تعليم الجيزة تحصد المراكز الأولى في مسابقة الملتقى الفكري للطلاب المتفوقين والموهوبين    عمال الجيزة: أنشأنا فندقًا بالاتحاد لتعظيم استثمارات الأصول | خاص    التعليم العالي تعلن فتح برامج المبادرة المصرية اليابانية للتعليم EJEP    الكويت ترحب بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة لإعادة النظر بعضوية دولة فلسطين    تقرير إدارة بايدن يبرئ إسرائيل من تهمة انتهاك القانون الدولى فى حرب غزة    القاهرة الإخبارية: الإمارات تستنكر دعوة نتنياهو لإدارة قطاع غزة    في أقل من 24 ساعة.. «حزب الله» ينفذ 7 عمليات ضد إسرائيل    كرم جبر: على حماس أن تستغل الفرصة الراهنة لإحياء حلم «حل الدولتين»    محمود ناصف حكم مباراة الأهلى وبلدية المحلة.. وأمين عمر لمواجهة المصرى وبيراميدز    جوميز يركز على الجوانب الفنية فى ختام ثانى تدريبات الزمالك بالمغرب    إبراهيم سعيد ل محمد الشناوي:" مش عيب أنك تكون على دكة الاحتياطي"    فوزى لقجع ورضا سليم يتوسطان للصلح بين حسين الشحات والشيبى    إصابة 13 عاملا إثر حادث سيارة في الغربية    طقس معتدل في محافظة بورسعيد بعد العاصفة الترابية.. فيديو وصور    مصرع شخص صدمته سيارة طائشة في بني سويف    المهم يعرفوا قيمتي، شرط يسرا لوجود عمل يجمعها مع محمد رمضان (فيديو)    إحالة جميع المسؤولين بمديرية الصحة بسوهاج للتحقيق    عيار 21 الآن بعد الارتفاع الكبير.. سعر الذهب والسبائك اليوم السبت 11 مايو 2024 بالصاغة    " من دون تأخير".. فرنسا تدعو إسرائيل إلى وقف عمليتها العسكرية في رفح    قرار عاجل من ريال مدريد بشأن مبابي    مباريات اليوم السبت 10-05-2024 حول العالم والقنوات الناقلة    دعاء في جوف الليل: اللهم إنا نسألك يوماً يتجلّى فيه لطفك ويتسع فيه رزقك    مواعيد مباريات اليوم.. الأهلي ضد بلدية المحلة.. ونهائي أبطال آسيا وتتويج مرتقب ل الهلال    موازنة النواب عن جدل الحساب الختامي: المستحقات الحكومية عند الأفراد والجهات 570 مليار جنيه    عز ينخفض لأقل سعر.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم السبت 11 مايو بالمصانع والأسواق    الزراعة: زيادة الطاقة الاستيعابية للصوامع لأكثر من 5 ملايين طن    مأمورية من قسم الطالبية لإلقاء القبض على عصام صاصا    آبل تخطط لاستخدام شرائح M2 Ultra فى السحابة للذكاء الاصطناعى    خبير دستوري: اتحاد القبائل من حقه إنشاء فروع في كل ربوع الدولة    السياحة عن قطع الكهرباء عن المعابد الأثرية ضمن خطة تخفيف الأحمال: منتهى السخافة    حظك اليوم وتوقعات الأبراج السبت 11 مايو على الصعيد المهنى والعاطفى والصحى    برج الجدى.. حظك اليوم السبت 11 مايو: تجنب المشاكل    عمرو دياب يحيى حفلا غنائيا فى بيروت 15 يونيو    طائرات الاحتلال الإسرائيلي تقصف منزلًا في شارع القصاصيب بجباليا شمال قطاع غزة    أبناء السيدة خديجة.. من هم أولاد أم المؤمنين وكم عددهم؟    الشعبة تكشف تفاصيل تراجع أسعار الدواجن والبيض مؤخرًا    تناول أدوية دون إشراف طبي النسبة الأعلى، إحصائية صادمة عن حالات استقبلها قسم سموم بنها خلال أبريل    زيادات متدرجة في الإيجار.. تحرك جديد بشأن أزمة الإيجارات القديمة    النائب شمس الدين: تجربة واعظات مصر تاريخية وتدرس عالميًّا وإقليميًّا    الحكومة اليابانية تقدم منح دراسية للطلاب الذين يرغبون في استكمال دراستهم    «أنصفه على حساب الأجهزة».. الأنبا بولا يكشف علاقة الرئيس الراحل مبارك ب البابا شنودة    رسائل تهنئة عيد الأضحى مكتوبة 2024 للحبيب والصديق والمدير    النجم شاروخان يجهز لتصوير فيلمه الجديد في مصر    القانون يحمى الحجاج.. بوابة مصرية لشئون الحج تختص بتنظيم شئونه.. كود تعريفى لكل حاج لحمايته.. وبعثه رسمية لتقييم أداء الجهات المنظمة ورفع توصياتها للرئيس.. وغرفه عمليات بالداخل والخارج للأحداث الطارئة    المواطنون في مصر يبحثون عن عطلة عيد الأضحى 2024.. هي فعلًا 9 أيام؟    