كشف أحدث تقرير نشرته دير شبيغل ، استنادا إلى تسريبات الموظف السابق في الاستخبارات الأمريكية ادوارد سنودن، أن واشنطن تجسست على الهاتف المحمول للمستشارة الألمانية انغيلا ميركل منذ عام 2002 . وقد أدت التسريبات الجديدة إلى أسوأ أزمة دبلوماسية بين واشنطنوبرلين منذ عقود عدة وكشفت الوثائق المسربة أن السفارة الأمريكية في برلين احتوت مركزا للتنصت وهو الذي قام بمراقبة هاتف ميركل . وتبين من الوثائق أن مراكز تنصت كتلك موجودة في 80 موقعا حول العالم ، وتقول المجلة إن محرريها شاهدوا وثائق مصدرها وكالة الأمن القومي الأمريكي تظهر فيها قوائم بأرقام هواتف جرت مراقبتها بينها رقم هاتف ميركل منذ عام 2002 أي قبل ثلاث سنوات من توليها منصبها. من ناحية أخرى نشرت وسائل إعلام إسبانية تقارير عن تنصت وكالة الامن القومي الأمريكي على 60 مليون مكالمة في إسبانيا في شهر واحد هو شهر ديسمبر من العام الماضي . وقالت وسائل الإعلام إن الوكالة حددت هوية المتصل والمستقبل وكذلك موقعهما ولكنها لم تتجسس على فحوى المكالمات. تلك الوقائع تكشف عن أحد أهم تجليات الصراع الخفى بين الأمبرطورية الأمريكية وحلفاؤها الأطلسيون ، والسئوال الآن لماذا على وجهة التحديد تريد أمريكا التجسس على آلمانيا ؟ . إن واشنطن كانت تريد رؤية أوروبا الغربية و اليابان أقوياء بالقدر الكافى الذى يمكنهم من الدعم فى الصراع ضد الإتحاد السوفيتى ، ولكنهم لا يريدونهم أقوياء بالقدر الكافى لتحدى أمريكا نفسها وزعامتها العالمية . و ما يقلق الولاياتالمتحدة على وجة الخصوص هو إعادة بناء القوة الألمانية وهوم ما يفسر لنا سبب تجسس الولاياتالمتحدةالأمريكية على مكالمات الهاتف المحمول الخاص بالمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل . إن الولاياتالمتحدة تأمل فى الحافظ على تفوقها الجيوبولتيكى على أوروبا الغربية . إن المرحلة الراهنة ، و التى تشهد عملية إعادة هيكلة الشركات الأمريكية و تفعيلها و إستخدام أحدث التكنولوجيا ، و التى تتم بشكل أسرع و أفضل منة فى دول أوروبا الغربية ، لذا أصبحت هذة الدول تنظر إلى ألمانيا القوية و المؤثرة بوصفها الأمل الإقليمى . إن عالم المستقبل سيشهد ظهور ليس الكتلة الآسيوية ، ولكن أوروبا العظمى ، والتى تقودها ألمانيا كقوى تحالف و تكتل أقتصادى فى العالم يجمع بين التكنولوجيا العالية لدول أوروبا الغربية و اليدى العاملة المتخصصة و الماهرة فى دول شرق أوروبا الشيوعية سابقا ً ، ولن يبقى للولايات المتحدة شيئاً ، وسيكون لزاماً عليها أن تقبل بواقع أوروبا الجديدة التى تتزعمها منذ الآن المانيا . إن مقاومة لا مفر منها ستؤدى إلى تقليص عمر الزعامة الأمريكية فى العالم . إن تجديد و إعادة إحياء مكانة ألمانيا كمحرك أساسى للتطور فى أوروبا الغربية ينعكس بشكل أساسى على فرنسا ، فمكانتها الفريدة – و التى أحتفظت بها حتى ذلك الحين بوصفها " الأولى بين أقرانها " – قد أنتقلت إلى ألمانيا ، و يعترف دبلوماسى بريطانى أنة إذا قمت بسؤال أى شخص فى أى من الدول الأوروبية عن العلاقات الأكثر أهمية بالنسبة لهذة الدولة فسيكون