أوكرانيا تطالب روسيا بتعويضات مناخية بقيمة 43 مليار دولار في كوب 30    ترامب: جميع دول العالم ترغب في الانضمام إلى مجلس السلام حول غزة    بحضور ماسك ورونالدو، ترامب يقيم عشاء رسميا لولي العهد السعودي (فيديو)    ترتيب الدوري الإيطالي قبل انطلاق الجولة القادمة    شبانة: الأهلي أغلق باب العودة أمام كهربا نهائيًا    نمو الطلب على السلع المصنعة في أمريكا خلال أغسطس    "الوطنية للانتخابات": إلغاء نتائج 19 دائرة سببه مخالفات جوهرية أثرت على إرادة الناخب    "النواب" و"الشيوخ" الأمريكي يصوتان لصالح الإفراج عن ملفات إبستين    فرحات: رسائل السيسي ترسم ملامح برلمان مسؤول يدعم الدولة    شمال سيناء تنهي استعداداتها لانتخابات مجلس النواب 2025    النيابة العامة تُحوِّل المضبوطات الذهبية إلى احتياطي إستراتيجي للدولة    أقرب إلى الخلع، وزير الآثار الأسبق يكشف مفاجآت عن وثيقة الجواز والطلاق في عصر الفراعنة    انقلاب جرار صيانة في محطة التوفيقية بالبحيرة.. وتوقف حركة القطارات    نشأت الديهي: لا تختاروا مرشحي الانتخابات على أساس المال    مصرع شاب وإصابة اثنين آخرين في انقلاب سيارتي تريلا بصحراوي الأقصر    ما هي أكثر الأمراض النفسية انتشارًا بين الأطفال في مصر؟.. التفاصيل الكاملة عن الاضطرابات النفسية داخل مستشفيات الصحة النفسية    مصرع شاب وإصابة اثنين في انقلاب سيارتي تريلا بالأقصر    إحالة مخالفات جمعية منتجي الأرز والقمح للنيابة العامة.. وزير الزراعة يكشف حجم التجاوزات وخطة الإصلاح    النائب العام يؤكد قدرة مؤسسات الدولة على تحويل الأصول الراكدة لقيمة اقتصادية فاعلة.. فيديو    في ذكرى رحيله.. أبرز أعمال مارسيل بروست التي استكشفت الزمن والذاكرة والهوية وطبيعة الإنسان    معرض «الأبد هو الآن» يضيء أهرامات الجيزة بليلة عالمية تجمع رموز الفن والثقافة    أبرزهم أحمد مجدي ومريم الخشت.. نجوم الفن يتألقون في العرض العالمي لفيلم «بنات الباشا»    سويسرا تلحق بركب المتأهلين لكأس العالم 2026    جميع المنتخبات المتأهلة إلى كأس العالم 2026    شجار جماعي.. حادثة عنف بين جنود الجيش الإسرائيلي ووقوع إصابات    قوات الاحتلال تطرد عائلة الشهيد صبارنة من منزلها وتغلقه    وزير الدفاع الروسي: قوات الصواريخ والمدفعية تلعب الدور الحاسم في تدمير العدو    حبس المتهمين في واقعة إصابة طبيب بطلق ناري في قنا    إنهاء تعاقد مُعلم في نجع حمادي بتهمة التعدي على تلميذ    عاجل مستشار التحول الرقمي: ليس كل التطبيقات آمنة وأحذر من استخدام تطبيقات الزواج الإلكترونية الأجنبية    أحمد موسى: الرئيس دائمًا يؤكد قيمة الوحدة الوطنية.. ودعم البوتاجاز مثال على اهتمام الدولة    الأحزاب تتوحد خلف شعار النزاهة والشفافية.. بيان رئاسي يهز المشهد الانتخابي    وزارة الاتصالات تنفذ برامج تدريبية متخصصة في الأمن السيبراني على مستوى 14 محافظة    آسر نجل الراحل محمد صبري: أعشق الزمالك.. وأتمنى