محافظ شمال سيناء يعلن عن طرح مدينة رفح الجديدة وقري الصيادين والتجمعات التنموية (صور)    فاتن عبد المعبود: سيناء أرض الفيروز وكنز لدينا في مصر    عزوف المواطنين عن شراء الأسماك يؤتي ثماره بالدقهلية.. انخفاض الأسعار للنصف    الصوامع والشون تواصل استقبال محصول القمح في المحافظات    بتوجيهات رئاسية.. سيناء تحظى بأولوية حكومية فى خطط التنمية الشاملة    رد عاجل من حركة حماس على طلب 17 دولة بالأفراج عن الرهائن    آلاف اليهود يؤدون الصلاة عند حائط البراق .. فيديو    "أون تايم سبورتس" تحصل على حقوق بث مباريات نصف نهائي الكؤوس الإفريقية لليد    بسبب إيقاف القيد.. أحمد حسن يفجر مفاجأة في أزمة بوطيب مع الزمالك    منافسة قوية لأبطال مصر في البطولة الأفريقية للجودو.. ورئيس الاتحاد: الدولة المصرية والشركة المتحدة لا يدخرون جهدا لدعم الرياضة    مصرع طفلين وإصابة بنت فى التجمع.. الأب: رجعت من شغلي وفوجئت بالحريق    دعاء الاستخارة بدون صلاة .. يجوز للمرأة الحائض في هذه الحالات    مدرب صن دوانز: الفشل في دوري الأبطال؟!.. جوارديولا فاز مرة في 12 عاما!    "حماس": حال قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس سنضم جناحنا العسكري للجيش الوطني    بشرى للسيدات.. استحداث وثيقة تأمين على الطلاق يتحمل الزوج رسومها كاملة    الدورة 15 لحوار بتسبيرج للمناخ بألمانيا.. وزيرة البيئة تعقب فى الجلسة الأفتتاحية عن مصداقية تمويل المناخ    ضمن الموجة ال22.. إزالة 5 حالات بناء مخالف في الإسكندرية    وزير التعليم العالي يهنئ رئيس الجمهورية والقوات المسلحة والشعب المصري بذكرى تحرير سيناء    تشافي يبرّر البقاء مدربًا في برشلونة ثقة لابورتا ودعم اللاعبين أقنعاني بالبقاء    غير مستقر.. سعر الدولار الآن بالبنوك بعد ارتفاعه المفاجئ    «الجيزة» تزيل تعديات وإشغالات الطريق العام بشوارع ربيع الجيزي والمحطة والميدان (صور)    مصادرة 569 كيلو لحوم ودواجن وأسماك مدخنة مجهولة المصدر بالغربية    التحقيق مع المتهم بالتحرش بابنته جنسيا في حدائق أكتوبر    إصابة سيدة وأبنائها في حادث انقلاب سيارة ملاكي بالدقهلية    جدول مواعيد امتحانات الصفين الأول والثانى الثانوى أخر العام 2024 في القليوبية    نقابة الموسيقيين تنعي مسعد رضوان وتشييع جثمانه من بلبيس    رد فعل غير متوقع من منة تيسير إذا تبدل ابنها مع أسرة آخرى.. فيديو    بلجيكا: استدعاء السفير الإسرائيلي لإدانة قصف المناطق السكنية في غزة    الصحة: فحص 6 ملايين و389 طفلًا ضمن مبادرة الكشف المبكر وعلاج ضعف وفقدان السمع    علماء يحذرون: الاحتباس الحراري السبب في انتشار مرضي الملاريا وحمى الضنك    كيفية الوقاية من ضربة الشمس في فصل الصيف    بنات ألفة لهند صبرى ورسائل الشيخ دراز يفوزان بجوائز لجان تحكيم مهرجان أسوان    خبيرة فلك: مواليد اليوم 25 إبريل رمز للصمود    عقب سحب «تنظيم الجنازات».. «إمام»: أدعم العمل الصحفي بعيداً عن إجراءات قد تُفهم على أنها تقييد للحريات    الكرملين يعلق على توريد صواريخ "أتاكمز" إلى أوكرانيا    وزارة العمل تنظم فعاليات «سلامتك تهمنا» بمنشآت السويس    محافظ كفر الشيخ يتابع أعمال تطوير منظومة الإنارة العامة في الرياض وبلطيم    أحدهما بيلينجهام.. إصابة ثنائي ريال مدريد قبل مواجهة بايرن ميونخ    حبس شاب لاستعراضه القوة وإطلاق أعيرة نارية بشبرا الخيمة    بيلاروسيا: في حال تعرّض بيلاروسيا لهجوم فإن مينسك وموسكو ستردّان بكل أنواع الأسلحة    أمين الفتوى لزوجة: اطلقى لو زوجك لم يبطل مخدرات    أبورجيلة: فوجئت بتكريم النادي الأهلي.. ومتفائل بقدرة الزمالك على تخطي عقبة دريمز    محافظ شمال سيناء: كل المرافق في رفح الجديدة مجانًا وغير مضافة على تكلفة الوحدة السكنية    انعقاد النسخة الخامسة لمؤتمر المصريين بالخارج 4 أغسطس المقبل    7 مشروبات تساعد على التخلص من آلام القولون العصبي.. بينها الشمر والكمون    «التعليم» تستعرض تجربة تطوير التعليم بالمؤتمر الإقليمي للإنتاج المعرفي    آخرهم وائل فرج ومروة الأزلي.. نجوم انفصلوا قبل أيام من الزفاف    منها طلب أجرة أكثر من المقررة.. 14 مخالفة مرورية لا يجوز فيها التصالح بالقانون (تفاصيل)    موعد مباراة الزمالك وشبيبة أمل سكيكدة الجزائري في نصف نهائي كأس الكؤوس لليد    فن التهنئة: استقبال شم النسيم 2024 بعبارات تمزج بين الفرح والتواصل    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس25-4-2024    عادل الغضبان يهنئ أبناء محافظة بورسعيد بالذكرى ال 42 لعيد تحرير سيناء    افتتاح وتشغيل 21 سرير عناية جديد بمستشفي الكرنك في الأقصر تزامنا ذكرى تحرير سيناء    حدث ليلا.. تزايد احتجاجات الجامعات الأمريكية دعما لفلسطين    الفندق عاوز يقولكم حاجة.. أبرز لقطات الحلقة الثانية من مسلسل البيت بيتي الجزء الثاني    هل يجوز قضاء صلاة الفجر مع الظهر؟.. «الإفتاء» تحسم الجدل    أحمد موسى: مطار العريش أصبح قبلة للعالم وجاهز لاستقبال جميع الوفود    الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الإفتاء توضح أحكامها ومتى تجب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مراد وهبة: المحرّمات الثقافية تحبس العقل العربي في سجون الماضي
نشر في نقطة ضوء يوم 08 - 12 - 2015

" أخطر أستاذ جامعي في الجامعات المصرية".. هكذا كُتب في التقارير الأمنية ضد الفيلسوف والأستاذ الجامعي مراد وهبة، عقب معارضته لبعض السياسات الاقتصادية في عصر الرئيس السادات، ذلك الخطر الذي لا زال يلازمه حتى الآن، فهو رافض على طول الخط أن يقمع عقله أو يساير الواقع أو أن يقبع في برج عاجي بعيدًا عن المجتمع الجماهيري، والذي يسكنه غيره من المفكرين القانعين بضرورة انفصالهم عن العامة باعتبارهم “نخبة
مراد وهبة، أستاذ الفلسفة في جامعة عين شمس، وصاحب العديد من المؤلفات الفكرية والفلسفية، سعى على مدار سنواته التسعين، أن يكون سقراط في القرن العشرين، أن يتنازل عن “عرش الفلاسفة” إلى حيث يوجد الجماهير، يحاورهم ويغيّر من معتقداتهم السائدة المتوارثة عن غير تفكير، وتحمّل في سبيل ذلك الكثير من الهجوم والحملات الشعواء التي اعتبرته خطرًا على المجتمع.
يشغل الدكتور مراد وهبة عضوية العديد من الأكاديميات والمنظمات الدولية المرموقة، كما أنه مؤسس ورئيس الجمعية الدولية لابن رشد والتنوير العام في العام 1994 م، ويعتبر من بين ال500 شخصية الأكثر شهرة في العالم، وفقًا لموسوعة الشخصيات العالمية، وشارك في العديد من المؤتمرات والملتقيات المتعلقة بالفلسفة حول العالم، له العديد من المؤلفات الهامة مثل “المذهب عند كانط”، “العنف والمقدس″، “المذهب في فلسفة برجسون”، “رباعية الديمقراطية”، “الأصولية والعلمانية”، “فلسفة الإبداع″، “مستقبل الأخلاق”، وغيرها الكثير.
ولد مراد وهبة في 13 أكتوبر 1926 م، في مدينة أسيوط في جنوب مصر. درس الفلسفة في جامعات القاهرة وعين شمس، ونال الدكتوراه من جامعة الإسكندرية، وعقب الهجوم الضاري الذي واجهه بعد المؤتمر الذي عقده بعنوان “الفلسفة ورجل الشارع″، لا زال وهبة يمارس دوره في التنوير من خلال منتدى ابن رشد الذي أسسه، ومن خلال كتاباته وعمله في الجامعة.
يمتلك مراد وهبة العديد من الأفكار التي تعد صادمة للكثيرين، هو ضد الجماعات الدينية والإسلامية بكافة تفرعاتها، يرفض الفصل بينها ويعتبرها فروعا كثيرة من أصل واحد هو “الأصولية الدينية”، تلك الأصولية التي ساهمت في تخريب العقل العربي، وحرمانه من التفكير الناقد الذي يجعله ينظر إلى المستقبل، ويقبل بالعلمانية التي تدفع نحو تطور المجتمعات والتي تعد البديل الوحيد للدوغماطيقية الفكرية.
يطالب وهبة دومًا بإحياء فلسفة ابن رشد في العالم العربي والإسلامي، فهي فلسفة تدعو إلى إعمال العقل والنظر في باطن النص الديني وليس في ظاهره، يؤمن أن التطور والتقدم يستدعي إعادة فلسفة ابن رشد إلى التطبيق، والبقاء في دائرة التخلف يأتي من الإبقاء على فكر ابن تيمية المستشري في العقليات العربية.
- ترنح الفكر العربي، عبر فترات التاريخ المتعاقبة، بين الجمود الذي عززته الأصوليات الدينية في كثير من الأحيان، والتمرد الذي كان عاجزًا عن الوصول به إلى الثورة الفكرية القادرة على التغيير الجذري للأفكار المتوارثة.. برأيك ما سبب هذا القصور، وما السبيل نحو تجاوز الحال الموصوفة؟
ترنُح الفكر العربي وعجزه عن القيام بثورة فكرية شاملة يرجع إلى عجزه عن تكوين رؤية مستقبلية، وأنا أعبّر عن الرؤية المستقبلية بمصطلح “الوضع القادم” في مواجهة “الوضع القائم”، فعندما يكون الوضع القائم في أزمة يجب استدعاء “الوضع القادم” للتفكير في حلول لهذه الأزمة، وبغياب الوضع القادم أو الرؤية المستقبلية يظل الوضع القائم في حالة أزمة، وإن تمرد على الأزمة لن يستطيع تجاوز الوضع القائم، إذن ما الذي يجعل العقل العربي في حالة عجز عن تكوين رؤية مستقبلية؟ لأنه عقل “ماضوي” يستمتع ويشتهي أن يحيا في الماضي، الماضي بديل له عن المستقبل، لكن عندما يظل العقل العربي متمسكًا بالماضي ورافضًا لتكوين رؤية مستقبلية، ففي هذه الحالة سيظل العقل العربي أسير الماضي وبلا مستقبل.
على مدار التاريخ، جاء عجز العقل العربي عن تجاوز الماضي نتيجة لهيمنة “المحرمات الثقافية” على الذهنية العربية، إذ يرفض العقل العربي التعرض لمثل هذه المحرمات وتناولها بعقل ناقد لأنه ملتزم بالماضي، وحيث أن المحرمات الثقافية من إفراز الماضي سيظل العقل العربي يفكّر في إطارها، والشائع عن المحرمات الثقافية أنها في مجالات الدين والسياسة والجنس، ويمنع العقل الناقد أن يحكم فيه هذه الثلاثية لأنه عاجز عن تلقي صدمات في معتقداته التي تثبت له مدى تخلفه.
- إلام ترد تجذر مثل هذه المحرمات في المجتمعات العربية؟
امتلاك رؤية مستقبلية يحتاج إلى تخلص الذهنية العربية من الالتزام بالماضي والحياة فيه، “الماضوية” التي يعاني منها العقل العربي تجعله عاجزًا عن التفكير في المستقبل، كما أنّ الخوف من تلقّي صدمات في المعتقدات الراسخة يجعله يتجنب النظر في المحرمات الثقافية بشكل نقدي.
كان الفقيه ابن تيميه يعلن بوضوح أنه “ممنوع إعمال العقل في النص الديني”، ولا بد من أن يؤخذ النص الديني بحرفيته، في إطار حاسة السمع، ولذلك هناك ارتباط دائم ما بين السمع والطاعة، ولذلك من يعمل العقل في النص الديني سيكون كافرًا في رأي ابن تيميه، ووفقًا لمذهبه، أما الفيلسوف ابن رشد فقد كان يطالب بتحويل المعاني الظاهرة للآيات إلى معاني باطنية مغايرة للمعنى الأصلي، إذ دعا إلى إعمال العقل في النص الديني الذي أطلق عليه التأويل، أي إخراج اللفظ من دلالته الحقيقية الحسية إلى دلالاته المجازية، والانتقال مما هو حسي إلى ما هو مجازي، فعندما يقول “الله يجلس على العرش” فالمعني الحسي المفهوم يعني وجود عرش بالمعنى المحسوس، وأن الله يتخذ وضع الجلوس، في حين يردنا المعنى المجازي إلى الحكم الإلهي، وبالتالي أعلن ابن تيمية كفر ابن رشد، وهو ما جعله على هامش التاريخ العربي.
