أن إن الغزو الثقافي هو محاولة هز القيم الثقافية و المعتقدات الأساسية للأمم والحضارات ,، ومحاولة تغييرها أو على الأقل العمل على تشويها و التشكيك فيها ,، كما أن من خلال وعينا و تفهمنا لمفهوم هذا الغزو يتضح أن عملية الغزو الثقافي عملية منظمة بدرجة كبيرة ,, و ان هدفها كبير جدا و هو العمل على إخضاع الأمة المستهدفة في تبعية الدولة الغازية ثقافيا و التي في العادة تملك العتاد الإعلامي الضخم و البناء الحضاري ,, و يذهب كثير من العامة و غيرهم بعيدا جدا عندما يفهمون أن التحذير من الغزو الثقافي يعني تحذيرا من الانفتاح الثقافي و الحوار الثقافي إذ أن ثمة فروق واضحة بين التفاعل الثقافي والغزو الثقافي ,, فالتفاعل الثقافي أن ندرس ثقافات الآخرين ومعتقداتهم ,, و نميز بين الغث والسمين منه ,، وبين المتناغم مع الثقافة الخاصة بنا وأقصد الإسلامية و المتناقض معها ,، وبالتالي أستفيد من النتاجات الثقافية المتناغمة مع الثقافية الدينية الأصيلة ,, وأترك زبد البحر المتمثل في الثقافية البعيدة عن التعاليم السماوية ,, أما الغزو الثقافي فهو أن أقوم بدور متلقي للثقافة و ربما مروجها بدون تمييز الغث والسمين منها ,، وربما يعود ذلك لبريق الشعارات المستخدمة في ترويج الثقافة الغازية و التي باتت في هذا الزمان تقود الكثير من وربما أيضا لقوة الآلة الإعلامية التي تقوم بنشر هذه الثقافة ,، و لا أنسى أن من أهم رواج الثقافة الغازية هي أن الناس - كما يقول الحديث أو المثل - على دين ملوكهم !! و ثمة فرق آخر هو أن التفاعل والانفتاح الثقافي يكون بين الأمم المتحالفة و الصديقة أو على الأقل غير المتعادية ,، بينما يكون الغزو الثقافي بين الدول المتعادية ,، بين الدول المستكبرة والدول النامية ,، بين الدول القوية والدول الضعيفة . كما أن التفاعل يعني أن نأخذ ونعطي ,، لا أن نأخذ ونستورد ولا نعطي كما هو الغزو الثقافي . و من هذا المنطلق يتساءل كثير من المهتمين و الدارسين و الباحثين لماذا نقف عاجزين مكتوفي الأيدي أمام الغزو الثقافي؟ولماذا نتبع الغرب في كل شي؟، وكيف نواجه من يسعى إلى إلغاء هويتنا؟" و في يقيني و اعتقادي إن الإجابة عن هذه التساؤلات جميعا ، أو التصدي لظاهرة الغزو الثقافي لبلادنا و أمتنا يتطلب من في البداية قبل أي شيء آخر الوعي و التنبه إلى دوافع هذا الغزو ، و كذلك إلى فهم و استجلاء الآثار التي خلفها هذا الغزو على مجتمعاتنا و في حياتنا ... 1 دوافع الغزو الثقافي : إذا كان الغزو الثقافي يسعى إلى اجتثاث أصول ثقافة ومعتقدات أمة ما والقضاء عليها أو النظر إليها كثقافة ومعتقدات هامشية "لامركزية" في مقابل اعتبار الثقافة والمعتقدات البديلة هي المركزية الوحيدة المؤهلة وذلك من أجل تحقيق أهدافها، ووضع تلك الأمة في إطار تبعيتها" . فقد ثبت ان أسباب الغزو الثقافي ودوافعه تتمثل "بإشاعة الانحلال الأخلاقي والاجتماعي، وإعاقة النهضة الإسلامية، والسيطرة على عقول الجيل الناشئ، والسيطرة على ثروات العالم. الخوف من سيادة المنهج الآخر، والنيل من ماضي الأمة وتشويهها، وتعطيل الوجدان الديني والحسي، وإثارة علامات الاستفهام بشأن العقائد الإسلامية أو بكلمة أدق إثارة الشكوك و الشبهات حول أحكام الدين الحنيف و عقائده .. سلب عقول الشباب المسلم و قطعهم عن جذورهم الإسلامية و العربية 2 أثار الغزو الثقافي : مما لا شك فيه أن الغزو الثقافي خلف الكثير من الأثار السلبية على مجتمعاتنا و أمتنا و قيمنا و أفكارنا و واقعنا المعاش ... و في مقدمتها حالة التخلف و التجزئة بين الأقطار الإسلامية و العربية ... و كذلك التباعد و التنافر بين الشعوب الإسلامية على اختلاف لغاتها و ألوانها و انتمائاتها و الذي يهمنا و يعنينا هنا آثاره على الأخلاق و الأجيال الإسلامية التي تشكل نواة المستقبل ..! أقول : إن الغزو الثقافي الغربي غزا العقول و الأفكار و الأخلاق و القيم و العادات و التقاليد بقصد خلق جيل جديد يتنازل عن عروبته و إسلامه ، و الحديث عن آثار ذلك له شجون و آلام يطول فيها الكلام و لكن للإستشهاد على ذلك ننوه إلى ما نشرته جريدة الوسط البحرينية (37) بأن جمعية أصدقاء الناشئة البحرينية أقامت ورشة عمل ثقافية في سبيل مواجهة الغزو الثقافي و مقاومة آثاره ، فأكد المحاضرون خلال هذه الورشة .. أن الغزو الثقافي خلف الكثير من الآثار السلبية (37) الوسط تاريخ 14/8/ 2003 – على مجتمعاتنا الإسلامية كإشاعة الشهوات والانحلال الخلقي الاجتماعي، والتأثير على العادات والتقاليد في المجتمعات الإسلامية، والتخلي عن القومية العربية، وتغيير المفاهيم الاجتماعية لدى الناشئ، والتشجيع على التعلم بالصورة الغربية، و تمييع ثقافة الشباب الملتزم بالإسلام وهدر طاقاتهم وتسفيه مواهبهم و تشويه السلوك الاجتماعي العام للمسلمين والاعتماد على المنتجات الغربية وانتشار البطالة وكثرة الجرائم ..الخ وأقر المشاركون في الورشة أن الغرب استطاع بنجاح منقطع النظير أن يشن هذه الحرب الثقافية المدمرة على مجتمعاتنا المحافظة؛ لكونه يمتلك الأساليب التقنية الحديثة التي يستطيع بها مخاطبة عقولنا، وبالتالي انصياعنا للقيم و المبادئ الزهيدة التي يؤمن بها دون سابق إنذار. في ضوء ذلك فإن المقصود من الغزو الثقافي هو عملية منظمة لاجتثاث الأصول الثقافية، وسلخ الأسس العقيدية والروحية لأمة ما، ومحاولة تهميشها والنظر إليها بريبة دائما، والتعامل معها على أساس علاقة التابع والمتبوع، في مقابل ثقافة سطحية يراد تعميمها على كل الأمم والحضارات الأخرى . بقلم : عبدالرزاق كيلو [email protected]