أن أرى شقيقتي رولا أفضل مذيعة    أسامة كمال: الجلوس دون تطوير لم يعد مقبولًا في زمن التكنولوجيا المتسارعة    دينا محمد صبري: كنت أريد لعب كرة القدم منذ صغري.. وكان حلم والدي أن أكون مهندسة    الفنانون يدعمون تامر حسنى فى أزمته الصحية.. هنا الزاهد ودياب: تقوم بالسلامة    أحمد الشناوي: الفار أنقذ الحكام    زيورخ السويسري يرد على المفاوضات مع لاعب الزمالك    تحريات لكشف ملابسات العثور على جثة شخص في الطالبية    أحمد فؤاد ل مصطفى محمد: عُد للدورى المصرى قبل أن يتجاوزك الزمن    جامعة طيبة التكنولوجية بالأقصر تطلق مؤتمرها الرابع لشباب التكنولوجيين منتصف ديسمبر    فضيحة الفساد في كييف تُسقط محادثات ويتكوف ويرماك في تركيا    مشروبات طبيعية تساعد على النوم العميق للأطفال    وزير المالية: مبادرة جديدة لدعم ريادة الأعمال وتوسيع نظام الضريبة المبسطة وحوافز لأول 100 ألف مسجل    فيلم وهم ل سميرة غزال وفرح طارق ضمن قائمة أفلام الطلبة فى مهرجان الفيوم    طيران الإمارات يطلب 65 طائرة إضافية من بوينغ 777X بقيمة 38 مليار دولار خلال معرض دبي للطيران 2025    «مصر العليا للكهرباء»: 4.3 مليار جنيه مشروعات للغير وفائض تشغيل كبير    مديرة وحدة علاج الاضطرابات النفسية تحذر من الآثار السلبية للتنمر على نفسية الطفل    هيئة الدواء: نعتزم ضخ 150 ألف عبوة من عقار الديجوكسين لعلاج أمراض القلب خلال الفترة المقبلة    "تعليم القاهرة" تشدد على أهمية تطبيق لائحة التحفيز التربوي والانضباط المدرسي    داعية: حديث "اغتنم خمسًا قبل خمس" رسالة ربانية لإدارة العمر والوقت(فيديو)    هل يجوز أداء العشاء قبل الفجر لمن ينام مبكرًا؟.. أمين الفتوى يجيب    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 18نوفمبر 2025 فى المنيا....اعرف صلاتك    الشيخ رمضان عبد المعز يبرز الجمال القرآني في سورة الأنبياء    التنسيقية تنظم رابع صالون سياسي للتعريف ببرامج المرشحين بالمرحلة الثانية لانتخابات النواب    الملتقى الفقهي بالجامع الأزهر: مقارنة المهور هي الوقود الذي يشعل نيران التكلفة في الزواج    كيف يحدث هبوط سكر الدم دون الإصابة بمرض السكري؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



موتوا بالمليون ... لا تموتوا بالتقسيط
نشر في صوت البلد يوم 28 - 08 - 2011

هذا المنطق البئيس ليس منطق طاغية ليبيا وحده،في لحظات نظامه الأخيرة،بل هو منطق كل الطغاة على مر التاريخ.يتساوى في ذلك من سقط منهم ومن لم يسقط،من كانت نهايته مأساوية ومن كانت نهايته محمولا على أكتاف الرجال.
لكن يبدو أن أكثر الطغاة غباوة وجبنا وصلفا هم الطغاة العرب،فلكثرة ما أدمنوا الطغيان،ولكثرة ما استعبدوا شعوبهم،ولأنهم يستندون إلى تاريخ طويل من التسلط والقهر والتجبر،فإنهم عميت أبصارهم بل وانطمست بصائرهم،وهم الذين لطالما مدحوا أنفسهم،وسولوا لأزلامهم أن يضفوا عليهم كل أوصاف الكمال والحكمة والرؤية الثاقبة.