باطن النص
- وما السبيل لإخراج فلسفة ابن رشد من الهامش إلى التطبيق؟
أثرى ابن رشد الفلسفة العربية والفكر الإنساني بإعلاء سلطان العقل، وإعمال العقل في النص الديني من خلال التأويل، ويقول في ذلك “نحن نقطع قطعًا أن كل ما أدى إليه البرهان العقلي وخالفه ظاهر الشرع أن ذلك الظاهر يقبل التأويل”، وأجهضت فلسفة ابن رشد في العالم العربي حين أصدر المنصور أمرًا بنفيه إلى أليسانة، في حين أمر الإمبراطور فريدريك الثاني بترجمة كتبه في مواجهة الصراع مع رجال الدين المسيحي، ومن ثمة التغلب على الواقع المتردي يكون باستدعاء فلسفة ابن رشد التي ساهمت في تطور الحضارة الغربية.
حاولت إحياء فلسفة ابن رشد في مواجهة فكر ابن تيمية، لكنني قوبلت بهجوم شرس، واتهموني بأنني “سيئ النية” في تبنّي ابن رشد، كما جاءتني تهديدات بالقتل، فللأسف نجح ابن تيمية في التأسيس للوهابية والأصولية الدينية، وجاء القرن العشرين لتبرز جماعة الإخوان المسلمين التي تتبنى الفكر ذاته، وبالتالي ستظل الحضارة الإسلامية متخلفة طالما أنها مستندة إلى أفكار ابن تيمية الرافضة لإعمال العقل.
إحياء فلسفة ابن رشد يحتاج إلى جرأة عقلية، تلك الجرأة القادرة على الحفر في النص الديني لمعرفة المعنى الباطن، وبالتّالي التحرر من المعنى الظاهر، ما يؤدي في النهاية إلى الانطلاق نحو آفاق أرحب تسمح بالإبداع، مع ابن رشد يوجد إبداع، ولكن مع ابن تيمية سيموت الإبداع، ربما خلق حالة من الإبداع في التعليم قد يمكّن من إحياء فلسفة ابن رشد من جديد.
- كان لك مشروع هو “الإبداع والتعليم”، طرحته في العام 1988، ولكن لم يتم تطبيقه، ما تفاصيل المشروع؟ وهل ما زال مناسباً، ما هي السبل الممكنة لتطبيقه في الوقت الراهن في ظل الانحطاط الذي يعاني منه التعليم في شتى البلدان العربية؟
طرحت فكرة المشروع على رئيس الوزراء آنذاك، أحمد فتحي سرور، ورحب بها، لكن القيادات في الوزارة رفضت تمامًا مشروع الإبداع، ويركز مشروع “الإبداع والتعليم” على منع التلقين والحفظ، لأن التلقين مع الحفظ يجعل الفرد يعتقد واهمًا أنه وصل إلى الحقيقة المطلقة، فوجود المناهج الدراسية الثابتة والمعلم الذي يلقنها للطلاب يجعل اليقين لدى لطالب مرتبطا بمدى حفظه وتذكره للمناهج الدراسية.
ولكي يتم إيجاد مجال للإبداع لا بد من قبول تعدد الأجوبة، وهذا يحتاج قراءة متسعة خارج المقرّر ليكون الطالب قادرًا على التنويع في إجاباته، وذلك يأتي أولًا بإلغاء الكتاب المقرر ليكون أحد الكتب المقررة، كما يجب ألا تحتل الاختبارات كل هذا الاهتمام المبالغ فيه، وذلك عن طريق تقليل النسب المئوية المخصصة للاختبار، في مقابل التركيز على البحث والأنشطة وغيره ممّا ينمي الإبداع، أيضًا لا بد من تقليل المقررات الدراسية لتقليل ضخامة العدد في الفصول لاستيعاب أفضل.
في هذا الإطار، كانت لي تجربة عملية، فعندما كنت أدرس للطلاب في عامهم الثاني في كلية الآداب قسم الفلسفة، كنت أطلب منهم القراءة في موضوع معين من عدة كتب ومؤلفات، وتكون المحاضرة حوار بيني وبينهم، كما يجرى الاختبار في المكتبة ودون ملاحظين، وفي هذه الحالة يمكنهم الاستعانة بالكتب، وتتمّ محاسبتهم ليس على كمّ المعلومات الذي يوردونه أو مدى تذكرهم للمعلومات، ولكن على قدرتهم على الربط بين الأفكار، لكن عندما طرحت التجربة على مجلس الكلية، قوبلت بالرفض الجماعي، فالبعض قال إنها مخالفة للائحة الكلية، وآخرون اعتبروا ما يحدث غشا جماعيا.
أعتقد أن مشروع الإبداع لن يكتب له التطبيق في ظل هيمنة جماعة الإخوان المسلمين على المؤسسات التعليمية والثقافية، فرغم وجودهم خارج السلطات، إلا أن تغلغل فكرهم يجعلهم متحكمين فكريًا في كل ما يتم إنتاجه.
فكرة التساؤل
- ثمة أمراض عدة للتخلف تنهش في الجسد العربي، أودت إلى تطرف فكري وانحطاط أخلاقي وسيادة منظومة من القيم البالية المستهلكة.. كيف يمكن الشفاء من هذه الأمراض في ظل استفحالها؟
يجب تسليط الضوء على المحرمات الثقافية من خلال العقل الناقد للوصل إلى كمّ الوهم الذي يعشّش في العقل العربي، على سبيل المثال، الانشغال بالحديث عن عمل المرأة يبرز هيمنة المحرمات الثقافية على الذهنية العربية، التي لا زالت قاصرة عن إعطاء مساحات من الحرية في التفكير والحياة، أيضًا التربية مهمة جدًا لتعزيز العقلية الناقدة؛ فلا بد من إعطاء مساحات من الحرية للطفل حتى سبع سنوات لكي يخطئ ويدرّب على الخطأ والصواب دون تكبيله وفرض أفكار بعينها عليه، ويجب تعزيز فكرة التساؤل لديه، وتشجيعه على البحث والتفكير.
كبت الإبداع مسؤولية فردية واجتماعية، من الممكن أن يمنع المجتمع الإبداع ويغامر الأفراد بتبني أفكار مغايرة للسائد، ويتحمّل نتيجة خروجه عن المعتقدات السائدة، فعندما غامر الكاتب فرج فودة بالحديث عن العلمانية وأهمية تطبيقها كان القتل مصيره، وعندما تحدث جاليليو عن دوران الأرض حول الشمس تمت محاكمته، وكل ذلك نتيجة للتخلف، هي مغامرة لا بد منها للقضاء على التخلف، فالفيلسوف الألماني كانط كان يقول “كن جريئًا في إعمال العقل”.
