اللحظة الحالية بكل ما تزخر به من متناقضات ومخاطر أظن أنها تفرض على الإسلاميين أن يتوقفوا لإعادة تقييم مسيرتهم منذ تنحى المخلوع وحتى الآن واتخاذ القرارات الفورية التى من شأنها أن تعيد العربة إلى المسار الصحيح بعد أن تشعّبت بها الطرق وتداخلت المسالك . وأولى هذه الخُطوات التصحيحية ضرورة ، بل وجوب إيجاد آليات محددة وواضحة للتعاون والتنسيق بين فصائل الحركة الإسلامية بعيدًا عن غرور القوة الذى انتاب البعض بفعل بريق كثرة الأتباع؛ فهموم المجتمع المصرى من الصعب أن يتحملها فصيل بمفرده مهما أُوتى من كثرة عددية، وأنا أتحدث هنا عن تحديات النهضة والدعوة وإصلاح المجتمع والنهوض به أخلاقيًّا وتربويًّا، وللأسف فإن كل محاولات الائتلاف والتعاون فى الفترة السابقة كانت تتم لأغراض فى النفس من أجل الاستحواذ أو الهيمنة أو السيطرة لا من أجل إيجاد مساحات مشتركة من التفاهم تتيح مساحات مشتركة من الحركة، ولن يتم ذلك إلا إذا توفرت الإرادة اللازمة لدى الجميع والنية الصادقة إضافة إلى الشفافية بين جميع أطياف الحركة حتى لا نُفاجأ بالتفاف هذا الفصيل أو ذاك لعقد صفقات تحتية أو إبرام تفاهُمات سرية من خلف ظهر الجميع لتحقيق مصالحه الضيقة، حتى لو تعارضت مع المصلحة العامة التى يجب أن تنبثق أصلاً من مصالح الوطن العليا . وما أقوله الآن ليس كلاماً تجريدياً، بل بناءً على وقائع وأحداث جرت خلال الفترة الماضية ليس من الضرورى إعادة التذكير بها وشحن النفوس بنشرها، وإن كانت جميع الأطراف تعرفها؛ لذا فإن أول خطوات تصحيح المسار أن ينسى الإسلاميون انتماءاتهم الضيقة الزائلة، وأن يعيدوا تعرف الانتماء؛ ليكون للإسلام ثم للوطن الذى لا يبحث اليوم عن إعلاء فصيل على حساب آخر بقدر حاجته إلى من يتعامل مع التحديات المفروضة عليه على الأصعدة والمجالات كافة . أيضًا فإن تصحيح المسار اليوم يتطلب أن يعود الإسلاميون إلى صفوف الحركة الوطنية المصرية، على الرغم مما يعترى بعض فصائلها من جموح وشطط ، فالسبب الأكبر فى نجاح ثورة 25 يناير بعد فضل الله تعالى، إنما جاء من توحُّد المصريين على قلب رجل واحد فى ميدان التحرير وميادين مصر قاطبة ، وللأسف فقد مزقت الاستقطابات الأيديولوجية لُحمة الصف الوطنى حتى فوجئنا بتسلل الفلول ببجاحة منقطعة النظير إلى صدارة المشهد العام فى مصر، ومحاولتهم إعادةَ إنتاج النظام البائد عبْر عمر سليمان أو أحمد شفيق، ولعل حكم المحكمة الإدارية بوقف تشكيل الهيئة التأسيسية للدستور يمثل مخرجاً مناسبًا من الأزمة السياسية التى صاحَبت تشكيلها ويفرض على الإسلاميين أن يسارعوا من أجل إيجاد آليات جديدة لاستيعاب جميع أطياف الشعب المصرى فى هذه الهيئة بدلاً من السيطرة عليها بالكيفية التى تمت وتركت مرارات فى نفوس الآخرين، بعد أن رأوا حظوظهم قد تآكلت فى مجلسى الشعب والشورى، ثم فى النقابات المهنية مرورًا باللجنة التأسيسية للدستور، وانتهاءً بانتخابات الرئاسة والتى إن سارت فى مسارها الطبيعى، فستشهد تنافُسًا (إسلاميًّا - إسلاميًّا)، والمضحك أن نخرج على القوى السياسية الأخرى بعد ذلك، مؤكدين أننا نريد المشاركة لا المغالبة! فنحن فى مجتمع لم يتهيأ بعد للصراع السياسى فمازلنا فى المراحل الأولى للثورة المصرية ومن جميع الأطياف التى شاركت فى الثورة أن تشعر أنها لم تخرج منها صفر اليدين، وإلا حوَّلناها إلى كتلة ضخمة من الكراهية والرغبة فى الانتقام فى ظل تهديدات حقيقية بالإطاحة بالثورة ومكتسباتها؛ لأنها فى الحقيقة لم تكتمل حتى الآن وإلا لما رأينا نائب المخلوع ورئيس وزرائه على رأس مرشحى الرئاسة . فالمطلوب الآن استلهام سياسة رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - الذى وقف بعد انتصاره العظيم وفتْحه لمكة يعطى المؤلَّفة قلوبهم أكثر مما يعطى المهاجرين والأنصار . فهل فهمتم أيها السادة، نحن نحتاج إلى تأليف القلوب المتنافرة التى يعزّ عليها أن تخرج من المولد بلا حمص . جريدة المصريون