في خطاباته الأولى يوم ثار أبناء الشعب الليبي،كان هذا المعتوه القذافي يرد بخطابات طويلة ممجوجة،يركز فيها على أنه القائد الضرورة،والزعيم الملهم، والمجد الخالد،وأن الملايين سوف تزحف على ليبيا من كل شعوب العالم،كي تصد ثورة "الجرذان" وتقف لهم بالمرصاد،فداءً للعقيد ولأبنائه الذين تجري الدماء الملكية الزرقاء في عروقهم.فلا بأس أن تخرب كل ليبيا ويستوي بنيانها بالأرض،وتعود قرونا طويلة للوراء،فقط كي يثبت القائد نظريته الثالثة ويحقق أحلامه البئيسة،بوصفه ملك الملوك،وعميد القادة،والحكيم الذي ينطق جوهرا ويكتب صفحات تشع نورا في تاريخ الإنسانية.
والذي يعرف الرجل، ويعرف تاريخه ومغامراته الطائشة التي تشبه مغامرات قطاع الطرق وعتاة المجرمين،ولا صلة لها بما ينبغي أن يتوفر في حاكم البلد ،من عقل وبصيرة ورؤية بعيدة وقدرة على حل المشاكل بالطرق الدملوماسية ،لتجنيب الشعب والإنسانية كلها ويلات الحروب والعمليات الإرهابية.إن من كانت له معرفة ولو بسيطة بتاريخ هذا المأفون، يعرف يقينا أن عنترياته وصولاته وهلوساته،هي كل ما يملك وقد حوصر من كل الجهات.ولأن القانون الذي أرساه الشاعر الحكيم يقول :
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله وأخو الجهالة في الشقوة ينعم
فإن أخا الجهالة في ليبيا ظن جهالته منتهى العبقرية،وغباءه منتهى التفوق،وهلوسته عينَ الحكمة.فصار يحث الشعب على أن يرقصوا ويطربوا حتى والموت يتخطفهم من كل جانب،والنار تصب فوق جسد وطن بامتداد ليبيا .وللإنصاف ربما تكون كلمات الحاكم الجاهل في حق أبناء شعبه أكثر وقعا وإحراقا من كل نار أخرى.فكيف حين تكون سخرية مريرة،وعبثا مأساويا:أيرقص من وطنه خطف بيد عصابة مجنونة 42 سنة ؟ وهل يطرب من يرى مقومات أمته تدكها الطائرات والصواريخ ؟ وكيف يهنأ من يرى مجنونا ولغ في دماء الشعب ويأبى إلا أن يريق مزيدا من الدماء الطاهرة فقط كي يرضي غروره وصلفه ووقاحته ؟
لم يرقص أبناء ليبيا على أشلاء إخوانهم،ولم يركنوا إلى أن يستدفئوا بالنار التي تحرق ليبيا ... بل ثاروا جميعا لاسترداد كرامتهم،وحاولوا جهدهم أن يوقفوا نزيف الوطن،واحتراق البلد،بكل الوسائل المتاحة لديهم.لأنهم كانوا يعرفون أن من قتل الأبرياء بدم بارد،لن يرحم من ثاروا ضده.
وحين جد الجد،وأصبحت النيران قريبة من تلابيب عباءته،ورأى الموت يغازله من كل جانب،لم يقرأ الصفحات الجديدة التي تكتب في تاريخ ليبيا الجديدة بعين البصير وعقل الحكيم ورؤية الخبير... واصل المعتوه جنونه وركب رأسه المليء بالأوهام،فمادام الموت مصيره ،وفي أحسن الأحوال الموت البطيء،فإن الشعب لا يستحق من بعده الحياة.إن الشعب مطالب بفداء الزعيم،بقضه وقضيضه،بشبابه وشيبه،برجاله ونسائه،بشرقه الثائر وغربه المناور،بمعارضيه ومؤيديه،ولا يحل لهذا الشعب أن يفعل ذلك طواعية،ولا حتى وفق تسلسل زمني معين،بحيث يموت العشرات،ثم المئات،فالآلاف إن اقتضى الحال.
لا ...الشعب مطالب أن يسخر من لعبة الموت بالتقسيط كي يقبل على الموت بالجملة.فلا يشفي غليل القائد،ولا يرضي غرور الزعيم،ولا يطفيء نار حقده،إلا إقبال الجحافل بالملايين كي تموت.
