ابنتي بنت عاقلة‮..‬
الابنة‮: ‬فقط أنا لا أحب أن أستمع إليها‮.. ‬لا أحب أن أستمع إليها وهي تباهي‮.. ‬لا أحب ذلك‮...‬
الأم‮: ‬يا بنيتي المسكينة‮..‬
الابنة‮: ‬لست مسكينة‮! ‬ولا أحب أن‮ ‬يقول أحد هذا‮.‬
الأم‮: (‬في حنان‮) ‬ابنتي الجميلة لا تجد من‮ ‬يباهي بها،‮ ‬وهي زينة البنات‮..‬
الابنة‮: ‬لا تتكلمي عن هذا الآن‮! ‬أرجوك‮!‬
الأم‮: (‬مواصلة كلامها‮) ‬نعم‮.. ‬نعم،‮ ‬ألست في حاجة إلي من‮ ‬يباهي بك ويدللك‮ (‬تتاوه‮) ‬لو كان أبوك حيا‮.‬
الابنة‮: ‬أرجوك‮ ‬يا ماما‮! ‬لم كل هذا العذاب؟ هل قلت إنني أريد أن أدلل؟ أنا لا أريد أن‮ ‬يدللني أحد‮.‬
الأم‮: ‬ولكن لماذا تغضبين؟ إن أي بنت تود‮..‬
الابنة‮ (‬صارخة‮):‬يا ربي‮! ‬كفي عن هذا الآن‮ ‬يا أمي
الأم‮: ‬ما الذي أغضبك‮ ‬يا حبيبتي؟ كنت أريد أن أقول لك‮.. ‬إن ابنة خالتك‮.. ‬ألست تودين لو كنت مثلها‮.. ‬لو كان لك أنت أيضا‮..‬
الابنة‮: (‬واضعة‮ ‬يديها علي أذنيها‮) ‬لا أريد أن أسمع هذا الكلام‮.... ‬لا أريد‮.... ‬لا أريد‮!!‬
الأم‮: ‬لماذا؟ انك‮....‬
الابنة‮: (‬باكية‮) ‬أمي‮.. ‬أمي‮. ‬انك لن تتزوجي هذا الرجل‮!‬
الأم‮: (‬بصوت لا‮ ‬يكاد‮ ‬يسمع‮) ‬ماذا ما الذي‮ - (‬تسكت‮) (‬فترة تحدق كل منهما في الأخري بينما تضع الابنة‮ ‬يدها علي فمها لتكتم بكاءها‮ - ‬يسمع طرق علي الباب‮. ‬تتجه الابنة نحو الباب وتفتحه‮. ‬يدخل الابن‮).‬
الابن‮: (‬بلهجة الظافر‮) ‬جئت بالسمسم!الحقيقة‮.‬
الخالة‮: ‬من أدراك أنهم لا‮ ‬يريدون‮ (‬في ثقة‮) ‬سيريدونه عندما‮ ‬يجدونه‮. ‬أم تظنين أنهم سيتركون لك البيت لو تزوجت‮. ‬لا أحد‮ ‬يفعل ذلك في هذه الأيام‮.‬
الأم‮: ‬كلا أولادي كانوا‮ ‬يحبون أباهم كثيرا‮. ‬لقد نزعت صورته لأنهم كانوا‮ ‬يبكون كلما رأوها‮.‬
الخالة‮: ‬وسيجدون لهم أبا جديدا‮..‬
الأم‮: ‬كلا،‮ ‬لقد كان‮..‬
الخالة‮: (‬في ضيق‮) ‬حسنا‮ (‬تأخذ حقيبتها من فوق المائدة‮) ‬أنا لن ألح عليك أكثر من ذلك‮ (‬تتجه نحو أختها من جديد‮) ‬كنت أظن أنه سيسعدك أن‮ ‬يكون لك ولأولادك‮. (‬تسكت فجأة وتمسك أختها من كتفيها وتقول بقوة‮) ‬ماذا في الدنيا‮ ‬يساوي أن‮ ‬يكون للمرأة رجل؟
الأم‮: (‬تضحك ضحكة قصيرة حرجة‮) ‬إذا كان لها أولاد فإنها‮..‬
الخالة‮: ‬فإنها تموت من أجلهم‮! ‬تضيع شبابها وتموت‮! ‬من‮ ‬
الابنة‮: (‬وهي تبكي‮) ‬يا للفرحة‮ (‬تندفع خارجة من الممر‮)‬
الابن‮: (‬يقف مندهشا‮) ‬أية فرحة؟ هه؟ ولماذا تبكي؟
