قتلى في تحطم طائرة مكسيكية بخليج جالفيستون بولاية تكساس (فيديو)    محدود دون إصابات.. التحقيقات تكشف تفاصيل حريق قاعة أفراح بأبو النمرس    "بسبب غاز السخان" النيابة تحقق في وفاة عروسين    إنعام محمد علي: التحضير لمسلسل أم كلثوم استغرق عامين.. واختيار صابرين كان مفاجأة للكل    الرئيس الفنزويلى: على ترامب أن يهتم بشؤون بلاده أكثر من فنزويلا    أمم أفريقيا 2025| بهذه الطريقة احتفل محمد صلاح ومرموش بالفوز على زيمبابوي    مرموش: هذا ما طالبنا به حسام حسن بين شوطي مباراة زيمبابوي    صندوق النقد يتوصل لاتفاق مع مصر بشأن المراجعتين الخامسة والسادسة    حددها القانون الجديد.. أماكن الحصول على شهادة قياس مستوى المهارة وترخيص مزاولة الحرفة    اليوم، بدء إعادة جثامين 14 مصريا ضحايا غرق مركب هجرة غير شرعية باليونان    حبس وغرامة ضخمة لهؤلاء.. سر المادة 70 من تعديلات قانون الكهرباء    إلهام شاهين تتصدر جوجل وتخطف قلوب جمهورها برسائل إنسانية وصور عفوية    زينة منصور تدخل سباق رمضان بدور مفصلي في «بيبو»... أمومة على حافة التشويق    هاني ميلاد: 70% زيادة في أسعار الذهب منذ بداية 2025.. والاضطرابات العالمية السبب    بيسكوف: لا أعرف ما الذي قصده فانس بكلمة "اختراق" في مفاوضات أوكرانيا    قائد الجيش الثاني الميداني: دورنا في عملية دعم وإدخال المساعدات لقطاع غزة كان حاسما منذ 7 أكتوبر    أجواء شديدة البرودة والصغرى 12 درجة.. الأرصاد تكشف حالة الطقس اليوم    بعد ارتدائها البدلة الحمراء.. محامي ضحية ابنتها ببورسعيد يكشف موعد تنفيذ حكم الإعدام في المتهمة (خاص)    حين تضطر أم لعرض أطفالها للتنازل: ماذا فعلت سياسات السيسي بالمصريين؟    مواطن يستغيث من رفض المستشفي الجامعي طفل حرارته عاليه دون شهادة ميلاده بالمنوفية    استشاري تغذية علاجية بالفيوم ل"أهل مصر": دودة الطماطم خطر صحي وآفة زراعية.. ولا علاقة لها بالقيمة الغذائية    مشروع قومى للغة العربية    نقابة أطباء الأسنان: أعداد الخريجين ارتفعت من 45 إلى 115 ألفا في 12 عاما فقط    «المستشفيات التعليمية» تعلن نجاح معهد الرمد والسمع في الحصول على اعتماد «جهار»    رئيس هيئة المستشفيات التعليمية يُكرّم مساعد وزير الصحة للمبادرات الرئاسية    مصرع شخص صدمته سيارة نقل أثناء استقلاله دراجة نارية فى المنوفية    استكمال الاختبار التجريبي لطلاب الصف الأول الثانوي على منصة كيريو في محافظات الجمهورية يوم 23 ديسمبر    المؤبد والمشدد 15 سنة ل 16 متهماً ب «خلية الهيكل الإدارى بالهرم»    أمم أفريقيا 2025| وائل القباني: منتخب الفراعنة قدم أداء جيدًا.. وهناك عيب وحيد    حسام حسن: حدث ما توقعته «صعبنا الأمور على أنفسنا أمام زيمبابوي»    شعبة الاتصالات: أسعار الهواتف سترتفع مطلع العام المقبل بسبب عجز الرامات    بالصور.. مدير محطة حدائق الأهرام بالخط الرابع للمترو: إنجاز 95% من الأعمال المدنية    فرقة سوهاج للفنون الشعبية تختتم فعاليات اليوم الثالث للمهرجان القومي للتحطيب بالأقصر    بالانتشار الميداني والربط الرقمي.. بورسعيد تنجح في إدارة انتخابات النواب    استغاثة عاجلة إلى محافظ جنوب سيناء والنائب العام    أمم إفريقيا - مؤتمر حسام حسن: كنت أحمل هم الجماهير في مصر.. وصلاح يصنع الفارق    حماية القلب وتعزيز المناعة.. فوائد تناول السبانخ    فولر ينصح