ارتدى الفساد جبة وقفطانا ووضع مسبحة بين ابهامه وسبابته وغطّى رأسه بطربوش كبير . أخذا من الذئب مثلا يُحتذى ... فذهب لموطن عبادة القوم فاعتلى منبرهم وبعد تقدمة من أحاديث النبى المشرّفة وايات من الذكر الحكيم استنهض فى الناس قواهم .. بأن لابد لهم من وقفة فى وجه الفاسد المفسد خارب الزمم وأكل حقوق الولايا وذوى الدخل المحدود .. راعى اللصوص المرتشين ذو الشعر الأبيض المصبوغ .. وبصوت عال قد هلل والقوم من خلفه يُكبّرون .. انخدع الناس بجبته وقفطانه ونسوا تاريخه من قبل سفره وترحاله .. امتزجت عواطف القوم ومشاعرهم وألامهم من عهد بغيض بصوت الرجل وهتافه الممزوج بعاطفة الدين وطائفة من قيم وأخلاق .. نزل من منبره ليحمله العامة بالأعناق ... يهتف يرددون هتافه .. يتوعد فيتوعدون لوعيده .. انطلقوا يحملونه وبيده مسبحته حتى ديوان ذو الشعر الأبيض المصبوغ .الذى راح يطلّ من وراء نافذة ديوانه ومن خلفه ولده ذلك الذى ظن أنه قد أعدّه ليوم موعود ادخر له زخرا عشرة من أقوياء البنية يمشون من خلفه .. بينما هم اليوم ولفرط قناعتهم بفساده وولده وقد نالت صرخات صاحب الجبّة والمسبحة ومن ورائه القوم بهتافهم قد انضموا لأهلهم وذويهم .. وانخدع الكل بمسبحة الرجل وجبّته فقبضوا على ذو الشعر الأبيض المصبوغ فأودعوه سجنه وذويه وولده .. سمع القوم صوتا قادما من بعيد هاتفا .. انظروا للامام ودعكم من مسبحته وسجن ذو الشعر الابيض .. تاه الصوت بهتاف عمدى من ذى الجبة والقفطان ومن خلفه كل القوم .. وثقوا فيه وقوله .. انخدعوا بمظهره ووقاره .. راح يهلل ومن خلفه هم يُكبّرون .. نادى لفوره ان اقبضوا على العشرة رجال أقوياء البنية من خلفه . قبضوا عليهم... أودعوهم لجوار ذى الشعر الأبيض المصبوغ .. شكّل محكمة فورية من خمسة من غلاظ الصوت والأبدان .. أمرهم بمحاكمتهم وتبرئتهم .. فى غيبة من علم القوم بينما هم فلازالوا يهتفون .. يهللون .. ويكبرون .. قضى الرجال الخمسة على نظرائهم المحبوسين فى غيبة من عدالة بتبرئتهم حسب أمر ذو المسبحة والقفطان .. هاج القوم..انتفضوا يتقدمهم هو ثانية وبمكر شديد راح يؤجج شحنائهم ويدب الخلاف فيهم بينما هو فيضحك من بين جوانحه .. بينما عيناه فتبكى ومن ورائه القوم .. تركهم يتحاورون .. يتجادلون .. يتشاجرون.. فيتقاتلون ويتناحرون وراح يعتلى مقعد ذو الشعر الأبيض المصبوغ .. انطلقت الفتنة كمسير النار بالهشيم بينما هو فيتمدد على أريكة برتقالية ومن حوله العشرة المُبرّئين وبحضور الخمسة الحاكمين بتبرئتهم .. وأبرم معهم الصفقة لعهد جديد يملك صهوته ويعتلى عرشه .. بينما القوم فراحوا يتجادلون ليتقاتلوا من وراء قضايا عقيمة يذُجّها اليهم بين الفينة والأخرى من قبيل التساؤل بمن يسبق من الطائر ام جناحيه ؟؟.. وبين جدالهم وصراعهم تتبادل كئووس العشرة الكبار و كأسه وكئوس الخمسة الكبار كذلك .. لتبدأ مرحلة جديدة وعهد جديد ... عاد العشرة لسابق أماكنهم ومقاعدهم وعاد الخمسة من ورائه سائرون مصفقون .. بينما القوم فلايزالون مشغولون بمن هو فى محبسه وقضايا جدليّة شغلهم بها ذو الجبّة والمسبحة .. اشتراهم من خلفه ثانية بثمين العطايا والمنح وقد عقد بهم اجتماعا مُغلقا رسم فيه دستور المرحلة غير المكتوب .. بينما الخمسة الكبار فاندسوا وسط زحام القوم يهللون للرجل ومسبحته ويزبحون ذو الكرامة المفقودة من خلف محبسه .. ويطالبون بدستور مكتوب لن يكتمل .. ليذهبوا ثانية الى ديوان ذو المسبحة