إحياء فلسفة ابن رشد يحتاج إلى جرأة عقلية، تلك الجرأة القادرة على الحفر في النص الديني لمعرفة المعنى الباطن، وبالتّالي التحرر من المعنى الظاهر، ما يؤدي في النهاية إلى الانطلاق نحو آفاق أرحب تسمح بالإبداع
نهضة وتخلف
- قدّم الأنثروبولوجي البريطاني “إدوارد تايلور” أول تعريف للثقافة بأنها “الكل المركب الذي يشمل المعرفة والمعتقدات والفن والأخلاق والقانون والأعراف والقدرات والعادات الأخرى التي يكتسبها الإنسان باعتباره عضوًا في المجتمع″.. هل تنظر إلى الثقافة النظرة ذاتها؟ أم لديك تعريف مختلف، وما تقييمك لوضع الثقافة العربية في الوقت الراهن؟
النسق الثقافي مكوّن من مجموعة قيم ومبادئ، وهذا النسق يأتي في مرحلة ولا بد من تغييره نتيجة التطور وعدم تغييره سيؤدي إلى التخلف، فعندما يكون الوضع القائم مأزومًا ولا توجد رؤية مستقبلية لتغييره، هنا يحدث التراجع والتخلف، أختلف مع تعريف تايلور في تحديد ماهية هذا الكل المركب، هل هو استاتيكي أم ديناميكي، لا بد أن يكون النسق الثقافي ديناميكيًا لأنه قابل للتغير، وبالتالي لا يجوز أن نكتفي بقول “الكل المركب” دون تحديد مدى التغير.
الديناميكية هي الأصل في الأنساق الثقافية، لكننا في الوقت الراهن نواجه نسقًا ثقافيًا متخلفًا، ويعاني من الجمود والاستاتيكية، إذ أن الثقافة العربية متأثرة بفكر الجماعات الأصولية وجماعات الإسلام السياسي، والتي تستند إلى فكر ابن تيمية، والتخلص من ذلك يستدعي التخلص من الأصوليات الدينية وفكر ابن تيمية المستشري في العقلية العربية.
التطور والنهضة في أوروبا لم يحدث إلا بعد استدعاء فلسفة ابن رشد، في القرن 13 كان الإمبراطور فردريك الثاني يعارض رجال الدين، ويقف مع طبقة التجار التي نشأت حول القصور الإقطاعية، فنصحه مستشاروه بضرورة ترجمة مؤلفات ابن رشد لأهميتها في الإصلاح، وبالفعل أصدر قرارًا بترجمة مؤلفات ابن رشد، في الوقت ذاته كان ابن تيمية يبث أفكاره الظلامية في العالم الإسلامي والعربي، وهو ما نتج عنه نهضة أوروبية وتخلف عربي.
- في ظل أنهار الدماء التي تسيل في الدول العربية، والمصير المخزي الذي وصلت له إبّان ما أطلق عليه “ثورات الربيع العربي”.. هل تظن أن المثقف وقف عاجزًا عن التغيير وأصبح بلا دور.. أم ترى أن لهذا المثقف صورة مختلفة. ولو كنت تقول بعجزه إلام يرد هذا العجز؟ وكيف يمكن له أن يتغلب عليه؟
نعم المثقف وقف عاجزًا عن القيام بأيّ دور إيجابي إبان ثورات الربيع العربي، بل كان عاجزًا وقت قيامها أيضًا، عندما قامت الثورات كان الشباب هو المحرك الأول والأخير لها، وهم من قادوا الثورة وطالبوا بالإصلاح، المثقف آنذاك وبعد الثورات كان مشغولًا بتحالفاته مع جماعات الإسلام السياسي وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، لذلك استولت الجماعات الإسلامية على الحكم في عدد من البلدان العربية، وهو ما أدّى إلى فشل ثورات الربيع العربي في تحقيق أهدافها، لأنها لم تجد دعمًا من قبل المثقفين الذين يمتلكون رؤية مستقبلية تمكّن الشباب من تحقيق مطالب ثورتهم.
نحتاج إلى مثقف جرئ لديه رؤية مستقبلية تطرح حلولا للواقع المأزوم، وآليات للتفكير في الخروج من الأزمات الراهنة التي سببت الأصوليات الدينية في استفحالها، مثقف لديه وعي بأهمية العلمانية في الخروج من الأزمات الراهنة، يجب على المثقف مواجهة الأصولية الدينية وإعلاء فكر العلمانية في المقابل، فدون العلمانية سنظل في ذلك الوضع المأزوم دون أمل للخروج منه.
تحرير العقل
- تتباين مواقف المثقفين إزاء ما يعتمل في الواقع، يصمت البعض وينعزل عن الحياة العامة، والبعض ينخرط في الحراك الاجتماعي ويلتحم بالناس، في حين يمارس آخرون دورهم في النقد والتنظير عن بعد.. إلى أي مدى تساهم مواقف المثقفين المختلفة في إحداث التغييرات المنشودة؟
لا يمكن الحديث عن تغييرات جوهرية في ظل هيمنة الأصولية الدينية على الفكر العربي، وبالتالي مطلوب من المثقفين أن يقفوا وراء فكر العلمانية لأنها الضامن الوحيد للخروج من المشهد المأزوم إلى آفاق أخرى أكثر رحابة، والعلمانية، في تعريفي لها، تعني التفكير في النسبي بما هو نسبي وليس بما هو مطلق، وبالتالي البحث في الظاهرة تحت مظلّة العقل الناقد وليس تحت مظلة الفتوى الدينية، إعمال العقل الناقد في المشاكل المجتمعية هو السبيل للخروج منها وهو ما يحتاج جرأة ومغامرة من المثقفين لتبنّي الفكر العلماني المنبوذ والمحارب.
استطاعت أوروبا أن تخرج من النّفق المظلم في العصور الوسطى عبر مثقفين حملوا على عاتقهم تلك المهمة، فالفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت، والذي يلقب ب”أبو الفلسفة الحديثة”، فقال لا أؤمن بفكرة إلا إذا كانت واضحة ومتميزة، أما الفيلسوف الإنكليزي فرانسيس بيكون فقال يجب أن نحرر العقل من الأوهام لكي نتقدم.
السياسي والثقافي
- في ظل هيمنة السلطات السياسة على الثقافة في العالم العربي وتبعيتها لها، كيف يمكن الحديث عن دور مستقل وفاعل للثقافة والمثقفين في التطور الاجتماعي؟ أم أنك لا ترى ضيرًا من ارتباط الثقافة بالسلطة، ولا ضرورة للانفكاك عنها لا سيما في ظل ظروف قدمت بعض السلطات العربية نفسها خلالها بوصفها أكثر تقدمًا من المجتمع؟
لا أعتقد أن هناك هيمنة من قبل السلطات السياسية على المؤسسات الثقافية أو الثقافة، ولكن من الممكن أن نقول إنه نوع من التداخل بين السياسة والثقافة، فلا يمكن الحديث عن الثقافة بمعزل عن السياسة، ولا يمكن أن توجد سياسة دون سند ثقافي أيضًا، وبالتالي شئنا أم أبينا، العزل غير ممكن بين السياسة والثقافة، والأهم هنا هو أن يكون المثقف قادرًا على الدفع بالسياسة نحو التغيير؛ تغيير السياسة من سياسة إلى أخرى تعتمد على نبذ الأصولية الدينية وتبنّي العلمانية، فالإنسان حيوان سياسي وحيوان مبدع وحيوان ديني وكوني، الفصل غير ممكن، ولكن من الممكن تطوير الفكر الديني، والتفكير في ذلك يأتي حينما تكون السياسة في وضع أزمة.
