الدكتور / رمضان حسين الشيخ سُؤال التّغيير، كيف نتغير، أو من أين يبدأ التّغيير؟ كثيراً ما يُطرح هذا السّؤال في مواقِف كثيرةٍ ومناسبات عديدة، ولأسباب مُختلفة دون أن يتمّ الحسم في إجابة نهائيّة له. اليوم نطرح هذا السّؤال على أنفسِنا، وذلك في اتصالنا بالمُجتمع ومُكوّناته - خاصة الأفراد - وعلاقاتِنا اليوميّة، نظرتنا إلى الأشياء، تحليلنا الشّخصي لأُمور الحياة، أو بتعبير آخر تفاعُلنا مع لحظات الحياة اليوميّة، ما يمرّ أمامنا، ما نحتكّ به من أشخاص وأشياء. كيف نفكر ونُصدر أحكاما جاهزة تُدخِلنا في حلقةٍ مفرغة، وتجعلنا وسط دوّامة من الانشغال والتّفكير، وكيف تجعلنا أفعالُنا وتصرّفاتُنا وعاداتُنا تحت ظلّ الجاهليةِ والتخلّف. في كل مجتمع هناك رغبة متأصلة لإحداث عمليات التغيير والتطوير بشكل مستمر، ففي كل الخطابات السياسية والمجتمعية ترد عبارة التغيير والتطوير والتنمية على رأس العبارات المستخدمة من أجل الاستجابة المباشرة للمتطلبات التي تمس المواطن، فلكل عملية تغيير ثلاث زوايا مهمة لا يمكن الحديث عن التغيير دون الإشارة إليها، فالعنصر البشري أولاً، ثم الإمكانات ثانياً، ثم الثقافة بمعناها الاجتماعي ثالثاً، وشرط عملية التغيير والتطوير في المجتمع بكاملة تقوم على إحداث عملية تغيير في العناصر الثلاثة كلها وبشكل استراتيجي. الحياةُ مواقِف، مشاكل ولحظات، قد نكون جزءاً منها، أو نشاهدُها، ويصعب علينا في كثير من الأحيان أن نمرّ على بعضها دون ان ينشغل بالنا بتحليلها، وقد يقُودنا الفضول أحياناً إلى البحث فيها، أو انتقادها في أحيان أخرى. لنصدر في نهاية الأمر رأينا أو حكمنا أو رُؤيتنا الشّخصية حول هذا الموقف أو ذاك. وقد نتخذ أحياناً أراء متعصّبة، يكون لها غالبا تبعات سلبية. لنا عادات وتقاليد وأعراف تطوّرت مع الزّمن في احتكاك بعوامِل مختلفة، من هذه العادات ما هو سلبي، يساهم في كثير من الأحيان في إعطاء صورة سيئة عن مجتمعنا ويُعرقل من وتيرة التغيير. لذلك يعتبر الكثير أننا اليوم وسط (مجتمع متخلف)! على نواحي متعددة، مجتمع لا زال عالِق وسط ركام الماضي، غير قادر على تجاوزِ مشكلات الحاضِر! ما يظهرُ اليوم على السّطح الثقافي للمجتمعات العربية من مُعتقدات دينية أو اجتماعية أو اقتصاديّة أو سياسية هي مُجرّد رُؤى وأفكار ونظريّات فُرضت عليها بالإكراه أو الوراثة، أو تولدت بين أوضاعها بطرق غير شرعية نتيجة تنوّع الظروف التي تعرضت لها، وهي لم تكتسب درجة الإيمان المُطلق بشكل قطعي، وبقيت معلقةً قد تسقط نتيجة أي حدث طارئ. وما يعمّ مجتمعنا اليوم هو التقاطع الحادّ بين المعتقدات المثالية ذات السقوف العالية وبين أرضية الواقع المنخفضة. وما يلاحظ أيضاً أن كل النظريات والعقائد والأديان لم تستطع السيطرة على عُموم المجتمع وإن تمّ لها ذلك فبالتأكيد لم يتحقق ذلك كل الوقت وبقيت فوضى الأفكار تتصارع حتى في داخل العائلة الواحدة. وتعددت نتيجة ذلك التيّارات وتصارعت لتثبت وجودها بالقوّة بدلاً من التفاهم والتحاور، كل هذا وأكثر سببه تمزّق الأفكار والمعتقدات وتشتتها وضُعف إيماننا بها وعدم امتلاكنا رُؤية مُوحدة للماضي والحاضر والمُستقبل. من المشاهِد الغريبة التي أعايشها يوميّا، أنه من المستحيل أن يمرّ شخصٌ على فتاة ترتدي لباساً مكشوفاً، دون أن يُصدر رأياً، أو يقول في نفسه كلاماً لا يعلمه إلا الله! ومن الصعب في أحيان كثيرة أن يُصادِف شخصٌ شخصاً آخر من دين مُختلف دون أن يتخذ ضِدّه موقفا شاذّاً! لماذا الصّراع دائِمٌ بين الأعراق والأقليّات على الرّغم من أنهم من نفس الوطن والتراب! أحياناً قد تجد أن الصّراع قائم بين طائفتين من دين واحد دون أن يصلوا إلى أي اتفاق أو انسجام! وهذا قليل من كثير، كثير من المشكلات والجراثيم التي علقت بمجتمعنا، وساهمت في جعلنا ضمن دائرة (التخلف). لذا نحن اليوم بحاجة إلى التغيير، تغيير جذري في جُل بنيات ومكوّنات مجتمعنا، بالتركيز على عقليّة الفرد، العقلية التي يجب أن نعمل على إعادة بنائها بناءً حضاريا وجديداً، يأخذ بعين الاعتبار خصوصيات مجتمعنا وينفتح انفتاحاً إيجابياً على المجتمعات الغربيّة والمتقدمة. التغييرُ لكي يَكون على صعِيد عام وواسِع عليه أن يبدأ من كل فردٍ على حدة، علينا أن نُغيّر من طريقة تفكيرنا ورؤيتنا، وهذا التغيير يجب أن يبدأ من أنفسنا، أن نتفاعل مع الحياة بطريقة مُغايرة، وننظر إلى الأمور بطريقة مختلفةٍ. هذا مُسلم أو مسيحي أو هِندوسي، وهذا أمازيغي أو عربي أو كُردي، أين الفرق والمشكل؟ كُلنا بشر، كلّنا جزء من الإِنسانية جمعاء، ومن أنت لتقول عنه كافر أو بربري أو متخلف أو ما شابه؟ عليك أن تُعامله باحترام وتقدير كأيّ شخص أخر، أن تجعل الأخلاق هي طريقك. فتاةٌ ترتدي لباساً غير محتشم، هذا ليس شأنك، تلك حياتها الخاصة، عليك أن تهتّم بأمورك وما يتعلق بك فقط. شخص يفطر علناً في شهر رمضان، ربما هو مريض ولا حرج في ذلك، استمر في طريقك ولا تشغل بالك بالأمر. خرجتَ من المسجد فوجدت شخصاً ملتزماً مارّا من أمامه دون أن يدخل للصلاة، ربما صلى بمسجد آخر، أو سوف يصلي بمنزله. أنتَ سياسي أو وزير، حاول خِدمة بلدك، تخلى عن الميكيافيلية ولو قليلا، وحاول مساعدة وطنك والمساهمة في تغييره. أنت مُوظف، حاول أن تقوم بوظِيفتك على أكملِ وجه وتجنب الخداع والكسل والغش والرشوة. أنت صاحب شركة أو مؤسسة، حصلت على صفقة لمشروع ما، حاول أن يكون عملُك هذا نزيهاً بعيداً عن أي غِشّ أو تدليس. أستاذ، فقيه أو باحث، فلتقُم بعملك بشكل نزيه وبضمير مهني، ولتحاول بذل كل جهدك من أجل المساهمة في البحث المُتجدّد والإغناء الكامل لمجال