هل يجوز للمرأة وضع المكياج عند خروجها من المنزل؟ أمين الفتوى بجيب    الإفتاء تكشف فضل عظيم لقراءة سورة الملك قبل النوم: أوصى بها النبي    مصرع شاب غرقًا في بحيرة وادي الريان بالفيوم    نتائج اليوم الثاني من بطولة «CIB» العالمية للإسكواش المقامة بنادي بالم هيلز    5 علامات تدل على إصابتك بتكيسات المبيض    لأول مرة.. المغرب يعوض سيدة ماليا بعد تضررها من لقاح فيروس كورونا    حكومة لم تشكل وبرلمان لم ينعقد.. القصة الكاملة لحل البرلمان الكويتي    هشام إبراهيم لبرنامج الشاهد: تعداد سكان مصر زاد 8 ملايين نسمة أخر 5 سنوات فقط    الجرعة الأخيرة.. دفن جثة شاب عُثر عليه داخل شقته بمنشأة القناطر    حلمي طولان: «حسام حسن لا يصلح لقيادة منتخب مصر.. في مدربين معندهمش مؤهلات» (فيديو)    هل يشترط وقوع لفظ الطلاق في الزواج العرفي؟.. محام يوضح    رؤساء الكنائس الأرثوذكسية الشرقية: العدالة الكاملة القادرة على ضمان استعادة السلام الشامل    جلطة المخ.. صعوبات النطق أهم الأعراض وهذه طرق العلاج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أنا ومملكة الدراويش
نشر في شباب مصر يوم 10 - 06 - 2015


د. أحمد عبد الهادى
وتكسرت مجلتى على مرأى ومسمع من الجميع ... كنت الصحفى الوحيد بها .. وكنت مدير التحرير .. وكنت أنا الساعى أيضا ... كنت أكتبها وأحررها لأهالى ق ريتى الصغيرة " السمارة " دون مقابل كل أسبوع ..
تحطمت أمام عينى دون أن استطيع وقف المجزرة التى تمت . ودون أن يتدخل أحد لمنع هذه النهاية المأساوية .. أما السبب فإنه يرجع إلى جرأتى التى اعتبرها البعض خرجت عن كل الحدود بعد أن تطاولت على أولياء الله الصالحين..
كانت أغرب مجلة فى تاريخ الصحافة . حيث لم أجد التمويل الكافى لإصدار مجلة أو صحيفة ورقية وقتها . مما دفعنى لأن أصدر مجلة على طريقتى الخاصة. حيث قمت بإعداد لوح خشبى كبير. ووضعت عليه المقالات والتحقيقات الصحفية المراد نشرها . وأطلقت عليها اسم " الفكر الثقافى" . وظللت أقوم بإصدارها لعدة سنوات متواصلة فى مركز الشباب . ثم قررت تعميمها على كل أهل القرية . فقررت تعليقها على محطة القرية الرئيسية .. أما طريقة وموعد النشر فقد كانت أغرب طريقة صحفية فى العالم لنشر مجلة.. فقد كان موعد النشر يبدأ من الخامسة فجرا إلى التاسعة صباح كل يوم .. ثم أعاود إصدارها فى نفس التوقيت من كل يوم ضمانا لعدم عبث الأطفال بمحتوياتها وضمانا لقراءة الموظفين والطلاب لها صباح كل يوم .. وقد أعجب الجميع بالفكرة خاصة وأنهم وجدوا فيها الكثير من الأخبار والمعلومات الطريفة والكثير من التحقيقات والأخبار المصرية والدولية ..
لكن ما إن تجرأت على نقد المولد الذى يقام للشيخة سلمى كل عام بالسمارة وأكدت أن المولد ترتكب فيه الكثير من الموبقات والخزغبلات والشعوذات التى لاتمت للدين بصلة .. وأن هناك بعض المشايخ الذين يقترفون الكثير من الآثام أقلها شرب الحشيش على مرأى ومسمع من الجميع حتى كان مصير المجلة المصادرة والحكم عليها بالإعدام إلى الأبد . فوجدتها محطمة بجوار المكان الذى تعلق فيه على المحطة.. كنت لحظتها فى السنة الأولى بالجامعة .. وكنت أبحث عن إجابة لكثير من الأسئلة التى طرأت على ذهنى وذهن ملايين الشباب مثلى وسط بحور متلاطمة من التداعيات التى قفزت على الساحة المصرية آنذاك ..