شتيجن بمغادرة برشلونة حفاظا على فرصه في مونديال 2026    فلسطين.. إصابة ثلاثة مواطنين في هجوم للمستعمرين جنوب الخليل    ما هي أسباب عدم قبول طلب اللجوء إلى مصر؟.. القانون يجيب    القانون يضع ضوابط تقديم طلب اللجوء إلى مصر.. تفاصيل    ليفربول يحتفل بأول أهداف محمد صلاح مع منتخب مصر فى كأس أمم أفريقيا    القصة الكاملة لمفاوضات برشلونة مع الأهلي لضم حمزة عبد الكريم    وزير الدفاع الإيطالي: روما مستمرة في دعم استقرار لبنان وتعزيز قدرات جيشه    فرحة أبناء قرية محمد صلاح بهدف التعادل لمنتخبنا الوطني.. فيديو    محمد هاني: فوز مصر على زيمبابوي دافع معنوي قبل مواجهة جنوب أفريقيا    هيئة الدواء: متابعة يومية لتوافر أدوية نزلات البرد والإنفلونزا خلال موسم الشتاء    ستار بوست| أحمد الفيشاوى ينهار.. ومريم سعيد صالح تتعرض لوعكة صحية    «الشيوخ» يدعم الشباب |الموافقة نهائيًا على تعديلات «نقابة المهن الرياضية»    فضل صيام شهر رجب وأثره الروحي في تهيئة النفس لشهر رمضان    رمضان عبدالمعز: دعوة المظلوم لا تُرد    ميرال الطحاوي تفوز بجائزة سرد الذهب فرع السرود الشعبية    "يتمتع بخصوصية مميزة".. أزهري يكشف فضل شهر رجب(فيديو)    يضم 950 قطعة أثرية.... محافظ المنيا يتفقد متحف آثار ملوي    برلمانية الشيوخ ب"الجبهة الوطنية" تؤكد أهمية الترابط بين لجان الحزب والأعضاء    جامعة قناة السويس تعتلي قمة الجامعات المصرية في التحول الرقمي لعام 2025    قصة قصيرة ..بدران والهلباوى ..بقلم ..القاص : على صلاح    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 22-12-2025 في محافظة قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النبوءة السياسية وتغييب الوعي [ 3 ]
نشر في شباب مصر يوم 27 - 04 - 2018


د.عبد الحكيم الفيتوري
ما زال الحديث موصول حول موضوع [ النبوءة السياسية وتغيب الوعي ] ونقول الاتي ::-
والغريب أن آلة انتاج الاسانيد والمتون في زمن الأمويين كانت مستعدة لخوض معركة اعلامية شرسة ضد اتباع العلويين من خلال حرب صناعة النبوءات الباردة والساخنة، علما بأن صناعة الاحاديث كان لها سوقا نافقا في أجواء التدافع السياسي والاحتراب الطائفي والمذهبي بين الاسر التي توالت على كرسي الخلافة، ففي فترة استقرر الحكم لمعاوية بعد التخلص من خصمه الحقيقي علي ابن أبي طالب فتح باب الرواية والتحديث وسرد مناقب الصحابة الموالين للسلطة الحاكمة كمناقب عثمان، أو صناعة المثالب للصحابة المعارضين للسلطة الحاكمة كلعن علي على المنابر، فإذا كان نبوءة الحكم العباسي أن عمارا تقتله الفئة الباغية فئة معاوية، وهو يدعوهم إلى الجنة وهم يدعونه إلى النار، فإن نبوءة العهد الأموي دارت حول إبراز مناقب عثمان ومعاوية وفضائله، فمثلا جاءت نبوءة أموية في عثمان ليلة الاسراء في مكة، قال الحاكم النيسابوري عن أنس أن رسول الله قال: ... ليلة أسري بي دخلت الجنة فإذا أنا بتفاحة تفلقت عن حوراء مرضية كأن أهداب أشفار عينيها مقادم أجنحة النسور فقلت لمن أنت يا جارية فقالت أنا للخليفة المقتول ظلما عثمان بن عفان !! (علق الذهبي وقال: الحديث لا اصل له. المستدرك على الصحيحين، ورواه ابن حبان في كتاب المجروحين)
