عصمت الشامى : تعانى منطقة المقطم من أزمة فى المواصلات، مما أدى إلى غضب سائقى الميكروباصات واحتجاجهم على الغرامات المرورية "المضروبة"، فضلاً عن جباية أمناء الشرطة التي باتت فرضًا عليهم؛ يدفعونها كل يوم، بالإضافة إلى استخدامهم في المأموريات الأمنية الخاصة بهم دون مقابل.. وفرض غرامات فورية عليهم تتراوح مابين 700 إلى 1500 جنيه حال وقوفهم لتنزيل الركاب، بدعوى الوقوف فى مواقف عشوائية، وحبسهم لعدم سداد الغرامات . أصحاب المركبات الخاصة لم يسلموا أيضًا من هذه الأزمة فباتوا تحت ضغط مالى كبير بعد ازدياد الغرامات عليهم، لاسيما مع بيروقراطية شرطة المرور في تعاملات التجديد وخلافه؛ ما دفعهم إلى الاستغناء عن سياراتهم في معظم الوقت واستخدام وسائل النقل العامة. يحدث كل ذلك بينما الحكومة، التي في وادٍ آخر؛ ترفض التعامل مع الأزمة بطريقة صحيحة؛ ما أسفر عن صورة مأساوية للمواطنين الذين يتسوَّلون وسيلة مواصلات للوصول إلى أعمالهم في الصباح أو لمنازلهم في المساء، ويرضون بدفع أية أجرة ولو كبيرة من أجل إنهاء مصالحهم وللحفاظ على مواعيدهم، ومأساتهم في مواقف المقطم مثالاً بارزًا لطحن المواطن وابتززه وسط غياب المتابعة الأمنية. وبالطبع فإن الأزمة ليست جديدة، ولكن استمرارها يدفع إلى التساؤل من جديد عن آليات عملية لإنقاذ المواطن المصري المطحون، سواء الراكب أو السائق، وتطرح الأسئلة نفسها بقوة: هل أزمة المواصلات في مصر قضاءٌ وقدرٌ؟!، وهل بات حلها من رابع المستحيلات؟!, وكيف نواجه مثل هذا التجميد والواقع اليومي لطحن المواطن المصري؟! احمد عزت، مثل آلاف المواطنين، يرى أن رحلته إلى العمل ذهابًا وإيابًا أشبه بدواءٍ مُر يتجرعه كل يوم رغمًا عنه، ويصفها بأنه شر لا بد منه فلا ينفع أن يتوقف عن العمل، "طب حنعيش إزاي؟!"، هكذا علَّق، مؤكدًا أنه لا يعتبرها قضاءً وقدرًا بقدر ما يعتقد أنه واجب يومي مُر من أجل لقمة "العيش". احمد فهمى، مهندس يعمل في إحدى شركات الحاسب الآلي، وتوفر له الشركة أتوبيسًا في الذهاب والإياب، ولكن أيضًا له تجارب مؤلمة مع المواصلات؛ حيث يقول:" أنا لا أركب مواصلات كتير، ولكن لي تجربة مؤلمة لا أنساها أحسست بها بمعاناة الناس في الشوارع التي أنظر إليها من شباك الأتوبيس في الذهاب أو الإياب، خاصًةً في ساعات الذروة لأنه اضطر لركوب الميكروباصات من السيدة عائشة ولم يستطع ركوب أية مواصلات؛ لأن الطريق "كله كان واقف". اما عبد الطيف المنشاوى، طالب بجامعة القاهرة فيطرح نموذجًا لمعاناة أخرى مع المواصلات قائلاً: "أعاني كل يوم من الموصلات، سواء كانت داخل المقطم أو خارجه؛ ففي داخل المقطم - بالإضافة إلى ازدحام الشوارع- نجد أن أغلب السائقين يستغلون الازدحام الشديد وكثرة الركاب في "تقطيع" المسافة التي يجب أن يقطعها؛ مما يجعله يأخذ أجرة كاملة على نصف هذه المسافة، وفي الوقت نفسه يضطر معه المواطن إلى دفع أضعاف ما يجب أن يدفع، وتضييع وقت أكثر مما يجب أن يأخذه مشواره، وهو ما يؤدي إلى أضرار اقتصادية بالغة بالأسر المصرية". ويضيف ان عدم إحكام الرقابة على المواقف؛ يتيح للسائقين استغلال الركاب؛ فقد تجد بعضهم ليس معه رخصة، ومن ثم لا يدخل المواقف الرسمية، وكل هذا يؤدي إلى أضرار بالغة والازدحام من جهة، ويسهم في إبراز المظهر غير الحضاري للشوارع من جهةٍ أخرى، بالإضافة إلى استغلال الركاب وجعلهم يدفعون أجرةً فوق المتعارف عليها في ظل غياب الرقابة. أما هايدى الحكيم، مُدرسِة باحدى مدارس المقطم، فتشاهد ازدحامًا شديدًا على الركوب، وتفشل أحيانًا في استقلال الميكروباص إلا بعد عدة محاولات. وتوضح أن المشكلة تتحمَّلها وزارة النقل والإدارة المحلية في المقطم على وجه التحديد بسبب فشل الحكومة في تنظيم العمل بين هيئاتها المختلفة مما يسبِّب مشاداتٍ كثيرًا ما أسمعها وأتدخل لفضِّها حول الأجرة بسبب عدم وجود تعريفة محددة". وتلفت الانتباه إلى أنه رغم وجود دعم لشركات النقل الحكومية إلا أنها تخسر بسبب سوء الإدارة الموجودة وبسبب سدادها المديونية التي تتراكم عليها، وبالتالي فالخدمة وتطويرها "محلك سر"، مع عدم شراء قطاع غيار جديدة وتطوير الهياكل المالية