المثقفون لديهم القدرة على أن يكونوا مؤثرين وفاعلين في التغيير، وذلك يتضح من التجارب السابقة، التي تحتاج إلى الكثير من الجرأة، وإعمال العقل الناقد الذي يهدم الحقائق المطلقة، ويحارب المدّعين بامتلاك اليقين الكامل، نظام الحكم يعتمد على نسق ثقافي يشارك فيه المثقف مع السلطة السياسية، ومن الممكن أن تكون الثقافة مؤثرة ولكن لا يحدث ذلك.
- ما بين دوغما التدين التي يدّعي أصحابها امتلاك الحقيقة المطلقة باسم الدين، ودوغما العلمانية التي تسعى لنبذ الأديان وتعزيز مبادئ الفردية، يقف الفكر العربي حائرًا.. ما الطريق الذي سيسلكه برأيك؟
العلمانية لا يمكن أن توجد بها دوغماطيقية على الإطلاق، فالعلمانية تعني “التفكير في النسبي بما هو نسبي”، وبالتالي العلماني كلما وصل بتفكيره إلى الاعتقاد باقتناص الحقيقة المطلقة لا بد أن يعود مرة أخرى ويتراجع، فالعلماني يؤمن بالنسبية والخطأ والصواب، والدوغماطيقية ضد العلمانية بشكل بيّن، فهي تعني توهم امتلاك الحقيقة المطلقة، والعلمانية تحارب هذا الوهم، لأنها تعزز التفكير النسبي وتنتقد نفسها بنفسها، حتى لا تفكر أنها وصلت لأيّ حقيقة مطلقة، الشخص الذي يعلن أنه قد وصل إلى معتقد يقيني لا يمكن أن يكون علمانيًا لأن ذلك ضد التغيير والنسبية التي هي من المبادئ الأساسية للفكر العلماني.
من جهة أخرى، الفكر العلماني يدعو إلى إعمال العقل الناقد في شتى جوانب الحياة، والنبش في المعتقدات اليقينية للوقوف على مدى صحتها، ولا يدّعي امتلاك أيّ حقائق مطلقة.نحتاج إلى مثقف جرئ لديه رؤية مستقبلية تطرح حلولا للواقع المأزوم، وآليات للتفكير في الخروج من الأزمات الراهنة التي سببت الأصوليات الدينية في استفحالها
المثقف والحاكم
- تهيمن العقلية الدوغماطيقية على شتى جوانب الحياة.. إلى أيّ مدى ساهم الحكام العرب المستبدون في تأصيل الأسطورة وتغييب الوعي النقدي؟ وما هي آليات الخروج من ذلك النفق المظلم؟
أعتقد أن المثقف هو المسؤول بشكل أكبر عن تغييب الوعي النقدي وليس الحاكم، فغياب المثقف الناقد سمح للآخرين، ومنهم الحكام، أن يفرضوا على المجتمع معتقدات مطلقة، المثقفون هم الذين كفروا الفيلسوف ابن رشد، وفرضوا على الحاكم أن يكفّره، ربما يمكن القول إن المثقف هو الأساس وليس الحاكم، وإن دور الحاكم ينحصر في أن يختار ما بين عدة اختيارات ثقافية يضعها المثقف.
عندما قامت الثورة الفرنسية، كان المثقفون هم المحرّك الأول لها، إذ كانت برجوازية تستند إلى التنوير والعلم، وفي التاريخ العربي الشيخ أبو حامد الغزالي قام بتكفير الفلاسفة ومنهم ابن رشد في كتابه “تهافت الفلاسفة”، نحن بحاجة إلى أن نخوض معركة ضد ملاك الحقيقة المطلقة، الوهابيين والإخوان، والتطور الاجتماعي وحده سوف يحسم المعركة لصالح العلمانيين وليس الأصوليين، لأن العلمانية تقف مع التطور في حين تقف الأصولية مع التخلف.
- التطور يقف مع العلمانية، لكن المجتمع يساند الدوغماطيقية والأصولية.. ما السبيل للخروج من هذا المأزق؟
نعم هذا حقيقي، لذلك لا بد أن نحرر رجل الشارع من الدوغماطيقية، ولذلك لا بد أن يكون للفلسفة دور حقيقي وفعال في المجتمع.
- في هذا الإطار أجريتم محاورات جريئة بعنوان “الفلسفة ورجل الشارع″ لتعلن رفضك أن تقطن الفلسفة أبراجًا عاجية وتنعزل عن رجل الشارع العادي، ما الذي أثمرته تلك المحاولات؟
كان هدفي من هذه المحاورات أن أحرر رجل الشارع البسيط من الدوغماطيقية، في محاولة للتعرف على طريقة تفكيره وتغييرها، حينها أحضرنا للمؤتمر “بائع بطاطا” كممثّل لرجل الشارع، وبدأت أسأله من هو الفيلسوف؟ فقال لي نقول عليه “أبو العريف”، فالرجل البسيط على علم ودراية بمعنى الفلسفة، وعبّر عن معرفته بأسلوبه البسيط، ثم حاورته في المشاكل التي يعاني منها وكيف أن تغيير طريقة تفكيره ربما تساهم في حل هذه المشكلات، لكن المؤتمر قوبل بهجوم شديد من قبل المثقفين، واتهموني بتخريب القيم والتراث.الفلسفة قادرة على تغيير ذهن رجل الشارع البسيط، لكن يواجهها سدّ من المحرمات الثقافية الرافضة للتعامل مع رجل الشارع العادي.
المثقفون يقفون ضد الفكر التنويري وضد العلمانية، بسبب تلاحمهم مع الجماعات الدينية، وعلى رأسها جماعة الإخوان، وذلك على مستوى العالم، وليس العرب فقط، فالكثير من المؤسسات في العالم تدخل في تحالفات مع جماعة الإخوان المسلمين.
- هل ما زلت رافضًا لقول زكي نجيب محمود بأن “الفلسفة حال نزولها للشارع سيكون مصيرها هو مصير هيباتيا”؟ وما الذي تراه في قوله أهو استعلائية أم إدراك لقصور الفلسفة وتقلص قدرتها على التأثير في الجموع؟
الدكتور زكي نجيب محمود كان من أشد المعارضين لفكرة نزول الفلسفة إلى رجل الشارع العادي، وعارض بشدة مؤتمر “الفلسفة ورجل الشارع″، وقال لي “أنت ذبحت الفلسفة في هذا المؤتمر”، وعندما قابلته بعدها بعشر سنوات قلت له هل ما زلت على رأيك؟ انفعل جدًا وقال بل أعنف، قد لا يكون قوله هذا استعلاء، لكنه قصور عن إدراك العلاقة بين الفلسفة والتغيير.