حينما أطلق السادات العنان للجماعات الإسلامية .. وصدرت مئات الكتب للإخوان المسلمين تكشف الستار لأول مرة عن عمليات التعذيب التى تمت لعناصرها فى سجون عبد الناصر ..
وكنّا قبلها نتغنى بالأناشيد والمآثر الوطنية التى تعدد فى مناقب جمال عبد الناصر . ولم تستوعب عقولنا الانقلاب الذى حدث ..
وكان الانفتاح على أشده .. ومن خلاله تاهت طبقات وقفزت طبقات أخرى.. وظهرت سمات لم يعهدها المجتمع المصرى من قبل .. وبدأ الشباب فى البحث عن أفضل السبل للهروب من واقعه الذى فشل فى التأقلم معه .. ووجد الكثيرون ملاذهم فى التدين ..
ولم يكن علماء الإسلام والمفكرون يجدون فرصة كافية لتفسير كل شىء لنا فقد كانت الأحداث أسرع من الكل .. واختلط الحابل بالنابل وتاهت معالم الدين الصحيح وسط عشرات الأوراد التى ظهرت مع ظهور طوفان التدين الهروبى ..
ووسط هذا الجو كان لابد أن يتم تحطيم مجلتى الصغيرة والحكم عليها بالإعدام. فقد كان الجو غير مهيأ لتقبّل مثل هذا النقد الموجه إلى الشيخة سلمى ومن هم على شاكلتها .
وظلت الشيخة سلمى راسخه هناك فى أعماق قريتى الصغيرة بالدقهلية.. وضريحها رغم التقدم والعلوم والأزهر مغروسا يتحدى أمثالى ويقام لها مولد كل عام .. وحول ضريحها كان الكثير من المتصوفين يظهرون ويختفون .. ويقترن ظهورهم برواية عشرات الحكايات عن خوارق الطاهرة .. وكيف أنها لازالت حيه.. ويأتى إلى مقامها أرواح الصديقين والشهداء.. وكيف أنها عاقبت أحد الأشخاص بإصابته بالخرس والشلل لأكثر من أسبوع.. لأنه تطاول عليها وأعلن رفضه لكراماتها .. ومع كل كرامة يطلقها الرجال ذوو الملابس البالية والمسابح الغريبة والأعلام الملونة.. يمتلأ صندوقها بالأموال والعطايا وتتوجه مئات النساء إليها بالبط والأوز والحيوانات والنقود .. وتغرق حجورهم الواسعة والتى صممت خصيصا لهذا الغرض بالعطايا والبركات والمنح والنذور.. تقربا لأهل الله .. وتوددا للشيخة سلمى .. أما متى ولدت الشيخة ؟
وماهى علاقتها بالنبى حتى يجعلها هؤلاء الدراويش صحابية ؟
فلا أحد يعرف .. ولا أحد لديه الاستعداد لأن يشغل عقله بمثل هذه الأمور التافهه التى تنم عن كفر بين وإلحاد مابعده إلحاد.. ولذلك لم يكن غريبا أن يطالب بعض ممن فوضوا أنفسهم بالتحدّث نيابة عن البسطاء بالقرية بطردى من "السمارة" باعتبارى عارا لايمكن أن يستمر وسطهم بعد أن أعلنت كفرى البواح فى مجلتى المزعومة بالتطاول على الطاهرة ..
الطاهرة التى يقام لها أكبر مولد فى المنطقة وتعتبر هى حاميتها هى والسلطان خضر.. السلطان خضر الذى يتواجد ضريحة فى منطقة حانوت القريبة من "السمارة" ويقام له واحدا من أضخم الموالد الكبرى أيضا.. والذى يحرص على أن يأتى للشيخة سلمى ليلة مولدها على هيئة " كوباية " نور.. وقد أقسم الكثيرين أغلظ الإيمان إنهم رأوا لمبة النور وهى "تتمختر" فى السماء فى منتصف الليل قادمة من ضريح السلطان خضر ... ثم تدخل ضريح الشيخة سلمى لفترة وتعود اللمبة ومعها الشيخة سلمى على هيئة لمبة نور أخرى.. وتذهب معه لمسافة تودعه ثم تعود أدراجها إلى الضريح من جديد ؟ ... وقلت لأهل قريتى :
طيب هما مش خايفين من كلام الناس ؟
وعندها صرخ الجميع خوفا وهلعا لحظتها واستغفروا وبسملوا وحوقلوا طالبين لى الهداية.. وعندما حاولت أن أسأل عن تاريخ الشيخة سلمى وحياتها.. وفكرها وإسهاماتها الدينية ؟ كاد بعض الأهالى يفتكون بى.. مؤكدين أن كبير الشيوخ كشف لهم عن صلتها الوطيدة بالنبى عليه الصلاة والسلام ..