الأم‮: (‬ترفع رأسها وتكلمه وهي شاردة‮) ‬لقد أتت خالتك‮.‬
الابن‮: ‬وما الذي‮ ‬يجعلها تبكي إذا كانت خالتي قد أتت؟
الأم‮: (‬في ضيق‮) ‬لست أدري لماذا تبكي‮. ‬إنها تبكي‮. ‬خالتك بالداخل عند جدتك‮.‬
الابن‮ (‬وهو‮ ‬يتجه نحو الممر‮) ‬لا أحد‮ ‬يفهم أحدا‮! (‬يخرج من الممر‮) (‬تبقي الأم وحيدة‮. ‬تتجه نحو الدولاب في خطوات بطيئة وترفع من فوقه شيئا ثم تضعه مكانه‮. ‬تدخل الخالة‮).‬
الخالة‮: (‬وهي تضحك‮) ‬لم أفهم حرفا مما تقول‮! ‬إنها تتكلم عن ألف شيء‮. ‬عن العربات التي تجرها الخيول‮. ‬وأنواع الفطير،‮ ‬والعزبة أوف‮! (‬تجلس‮).‬
الأم‮: ‬لقد تعودنا علي ذلك‮.‬
الخالة‮: ‬إنني أحسد حماتك علي هدوء بالها‮.‬
الأم‮: (‬فجأة‮) ‬نعم،‮ ‬إنها حماتي‮!‬
الخالة‮: (‬في دهشة‮) - ‬أعرف ذلك‮!‬
أقول‮.......‬
الخالة‮: ‬ماذا كنت تريدين أن تقولي؟‮ (‬تدرك فجأة‮) ‬آه،‮ ‬تريدين أن تقولي إنك لا تستطيعين أن تتزوجي فلاحا لأن ابنتك في الجامعة‮. ‬ان زوجي ليس محاميا‮. ‬ولكنه تاجر‮. ‬وابنتي في الجامعة‮! ‬وجارنا محام وابنته ليست في الجامعة‮. ‬فما أهمية ذلك‮. (‬بعد فترة‮) ‬ثم انه ليس فلاحا‮. ‬إنه‮ ‬يلبس بذلة‮!‬
الأم‮: (‬تقترب منها وتبسط‮ ‬يديها‮) ‬ليست هذه هي المسألة‮!‬
الخالة‮: ‬ما هي المسألة إذن؟ أريد أن أفهمها‮.. ‬
الأم‮: (‬تسكت لحظة ثم‮ ‬يرتخي ذراعاها‮).. ‬لا أستطيع أن أشرحها لك‮.. (‬تسكت ثانية‮) ‬لا أريد أن أتزوج‮. ‬هذا هو كل ما في الأمر‮.. ‬لست شابة‮. ‬و‮....‬
الخالة‮: (‬تسكتها‮) ‬دعي هذه الحكاية‮. ‬إنك تعجبينه كما أنت‮. ‬وهو‮ ‬يريد أن‮ ‬يتزوجك‮.‬
الأم‮: (‬تقف قبالتها‮) ‬ولكنني لا أريد‮. ‬هذه هي الحقيقة‮.‬
الخالة‮: (‬تحدق في وجهها في ثبات‮) ‬لا تريدين‮.. ‬هه؟ شخت وزهدت في الدنيا وأصبحت لا تريدين الزواج‮.. ‬هه؟
الأم‮: (‬تحول نظرها عنها‮) ‬لا أريد‮. ‬يا ربي‮. ‬ماذا‮ ‬يقول أولادي؟
الخالة‮: ‬دعي أولادك لي‮ (‬في حدة‮) ‬ماذا‮ ‬يريد أولادك؟ أن تموتي من أجلهم؟ أن تموتوا جميعا من أجل لقمة العيش؟‮.. ‬ها هي النعمة تسعي إليكم‮.‬
الأم‮: (‬ترفع رأسها وتقول في قسوة‮) ‬نحن لم نشحذ‮!.. ‬نعم،‮ ‬لسنا كما كنا في أول الأمر‮. ‬ولكننا لم نشحذ،‮ ‬ولا نريد أن‮ ‬يشترينا أحد‮.‬
الخالة‮: (‬تضحك‮) ‬يا سلام‮! ‬هذا العرق التركي كنت أظنه في أولادك فقط،‮ ‬فقد ورثوه عن جدتهم‮. ‬أما أنت فممن ورثته؟‮ (‬تقلدها‮) : "‬لن‮ ‬يشترينا أحد‮"! ‬من قال إن أحد‮ ‬يريد أن‮ ‬يشتريكم‮.‬