أنا ضد انعزال الفلسفة عن الشارع، فذلك جريمة كبرى، ويمنع أن تقوم الفلسفة بأداء دورها في التغيير، الفيلسوف اليوناني سقراط، كان ينزل إلى أسواق أثينا يدعو لأفكاره الفلسفية، ويحاور رجل الشارع عن المعتقدات والتقاليد المسلّم بها، وأدين بالهرطقة وأعدم، وعندما جاء أفلاطون من بعده امتنع عن النزول لرجل الشارع أو محاورته، وأسس أكاديمية كتب على بابها ” لا يدخل إلا كل من هو على علم بالهندسة”، ومن وقتها وحتى اللحظة الراهنة لم تخرج الفلسفة عن الفصول الدراسية.
لم أستسلم لمحاربتي بسبب محاولاتي التواصل مع رجل الشارع لكنّني عزلت، وظللت أمارس دوري من خلال التدريس، ومن خلال منتدى ابن رشد الذي يحارب من قبل المثقفين الرافضين لانتشار العلمانية، وليس من قبل السلطة، فأنا أعاني من المثقفين، حتى عندما فصلني السادات كان يحامي للمثقفين.
الفلسفة والناس
- في تاريخ الفلسفة الكثير من نقاط اتصالها بالشارع، متى حدث الانفصال بين الفلسفة والمجتمع، لتسكن أبراجًا عاجية لا يدخلها إلا أصحابها؟ ومن المسؤول عن ذلك؟
حدث الانفصال بين الفلسفة والمجتمع بعد إعدام سقراط، الذي كان ينزل إلى أسواق أثينا ليتناقش مع الجمهور حول الأفكار والمعتقدات، ومن بعده أسس أفلاطون للفلسفة داخل الفصول، وحدث الانفصال.في إطار الثورة العلمية والتكنولوجية، ظهر مصطلح “mass”، أي الجمهور والمجتمع الجماهيري، وكان لزامًا على الفيلسوف أن يتلاحم مع الجمهور وإلا سيكون خارج العصر، ولكن المسؤول عن الانفصال بين الفلسفة والمجتمع هو السلطة الدينية التي خضع لها الفيلسوف كوبرنيكوس عندما قال إن الأرض تدور حول الشمس، وبعد ذلك حاكموا جاليليو عندما روّج للفكرة ذاتها، لكن في النهاية انتصر فكرهم.
- يقول أرسطو “الإنسان يفكّر بمعدته”، وفي ظل اتجاه رجل الشارع العادي بكل تفكيره نحو السبل الممكنة لكسب العيش، الذي أضحى من المهام الصعبة، ما السبيل للحديث عن الإبداع والعقل؟
هذا وهم، رجل الشارع له فلسفته الخاصة التي يحيا بها، من الممكن أن تكون متخلفة، ولكن يمكن مع الحوار أن تتطور، كل إنسان له عقل ناقد يمكن تطويره، فالإنسان حيوان عاقل لا بد أن يعمل عقله وإلا تخرج عنه صفة الإنسانية.قمت برحلة لإحدى القرى، فهاجمنا بعض الأطفال وقذفونا بالحجارة لأننا أغراب في قريتهم، وعندما هممت بمواجهتهم، باغتني فلاح بسؤاله ما المشكلة؟ فرويت له ما حدث، فرد قائلًا “أهلهم علموهم الفلسفة وقلّة الأدب”، فالفلاح البسيط ربط هنا بين قلة الأدب والفلسفة، لذا هو بحاجة لمن يعدل من تفكيره.
القول بأنّ العلمانية تجربة خاصة بالغرب والفصل بين الحضارات وهم، فهي حضارة واحدة متعددة الثقافات، لا توجد خصوصية أو تميز لحضارة عن الأخرى، سوى أن أحدها متقدم والآخر متخلف، فالشيء الوحيد الذي يميز العرب أنهم متخلفون.
أمراض عقلية
- ما هي آليات التأسيس لعقل ناقد في ظل عمليات تغييب العقل المستمرة؟ وكيف يمكن التغلب على الحساسية المرضية تجاه الفكر الناقد في المجتمعات العربية؟
العقل الناقد يحدّد المحرمات الثقافية، وبعد أن يحددها يعمل عقله للوصول إلى جذور التخلف، طه حسين استخدم المنهج الديكارتي الذي يرفض قبول أيّ فكرة إلا إذا كانت واضحة، واستند إلى هذه القاعدة في نقد التراث الجاهلي، والشيخ علي عبدالرازق قال إن العلمانية مشروعة في الفكر الإسلامي، فواجها وابلاً من الانتقادات.
القول بأنّ العلمانية تجربة خاصة بالغرب والفصل بين الحضارات وهم، فهي حضارة واحدة متعددة الثقافات، لا توجد خصوصية أو تميز لحضارة عن الأخرى، سوى أن أحدها متقدم والآخر متخلف، فالشيء الوحيد الذي يميز العرب أنهم متخلفون. الحساسية تجاه الفكر الناقد تأتي بسبب القسمة الثنائية بين العربي والغربي، فكلّ ما هو غربي مرفوض، والذي أسّس لهذا الفكر هو الجماعات الدينية، سيّد قطب في كتابه “المستقبل لهذا الدين” يقول “عصر النهضة في أوروبا وعصر التنوير والعصر الصناعي كلها أمراض عقلية لا بد من القضاء عليها”، وهو ما يعني أن تعود أوروبا إلى العصر الزراعي وما قبل الزراعي.
- قلت إن “العلمانية هي الترياق المضاد للأصولية، وهي ضرورة حضارية لإنقاذ البشر من الأصولية المدمّرة للحضارة”، ولكن ماذا عن ترياق “علمانية” الطغمة العسكرية المشاركة في الفساد والخراب في العديد من البلدان العربية؟ هل نحن بلا أمل في الخلاص من هذه الثنائية؟
لا أعترف بهذا المصطلح “علمانية الطغمة السياسية”، العلمانية تقف ضد هذا، في الوقت ذاته لا أرى ضيرًا من تأييد المثقفين للحكومات العسكرية، فالجيش ليس عدوًا، في مصر، الجيش هو الذي أنقذ مصر من الوقوع في براثن جماعة الإخوان المسلمين، لا نستطيع عزل الجيش عن الحياة السياسية، ففي العالم العربي نحن أمام ثنائية الجيش أو الإخوان، في ظلّ غياب الثقافة العلمانية، الجيش هو البديل الوحيد الذي يحمي من الوقوع في براثن الجماعات الإسلامية، وعلى رأسهم جماعة الإخوان.
أعتقد أن الحكومات العسكرية من الممكن أن تساهم في ترسيخ الفكر العلماني، وأبرز مثال على ذلك تعيين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لوزير الثقافة حلمي النمنم، الذي يعد من أبرز المدافعين عن تطبيق العلمانية، والمؤمنين بجدوى تطبيقها على كافة الأصعدة.
