أصيبت المجتمعات الإسلامية والعربية بداء عضال يكاد أن يفتك بها ويأكل الأخضر واليابس فيها ألا وهو داء " التدين السلبي أو الشكلي " ، فلقد تشكلت في تلك المجتمعات ألواناً و أشكالاً من ذلك التدين صار أصحابه يهتمون بإصلاح ظواهرهم دون أن يصل ذلك إلى إصلاح بواطنهم ، ولا شك أن لهذا النوع من التدين تداعياته الخطيرة إذ يوحي بأن المجتمعات في سلام وأمان بينما هي في الحقيقة في غليان وتوجس ، كما أنه يؤدي إلى تشويه صورة الدين نتيجة الإساءات التي تصدر من أصحاب هذا التدين السلبي والتي تحدث عند الوقوع في أي اختبار حيث يظهر من خلاله الحقيقة المرّة والمأساة الكبرى لصاحب هذا التدين . إن أصحاب التدين السلبي إذا عاملتهم في أمور المادة تجدهم غلظاء يحرصون على الجنيه ، لا يتسامحون في البيع والشراء والاقتضاء ، ينفقون سلعتهم بالحلف الكاذب ، يغشون أحيانا ، لا يوفون بعهودهم أحياناً أخرى ، يبيعون ويشترون بتدينهم حيث يوهمون الناس أنهم أصحاب دين والدين منهم بريء . إنك تجدهم سريعي الغضب لا يتصفون بالحلم ، يبتسمون عند قضاء حوائجهم ويُكشرون عن أنيابهم عندما يُطلب منهم ، إذا خالطوا أهل الفسق كانوا أفسق منهم وإذا خالطوا أهل الأيمان أظهروا أنهم أقوى إيماناً من غيرهم ، يبدأون يومهم بقراءة القرآن والأذكار ويختمونه بالمكائد وأخذ الرشاوي والتساهل في حقوق الأخيار ، لا يقبلون كلمة الحق ويظنون دائماً أن الحق معهم ، يخوضون في المراء ويقبلون الجدال لإظهار أنفسهم ، الأيمان لم يصل قلوبهم ولو وصل إليها ما كان هذا حالهم ، يحرصون على تعليم غيرهم وبيوتهم خاوية على عروشها . ربما تراهم يتاجرون بصحة الناس ويقولون نحن مسلمون ، يظلمون الخلق ويهضمون حقوقهم ويقولون نحن على الصلاة محافظون وللزكاة فاعلون ، يقتلون الأبرياء بفسادهم ويقولون نحن لهم خادمون . ألسنتهم أحلى من العسل قلوبهم قلوب الذئاب ، يحافظون على العبادات وهي ثقيلة على نفوسهم ، إذا تحدثوا أرادوا أن يسمع لحديثهم ، وإذا ساروا أرادوا أن ينظر لسيرهم ، وإذا جاءوا أو أقبلوا أرادوا أن يوقف لهم ويكرموا لمجيئهم ، يظهرون التواضع وهم أشد الناس كبراً وبطراً ، أصحاب أعين خائنة يختلسون النظرة تلو الأخرى ، أبناء شبر في العلم فالعلم ثلاثة أشبار شبره الأول كبر والثاني تواضع والثالث أن تدرك أنك لا تعرف شيئا ، يأخذون من الدين ما يوافق أهواءهم وما خالفها تركوه بل ونادوا بضده ، يفعلون المعاصي ولا يشعرون بجرمها . فإذا كان في أحدنا صفة من تلك الصفات ففي تدينه شيء من السلبية أو المظهرية يجب أن يُصحح حتى لا يُطمس تدينه ويُطفىء بريقه . إنها أشكال وألوان من هذا التدين المظهري أصابت الأمة فكان هذا حالها للأسف ، ولذا فنحن نحتاج سريعاً إلى تغيير نظرتنا للتدين ونفهم حقيقته ونتعلم من غيرنا ممن سبقونا بالأيمان واستمتعوا بدينهم ، واستمتع الناس بتدينهم ففازوا في دنياهم وقدموا أجمل ما عندهم لآخرتهم ، حققوا العدل ونشروا الحق وبثوا الطمأنينة في النفوس ، أمن الناس بوجودهم على أنفسهم وأهليهم وأموالهم ، كانوا يطلبون الحقوق وهم يعرفون أنه ستقضى لهم ولو كان الأمر يتعلق بأميرهم ، كان الواحد منهم يبيع جوار أخيه بثمن يضاف إلى ثمن بيته ، كان القرآن واقعاً يعيشونه ويطبقونه ليل نهار ، كانت مصلحة الأوطان فوق مصلحتهم ، كانوا يتهربون من المسئولية خوفاً من السؤال عنها ، كانوا يقولون كلمة الحق ولا يخافون في الله لوم لائم ، جعلوا الدنيا في أيديهم ولم يجعلوها في قلوبهم ، أصلحوا بواطنهم قبل إصلاح ظواهرهم ، كانوا يفعلون الخير ويحثون على فعله ويخشون من عدم قبوله .. فياليتنا نتشبه بهم .