بحثك. أنت مواطن عادي، تعيش وسط كل هذه المشاكل والمتناقضات، حاول ألا تتأثر بذلك، حاول القيام بما في وسعك لتساهم بشكل فعّال وإيجابي في تطوّر بلدك، أحب وطنك، لا تتأثر بما يعاني منه من مشاكل، فوطنك يبقى له حقّ عليك. شخصٌ يضع لِحية لكنه لا يُصلي، حاول نُصحه ولا تتهكم عليه أو تسخر من حالِه، ربما يكون أفضل منك في أشياء لا يعلمها إلا الله. صديقك المقرب تأخر عن موعدكما، ربما كان الطريق مزدحما أو تأخر بسبب قضائِه لأغراض مهمة، تأخر في الرد على رسائِلك أو مُكالماتك، ربما نفذت بطاريةُ هاتفه او نفذ رَصيده أو ما شابه ذلك. صديقك تكلم معك بأسلوب حادّ وغير لائق ربما هو في مشكلة كبيرة ولم يقدر على التحكم في نفسه، حاول أن تستفسر عن الأمر وحاول تفهّمه ومساعدته بدلاً من أن تلومه وتعاتبه. حبيبك تركك، ربما رأى أنه لا يصلح لك وسيزيد حياتك تعقيدا وتأزما، وأنه لا طائل من الاستمرار في علاقتِكما، ففضل الانسحاب. حبيبتُك تخلّت عنك وتزوّجت بشخصٍ آخر؟ ربما عائِلتها أجبرتها على فعل ذلك ولم تقدر على مخالفة أمرِ اهلها، الله يعلمُ بحالها، ربما هي الأخرى تُعاني، أُدعُ لها بالخيرِ ولا تلُمها وأكمِل حياتك بشكل طَبيعي. التجارب الدولية التي ساهمت في إحداث نقلة نوعية لدول كانت في المراكز الخلفية هي المطلوب قراءتها بشكل صحيح ففي تجارب هذه الدول أفكار رئيسة وعناصر مهمة ساهمت في إعادة تشكيل تلك المجتمعات عبر صناعة قيم جديدة وأهداف واضحة لعمليات التطور والتغير. السلوك المجتمعي الهادف للتغيير والتطور في أي مجتمع ينبع أولا من الرغبات المجتمعة عبر الأفراد وهذا طبيعي حيث تكثر المطالبات وتتكرر عبر الإعلام والقنوات الرسمية وغير الرسمية ويستجيب المجتمع وقد يصدر القرارات ويغير في الإمكانات البشرية، ولكن الأزمة تحدث في أن استجابة المجتمع للتغيير والتطور لا تتحقق بذات الصورة التي يطالب بها المجتمع. أخطر ما يواجه أي مجتمع في العالم كله هو عدم القدرة على فهم المجتمع وثقافته وكيف يطالب المجتمع بالتغيير ثم يقاوم هذا التغيير لمجرد أن يحدث تماس مباشر بين عمليات التغيير المطلوبة مجتمعياً وبين مصالح الأفراد الذاتية أو مصالح المجتمع العامة لأن تضارب المصالح هو المجال الأكثر أهمية لصناعة مقاومة التغيير المؤدي إلى التطور. إن إحداث التغيير في أي مجتمع ليس عملية سهلة بل هو عملية معقدة إلى درجة كبيرة، ولكنه أي إحداث التغيير ممكن إذا تمت صياغة قيم وطنية صارمة تفرض المصلحة الوطنية بشعاراتها التنموية لتفرض التغيير بشكل يتجاوز التفسيرات الفردية للمصلحة المجتمعية والتفسيرات التأويلية لعناصر الثقافة المجتمعية. الدكتور / رمضان حسين الشيخ باحث وكاتب في العلوم الإنسانية وفلسفة الإدارة الخبير الدولي في التطوير الاداري والتنظيمي [email protected]