الرد واحدا- مع ألمانيا . إن ألمانيا تحاول كسب الوقت عن طريق سلوكها المتواضع و تقديم التنازلات فى الوقت الحالى ، أنه لأول مرة تبدو ألمانيا محاصرة من دول مجاورة و أسواق تجعل من ألمانيا وجهتها الأساسية . وتقع ألمانيا فى وسط مجموعة من الدول ذات الأهمية الكبرى . ونتذكر ان قيادة الأتحاد الديمقراطى المسيحى الألمانى بزعامة المستشار هلمت كول على السلطة قد حذرت الفرنسيين أن القرار الوحيد الذى يمكن تحاشى العودة إلى ما قبل الحرب غير المستقرة – هو إنضمام جيران ألمانيا فى أوروبا الوسطى و شرق أوروبا إلى المنظومة الأوروبية ما بعد الحرب ، ثم بناء شراكة بين هذة المنظومة و روسيا . ولا يجب السماح بتكرار المواقف التى صاحبت الفراغ السياسى فى أوروبا الوسطى ، و التى تنذر بعدم الإستقرار . و إذا لم يتمكن التكامل الأوروبى من تقديم العون فإن لدى ألمانيا ستظهر الرغبة فى تشكيل أدوات خاصة لتوفير الأمن و تحقيق الأستقرار . وفى المرحلة التى صاحيت حكم كول و ما قبلها كان الحديث يدور حول " ألمانيا الأوروبية " ، أما فترة حكم المستشار شرودر فقد شهدت شيوع قضية " أوروبا الألمانية " . وفى كل الأحوال فإنة من الظاهر محاوله جذب المركز الأوروبى الغربى شرقاً بعيداً عن محور باريس – لندن . وعلى الجانب العملى فإن معادلة " باريس – برلين " ، تفهم على أنها أساس لمركز أوروبا الغربية خاصة إذا تعلق الأمر بعلاقة مع شريك آخر يقبع عبر المحيط الأطلنطى . و ما بين عامى 1989-1990 كانت الإدارة الأمريكية تمثل الأساس الذى أعتمد علية الألمان فى عملية توحيد ألمانيا ، وهى العملية التى تقبلها الفرنسيون و الإنجليز بكثير من الشك ؟ . إن ذلك الذى قدمتة أمريكا كان أكثر من تأييد ، فقد أظهر توحيد ألمانيا أمام الرئيس السوفيتى ميخائيل جورباتشوف ، ولكن أيضاً بعلمهم على ضم ألمانيا الموحدة إلى حلف الناتو بدون اتخاذ أى أجراءات إضافية . وكان رد فعل فرنسا و إنجلترا حادا تجاة إعلان الرئيس بوش الأب أن أمريكا و ألمانيا سيكونا شركاء فى الزعامة ، و ذلك فى يونيو 1989 و قبل 4 شهور من سقوط حائط برلين . وقد شعرت أوروبا الغربية بشكل قوى بخطورة ظهور علاقات أمريكية ألمانية خاصة فرنسا و إنجلترا تعلبان فى ظلها دوراً ثانوياً . أن أغلبية الأمريكيين ما زالوا يرون أن الأحتفاظ بالتواجد العسكرى الأمريكى فى أوروبا و الأحتفاظ بالناتو كأهم اتحاد عسكرى و سياسى أمريكى هو الوسيلة الوحيدة للوقاية و الدفاع عن النفس . فى ظروف ينعدم فيها أى تهديد وارد من الشرق تتضح بشكل أفضل من أى وقت وظيفة حلف الأطلسى كمنظمة تضمن الهيمنة العسكرية الأمريكية على الغرب . وعلينا أن نتذكر أن أنتفاضة أوروبا الغربية فى تسعينيات القرن العشرين أثارت رد فعل أنتقادى حاد من جانب قطاع عريض من المتخصصين الأمريكيين . إن المقاومة التى تبديها باريس من داخل الناتو – و المدعومة علنا و سراً من جانب ألمانيا الموحدة تثير الأشمئزاز عن الأمريكيين ، فقد كان الأمريكيون يأملون فى الأعتراف بجميل القيادة الأمريكية التى دعمت لسنوات طويلة و بشكل مطلق عملية التكامل مع حلفاؤها الأطلسيون .