- ثمة هوة، إذن، بين العقل الأوروبي والعقل العربي في عدة نواحٍ، متى بدأ هذا الانفصال؟ وما الدور الذي لعبته جماعات الفكر الغيبي والإسلام السياسي والإسلام العنيف في تحقيق هذا الانفصال؟ وكيف يمكن عبور الهوة ما بين العقلين؟
بدأ الانفصال بين العقل العربي والعقل الغربي مع الشيخ أبي حامد الغزالي، في كتابه “تهافت الفلاسفة”، الذي قال في أول فقرات الكتاب إن الفلاسفة المسلمين كفرة لأنهم تأثروا بالفكر اليوناني الوثني أمثال سقراط، عزز ذلك الانفصال أيضًا الشيخ ابن تيمية، الذي رفض إعمال العقل في أمور الدين، وطالب بالالتزام بظاهر النصوص الدينية، فهناك وهم بأن العقل العربي يختلف عن الغربي.
العديد من محاولات الاتصال مع العقل الغربي تم إجهاضها، فعندما تولّى رفاعة الطهطاوي مهمة نقل الثقافة الغربية، في البعثات التي أرسلها محمد علي إلى أوروبا، حذر من الثقة المطلقة في العقلانية لأنها قد تعارض الشريعة، إذ دعا إلى عدم تمثل هذه الثقافة، أيضا عندما ترجم المفكر اللبناني فرح أنطون كتاب ابن رشد وفلسفته، دار حوار بين الشيخ محمد عبده وفرح أنطون وقال الأول إن الفصل بين الدين والدولة أمر محال، والشيخ علي عبدالرازق عندما أسس لفكر تنويري في كتابه “الإسلام وأصول الحكم”، أصدرت هيئة كبار العلماء قرارا بإدانته وإخراجه من زمرة العلماء، لأنه أنكر الخلافة الإسلامية.وأعتقد أن الاتصال بين العقل العربي والغربي يتحقق من خلال الربط بين الثقافات، وكان لطه حسين تجربة في هذا الإطار، في كتابه “مستقبل الثقافة في مصر، ارتأى أنّ ثمة علاقة بين الثقافة في مصر وحوض البحر المتوسط.
- ما أبرز المشاكل التي تواجه التيارات الفكرية الراهنة في العالم العربي؟ وهل تظن أن الفكر العربي دخل في غيبوبة وما السبب في ذلك وما سبل الإصلاح والعلاج والتجاوز؟
التيارات الفكرية جميعها تعاني من سيطرة المحرمات الثقافية عليها، واغتيال العقل الناقد والاكتفاء بحرفية النص الديني وعدم إعمال العقل في النص الديني، البلدان العربية كلها مفككة وفي حالة مزرية، عدا مصر متماسكة نسبيًا، والإصلاح يكون بالتغلب على أوجه القصور السابقة.
تطوير اللغة
- كيف تنظر إلى اللغة العربية اليوم، وهل تظن أنها لا تزال قادرة على إنتاج المصطلح واستيعاب المصطلحات التي تنتجها اللغات الفاعلة في العالم، هناك من يرى أنها باتت في حالة جمود؟
اللغة العربية تعاني من التدهور، وتدهورها يؤدي إلى تدهور العقل، فاللغة عامل تكامل مع الفكر، وتدهورها يؤدي إلى تفسّخ العلاقة، فهناك حالة من عدم الدقة في استخدام الألفاظ، وعدم وجود استعداد للربط بين الأفكار لتكون العبارة منطقية.
- هل تعتقد أن جمود اللغة العربية بات يشكل عائقا أمام تطور العرب، وأنها تحتاج إلى ثورة إصلاحية واسعة تجعل منها أداة وكيانا منفتحاً على معاني الحداثة وما بعدها ليتمكن العرب بواسطة لغة عربية جديدة من إنتاج فكر جديد وبناء وعي جديد، ليمكننا أن نملك الأداة الفكرية في السعي نحو مستقبل عربي جديد؟
لا مناص عن تطوير اللغة العربية، وذلك يأتي بتقليل كميّة قواعد اللغة إلى ما لا يزيد عن سبع قواعد، وإتقان اختيار الألفاظ المعبرة عن المعنى المقصود بوضوح، فضلًا عن ضرورة الربط بين اللفظ والمعني، وعدم استخدام لفظ دون وعي بمعناه، ففصل الألفاظ عن المعاني يؤدي إلى مزيد من التدهور.
-هل تظن أن “الرأسمالية الطفيلية” لعبت دورا حاسما في التأسيس للأصولية الدينية، إذن، من أين يجب أن يبدأ العمل الفكري في مواجهة الأصولية الدينية المدمرة للمجتمعات، في ظل هيمنة الرأسمالية الطفيلية على الكثير من المجتمعات العربية؟
في عام 1976، جاءتني دعوة من جامعة هارفارد لإقامة حوار مع عدد من الأساتذة بها، قلت لأحدهم لقد ساهمتم في إنعاش الأصولية الدينية والرأسمالية الطفيلية، وظننت أنه سينفعل وينفي، لكنه قال لي إنها مقصودة حتى ندمر القطاع العام لينشأ القطاع الخاص، فرددت عليه بأن ذلك سيفرز قيما طفيلية تساهم في سقوط الدولة. الفرق بين المفكر والفيلسوف يكون في نقطة ترابط الأفكار ووجود نسق للأفكار، المفكر لديه أفكار غير مترابطة، لكن الفيلسوف لديه أفكار لها نسق
وتأججت العلاقة بين الرأسمالية والأصولية في عصر الرئيس المصري الراحل أنور السادات، الذي تبنى سياسات الانفتاح، وشاع القول بين الناس بأن عصر السادات هو الأنسب للكسب والتربح، وكانت معارضتي لنظام السادات الاقتصادي الذي أفرز تخلفًا سببه وجود علاقة عضوية بين الأصولية الدينية والرأسمالية الطفيلية، سببًا في فصلي من الجامعة، بعد أن وصل تقرير أمني له كتب فيه “إنني أخطر أستاذ جامعي في مصر على هذا النظام”.
رؤيا مستقبلية
- كيف يمكن النظر إلى التراث والأديان في ضوء الرؤية المستقبلية التي تطرحها؟
نحن بحاجة إلى إصلاح ديني للتخلّص من السلطة الدينية، وإلى التنوير للتحرّر من كل سلطة عدا سلطان العقل، ومن ثمة يبدأ العقل في التفكير بحرية، ولكن ذلك يواجه دائمًا بالقمع، إذ تم قتل الشيخ محمد عبده حينما تحدث عن الإصلاح الديني، وقتل فرج فودة عندما طالب بالتنوير.
في ضوء الرؤية المستقبلية، أنظر إلى التراث انطلاقًا من المستقبل، فالتراث ماض كان في أساسه رؤية مستقبلية، أبدأ بالمستقبل ثم الحاضر ثم الماضي، تحقيق الرؤية المستقبلية في الواقع وبعد ذلك تتحول إلى تراث، وبالتالي فهم التراث يأتي من خلال فهم الفكرة المستقبلية، الأفكار المستقبلية تطبق ثم ترحل إلى الماضي، ومن ثمة لا بد من التشبث بالرؤية المستقبلية وليس بالتراث، والنظر في التجارب التراثية والاستفادة منها، وهو ما يعني عدم وجود مقدّس في التراث لأنها تجاوزت الواقع ورحلت إلى الماضي، يجب أن نخرج من حالة تقديس التراث لنكتفي بالنظر في الرؤية المستقبلية التي شكّلته.