فإذا كانت هذه النبوءة لا أصل لها أو في إسنادها مطعن، فثمة أحاديث صحيحة الاسناد والمتن بمقياس المدرسة الكلاسيكية توكد على ذات المضامين الواردة في مناقب عثمان والتي جاءت بها نبوءات ضعيفة الاسناد، كحديث‏ ( اللَّهم إني رضيت عن عثمان فارض عنه‏ )‏‏.‏ (‏ غفر اللَّه لك يا عثمان ما قدمت، وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما هو كائن إلى يوم القيامة )، (‏ عثمان أحيا أمتي وأكرمها )‏‏.‏ ( عثمان في الجنة )‏‏.‏ ( عثمان رفيقي معي في الجنة )‏‏.‏ (‏ عثمان وليي في الدنيا والآخرة )‏‏.‏ ( يا عثمان إنك ستبلى بعدي فلا تقاتلن‏ )‏‏.‏ ( أن النبي دخل حائطاً، فأمرني بحفظ باب الحائط، فجاء رجل يستأذن، فقال: ائذن له وبشره بالجنة، فإذا هو أبو بكر، ثم جاء آخر يستأذن، فقال: ائذن له وبشره بالجنة، فإذا هو عمر، ثم جاء آخر يستأذن فسكت هنيهة ثم قال: ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه، فإذا عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه. (رواه البخاري ومسلم)
ويبدو أن للمنامات والرؤى دور في صناعة هكذا النبوءة وأسانيد بغية تكريس الاسطورة والخيال، فقد ذكر الطبري عن عبد اللَّه بن سلام أنه قال‏:‏ أتيت عثمان وهو محصور أسلم عليه فقال‏:‏ مرحبا بأخي مرحبا بأخي‏.‏ أفلا أحدثك ما رأيت الليلة في المنام‏؟‏ فقال‏:‏ بلى‏.‏ قال‏:‏ رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في هذه الخَوْخة‏ وإذا خوخة في البيت‏.‏ فقال‏:‏ أحصروك‏؟‏ فقلت‏:‏ نعم‏.‏ فقال‏:‏ عطشوك‏؟‏ فقلت‏:‏ نعم‏.‏ فأدلى لي دلوا من ماء فشربت حتى رويت فإني لأجد بردًا بين كتفيَّ وبين بدني‏.‏ إن شئت نصرت عليهم، وإن شئت أفطرت عندنا‏.‏ قال‏:‏ فاخترت أن أفطر عندهم‏.‏ قال‏:‏ فقتل عثمان في ذلك اليوم‏.‏
ولم تكتفي آلة صناعة الاسانيد والمتون بأسطرة شخصية عثمان وإضفاء ثوب القداسة على مقتله، بل استطاع مصنع الاسانيد بقيادة رجال الدين أن ينتج بنفس الوتيرة حزمة من نبوءات في حق شخصية معاوية الخليفة قائد الفئة الباغية كما في الروايات العباسية، فقد جاء الاسناد عن رسول الله أنه قال في حق معاوية: اللهم اجعله هاديا مهديا واهد به .( رواه أحمد في مسنده، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي ). وسبب ورود هذه النبوءة أنه بعد تولي معاوية منصب الخلافة واستتباب الأمر له، كانت نفوس الناس لا تزال مشتعلة عليه، فقالوا كيف يتولى معاوية وفي الناس من هو خير منه مثل الحسن والحسين. فقال عمير: وهو أحد الصحابة: لا تذكروه إلا بخير فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم اجعله هادياً مهدياً واهد به!!
وفي نبوءة أخرى أكثر تفصيلا لشخصية معاوية واوضح سفورا في التوظيف السياسي للاسانيد والاحاديث، فقد ذكر نعيم بن حماد في كتابه الفتن والملاحم قال: عن سفيان بن عيينة قال: سمعت الحسن بن علي يقول: سمعت عليا يقول: سمعت رسول الله يقول: لا تذهب الأيام والليالي حتى يجتمع أمر هذه الأمة على رجل واسع القدم ضخم البلعم، يأكل ولا يشبع وهو عري. قال ابن كثير وهكذا وقع في هذه الرواية. وفي رواية بهذا الإسناد: لا تذهب الأيام والليالي حتى تجتمع هذه الأمة على معاوية . وفي رواية البيهقي من حديث إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر - وهو ضعيف - عن عبد الملك بن عمار قال: قال معاوية: والله ما حملني على الخلافة إلا قول رسول الله لي: يا معاوية إن ملكت فأحسن.(البداية والنهاية لابن كثير، المجلد السادس، إخباره صلى الله عليه وسلم بذلك مقتل الحسين ).