هل الزواج شراء؟ لم أسمع بشيء كهذا من قبل‮. ‬أن تجد المرأة زوجا‮ ‬يحبها،‮ ‬وأبا لأطفالها‮. ‬رجلا بمعني الكلمة‮. ‬ألا‮ ‬يستحق هذا مجرد التفكير‮.‬
الأم‮: (‬في تردد‮) ‬ومن أدراك أن فيه كل هذه الصفات؟
الخالة‮: (‬في حماس‮) ‬أنا أعرفه‮. ‬ألست أعرفه جيدا؟ إنه ابن عم زوجي‮! ‬كيف كنت اختاره لو لم أكن أعرفه؟
الأم‮: (‬في دهشة‮) ‬تختارينه لي؟ هل أنت التي كلمته؟
الخالة‮: ‬بالطبع لا‮. ‬هل جننت؟ حسنا‮.. ‬أنت تعرفين أنه قد رآك عندي أكثر من مرة‮. ‬وبعد وفاة المرحوم فاتحني في أن‮.. ‬في أن‮ ‬يتقدم،‮ ‬ولكنني قلت له أن‮ ‬ينتظر الحداد‮. ‬ثم ماتت أمه هو‮. ‬وجاء سبب آخر،‮ ‬أما الآن فقد حان الوقت‮. ‬أليس كذلك؟
الأم‮: (‬متبلدة‮) ‬نعم؟ حان لماذا؟
الخالة‮: ‬لماذا،‮ ‬لكي تتزوجا بالطبع‮!‬
الأم‮: ‬ومن قال إنني سأتزوج؟ أنا لم أقل شيئا كهذا‮ (‬في مواجهة الصورة الكبيرة‮) ‬ماذا‮ ‬يقول أولادي؟
الخالة‮: ‬سيفرحون لأن أمهم ستسعد‮.‬
الأم‮ (‬بلهجة الفجيعة القديمة‮) ‬سعادة‮! ‬أن أمهم لم تعد تعرف معني السعادة‮.‬
الخالة‮: ‬تستطيع أن تعرفها من جديد‮. ‬فهي لم تزل صغيرة‮.‬
الأم‮: (‬تضحك ضحكة جريحة‮) ‬ليس هذا هو‮ (‬تضحك ثانية‮) ‬فلنترك هذا الموضوع‮!‬
الخالة‮: (‬في إصرار‮) ‬لا،‮ ‬لابد أن أعرف رأيك الآن‮. ‬أنا أعرفك جيدا‮. ‬أنت لا تريدين أن تفعلي شيئا سوي أن تبكي وتغلقي عليك باب‮ ‬غرفتك،‮ ‬تماما كما كنت وأنت صغيرة‮. ‬ولكن عليك أن توافقي‮. ‬الآن‮. ‬في هذه اللحظة‮. ‬من أجل أولادك‮.‬
الأم‮: (‬تضحك فجأة‮).‬
الخالة‮: ‬ما الذي‮ ‬يضحكك الآن؟
الأم‮: ‬كنت أتساءل دائما عن السبب‮.. ‬السبب الذي‮ ‬يجعله‮ .. ‬هذا الرجل الكبير الوقور‮ ‬يزور ابني‮!‬
الخالة‮: (‬وهي تبتسم‮) ‬إنه‮ ‬يحب أولادك‮.‬
الأم‮: ‬أواثقة أنت أنه‮ ‬يحب أولادي؟
الخالة‮: ‬واثقة تماما‮. ‬كثقتي من نفسي‮. ‬كثيرا ما قال لي عن ابنك‮ (‬ما أطيب هذا الولد‮) ‬إنه‮ ‬يحبه كابنه‮. ‬أما ابنتك فهو‮.. (‬تندفع الابنة داخلة من الممر وتقف لحظة وهي تجيل ببصرها بين أمها وخالتها‮).‬
الابنة‮: ‬أمي‮!‬
الأم‮: ‬نعم‮ ‬يا بنيتي‮..‬
الابنة‮: ‬خالتي‮!‬
الخالة‮: ‬نعم
‮(‬فترة‮)‬
الابنة‮ : (‬في تردد‮) ‬جدتي‮! ‬جدتي سمعت‮.. ‬أنك هنا وهي تريد أن تراك‮..‬
الخالة‮: (‬في لهجة فاترة وهي تقوم‮) ‬حقا؟ وكيف حالها؟ أنت تعلمين أنني كنت علي وشك أن أنزل‮.. (‬تضحك بينما تتجه نحو الممر‮) ‬عساها لا تحكي لي عن إستانبول،‮ ‬فالحاج في انتظاري‮..‬