الحضارة الفرعونية على سبيل المثال كانت رؤيتها المستقبلية منطلقة من فكرة عودة الروح، ومن ثمة كانت الهندسة ضرورة لبناء المقابر، والتحنيط للحفاظ على الجثث، وغيرها من التراث الفرعوني، أما في الحضارة الإغريقية فكانت متعلقة بتحليل الطبيعة ومكوناتها لبناء الحضارة.
- كيف يمكن تخليص الثقافات العربية من العنف المقدس الذي اجتاحها؟
تخليص الثقافات العربية من العنف المقدس يتطلب في البداية عدم تقديس للتراث، بمعرفة أن التراث كان رؤية مستقبلية، ومن ثمة التركيز على النظر في الرؤى المستقبلية التي انطلق منها، المقدس يعني أننا عزلناه عن الزمن وأصبح مطلقًا.الالتزام بالمقدّسات يمنع عمل العقل الناقد، ومن ثمة يتطلب إعمال العقل الناقد نقدا للثابت والمقدس، فنحن بحاجة إلى حركة ثقافية لا تجعل من المقدس مانعًا من ممارسة العقل، فلا بد من عزل المقدس عن العقل الناقد وعدم إلزام الآخرين بتبني نفس المعتقدات.
- كيف يمكن إنتاج الفنون البسيط منها أو المعقد في ظل غياب الخيال، الذي بدا مقموعًا تمامًا في تربيتنا العربية، وبالتالي كيف ستبدع المجتمعات والأجيال في ظل فقر الخيال؟
تعريفي للإبداع هو قدرة العقل على تكوين علاقات جديدة من أجل تغيير الواقع، هذا التعريف فيه عنصران: عنصر الجدة وعنصر تغيير الواقع، وبالتالي أيّ إنتاج من المفترض أن يكون هدفه تغيير الواقع، وهنا أسأل هل الفنون تغيّر الواقع؟ التماثيل مثل تمثال نهضة مصر.. هل غير شيئًا في الواقع؟ لم يحدث تغييرا في الواقع، فنحن في حالة تخلّف، وفي حالة قدرة الفنون على التعبير عن الواقع لا يوجد خيال أيضا، الفنّ لا يوظف في تغيير الواقع، في الثورات ترفع الكتب الفكرية وليس اللوحات.
تحليل الفنون عن طريق الثورة العلمية الإلكترونية يغني عن الخيال ويثبت عدم جدواه، أعطوا لإنسان آلي مجموعة من القواعد لكتابة الشعر، فوجدوا أنه أنتج شعرًا جيدًا، قاموا بتحليل العاطفة والوصول إلى برنامج رياضي بالأرقام ، العاطفة والخيال غير موجودين، وتحولت إلى معادلة رياضية، كل العواطف في طريقها إلى الزوال.
مصير الفلسفة
- اختفى الطراز الكلاسيكي من الحكام العرب ممن كان يؤمن مع أفلاطون بضرورة أن يكون الحاكم فيلسوفًا، وتبريره ذلك بقدرته على حلّ المشكلات، ولكن أيّ طراز من الحكام العرب يحتاج المجتمع العربي حتى تصلح أحواله وتتحقق للأفراد والجماعات الأدوار والمكانات التي يستحقونها؟
كل ثورة استطاعت أن تصنع تغييرًا جذريًا كان فيها فلاسفة استطاعوا أن يسلموا فلسفتهم ورؤيتهم للحاكم الذي سيتولى عملية التغيير والتنفيذ، الفلاسفة يعطون الرؤية المستقبلية للحاكم لينفذها، ومن ثم المطلوب هو حاكم متفهم لدور الفلسفة أو الرؤية المستقبلية التي تطرحها، وهذا حدث مع الاسكندر الأكبر الذي تعلم من أرسطو.
لا أعتقد أن ذلك وارد حدوثه في الوقت الراهن، فالثورة الإلكترونية غيرت مفاهيم كثيرة في تسريعها للزمن، والفيلسوف الذي لديه القدرة على مواكبة هذه الثورة غير موجود.
- إذن جاءت كتابتك “قصة الفلسفة” بشكل بسيط ومختصر استجابة لهذه الثورة الإلكترونية.
نعم، فالناس لم يعد لديهم الوقت الكافي لقراءة الكتب والمجلدات الضخمة، في كتاب “قصة الفلسفة” اختصرت تاريخ الفكر في صفحات قليلة، وطبعت منه ستون ألف نسخة، في حين لم يتجاوز عدد النسخ المطبوعة من المؤلفات الكبيرة مثل “المذهب في فلسفة برجسون” و”المذهب عند كانط” ستة آلاف نسخة.
- في ظل الحاجة الملحة إلى التنوير وإعمال العقل لتأسيس العقل الناقد، لا نجد فلاسفة عرباً أو ما يمكن أن نطلق عليه “فلسفة عربية”.. إلام تعزو هذا الغياب؟ وكيف يمكن الخروج من هذا المأزق؟
يرجع ذلك لغياب العقل الناقد ووجود هوة في الفصل بين الحضارة العربية والغربية والوهم بأن الحضارة الغربية استعمارية، فضلًا عن غياب الهوية وخلوّ العالم الثالث من العلمانية التي تؤسس لفكر ناقد ومجتمع تنويري.الخروج من هذا المأزق يأتي بإعمال العقل الناقد، والقضاء على الأصوليات الدينية، وتطبيق العلمانية التي تعد المخرج الوحيد من هيمنة التيارات الأصولية.
- من هم الفلاسفة العرب اليوم في نظرك، وما هو الفرق بين الفيلسوف والمفكر، هناك خلط في الصفات والمصطلحات عربيا، أم أن هناك تداخلا في الثقافة العربية بين المصطلحين وهو ما يصنع التشويش؟
الفرق بين المفكر والفيلسوف يكون في نقطة ترابط الأفكار ووجود نسق للأفكار، المفكر لديه أفكار غير مترابطة، لكن الفيلسوف لديه أفكار لها نسق، النسق فكرة محورية تنشأ عنها أفكار أخرى مرتبطة بها، لتشكل نسقًا في النهاية، وبالتالي في الوقت الراهن لدينا مفكرون وليس لدينا فلاسفة.
- في ظل ارتفاع نسب الإلحاد في العالم العربي، ثمة علاقة متوترة باتت ظاهرة للعيان بين الإيمان وإعمال العقل؟ هل هذه الصورة حقيقية أم زائفة؟
في القرآن الكريم آية تقول “من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر”، وبالتالي فالحرية مكفولة للإيمان أو الكفر، المهم هو امتلاك أسباب للإيمان أو الإلحاد، هناك من يؤمن ليتعقل، وهناك من يقول أؤمن لأنه غير معقول، الجميع له حرية الاعتقاد، والإلحاد ظاهرة طبيعية. الإيمان أو الإلحاد يتعلقان بتعدد الرؤى لمفهوم الله، ومن ثمة يكون المؤمن أو الملحد هو من لديه مفهوم ما عن الله. ولا أحد في إمكانه الزعم بأنه يمتلك المفهوم المطلق عن الله إلا إذا كان أصوليًا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.