أما نبوءة العرباض بن سارية صاحب حديث ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهدي من بعدي...)!! فقد صرح بأنه سمعت رسول الله يقول: اللهم علّم معاوية الكتاب وقه العذاب. (مسند أحمد كتاب فضائل الصحابة،إسناده حسن، وزاد ابن خزيمة - وعلمه الحساب- صحيح ابن خزيمة). وفي رواية مسلم من حديث ابن عباس: أن أبا سفيان قال: يا نبيَّ الله، ثلاث أَعطِنيهنّ. قال: نعم. قال: عندي أحسن العرب وأجملها أمّ حبيبة بنت أبي سفيان؛ أُزوّجُكها. قال: نعم. قال: ومعاوية تجعلُه كاتبا بين يديك. قال: نعم. قال: وتؤمّرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين؟ قال: نعم. (صحيح مسلم رقم الحديث: 2501)
واللافت للنظر أن ثمة صحابة كانوا يسخرون من هكذا نبوءات ومن فكرة توظيف الدين في معارك من أجل منافع سياسية، ومكاسب أسرية، ومصالح جهوية مذهبية، فمثلا ذكر أبو المنهال أنه قال: لما كان ابن زياد ومروان بالشأم، ووثب ابن الزبير بمكة، ووثب القرَّاء بالبصرة، فانطلقت مع أبي إلى أبي برزة الأسلمي حتى دخلنا عليه في داره، وهو جالس في ظل عُلِّيَّة له من قصب، فجلسنا إليه، فأنشأ أبي يستطعمه الحديث فقال: يا أبا برزة، ألا ترى ما وقع فيه الناس؟ فأول شيء سمعته تكلم به: إني احتسبت عند الله أني أصبحت ساخطاً على أحياء قريش، إنكم يا معشر العرب، كنتم على الحال الذي علمتم من الذلَّة والقلَّة والضلالة، وإن الله أنقذكم بالإسلام وبمحمد، حتى بلغ بكم ما ترون، وهذه الدنيا التي أفسدت بينكم، إن ذاك الذي بالشأم، والله إن يقاتل إلا على الدنيا، وإن هؤلاء الذين بين أظهركم، والله إن يقاتلون إلا على الدنيا، وإن ذاك الذي بمكة والله إن يقاتل إلا على الدنيا. ( صحيح البخاري، كتاب الفتن)
ولعل مذهب ابن عمر كان كذلك فقد ذكر سعيد بن جبير أنه قال: خرج علينا عبد الله بن عمر فرجونا أن يحدثنا حديثاً حسناً، فبادرنا إليه رجل فقال: يا أبا عبد الرحمن حدثنا عن القتال في الفتنة، فقال اتدري ما الفتنة ثكلتك أمك؟ فالله تعالى يقول: ( وقاتِلوهم حتى لا تكون فتنة )، إنما كان محمد (ص) يقاتل المشركين وكان الدخول في دينهم فتنة، وليس كقتالكم على الملك).( البخاري). وفي الأثر المشهور عن عبدالله بن عمر قال: من قال حيّ على الصلاة أجبته، ومن قال حيّ على الفلاح أجبته، ومن قال حيّ على قَتْل أخيك المسلم وأخذ ماله قلت: لا . وعلى هذا المسار يمكن فهم روايات الصحيحيين التي جاء فيها النهي عن القتال بين الناس، كما قال جرير بن عبد الله البجلي : قال لي رسول الله في حجة الوداع: استنصت لي الناس، ثم قال: لا ترجعوا بعدي كفارا، يضرب بعضكم رقاب بعض. ( متفق عليه)
وبالذات الميثية ومنطقها التوظيفي الذي يعتمد التبسيط والتعميم والحشد جاءت الروايات تنقل مقتل الحسين على يد جيش يزيد ابن معاوية من دائرة الصراع السياسي (= المدنس) إلى مصاف دائرة الالهي والمخطط له في المشيئة الإلهية منذ ولادة الحسين (= المقدس). فقد ذكر الذهبي عن أحمد في مسنده، عن عبدالله بن نجى عن أبيه، أنه سار مع علي، وكان صاحب مطهرته، فلما حاذى نينوى، وهو سائر إلى صفين، ناداه علي: اصبر ابا عبدالله بشط الفرات. قلت: وما ذاك؟ قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم، وعيناه تفيضان، فقال: قام من عندي جبريل، فحدثني أن الحسين يقتل، وقال: هل لك أن أشمك من ترتبه؟ قلت: نعم. فمد يده فقبض قبضة من تراب. قال: فأعطانيها، فلم أملك عيني.( انظر: مسند أحمد، والطبراني، وأورده الهيثمي في المجمع، وزاد نسبته للبزار، وقال رجاله ثقات، ولم ينفرد نجى بهذا. سير اعلام النبلاء المجلد الثالث)