يُرتّلون دستورهم الشفهى .. يتبادلون معه والعشرة من خلفه كئووس السكر المُعتّقة والنبيذ الذهبى وموائد الأطعمة ومشاهى الفاكهة والأشربة .. والقوم كعادتهم لازالوا يسكبون دماءهم بأرض الكرامة والعزّة.. بيد أنهم لايعرفون من هو ذو الجبّة والمسبحة الذى راح يأمر بمسكرات الاشربة للخمسة الكبار حتى ان ثملوا فقطّع رقابهم وصاح فى القوم ان علمنا عمالتهم فأعدمناهم.. وهتف لأجله العشرة من خلفه بأن الأمر لله وهو مُبلّغه .. انقاد القوم اليه خوفا وطمعا .. بينما امام المسجد الكبير فراح يخطب فى القوم أن أفيقوا فالحاضر كما الغائب فى محبسه كلاهما ظالمين .. انهال القوم على الشيخ فأوسعوه ضربا .. حملوه الى حيث معقل ذى الشعر الأبيض المصبوغ .. طأطأ الأخير رأسه عند مقدمه فسأله الأول بأن كيف و لماذا ؟! .. فأجابه بعد ان ردّ اليه مسبحته التى أهداها اليه ذات يوم قائلا : انهم القوم أنفسهم أن صدّقوا ان للفساد جبّة ومسبحة .. ذكرتنى هذه القصّة بماهو الحادث من بعد الثورة المصريّة أن استغل عديموا الضمير من أعداء الخارج المتربصين وأعداء الداخل المُستغلين لكل الصرخات البريئة لشبابنا والممتزجة دماؤهم بأحلامهم ليُنفّذوا مقاصدهم الدنيئة بالشعب والوطن بل وقيمه العليا وقضاياه الكبرى والقوميّة .. انتصرت الثورة بدماء الشعب الطاهر رغم مغانم مُرتقبة لدى ذو الجبّة والمسبحة .. راح يُغذّيها بمعسول الكلم واحلام المستحيل بتنظير بين قيمنا وقيم مجتمعات أخرى لو تغلغلت فينا باسم القيم السامية لانتحرت دماء الشهداء بعد أن حيت بصدورنا وصدور الشيوخ والغلمان .. وكان هذا هو عين مبتغيات ذو المسبحة والقفطان الأسود .. استمرت الهتافات بالميادين لتغتال حرص الحماة على الأمن القومى للوطن بما لديهم من تقارير مخابراتية يترقبها أعداء الوطن ومستدرجيه الى غايات مكبوتة بصدورهم .. ويؤجج الفكرة باسم التحرر الثورى الرجل ذو المسبحة بينما هو فراح يتسلم ورجاله اماكنهم السابقة بعد تبرئتهم .. ليتبادل معهم الكئوس وأنخاب السكر والافساد ذات الثوب المُستحدث .. الرشوة لازالت قائمة ياسادة من بعد الثورة فبماذا تفسرونها ؟؟ النهب والسلب لازالان يُمارسان فبماذا تفسرونهما ؟؟ التنكيل وزبح القيم من الرئيس لمرؤوسيه فى غيبة من حاكمية قانون أو عدالة فبماذا تفسرونهما ؟؟ الأمن لازال غائبا والترهيب المجتمعى لازال مسيطرا فبماذا تفسرونهما ؟؟ الاقتصاد راح يترنح بينما فالرجل ذو المسبحة والقفطان الأسود لازال يؤجج الفتنة وسط صفوف الثوّار بلا نهاية للثورة واحلال البداية لبناء بلادنا من جديد .. سنظل ياسادة نهتف لحلم كسراب لن يتحقق اذ لابد لتحققه من قولة بداية من بعد ثورة الشهداء لابد ياسادة من سياسة العفو فالأمر ليس قصاص فردى ينتهى بايقاع القصاص وحسب بل مصير بلد لن يبدأ مرحلة جديدة وسط اتهامات متواصلة بلا نهاية ونكايات بشكايا كيدية غير منتهية .. ان منظومة القيم ياسادة هى كُلُُ لايتجزّأ فالقانون كما الأمن كما الاستقرار هى ركائزُُ لقيام اقتصاديّات قويّة لايمكن جلبها الا برجوع القوم الى سكناتهم ليعود العسكر من بعدهم الى سكناته لنبدأ عهدا جديد . لكن أن يظلُ التنظير قائما والاعلام يُغذّيه بينما القوم فيهتفون من وراء الرجل ذو المسبحة وذويه العائدين لأماكنهم التى كانت لهم من قبل الثورة .. فلن تثمر ثورتنا ولا دماء الشهداء المراقة أهدافها ولن تفلح فى الاجابة على السؤال الجدلى القائل : وهل للفساد جُبّة ومسبحة؟؟