لم يكن يعلم الحاج أبو تيتى أن بمنزله العامر أثاراً فرعونية ترجع الى عصر إمنمحتب الثالث الا بعد أن أخبره الرجل ذو المسبحة واللحية الطويلتين .. أقنع الحاج أبو تيتى بذاك الأمر ابن قريته الذى يعمل حارس أمن بأحد أبراج القاهرة الفارهة .. قال الرجل الى الحاج أبو تيتى أنه يمكنه إخباره عن حقيقة وجود آثار فرعونية ثمينة بمنزله .. فقط كل ماعليه أن يخبره بإسم جدتيه لأمه وأبيه .. لأن مقابر الفراعنة وعلى حد قوله يحرُسها جانٌ لايفهم سوى أسماء الإناث الراحلين لصاحب المكان المراد الكشف عن الأثار به .. هكذا أخبره ذو المسبحة القاطن بالقاهرة يوماً ما .. أخبره الحاج أبو تيتى أن أمه لأبيه تُدعى صفيّة بينما فأم أمه فتُدعى ست البرين .. حملهما ابن قريته الى العاصمة بلد العلم والعلماء حيث يقطن الشيخ صاحب المسبحة .. ليعود ثانية بعد أيّام قليلة ليُخبره فى عجلة من أمره أنه ببحث تربة المكان من قبل الشيخ وقرينه ثبُت أن هناك مقبرة فرعونية تحتوى على تماثيل ونقود ذهبية فرعونية .. وقد إشترط عليه تنفيذ أوامر الشيخ بالسريّة المطلقة .. .. كما أخبره بضرورة بدء أعمال الحفر حتى حضوره ومعاونه بصحبة قرينيهما الجنى الصغير .. بعد مرور يومين أو ثلاثة أيام على الأكثر .. تبادلت المُكالمات عبر الهواتف المحمولة بين جار أبو تيتى والرجل ذو المسبحة فى حضور الأول .. ليُخبره بتطور أعمال الحفر بينما يُخبره جاره بما يصل اليه من أخبار ذو المسبحة فى عدم حضوره .. تواصلت أعمال الحفر .. فلم يتبقى غير مترين فقط .. لم يتبقى غير نصف المتر.. لقد انتهت أعمال الحفر دونما خسائر تُذكر .. لم يتبق على موعد حضور ذو المسبحة الى البيت العامر سوى ساعة تقريباً .. هكذا أخبر أبو تيتى زوجته نقلاً عن جاره ذو الاتصال الدائم مع الرجل ذو المسبحة .. بين ترقُب ورجاء وتوتر يعتصره انتظر أبو تيتى قدوم ذوالمسبحة على أحر من الجمر .. لقد هلّ رجل ربعة ليس بطويل ولا قصير مفرود القوام عريض الصدر دقيق نظرات العينين ذو لحية كثّة طويلة تخالطها قليل من الشعرات البيض بينما يحمل فى كفه الأيمن مسبحة طويلة ذات خرزات سود يجرى من خلفه رجل قصير القامة علم أبو تيتى فيما بعد أنه معاونه .. أسرع نحوهم مُرحّباً أبو تيتى ومن خلفه زوجته وبرفقتهما جارهما الوسيط .. مرحباً بمولانا فى داره.. هكذا بدا مُرحباً أبو تيتى بضيوفه .. ردّ ذو المسبحة ومن معه بصوت خفيض وقد دلف الى دار أبو تيتى مُسرعاً لزوم السريّة التى ينبغى أن تحيط المهمة .. .. طلب ذو المسبحة بالوصول فوراً الى الحُفرة .. دلفوا جميعاً اليها بالقسم الثانى من المنزل المبنى بالطوب الأخضر .. راح الرجل يُرتّل كلاماً غير مفهوماً فى فوّهة الحفرة بينما الحاج أبو تيتى فيتبادل نظرات الدهشة ودموع الفرحة مع زوجته التى راحت تتواصل الدعاء فى فيض كرامات ذو المسبحة .. .. كراماتك يامولانا .. هكذا ظلّ ثلاثة أيّام بلياليهم الرجل ذو المسبحة وقد طلب زيادة أعمال الحفر الى ثلاثة أمتار أخرى .. على جانب الحفرة يستقر سُلّمٌ من عارضتين خشبيتين يتم اطالتهما كل فترة وحسب زيادة عمق الحفرة .. .. يقف عليه أحد الرجلين القائمين بالحفر يتناول أكياس الأتربة نتاج الحفر من رفيق له بالأسفل .. هى حقاً مهمة شاقة وعصيبة .. لازالت زوجة أبو تيتى تواصل الدعوات والاحتفال بصاحب الكرامات ولكن بصوت خفيض لزوم السريّة التى تكتنف المُهمة .. لكن الشيخ الجالس بالقرب من فوهة الحفرة ومعاونه لجواره يواصلان تناول أشهى الأطعمة والمشروبات التى يتواصل تقديمه اليهما أبو تيتى وجاره من ورائه .. بينما فالشيشة المصريّة لاتبارح فمه .. يمتص منها دخانها الكثيف ليُخرجه فى لحظات من بين شفتيه وفتحتى أنفه الدقيقتين .. .. بينما فزوجة أبو تيتى لاتملك غير الدعوات والاحتفاء بصاحب الكرامات ورفيقه