ففي هذه النبوءة أن الملك الذي أخبر بتلك النهاية المؤلمة كان (جبريل)، ولكن ثمة رواية أخرى تؤكد على أن صاحب الخبر هو ملك (القطر) وليس جبريل، ويبدو أن العقل الكلاسيكي لا يمانع من مجيء الملكان وكلا بطريقته! فقد جاء في رواية عمارة بن زاذان، عن أنس قال: استأذن ملك القطر على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي: يا أم سلمة احفظي علينا الباب. فجاء الحسين، فاقتحم، وجعل يتوثب على النبي صلى الله عليه وسلم ، ورسول الله يقبله. فقال الملك: أتحبه؟ قال: نعم. قال: إن أمتك ستقتله، إن شئت أريتك المكان الذي يقتل فيه، قال: نعم، فجاءه بسهلة أو تراب أحمر. (أخرجه أحمد في المسند، والطبراني )، وفي رواية أبي أمامة،... قال جبريل: إن أمتك ستقتله. قال: يقتلونه وهم مؤمنون؟ قال نعم وأراه ترتبه.
ويبدو أن إيقاع الاسطورة زمن التدوين كان له أثر بالغ على مخيال صناع الاسانيد والنبوءات حيث وصل بهم الأمر إلى صناعة روايات تحدد مكان وجهة مقتل الحسين؛ بل ونوع تربته ولونها، فقد ذكر الطبراني عن سعيد بن جمهان، أن النبي أتاه جبريل بتراب من التربة التي يقتل بها الحسين. وقيل: اسمها كربلاء. فقال النبي : كرب وبلاء.( الطبراني، ومجمع الزوائد)، وفي رواية عبدالله بن وهب بن زمعة، عن أم سلمة؛ أن رسول الله اضطجع ذات يوم، فاستيقظ وهو خائر، ثم رقد، ثم استيقظ خائرا، ثم رقد، ثم استيقظ وفي يده تربة حمراء، وهو يقلبها (وفي الاصل وهو يقبلها). قلت : ما هذه؟ قال: أخبرني جبريل أن هذا يقتل بأرض العراق، للحسين، وهذه تربتها. وفي رواية بأرض بابل كما جاء في كتب عمرة إلى الحسين، كما ذكر الذهبي قال: وكتبت إليه عمرة تعظم ما يريد أن يصنع، وتخبره أنه إنما يساق إلى مصرعه، وتقول: حدثني عائشة أنها سمعت رسول الله يقول: يقتل حسين بأرض بابل، فلما قرأ كتابها، قال: فلا بد إذا من مصرعي. (تهذيب ابن عساكر) وكتب إليه عبدالله بن جعفر يحذره ويناشده الله، فكتب إليه: إني رأيت رؤيا، رأيت فيها رسول الله وأمرني بأمر أنا ماض له. (تاريخ الطبري، راجع سير أعلام النبلاء للذهبي)
واللافت للنظر خلو القرآن الكريم من هكذا نبوءات؛ بل نصوصه صريحة بنفي علم الغيب عن رسوله ( قُل ما كنتُ بدعا من الرسل وما أَدري ما يفعل بي ولا بكم إِن أتبع إِلا ما يوحى إِلَيَّ )، وعن البشر( عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إِلا مَن ارتضى من رسول فإِنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا)، وأن الغيب من اختصاص عالم الغيب والشهادة سبحانه ( وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إِلا هُوَ ) ،( عالم الغيب والشَّهادة )