للعاملين فيها. وتحذِّر من السكوت الحكومي عما وصفته بمافيا "السرفيس"، مؤكدًة أنها شكَّلت مافيا حقيقة خطيرة لا تخضع لأية مساءلة بسبب الفساد المنتشر في إدارتها، وكل ما يحدث معها إطار شكلي من تحصيل رسوم وإدارة تراخيص يتصارع عليها المحافظون؛ لأنها تدر دخلاً عليه. اللواء عبد المنعم جابر، ضابط مرور سابق، قضى 40 عامًا من حياته بين السائقين ومعاناة المواطنين؛ حيث يقول:" أنا منذ 40 سنة بين الناس؛ أشاهد معاناتهم على أرض الواقع"، ويرى أن الأزمة ستستمر بسبب السياسات الحكومية السيئة. وأضاف أن له ابنة وأحفاد في محافظة 6 أكتوبر؛ يضطرون أحيانًا إلى ركوب ميكروباصات لزيارته، فيحكون له الصعوبات التي يشاهدونها في الطريق وقسوة السائقين. ويؤكد أن المواصلات في مصر باتت كمرض السرطان، وتحتاج قرارات غير تقليدية، وشجاعةً لبتر التشوُّه الموجود، فمن المعروف عالميًّا أن المدن الكبرى تعطي أولوياتٍ النقلَ الجماعيَّ، والتي تسير بانتظام وسرعة وأمن، وتَحُد من السيارات الخاصة. ويشير إلى أن مصر تخالف هذا العرف تمامًا، حتى إن الميادين الكبرى في القاهرة مع كل صباح؛ يوجد بالميدان الواحد أكثر من 100 سيارة خاصة؛ يجلس في كل سيارة فرد واحد، رغم أن تفكيك هذا التضخم سيحل الأزمة. وطالب الحكومة بتغيير سياساتها والعمل على استخدام الطرق العلمية في مواجهة الأزمة ، ورفع المعاناة عن كاهل المواطن، مشيرًا إلى أن استمرار الوضع يعني شيئًا واحدًا: أننا "نخنق أنفسنا بأنفسنا"، على حد تعبيره. ويضيف حنفى السيد، سائق ميكروباص: أننا نعانى من ضغوط مادية كثيرة، خاصًة بعد قانون المرور الجديد وأيضًا نتعرض الى الابتزاز من قبل امناء الشرطة الذين يفرضون علينا الإتاوات بشكل يومى ، والا تحرير المخالافات المزورة . ويؤكد مصطفى احمد عبد العزيز، صاحب ميكروباص، أن رجال الشرطة والمرور يفرضون على كل ميكرباص دور فى المأموريات الأمنية دون مقابل وعلى السائق أن يخضع لهم والا تم القضاء عليه، ناهيك عن الألفاظ السيئة التى نسمعها من الضباط. وأضاف: سحب رخص السائقين وفرض غرامات تصل الى 1500 جنيه اذا توقف السائق لتنزيل الركاب ، وذلك بدعوى الوقوف فى مواقف عشوائية، ومن لم يلتزم بالسداد يتعرض للقبض عليه ويحبس. ويلتقط سيد عبدالقادر احمد، سائق مينى باص، اطراف الحديث، قائلاً: انه توجد كارثة خطيرة لايلتفت اليها احد وهى الصخور التى تهدد السيارات التى تمر على الطريق بمطلع ومنزل المقطم الرئيسى من ناحية صلاح سالم والاتوستراد وذلك لانه اكثر خطورة وتوشك على السقوط نتيجة لهطول الامطار بغزارة فى فصل الشتاء، فمعظمها منحرفة ، فضلا عن الانحناءات التى توجد فى الطريق مما يؤدى الى صعوبة القيادة عليه. اما د. سعد الدين عشماوي، أستاذ تنظيم النقل، فيرى أن المشكلة لا ترجع إلى قصور الإمكانات؛ فالحكومة ليس لديها تصور عن الاستخدام الرشيد للإمكانات المتاحة في هيئة النقل وأولوياتها في تطوير المنظومة، ولكن كلها تذهب من فشلٍ إلى فشلٍ؛ بسبب اعتمادها على حلول وقتية تعقِّد المشكلة. ويشدد على أن 80% من السياسات الحكومية الخاطئة هي سبب المشكلة الحاليَّة للمواطن مع المواصلات في مصر، مشيرًا إلى أن الحل الإستراتيجي لمشكلة النقل والمرور بمصر يكمن في الاستغلال الأمثل للإمكانات المتاحه. ويؤكد الدكتور جهاد صبحي، أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر، أن تكتل الخدمات وتكدس كافة المصالح فى مناطق بعينها وسوء التخطيط في الطرق والكباري؛ يترتب عليه تكلفة اقتصادية باهظة متمثِّلة في الوقت الضائع للمواطن واستهلاك السيارات، وزيادة استهلاك الوقود، وإهدار أوقات العمل في المواصلات. ويوضح أنه إذا قمنا بعملية حسابية بسيطة يمكن أن نقول إن الدولة تخسر يوميًّا ما يفوق 20 مليون جنيه نتيجة عدم حضور الموظفين في أوقاتهم ونتيجة زيادة استهلاك السيارات والبنزين، كما يتكبَّد المواطن من 25% إلى 35% من راتبه لإنفاقه على المواصلات من سكنه إلى عمله، حتى إنه يضطر إلى انتظار وسيلة المواصلات لعدم امتلاكه تكلفة أخرى لمواصلات أخرى غير أتوبيس النقل العام، فضلاً عن ابتزاز السائقين إياه نتيجة غياب الرقابة الحكومية عليهم.