لجواره .. العمل جارى فى صمت .. بينما فالرجل ذو المسبحة ومساعده لم يتوقفا عن المأكل والمشرب بقبول ونهم شديدين وسط كرم وحفاوة بالغين .. عُمق الحفرة وكما طلبها ذو المسبحة قد أشرف على الانتهاء .. أمر الشيخ ذو المسبحة كل من فى المكان بالخروج من المنزل ماعدا مُساعده وقد أخبرهم أنه سيذهب حيث مكان المقبرة الفرعونية تحيطه تراتيل بطقوس يرسلها ويُتمتم بها الرجل ذو المسبحة .. الجميع قد ترك المكان .. وبعد ساعة تقريباً أمر الرجل ذو المسبحة الجميع بالدخول مُعلناً أنه قد عثر على تمثال ذهبى لمُربية الملك تى بى حور .. بينما باقى أثار المقبرة والعملات الذهبية لم يستطيعا إخراجها لمنعهما من قبل حارس المقبرة الجنى الأسود والذى حسب قول ذو المسبحة لابد من شراء مادة الذئبق الأحمر لإسترضائه لإعادة فتح المقبرة .. اعتلت الفرحة وجوه كل من حضر المشهد وقد ركّز الجميع أنظارهم على التمثال الذى أمسكه بيده ذو المسبحة وقد بدا رائع المنظر ثم همس أبو تيتى بأُذن الرجل ذو المسبحة سائلاً إيّاه : من أين يمكن احضار تلك المادة .. قال من الأقصر من داخل مقبرة النبلاء بالبر الغربى ولابد من احضارها قبل مرور ثمانى وأربعين ساعة والا سيُدمر حارس المقبرة الدار كلها على من فيها .. فسأله وكم تتكلف تلك المادة .. قال خمسين ألف جنيه .. أمهله الحاج أبو تيتى حتى المساء .. بينما زوجته فقد راحت تواصل الدعاء وقد ساد التوتر المكان خوفاً من مرور الثمانى وأربعين ساعة المحددة من قبل ذو المسبحة .. تمكّن الحاج أبو تيتى من إحضار المبلغ جزءاً منه بالإقتراض من بعض أهل القرية والآخر برهن مطبخ إبنته التى يُجهزها به لأجل عُرسها بعد شهرين .. وكذا ببيع بقرته التى كانت تكفل نفقات بيته المتواضعة .. أعطى ماإستجمعه من مبلغ دُفعةً واحدة الى يد الرجل ذو المسبحة بعد أن وضعها فى كيس أسمر اللون لكنه إشترط عليه أن يترك حتى يعود التمثال الذهبى الذى استخرجه لتوه من المقبرة وقبل حيلولة الحارس قصير القامة بينه وبين إستخراج نفائس المقبرة الباقية .. وافق ذو المسبحة فأعطاه التمثال ليُسرع خارجاً من فوره بعد إستجداء شديد إليهما من قبل الحاج أبو تيتى وزوجته ومن خلفهما جاره حارس الأمن الوسيط بضرورة سرعة الذهاب قبل مرورمُهلة الثمانى والأربعين ساعة .. مرّ اليومان تقريباً وببطء شديد بينما الحاج أبو تيتى وزوجته راحا يُواصلان البكاء خوفاً ورجاءاً من هواجس راحت تداعبهما وجارهما الوسيط .. بينما فالزوجة المُترقبة راحت تواصل البكاء ولكى تبُث الصبر فى زوجها راحت تُذكّرهُ ببركات ذو المسبحة وكراماته وكيف كان النور يكاد يتفلّت من صباحة وجهه النضرة .. وقد راحا كلاهما يُدلّكان تى بى حور حسب تعليمات ذو المسبحة وحتى يعود .. بينما عاملى الحفر فراحا يُرتلان أنشودة قد أمرهما بترديدها الرجل ذو المسبحة مضمونها تى بى حور ياملك البحور .. تى بى حور نحن معك فى سرور .. مرّت الثمانى والأربعين ساعة ببطء شديد لكن ذو المسبحة ومساعده لم يحضران .. إرتعش الحاج أبو تيتى فسقط من بين يديه تمثال بى تى حور فانقسم نصفين تبين له ولمن حوله أنه مصنوع من الحجر الجيرى مطلىٌ بلون أصفر ذهبى ولاصلة له بمقابر فرعونية ولاأثار قبطيّة .. إنها كارثة هكذا قال أبو تيتى وقد علم ومن حوله أنهم جميعاَ ضحايا لذكاء الرجل ذو المسبحة ومعاونه .. أحد عاملى الحفر يأتى صوته من أسفل الحفرة يدندن بأنشودة ذو المسبحة بينما لايعلم بالكارثة بعد .. ناداه رفيقه بالأعلى قائلاً إصعد وتوقف .. صعد الرجل ليستحيل وجهه الى لون أسود بهيم عندما أيقن ورفيقه أن جهدهما قد ذهبا سُدى .. ثم سألا صاحب المنزل الحاج أبو تيتى : هل نردم الحفرة الآن فأجابهما الرجل بإنكسار شديد قائلاً : ليس الآن ولكن إبدأوا أعمال الردم بمجرد أن أصل الى مقبرة الوهم المفقود ..