وفي مقابل هذا النفي للغيب في نصوص القرآن الكريم تتضافر جهود آلة صناعة الاسانيد في خلق حزمة من النبوءات والغيبات، والغريب في هذه الاسانيد جلها منسوبة إلى الموالي والعجم– ليس دعوة للعرقية والجهوية فلا أؤمن بذلك- وهم الذين اشتهرت مناطقهم قبل الاسلام بتقديس شخوص ورموز الاعتقادات الوثنية، وسيطرة فلسفة الاسطورة والخيال على معتقدات تلك المناطق، ويبدو أن ثمة اتفق ضمني بين العرب والعجم في تقاسم السلطة بعد دخول الموالي الاسلام؛ فاللعرب زمام الحكم والمال، وللموالي نصيب السلطة الدينية من صناعة للاسانيد وحفظ المتون والتحديث بها، والوجاهة الاجتماعية، والتمتع بالعطاء والهبات والهدايا السلطانية. ولعل قراءة نص ابن الصلاح التالي وتفكيك شفرته مما يعين على فهم دور الموالي في عملية انتاج هكذا نبوءات توظيفية، حيث قال روينا عن الزهري قال: قدمت على عبد الملك بن مروان فقال: من أين قدمت يا زهري؟ قلت من مكة. قال: فمن خلفت بها يسود أهلها؟ قلت: عطاء بن أبي رباح ، قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال: قلت: من الموالي، قال: وبم سادهم؟ قلت: بالديانة والرواية، قال: إن أهل الديانة والرواية لينبغي أن يسودوا. قال: فمن يسود أهل اليمن؟ قال قلت: طاوس بن كيسان قال فمن العرب أم من الموالي؟ قال قلت: من الموالي. قال وبم سادهم؟ قلت: بما سادهم به عطاء قال: إنه لينبغي أن يسودوا. قال: فمن يسود أهل مصر؟ قال: قلت: يزيد بن أبي حبيب قال فمن العرب أم من الموالي ؟ قال قلت: من الموالي. قال فمن يسود أهل الشام؟ قال: قلت: مكحول. قال فمن العرب أم من الموالي؟ قال قلت: من الموالي عبد نوبي أعتقته امرأة من هذيل؟ قال: فمن يسود أهل الجزيرة ؟ قلت: ميمون بن مهران. قال فمن العرب أم من الموالي؟ قال قلت من الموالي، قال: فمن يسود أهل خرسان؟ قال قلت: الضحاك بن مزاحم ، قال فمن العرب أم الموالي؟ قال قلت: الموالي. قال فمن يسود أهل البصرة؟ قال قلت: الحسن بن أبي الحسن، قال فمن العرب أم من الموالي؟ قال قلت: من العرب قال: ويلك يا زهري فرجت عني والله ليسودن الموالي على العرب حتى يخطب لها على المنابر والعرب تحتها، قال قلت: يا أمير المؤمنين إذا هو أمر الله ودينه، من حفظه ساده ومن ضيعه سقط انتهى. (انظر مقدمة ابن الصلاح)
وإذا كانت صناعة النبوءات أدت دورها الوظيفي زمن التدافع المذهبي والطائفي لصالح استقرار بعض الاسر التي تداولت الحكم ( الخلافة) عبر التاريخ الاسلامي، فلا يبنغي لها أن تستمر في تأدية دورها الوظيفي بعد انتفاء تلك الظروف السياسية والمذهبية، وتمارس عملية تغييب الوعي الجمعي للأمة، وتكرس العقيدة القدرية والإيمان بالاعتباطية في زمن المعلومات والتقنية والانترنيت. وتصبح إعادة قراءة تلك النبوءات ونقدها زندقة وكفر كما قال أبو زرعة الرازي: إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله فاعلم أنه زنديق.(راجع: الكفاية في علم الروايةللخطيب البغدادي). أو كما قال أحمد بن حنبل: إذا رأيت الرجل يذكر أحداً من أصحاب رسول الله بسوء فاتهمه على الإسلام.(شرح أصول الاعتقاد للالكائي)
---------
بقلم/ عبد الحكيم الفيتوري
كاتب وباحث ومفكر ليبي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.