من أعلى تلال أيدون حيث حركة الرياح القوية والنسمات الحلوة كنا نتجه مجددا نحو البلدة من أجل التجوال والتوثيق لبعض من معالم التراث في أيدون، كنت أشعر بالفرح في عيون الوفد المضيف والمرافق لي وهم يتحدثون كلما توقفنا عن ذاكرة أيدون وتراثها وحكايات سمعوها أو عاشوها، كان الحماس يشدهم وخاصة العم أبو خالد “الأستاذ أحمد أبو دلو”، فهو رغم تقدمه بالسن إلا أنه كان يشعر بحيوية فائقة ربما يحسده عليها الشباب، فذاكرة المكان أعادت له عنفوان الشباب والصحة، فسألني كيف وجدت ايدون حتى الآن؟ فقلت له: حورية سمراء أشعر أنها امتلكت قلبي وأشعر انها كما نبضة من نبضات القلب انفردت عن غيرها لتنشد نشيد آخر. قلت: ايدون معروف أنها تمتد لمساحات كبيرة في أحيائها الغربية والشرقية التي يشقها الطريق الرئيس الذي يصل عمَّان العاصمة بإربد عروس الشمال، وأعرف أنها كانت مشهورة بالزراعة بسبب طبيعة تربتها وامتداد أراضيها الزراعية، فكيف هي الآن وأنا كنت أنظر من التلال إلى امتدادها ومساحتها فلا أرى إلا البنايات الحجرية التي أستلبت الأرض الزراعية عذريتها واستولت عليها بأوراق وقرار كما شطبت معظم الأبنية التراثية التي كانت تروي حكاية أيدون، فقال لي بألم شعرت به في نبرات صوته: “كان اعتماد ايدون وأهاليها الاقتصادي على الزراعة وتربية المواشي من أغنام وأبقار، وما زلت أتذكر أن أراضي ايدون كانت مشهورة بإنتاج القمح والشعير والسمسم الذي كان يصدر إلى بيروت وعن طريقها للخارج أيضا، وكان اعتماد أهالي ايدون على انتاجهم فقط للاستهلاك والتصدير والتجارة، فمساحات ايدون الواسعة كانت تمنحها هذا الامتياز، وكانت هذه المساحات تحرث بالطرق التقليدية بالاستعانة بالأبقار بشكل خاص، ولكن ما يحدث الآن أن هذه المساحات الزراعية التي كانت تنتج الكثير من الخيرات أصبحت مكتظة بالأبنية، ولم يبق من الأراضي المزروعة ما يسد الحاجة، فتحولنا من منتجين إلى مستهلكين، وأصبح الاعتماد على المستورد سواء من مناطق أخرى أو من الخارج”، فهمست له: بكل أسف أن سهل حوران الذي كان يعرف بأهراء روما أصبح غابات من الإسمنت والحجارة. وصلت برفقة مضيفيني والمرشدين في جولتي في ايدون العم أبو خالد “أحمد أبو دلو” والمربيات الفاضلات منى عثامنة وهند أبو دلو والاستاذ الشاب عبد الرحمن العثامنة والفنانة التشكيلية ربا أبو دلو الى بعض مما تبقى من بيوتات تعود للسادة….