تقول الأساطير اليهودية إنّ أحد الملوك نظّم مسابقة بين وزرائه لإختيار من سيتولّى الوزارة الأولى ، وكانت المسابقة طريفة إذ يحضر كلّ وزير ديكا من بيته ويلقي به في حلبة الصراع مع الدّيوك الأخرى ، وصاحب الدّيك الفائز هو الذي سيفوز بلقب الوزير الأكبر ... وفي اليوم الموعود أحضر كلّ وزير ديكه وكانت الدّيوك التي أحضروها سمينة ضخمة شرسة كأنها نسور وحشيّة إلاّ ديكا واحدا كان هزيلا ضعيفا لا يقوى على الحركة وهو الدّيك الذي جلبه الوزير اليهودي في البلاط الملكي ... وهو الأمر الذي أطلق موجة هستيرية من الضّحك في كامل أرجاء الحلبة وعرّض الوزير اليهودي للسخرية والإستهزاء من باقي الوزراء وسائر المتفرّجين ... وسرعان ما أعلن الملك عن بداية المسابقة ، فألقى كلّ وزير بديكه في قلب حلبة الصراع ، وحين بدأت المعركة الشرسة بين الدّيوك إختفى ديك اليهودي في إحدى الزوايا بينما تصارع باقي الديوك حتى الموت فقتلوا بعضهم بعضا والذي بقي منهم حيّا لم يعد يقوى على الحركة بسبب الجروح القاتلة والنزيف المستمرّ لدمه ... عند ذلك خرج ديك اليهودي من جحره ووقف على جثث باقي الديوك معلنا إنتصاره بدون أن يفقد قطرة دم واحدة ... وبهذا فاز الوزير اليهودي بلقب الوزير الأكبر .... ولعلّ ما يحصل في بلادنا لا يختلف كثيرا عمّا حصل في الأسطورة إذ يكون الفائزون دوما هم أكثر الناس هدوءا فلا تسمع لهم صوتا ولا تعرف لهم فعلا ولا تلمس منهم إعتراضا ولا ترى لهم مشاركة بالسلب أو بالإيجاب أثناء التوافق وأثناء الخلاف والإختلاف وحرب الأعصاب ... يقف هؤلاء مسمّرون في أماكنهم كالجماد لا يتحرّكون ولو زلزلت الأرض من تحت أقدامهم ، وكلّما تحدّث غيرهم حرّكوا رؤوسهم بالمصادقة والمباركة حتى ولو كان بين الحديث والحديث تناقضا وتباينا ، فيعتقد كلّ واحد من المتحدّثين أنّ له نصيرا مضمونا بين الصّامتين ... وحين يشتدّ الخلاف بين الأحلاف ، ويصبح العنف سيّد الموقف ويتطوّر الى تصفية دمويّة بين الخصوم من الأغبياء والأجلاف ، يقف السياسيّون المنعوتون بالضّعاف أماكنهم على الضّفاف ، فلا يضربون ولا يركلون ولا تطالهم شضايا الحرب الدّائرة بين الأقوياء ، لأنّهم في عداد الأصدقاء بالنسبة لكلّ طرف من الأطراف ... تنتهي المعارك عادة بمقتل كلّ زعيم أو بالتّحكيم بين الخصيم والخصيم ، فيكون السياسيّ الذّميم مؤهّلا لكي يلعب دور المحايد الحكيم ... وهكذا يرتقي في سلّم القيادة من كان الى وقت قريب يخفي رأسه تحت الوسادة كي لا يشارك برأي أو فعل في المعركة التي دارت رحاها من أجل الرّيادة ...