يأبى الطغاة الرحيل قبل أن يشعلوا الوطن ويَغرقوا في بحر الدماء...يعتقدون أنهم آلهة مخلدون وفي أحسن الأحوال أنصاف آلهة أو أنبياء وقديسون.كلامهم جوهر ،وباعُهم في العلم والشجاعة من كل باع أكبر.ولذلك شاهدنا كيف بقي طاغية ليبيا جلفا صلفا وقحا،لا يتوقف عن ترديد أساطيره.وحين جد الجد وحم القضاء،خطب من "اللامكان" في الليبيين يحرضهم أن يموتوا بالملايين دفعة واحدة،لأن هذا الموت وحده سبيلهم للكرامة وطرد "الاستعمار" وطبعا استرداد المجد،الذي لا يمكن أن يتجسد إلا في شخصه هو.
لماذا يصر الطواغيت على الاستهانة بشعوبهم حتى وهم في أحرج اللحظات وأكثرها خطورة؟
إنه الداء الوبيل،والمرض الخطير الذي أصاب هذه الأمة حين تسلط عليها شرار الخلق وأكثر الانتهازيين وصولية،وأكبر الجبناء دموية.ففي منطق هؤلاء،يجدر بمن يريد أن يفهم ما يجري ويدور،أن يتشبث ،وكل قواه العقلية شغالة، ب "اللامنطق ليس هذا لعبا بالكلام مني،بل هو أسهل طريقة للتماسك وضبط النفس أمام هول ووقع هذه الخطابات البئيسة التي سئمناها ومللناها وكرهناها... والحمد لله ها نحن اليوم رميناها.
رميناها لأننا نحترم عقولنا، ونقدر إرادتنا ، ونحس أننا كباقي خلق الله لنا كرامة وحريتنا فوق كل اعتبار.فلا يعقل إذا أن نصدق، أو يطوف بعقل سليم أن يؤمن بما يسمعه من المتسلطين وهم في ورطتهم الأخيرة.
هل يعقل أن يموت الملايين من أجل فرد حتى ولو كان قديسا طاهرا ؟
هل يصح في الأذهان شيء إذا صدق عقل ،مهما كانت درجة خبله وحمقه،أن من قهر الشعب على طول نصف قرن من الزمن تقريبا سيهب الشعب المغلوب على أمره طوال هذه المدة،عن بكرة أبيه،كي يفديه بالروح والدم وفاء ومكافأة له على ما اقترفت يداه الآثمتان ولسانه المتسلط ضد الشعب قاطبة ؟
ما كان للجرذان أن تحمي بطلا شريفا ، وما كان للكلاب الضالة أن تذود عن حياض أسد هصور.هذا بمنطقه هو ...فبإمكانه اليوم أن يحرك الملايين من خارج ليبيا ليحققوا كل أحلامه وكل أوهامه.
أما بمنطقنا الذي يُعلي من شأن الكرامة والحرية والعدالة،أو حتى ب"لامنطقنا" في أكثر مستويات تخبطنا ضحالة،فإن المجنون رُفع عنه القلم حين يلتزم حدود جنونه،وإن المجرم قد يعذره المجتمع إذ يتأكد أنه ضحية من ضحاياه،حتى البغي تُلتمس لها الأعذار ،إذ تكون مرغمة على أن تبيع شيئا منها، مقابل حفنة دراهم تدفع بها غائلة الجوع وبعضا من نوائب الزمان.
لكن المستبد الواقع تحت تخدير جنون عظمته،والمجرم الذي يصر على أن ينفذ كل مخططاته،والقاتل الذي لم يسجل التاريخ ولو موقفا إنسانيا له تجاه من خالفوه وجهة نظره ... إن من كان هذا حاله في البدء وحتى النهاية...فما عليكم إلا أن ترضوا بالموت مليون مرة ولا ترضوا أبدا أن يخدعكم مرة واحدة،أو تسمحوا لمن هو على شاكلته أن يحكمكم حتى في أكثر السيناريوهات خيالا أو سوداوية.
لقد احترقت آخر ورقة في كتاب التسلط والتعنت والطغيان.
اقلبوا صفحة جديدة ناصعة البياض..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.