‮(‬تخرج الخالة،‮ ‬تقف الابنة أمام الدولاب‮ ‬يبدو عليها الاضطراب‮. ‬الأم في الطرف المقابل‮. ‬فترة‮).‬
الأم‮: (‬تبتسم في تودد‮) ‬تعالي هنا‮ ‬يا بنيتي‮..‬
‮(‬الابنة لا تتحرك فتتقدم منها الأم ولا‮ ‬يفصل بينهما‮ ‬غير المائدة في صوت خفيض‮) ‬لماذا تعاملين خالتك دائما بهذه الطريقة؟ كادت تغضب لولا أنني قلت لها‮..‬
الابنة‮: (‬في صوت عال‮) ‬إذا كانت ستتكلم‮ (‬ثم بصوت خفيض‮) ‬إذا كانت ستتكلم عن ابنتها وتباهي بدلالها فلست أطيق أن استمع لها لحظة‮.‬
الأم‮: (‬تضحك ضحكة قصيرة‮) ‬لماذا‮! ‬إنها بنت طيبة وأنت لا تغارين منها‮.‬
الابنة‮ (‬في ألم‮) ‬بالطبع أنا لا أغار منها‮ ‬يا أمي‮.. ‬أنا لا أغار‮..‬
الأم‮: ‬نعم أنت لا تغارين منها‮. ‬إنني أعرف أن ابنتي بنت عاقلة‮..‬
الابنة‮: ‬فقط أنا لا أحب أن أستمع إليها‮.. ‬لا أحب أن أستمع إليها وهي تباهي‮.. ‬لا أحب ذلك‮...‬
الأم‮: ‬يا بنيتي المسكينة‮..‬
الابنة‮: ‬لست مسكينة‮! ‬ولا أحب أن‮ ‬يقول أحد هذا‮.‬
الأم‮: (‬في حنان‮) ‬ابنتي الجميلة لا تجد من‮ ‬يباهي بها،‮ ‬وهي زينة البنات‮..‬
الابنة‮: ‬لا تتكلمي عن هذا الآن‮! ‬أرجوك‮!‬
الأم‮: (‬مواصلة كلامها‮) ‬نعم‮.. ‬نعم،‮ ‬ألست في حاجة إلي من‮ ‬يباهي بك ويدللك‮ (‬تتاوه‮) ‬لو كان أبوك حيا‮.‬
الابنة‮: ‬أرجوك‮ ‬يا ماما‮! ‬لم كل هذا العذاب؟ هل قلت إنني أريد أن أدلل؟ أنا لا أريد أن‮ ‬يدللني أحد‮.‬
الأم‮: ‬ولكن لماذا تغضبين؟ إن أي بنت تود‮..‬
الابنة‮ (‬صارخة‮):‬يا ربي‮! ‬كفي عن هذا الآن‮ ‬يا أمي
الأم‮: ‬ما الذي أغضبك‮ ‬يا حبيبتي؟ كنت أريد أن أقول لك‮.. ‬إن ابنة خالتك‮.. ‬ألست تودين لو كنت مثلها‮.. ‬لو كان لك أنت أيضا‮..‬
الابنة‮: (‬واضعة‮ ‬يديها علي أذنيها‮) ‬لا أريد أن أسمع هذا الكلام‮.... ‬لا أريد‮.... ‬لا أريد‮!!‬
الأم‮: ‬لماذا؟ انك‮....‬
الابنة‮: (‬باكية‮) ‬أمي‮.. ‬أمي‮. ‬انك لن تتزوجي هذا الرجل‮!‬
الأم‮: (‬بصوت لا‮ ‬يكاد‮ ‬يسمع‮) ‬ماذا ما الذي‮ - (‬تسكت‮) (‬فترة تحدق كل منهما في الأخري بينما تضع الابنة‮ ‬يدها علي فمها لتكتم بكاءها‮ - ‬يسمع طرق علي الباب‮. ‬تتجه الابنة نحو الباب وتفتحه‮. ‬يدخل الابن‮).‬
الابن‮: (‬بلهجة الظافر‮) ‬جئت بالسمسم!الحقيقة‮.‬
الخالة‮: ‬من أدراك أنهم لا‮ ‬يريدون‮ (‬في ثقة‮) ‬سيريدونه عندما‮ ‬يجدونه‮. ‬أم تظنين أنهم سيتركون لك البيت لو تزوجت‮. ‬لا أحد‮ ‬يفعل ذلك في هذه الأيام‮.‬
