تمر مصر بمرحلة في غاية الأهمية من تاريخها المعاصر، هي بمثابة الحياة أو الموت لكل من شارك في ثورة الخامس والعشرين من يناير، لأنهم يعتبرونها مرحلة الحسم، إما عيشاً بكرامة أو موتاً بكرامة.الحرب الكلامية بين المرشحين لمنصب الرئاسة على أشدها، فكل منهما يبحث عن مصيبة يضع فيها الآخر، ليبعده عن الحلبة، ليفوز بالمنصب، ولم يفكر أحدهما في خير مصر ولا صالح أبنائها، فهما يظنان أن المنصب مليء بالورود وخالٍ من الأشواك، ناسين أن المحروسة بها من المشكلات ما لا حصر له ولا عد، وتحتاج من الرئيس القادم أن يكون وطنياً من الطراز الأول، ويعمل بجد واجتهاد، ليصلح ما أفسده المخلوع على مدى ثلاثين عاماً، وأنه سيكون مراقباً من كل أطياف الشعب، وكل حركاته وسكناته محسوبة عليه، لأن ما كان يحدث في ظل الأنظمة السابقة من الصعب أن يكرر الآن.أمام الناخب المصري خياران لا ثالث لهما، إما اختيار أحمد شفيق، المقرب من الرئيس المخلوع، وقائد موقعة الجمل، التي أودت بحياة الكثيرين من خيرة شبابنا في ميدان التحرير، أو اختيار محمد مرسي، المحسوب على الإخوان المسلمين، الذين ركبوا الثورة، وكانوا الرابح الأكبر فيها.قلت في مقال سابق: إن المصريين يمرون بمرحلة انتقالية صعبة وأمامهم «خياران.. أحلاهما مر»، وهذه حقيقة لا رياء فيها، ولا مفر منها، فكلا المرشحين لم يلب طموحات السواد الأعظم من شبابنا.ليس بخافٍ على أحد أن أحمد شفيق، قائد موقعة الجمل، وزوج عمة خديجة الجمال، زوجة جمال مبارك، هدد معارضيه بالسحق وتوعدهم بالويل، إذا وصل إلى سدة الحكم، وأنه سيفتح كل الملفات التي بحوزته، والتي هي من صنيع جهاز أمن الدول، الذي مازال يعمل إلى وقتنا هذا بكل كوادره، ولم يتغير فيه شيءٌ إلا اسمه.بل إنه زاد الطين بلة، عندما أراد أن يتقرب إلى المسيحيين، مستغلاً في ذلك خوفهم من وصول الإسلاميين إلى سدة الحكم، فأوقع نفسه في خطأٍ لا يغتفر، عندما صرح أثناء لقائه مع إحدى القنوات المسيحية، بأنه سيحذف آيات قرآنية من الكتاب المدرسي ويستبدلها بآيات من الإنجيل، ليسهل الدراسة على الطلبة المسيحيين، متناسياً أن الأغلبية العظمى من الطلبة مسلمون سنة.سألت إحدى الفتيات المسيحيات عن رأيها في المرشحين لمنصب الرئاسة، وأياً منهما تختار، فقالت بكل وضوح: «سأختار محمد مرسي. فقلت لها: لماذا؟ أجابتني: لأنه رجل دين وسيحافظ على ديني، كما يحافظ على دينه. فقلت لها: الكثير من المسيحيين صوتوا لأحمد شفيق. فقالت: اختيارهم خاطئ، لأنهم بعيدون عن السياسة. فأخبرتها بأنه وعد المسيحيين باستبدال بعض آيات القرآن من الكتاب المدرسي بآيات من الإنجيل، فقالت: لهذا السبب أنا لن أختاره. فبادرتها بالسؤال: ولماذا؟ فقالت: إذا لم يحافظ على دينه، فكيف آمنه على ديني، هذا لا ينفع لأن يكون رئيساً للمصريين، لأنه يريد أن يشعل الفتنة الطائفية بين أبناء الشعب الواحد، بدل أن يطفئها ويمحوها من الذاكرة.رجال الأعمال، المحسوبون على النظام المخلوع، والذين ما زلوا يعيثون في مصر فساداً، بافتعالهم الأزمات المتكررة، فلم يفتأ المواطن يخرج من أزمة إلا وأدخلوه في أخرى، ليندم على قيامه بثورة ضد نظام مبارك الفاسد، الذي ساعدهم كثيراً، وجعلهم رجال أعمال، يشار إليهم بالبنان، بعدما كانوا مرتزقة لا يملكون إلا قوت يومهم، يحاولون الآن، وبكل قوة، مساعدة أحمد شفيق ليفوز بالمنصب، لكي يضمنوا تسيير أعمالهم التي وقفت منذ الثورة المباركة، ظناً منهم أنهم إذا صرفوا على حملته الانتخابية عشرة ملايين سترد إليهم مليارات من خزينة الدولة، كما كان يحدث سابقاً، إلا أنهم مخطئون في ذلك، لأنه من الصعب أن ترجع مصر إلى الوراء حتى لو فاز أحمد شفيق بالمنصب، لأننا سنكون له بالمرصاد، ولن نتركه يسيِّر الأمور حسب أهوائه.رغم أني دائماً أنتقد سياسة الإخوان المسلمين، ولا آمن مكرهم، فإنه ليس أمامي إلا اختيار مرشحهم «محمد مرسي» لأنه ليس من العدل ولا الإنصاف أن أضعه في كفة مع أحمد شفيق، فكما يقول المثل المصري «نار مرسي ولا جنة شفيق» وهذه حقيقة، لأني إذا صوّت لشفيق معناه أني خنت دماء شهدائنا الأبرار، الذين ضحوا بأرواحهم من أجلنا، وبعت بلدي الحبيب، وضحيت بمستقبل أبنائه من أجل مصلحتي الشخصية، التي هي بالنسبة لي من آخر أولوياتي، فمصر أولاً وقبل كل شيء.وفق الله مصر، ورعى شعبها، وحكَّم فيها خيار أبنائها، وأصلح حالها، وحفظها من كل مكروه وسوء... إنه ولي ذلك والقادر عليه. محمد أحمد عزوزكاتب وناشط سياسي مصري