دكتور / عبد العزيز أبو مندور نعم ، أنت وأمثالك لست من علماء الأزهر ولا من غيرهم .. فأنت ممن فصلوا من الأزهر منذ عقود وهربت إلى أمريكا فمازلت تعمل مع أمثالك ممن يزعمون أنهم ( قرآنيون ) ، فلو كانوا كما زعموا قرآنيين لكانوا تخلقوا بأخلاق القرآن ، وما كنا وجدنا أحدا منهم ينكر السنة النبوية المطهرة ويتهجم بوعى أو بدون وعى على علماء الأمة وحكمائها من أئمة الفقه والحديث والتفسير . إنكم لعلة ما تجاهرون ليل نهار بمخالفة القرآن الكريم وتنكرون السنة المطهرة مع أن الله جل فى علاه جعل نبيه صلى الله عليه وسلم لنا الأسوة الحسنة فهو المظهر التام الأكمل للقرآن الكريم والبيان الشامل فى القول والعمل فجاءت سنته المطهرة صلى الله عليه وسلم القولية منها والفعلية والتقريرية شرحا تفصيليا لما أجمله القرآن الكريم . قال جل ذكره : " لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً " (الأحزاب : 21 ) ولم لا ؟ أليس قد عصمه الله سبحانه وتعالى ؟ بلى وربنا لقد زكاه كله ، فهو ما كشفنا عنه فى كتاب ( الاصطفاء والاجتباء وأنوار الأنبياء ) وبعضا من ذلك فى كتاب ( أصنام فى فكر يوسف زيدان ) . لقد زكى ربنا جل ذكره كل ما يتصل بذات عبده وحبيبه ونبيه ورسوله ؛ الطاهرة المطهرة الشريفة ظاهرا وباطنا جسمه ونفسه وعقله وقلبه وروحه وسره ؛ فقد عصمه من كل ما يشين البشر من مساوئ وذنوب وخطايا وطهره تطهيرا ؛ فلا ينطق إلا حقا. قال تعالى : " إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى " ( النجم : 4 ) وقال صلى الله عليه وسلم : " إني لأمزح , ولا أقول إلا حقا " جاء ذلك فى ( المعجم الكبير) للطبراني عن عبيد بن عمير , قال: سمعت رجلا يقول لابن عمر: ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم , يقول: إني لأمزح , ولا أقول إلا حقا ؟ قال: نعم." ولكن - ماذا تقول فى عناد المنكرين للسنة المطهرة إنهم قد استغنوا بتصوراتهم الذاتية عن السنة مكتفين فى زعمهم بالقرآن الكريم وهو ما يعنى إقصائهم لكل ما يتصل بها من علوم الدين كالفقه وعلوم الحديث والتفسير فلا يقبلون ولا يستمعون إلا لأنفسهم من أمثال الدكتور / أحمد صبحى منصور الهارب إلى أمريكا بعدما فصل من جامعة الأزهر ، فلا ينتسب إلى علماء الأزهر بحال من الأحوال ولا حتى من طلبته من غير النابهين. لقد طُرد من مسجد لآخر ، ومن الجامع الأزهر إلى غيره من مواقع فكرية ، إلى أن انتهى به المطاف في مركز ابن خلدون الذى يترأسه دكتور / سعد إبراهيم فهما صديقان جمعتهما أمريكا على التصادم مع حقائق الدين وإنكار السنة النبوية المطهرة . وهو كما فى ( الويكيبيديا ) رغم الانتقادات اللاذعة التي يتعرض لها من جانب عدد كبير من الأساتذة والمثقفين في العالم الإسلامي حول ما رأوه من تناقضات فقهية وعقائدية عديدة، قالوا أنه قد وقع فيها جراء إقصائه للسنة النبوية واعتماده على القرآن فقط. ومن هنا أقول لك إن مقالتك التى سألت نفسك وأجبت فيها عن مصير الأطفال الذين لم يبلغوا الحلم ساذجة وسطحية وتخفى فى طياتها تدليسك كأصحابكم من المزيفين فلا يخفى على أحد ما تدسونه فيما تزينونه من سم قاتل مثل عقيدتكم الفاسدة. وأعطيك أمثله من ذلك مما حوته مقالتك المتهافتة مهما استشهدت بآيات من الذكر الحكيم فهو حق يراد به باطل : أ- أولا : إجابتك عن نفسك بأن الأطفال الذين لم يبلغوا الحلم هم الغلمان والولدان الذين وصفوا بأنهم مخلدون ونسبت تلك الإجابة إلى نفسك وهى كذلك فلا سند لك إلا تصوراتك فقد حكمت فيما لا تملك وعممت فيما لا يدرك من الغيب . كل ذلك دون ان تكلف نفسك مجرد النظر فى كتب التفسير لتصحح تصوراتك وتعميمك الأخرق. قال الله عز وجل : " وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ " (الطور : 24 ) وقال تعالى " وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً " ( الإنسان : 19 ) يعنى يطوفون على أهل الجنة المنعمين فيها بالفواكه والتحف والطعام والشراب. ودليل ذلك فى قوله تعالى " يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" ( الزخرف : 71 ) وقال تعالى " يُطَافُ عَلَيْهِم بِكَأْسٍ مِن مَّعِينٍ "(الصافات : 45 ) أما من هم هؤلاء الغلمان والولدان المخلدون ؟ والإجابة من كتب التفسير مثل ( فتايح الغيب ) للفخر الرازى و( وجامع أحكام القرآن الكريم ) للقرطبي و( تفسير القرآن العظيم ) لابن كثير ؛ فوجدنا أن هؤلاء المخلدون هم واحد من ثلاثة : 1- قال علي ابن أبي طالب رضي الله عنه والحسن البصري : الولدان ها هنا ولدان المسلمين الذين يموتون صغارا ولا حسنة لهم ولا سيئة ؛ فهم أولادهم الذين سبقوهم ، فأقر الله تعالى بهم أعينهم. 2- ونقل عن سلمان الفارسي أنهم أولاد المشركين وهم خدم أهل الجنة. 3- وقيل هم غلمان خلقوا في الجنة كلهم على سن واحدة ؛ أنشأهم الله لأهل الجنة يطوفون عليهم كما شاء من غير ولادة. قال الكلبي : لا يكبرون أبدا كأنهم في الحسن والبياض لؤ لؤ مكنون ( مصون ) في الصدف . ولما كان من المعلون أن الجنة ليس فيها نصب ولا حاجة إلى خدمة ، ولكنه أخبر بأنهم على نهاية النعيم. جاء ذلك فى ( سنن الترمذي ) عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أدنى أهل الجنة الذي له ثمانون ألف خادم واثنتان وسبعون زوجة وتنصب له قبة من لؤلؤ وزبرجد وياقوت كما بين الجابية إلى صنعاء" والمقصود: أن أهل الجنة على أتم السرور والنعمة، والنعمة إنما تتم باحتفاف الخدم والولدان بالإنسان. ب- ثانيا : زعمك أن الجنة لم تخلق بعد ، وهذه عقيدة فاسدة تخالف العلم الصحيح والسنة المطهرة . واعلم إن كنت تريد أن تعلم أن الجنة مخلوقة ؛ فعلى ذلك عامة علماء التفسير من أمثال الفخر الرازي والقرطبي وابن كثير وغيرهم على أن الجنة مخلوقة موجودة الآن منذ أن خلقها الله تعالى : لقوله تعالى : " أعدت للمتقين " وهو نص حديث الإسراء وغيره في الصحيحين وغيرهما. ذلك هو الحق وهو بخلاف وعكس ما زعمت فرقة المعتزلة الذين خالفوا الأمة فى المنهج فقدمون العقل على النقل فزعموا أن الجنة والنار لم يخلقا حتى الآن يعنى غير مخلوقتين في وقتنا ، وإن الله تعالى إذا طوى السموات والارض ابتدأ خلق الجنة والنار حيث شاء ، لانهما دار جزاء بالثواب والعقاب ، فخلقتا بعد التكليف في وقت الجزاء ، لئلا تجتمع دار التكليف ودار الجزاء في الدنيا ، كما لم يجتمعا في الآخرة. والحق أن الجنة والنار مخلوقتين منذ خلق الله السموات والأرض ودليل علماء التفسير بين واضح وجلي فى قوله تعالى عن النار : " وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ " ( آل عمران : 131 ) ودليلنا كذلك فى أن الجنة مخلوقة منذ خلق السموات والأرض فى قوله تعالى : " وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ " ( آل عمران : 133 ) والإعداد كما يعلم أهل اللغة والفهم والذوق السليم لا يفيدنا إلا ذلك المعنى ، فالجنة مخلوقة منذ خلق السموات والأرض . جاء فى ( صحيح مسلم ) عن عائشة أم المؤمنين ، قالت : توفي صبي ، فقلت: طوبى له عصفور من عصافير الجنة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أو لا تدرين أن الله خلق الجنة وخلق النار ، فخلق لهذه أهلا ولهذه أهلا ". وفى ( مصنف ابن أبي شيبة )عن سعد الطائي ، قال: أخبرت أن الله لما خلق الجنة قال لها: تزيني , فتزينت ثم قال: تكلمي , فقالت: طوبى لمن رضيت عنه". ج - ثالثا : قلت إن من لم يصله نذير لا يعذب ، ولكنك - لم تحدد عصر النذير ، فذلك كان يصح قبل بعثة خاتم النبيين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ؛ فلما ختم النبوة والراسلات ببعثته العامة صلى الله عليه وسلم فقد وقعت البشارة والنذارة ، فكل من لم يؤمن به فهو كافر ومعذب فى النار خالدا فيها ، فلم يعد لأحد حجة بعد الخاتم المرسل من رحمة للعالمين كافة للناس بشيرا ونذيرا وبخاصة أن النذر ودعاة المسلمين لم ينقطوا ولن ينقطوا إن شاء الله حتى قيام الساعة ، ناهيك عن توفر وسائل الاتصالات والمعلومات حتى صارت فى قبضة طفل صغير يسمع ويرى ويعقل. ( وعلى الله قصد السبيل ) دكتور / عبد العزيز أبو مندور أديب وكاتب وباحث فى الفلسفة والتصوف [email protected]