الأم‮: ‬كلا أولادي كانوا‮ ‬يحبون أباهم كثيرا‮. ‬لقد نزعت صورته لأنهم كانوا‮ ‬يبكون كلما رأوها‮.‬
الخالة‮: ‬وسيجدون لهم أبا جديدا‮..‬
الأم‮: ‬كلا،‮ ‬لقد كان‮..‬
الخالة‮: (‬في ضيق‮) ‬حسنا‮ (‬تأخذ حقيبتها من فوق المائدة‮) ‬أنا لن ألح عليك أكثر من ذلك‮ (‬تتجه نحو أختها من جديد‮) ‬كنت أظن أنه سيسعدك أن‮ ‬يكون لك ولأولادك‮. (‬تسكت فجأة وتمسك أختها من كتفيها وتقول بقوة‮) ‬ماذا في الدنيا‮ ‬يساوي أن‮ ‬يكون للمرأة رجل؟
الأم‮: (‬تضحك ضحكة قصيرة حرجة‮) ‬إذا كان لها أولاد فإنها‮..‬
الخالة‮: ‬فإنها تموت من أجلهم‮! ‬تضيع شبابها وتموت‮! ‬من‮ ‬
الابنة‮: (‬وهي تبكي‮) ‬يا للفرحة‮ (‬تندفع خارجة من الممر‮)‬
الابن‮: (‬يقف مندهشا‮) ‬أية فرحة؟ هه؟ ولماذا تبكي؟
الأم‮: (‬ترفع رأسها وتكلمه وهي شاردة‮) ‬لقد أتت خالتك‮.‬
الابن‮: ‬وما الذي‮ ‬يجعلها تبكي إذا كانت خالتي قد أتت؟
الأم‮: (‬في ضيق‮) ‬لست أدري لماذا تبكي‮. ‬إنها تبكي‮. ‬خالتك بالداخل عند جدتك‮.‬
الابن‮ (‬وهو‮ ‬يتجه نحو الممر‮) ‬لا أحد‮ ‬يفهم أحدا‮! (‬يخرج من الممر‮) (‬تبقي الأم وحيدة‮. ‬تتجه نحو الدولاب في خطوات بطيئة وترفع من فوقه شيئا ثم تضعه مكانه‮. ‬تدخل الخالة‮).‬
الخالة‮: (‬وهي تضحك‮) ‬لم أفهم حرفا مما تقول‮! ‬إنها تتكلم عن ألف شيء‮. ‬عن العربات التي تجرها الخيول‮. ‬وأنواع الفطير،‮ ‬والعزبة أوف‮! (‬تجلس‮).‬
الأم‮: ‬لقد تعودنا علي ذلك‮.‬
الخالة‮: ‬إنني أحسد حماتك علي هدوء بالها‮.‬
الأم‮: (‬فجأة‮) ‬نعم،‮ ‬إنها حماتي‮!‬
الخالة‮: (‬في دهشة‮) - ‬أعرف ذلك‮!‬
الأم‮: (‬في ارتباك‮) - ‬فقط كنت اريد أن أذكرك بهذا‮ - ‬أين تعيش هي لو أنني‮..‬
الخالة‮ (‬وهي تضحك‮): ‬لو أنك تزوجت‮. ‬يا له من سؤال قلت لك إنني أتيت لك برجل‮. ‬رجل لا طفل‮. (‬تضحك ثانية‮) ‬أم تتصورين أنه سيغار منها‮.‬
الأم‮: ‬كلا‮.. ‬كلا‮.. ‬أنا لم أقصد أن هذه هي المشكلة‮. (‬محذرة‮) ‬وأنا لم أقل إنني وافقت‮ (‬بينما تسير‮) ‬يا ربي،‮ ‬لست أعرف حتي كيف أتكلم‮.‬
الخالة‮: ‬هذا صحيح‮ ‬يا أختي‮. ‬فأنا لا أفهمك‮. ‬
الأم‮: ‬نعم،‮ ‬إنني حائرة‮..‬
الخالة‮: ‬ولماذا أنت حائرة؟‮ (‬تقوم وتقترب منها‮)‬
الأم‮: ‬لماذا؟‮ - ‬هناك أشياء كثيرة‮.. ‬إنني أريد سعادة أولادي‮.. ‬
الخالة‮: (‬مقاطعة‮) ‬وسعادتك‮.‬
الأم‮: (‬مواصلة كلامها‮) ‬كنت أظن أنهم لو استطاعوا التخلص من‮ .. ‬فسوف‮ - ‬ولكن
الخالة‮: ‬التخلص من ماذ؟‮ - ‬سوف ماذا؟ ولكن ماذا؟ لماذا لا تجربي أن تقولي كلاما مفهوما؟‮.‬
الأم‮: (‬منفجرة‮) ‬ولكن أولادي لا‮ ‬يريدون ذلك‮. ‬هذه هي حسنا أنت حرة‮.‬
‮(‬تتجه نحو الباب‮)‬
الأم‮: ‬كلا،‮ ‬تعالي
الخالة‮: ‬نعم
الأم‮" (‬في خجل‮) ‬هل أنت ذاهبة؟،‮ ‬كنت أريد أن أقول‮.. ‬ولكن‮.. ‬مع السلامة‮.‬
‮(‬يدخل الابن من الممر‮)‬
الابن‮: ‬هل أنت ذاهبة‮ ‬يا خالتي؟
الخالة‮: ‬نعم‮ ‬يا بني،‮ ‬سيقلق الحاج لو تأخرت أكثر من ذلك ولكن‮ (‬تستدير‮)..‬
ولكن تعال أنت‮.. ‬ربما أمكنني أن أتفاهم معك‮.. ‬اسمع‮.. ‬ألا تهمك سعادة أمك؟
الابن‮: ‬بالطبع‮.. ‬سعادة أمي تهمني
الخالة‮: ‬إذن فهل‮...‬
الابن‮: (‬يقاطعها‮).. ‬نعم‮.. ‬نعم‮.. ‬أنا أعرف
الخالة والأم‮: ‬ماذا تعرف؟‮..‬
الابن‮: ‬أعرف أنك تريدين أن تزوجيها‮..‬
الأم‮: ‬أوه،‮ ‬كيف تقول ذلك‮ ‬يا بني؟
الخالة من قال لك؟‮.. ‬ولكن لا‮ ‬يهم‮.. ‬حتي لو كنت أريد أن أزوجها كما تقول‮.. ‬فهل في هذا عيب؟
الابن‮: ‬كلا،‮ ‬ابدأ‮. ‬لقد تزوج النبي عليه السلام أرملة‮..‬
الخالة‮: ‬نعم؟
الأم‮: ‬ماذا تقصد؟
الابن‮: (‬محرجا‮.. ‬يبسط‮ ‬يديه‮) ‬كنت أريد أن أقول إن هذا حلال‮!‬
الخالة‮ (‬تضحك وتكلمه كما لو كان طفلا‮...) ‬ولكننا نعرف انه حلال‮.. ‬وما نريد أن نعرفه الآن هو‮: ‬هل توافق أنت؟
‮(‬تدخل الابنة بخطوات وجلة وتنزوي في ركن الغرفة بين الدولاب والممر‮).‬
ألم تضح أمك من أجلكم طويلا‮.‬
الابن‮: ‬نعم،‮ ‬أمي تضحي من أجلنا دائما‮.‬
الخالة‮: ‬اذن فمن حقها الآن أن تلتفت لنفسها ما دمت أنت قد كبرت وصرت رجلا،‮ ‬كما كبرت أختك‮.‬
الابن‮: ‬نعم نستطيع الآن أن نعيش بمفردنا‮..‬
الأم‮: ‬لا تقل هذا‮ ‬يا بني‮!‬
الابن‮: (‬في حماس‮) ‬كلا‮ ‬يا أمي‮.. ‬أنا لا أهزل‮.. ‬لسنا أطفالا ولن نبكي‮.. ‬ومن حقك أن تعيشي‮.. ‬فأنت مازلت جميلة‮.. ‬ولكننا سنسكن بمفردنا من أجل جدتي‮.‬
الأم‮: ‬يا بني‮..‬
الابن‮: ‬مازلت جميلة و‮..... (‬يشير إلي أخته‮) ‬سنفرح دائما لأنك سعيدة‮.. ‬أليس كذلك؟‮...‬
الابنة‮: ‬نعم‮ ‬يا ماما‮.. ‬سنفرح كثيرا‮.. ‬أنا اسفة لما قلت‮ (‬تبكي بصوت خافت‮).‬
الابن‮: ‬وسنزورك كثيرا‮.. ‬وربما سكنا بجوارك،‮ ‬من‮ ‬يدري؟
‮(‬ينظر نحو أخته بفخر ويقول كما لو كان‮ ‬يكلم نفسه‮: ‬أنا لم أذهب إلي الجامعة،‮ ‬ولكنني أعرف ما‮ ‬يجب عمله،‮ ‬إذا كانت أمي تريد أن تتزوج فلتتزوج‮).‬
الخالة‮: (‬بلهجة ظافرة‮) ‬أرأيت؟
الأم‮: (‬بنبرة باكية‮) ‬ماذا رأيت؟
الابن‮: (‬محاولا أن‮ ‬يخفف التوتر‮): ‬رأيت أنني ولد عاقل ولست صغيرا‮.. ‬نعم‮ (‬ينظر نحو الصورة المعلقة‮) ‬وسأربي أشنابا كبيرة كجدي ولكنني لن أبدد ثروتي مثله‮.. ‬ها‮.. ‬ها‮...‬
‮(‬ينظر له الجميع‮. ‬لا‮ ‬يضحك أحد‮. ‬تسمع همسة وصوت أقدام من ناحية الممر‮. ‬تدخل الجدة‮).‬
الابن‮: ‬جدتي‮! ‬لماذا خرجت من‮ ‬غرفتك‮! ‬ألم تسمعي ما قاله الدكتور؟
الجدة‮: (‬عند المدخل،‮ ‬في صوت مرتعش‮) ‬تعال‮ ‬يا بني،‮ ‬تعالوا جميعا‮....‬
الابن‮: ‬ماذا‮ ‬يا جدتي؟ ماذا حدث؟
الجدة‮: ‬تعالوا انظروا‮.. ‬لقد ملأت العصافير الشرفة‮.. ‬ملأتها‮ (‬تضحك‮).. ‬آلاف من العصافير‮ (‬تقف الآن بمدخل الغرفة وظهرها لمصدر الضوء‮) ‬عصافير كثيرة جدا‮ ‬يا بني‮. ‬وهي تصفر‮ (‬تنظر نحو الأم‮) ‬هل تذكرين؟ كان عندنا عصافير كثيرة تصفر،‮ ‬وعصافير حمر في القفص‮. ‬هل تذكرين؟
الابنة‮: (‬تضحك بالرغم منها‮) ‬ليست هناك عصافير حمر‮ ‬يا جدتي‮..‬
الجدة‮ (‬في‮ ‬غضب‮): ‬قولي لابنتك أن تسكت‮.‬
الأم‮: ‬اسكتي‮ ‬يا حبيبتي‮...‬
الخالة‮: (‬هامسة‮) ‬تقصد بالعصافير الحمر‮..‬
الجدة‮: (‬في صوت عال‮) ‬قولي لها أن تسكت‮. (‬تلتفت للابنة‮) ‬ماذا رأيت أنت‮ ‬يا جاهلة في أيامك السوداء؟‮ (‬في حدة‮) ‬قولي لها أن تسكت‮ (‬مواصلة‮) ‬كان لدينا عصافير حمر في قفص وكانت تأكل السكر‮.‬
الابن‮: (‬ضاحكا‮) ‬السكر؟
الجدة‮: ‬نعم،‮ ‬السكر،‮ ‬وكانت الخيول أيضا،‮ ‬تأكل السكر‮. ‬وكانت عندي أرانب كثيرة أربيها،‮ ‬ولكنها لم تكن تأكل السكر‮. (‬تضحك ضحكة طويلة‮) ‬ومرة ركبت الحصان فجري الحصان وصرخت‮.. (‬تصرخ‮)..‬
الخالة‮: (‬في سأم‮) ‬أنا ذاهبة‮..‬
الابن‮: ‬ألن تذهبي لمشاهدة العصافير‮ ‬يا جدتي؟
الجدة‮: (‬تهمهم همهمة‮ ‬غير مسموعة ثم تواصل كلامها‮).. ‬نعم نعم جري جدك وأمسك بالحصان،‮ ‬فلم‮ ‬يكن معنا أحد سوي الفلاحين‮..‬
الأم‮: (‬بسرعة‮) ‬خد جدتك إلي‮ ‬غرفتها‮ ‬يا بني‮..‬
الابن‮ (‬يتقدم من الجدة‮) ‬هيا‮.. ‬هيا‮ ‬يا جدتي‮..‬
الجدة‮: (‬تهمهم وهي تنظر أمامها ثم تصيح فجأة‮) ‬هل ملأت الساعة‮ ‬يا بني؟
الابن‮: (‬في دهشة وهو‮ ‬ينظر وراءه‮) ‬أية ساعة؟‮ (‬متذكرا‮) ‬آه الساعة‮..‬
الابنة‮: ‬إنها لا تدور
الابن‮: (‬يتجه نحو الدولاب ويمسك بالساعة الصغيرة فوقه‮) ‬الساعة‮!‬
الجدة‮: (‬صارخة،‮ ‬تتقدم خطوتين‮) ‬ماذا تقول هذه البنت؟ لا تدور؟ أهي حقا لا تدور؟
الابن‮: (‬بسرعة‮) ‬كلا‮.. ‬كلا‮.. ‬يا جدتي‮.. ‬إنها تدور
الجدة‮: ‬أنا أعلم انها تدور‮.. ‬أنها ساعة جدك‮.. ‬يجب أن تملأها كل‮ ‬يوم‮ (‬تهمهم‮).. ‬نعم‮.. ‬جري الحصان ولم‮ ‬يكن هناك فلاحون أبدا‮.. ‬لم‮ ‬يرض جدك أن‮ ‬يقترب مني الفلاحون‮..‬
الأم‮: (‬بصوت باكٍ‮) ‬اسكتي الآن‮ ‬يا أمي‮..‬
الجدة‮: ‬كنت أذهب إلي العزبة وأركب الحصان وأطعم الحصان السكر ولكن الفلاحين لم‮ ‬يروني أبدا‮.. ‬أبدا‮.‬
الأم‮: (‬باكية‮) ‬ما الذي ذكرك بهذه الحكاية الآن؟
الابنة‮: (‬فجأة،‮ ‬تجري نحو جدتها وتمسكها من‮ ‬يدها‮) ‬الحقي‮ ‬يا جدتي‮.. ‬العصافير‮!‬
‮(‬تسحب الجدة من‮ ‬يدها،‮ ‬وتخرج معها من الممر‮).‬
الأم‮: (‬تنحني علي المائدة وهي تبكي‮) ‬لماذا قالت‮.. ‬لماذا قالت ذلك الآن‮!‬
الابن‮: (‬مرتبكا‮) ‬نعم،‮ ‬آه لقد ذهبت‮ (‬يضع الساعة علي الدولاب‮).‬
الخالة‮: (‬تتأهب للانصراف مخاطبة الأم‮) ‬هل أمر عليك في وقت آخر لنتكلم!؟‮..‬
الأم‮: (‬في صوت عال‮) ‬لا‮.. ‬لا‮.. (‬ثم في خجل‮) ‬بالطبع تستطيعين أن تمري في أي وقت ولكننا لن نتكلم عن هذا الموضوع ثانية‮... ‬أبدا‮..‬
‮(‬تسمع ضجة من ناحية الممر،‮ ‬تدخل الجدة مرة ثانية تتبعها الابنة التي تحاول الإمساك بها‮).‬
الجدة‮: ‬دعيني قلت لك‮. ‬هل ملأت الساعة‮ ‬يا بني؟
الابن‮: (‬يمسك الساعة ثانية بسرعة‮) ‬نعم‮ ‬يا جدتي،‮ ‬لقد ملأتها‮.‬
الجدة‮: ‬اياك أن تنساها،‮ ‬لقد كان أبي‮ ‬يقول‮: (‬يجب أن‮ ‬يملأ الرجل ساعته كل‮ ‬يوم‮). ‬وكان‮ ‬يقول‮: "‬الساعة أهم شيء للرجل‮". ‬كان لديه عربة وحصانان‮ (‬تهمهم‮).‬
الخالة‮: ‬‮ (‬تتجه نحو الباب،‮ ‬تتبعها الأم بخطوات بطيئة‮) ‬ولكن‮.... ‬لماذا؟ لماذا؟
الأم‮: (‬في صوتها الباكي تشير بيديها‮) ‬أنت ترين‮. ‬نحن نعيش معا‮.‬
الخالة‮: (‬تقول كلمة‮ ‬غير مسموعة عند الباب‮).‬
تخرج الخالة‮. ‬تعود الأم إلي المائدة،‮ ‬وتجلس،‮ ‬وقد أسندت رأسها إلي‮ ‬يدها‮.‬
الجدة‮: (‬في صوت عال‮) ‬وعندما مات حصانه الأبيض اشتري حصانين‮. ‬كانت ساعته من ذهب،‮ ‬وساعته لم تقف أبدا،‮ ‬ألا تدور‮ ‬يا بني؟
الابن‮: (‬مؤمنا بصوت خافت وظهره للمسرح‮) ‬نعم‮ ‬يا جدتي‮. ‬نعم‮ (‬تتقدم الابنة من الأم وتضع‮ ‬يدها علي كتفيها بينما تهمهم الجدة مرة أخري‮) ‬لا تبكي‮ ‬يا ماما‮.. ‬لا تبكي‮.. ‬ماما‮.. ‬سأذهب إلي الكلية‮ ‬غدا‮.. ‬ولكن‮. ‬لا تبكي‮.. ‬لا تبكي‮.. ‬نعم جدتي‮. ‬نعم‮.. ‬إنها تدور‮...‬
‮(‬ووسط كلمات الابن،‮ ‬ومحاولات الابنة،‮ ‬وهمهمات الجدة‮..)‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.