وأخرستنى المفاجأة.. فكبير الشيوخ هذا ضبطته يتعاطى الحشيش والأفيون بأحد المنازل ليلة مولد الشيخة سلمى.. بينما كان المنشدون فى حلقات الذكر التى كانت تذخر بها ليلة المولد يطلبون منه المدد والعون ..
قالوا إنها صحابية من أيام الرسول..
وقال بعض أهل قريتي إن كراماتها جابت الآفاق.. وأن كثيرين لجأوا إليها وقت الشدة واستجابت لهم ..
وكانت أمى تطوف بضريحها ..
وكنت طفلا وقتها ولم أكن أملك سوى أن أطوف معها..
وبين الحين والآخر تمتد يدى الصغيرة محاولة الوصول لرأس صاحبة الضريح فقد كنت أظن أن هذه الرأس الخشبية البارزة من المقام الخاص بها رأسها الحقيقية ..
ونهرتنى أمى عن العبث بالرأس ..
وبدلا منها عبثت برأسى أنا لسنوات طويلة مفتشا عن تاريخ صاحبة المقام .. ولم أجد له أصلا . ورغم ذلك ظلت صاحبة الضريح ملاذا لكل أهل القرية . وظل التحدى بيننا كبيرا ..وشعرت بالهزيمة..
هزيمة جعلتنى اكتب رواية كاملة بعنوان "العشق فى الزمن الحرام" التى تدور أحداثها كلها ليلة مولد الشيخة سلمى .. والتى جسدت فيها صراع أبناء جيلى ضد طوفان قادم .. مهددا كل شىء بالضياع .. وعبّرت عن انفصال أبناء هذا الجيل عن الوطن .. وعن جذوره وانتماءاته بعد فشله فى الإحساس بهذا الوطن .. وظننت أننى قد كشفت فى هذه الرواية مالم يحاول أهل القرية قراءته والاستماع إليه لحظتها .. لكننى اكتشفت أننى قد ضيعت سنوات طويلة من عمرى ثمنا لمحاولة الوصول لجزء من هذه الحقيقة.. حقيقة استسلام ملايين المصريين لسكان الأضرحة ولأصحاب الأعلام الملونة.. ورغم ذلك ..رغم انتصار الشيخة سلمى على أمثالى.. إلا أننى لم أشعر باليأس فقد رحت أعد الكثير من الملفات الصحفية التى تكشف عن سكان التكايا والزوايا والأضرحة .. وأسرار هؤلاء ومايحدث فى عالمهم ..
وقمت بالعديد من المغامرات الصحفية التى كشفت عن عالم الدراويش فى مصر.. وقرآت آلاف الكتب والأبحاث والدراسات وسخرت العديد من أمناء المكتبات فى العديد من الدول العربية التى زرتها بحثا عن أمهات الكتب التى يمكن الاعتماد عليها فى إعداد هذا الكتاب..
بدءا من بيت ثقافة المقاطعة وبيت ثقافة السنبلاوين وقصر ثقافة المنصورة.. مرورا بمكتبة أمانة العاصمة بمدينة عمان الأردنية ومكتبة عبد الحميد شومان هناك وانتهاء بعشرات المكتبات والأصدقاء.. هذا الكتاب الذى استغرق التجهيز له سنوات طويلة جدا وحملت أوراقة التى تجاوزت الخمسة آلاف ورقة فوق صدرى لحين انتهاز اللحظة المواتية لإخراجه للوجود.. وعبر هذه السنوات الطويلة.. سنوات الإطلاع والمغامرات الصحفية والبحث والدراسة.. وصلت لأعماق هذا العالم.. عالم الصوفية ومملكة الدراويش فى مصر.. هو عالم آخر.. سلاطينه سيطروا على عقول المصريين بخرافات وخزعبلات وصلت إلى درجة أن بعضهم ابتدع طرقا صوفية تعلن تكفير كل من لايؤمن بها .. والبعض الآخر نصب من نفسه إلها .. ووصف نفسه بسمات الذات الالهيه حتى إنه لم يتورع عن التأكيد لمريديه بأن مفاتيح الجنة والنار معه..
واكتشفت خلال هذه الرحلة أن بعض هؤلاء الدراويش صنيعة بعض النصابين والدجالين وتجار المخدرات تحقيقا لأغراض شخصية لاتمت للدين بصلة .. مثلما حدث فى حلوان حيث قام بعض النصابين والمستغلين بعمل مقام لولى من أولياء الله الصالحين وبالمولد الذى يقيمونه له كل عام كان الجميع يتلقى آلاف الجنيهات فى صناديق النذور .. وكانت صفقات المخدرات تعقد على قدم وساق واكتشف الجميع أن الولى ليس سوى جثة حمار موضوعة داخل الضريح.. وأنهم تعرضوا لأكبر عملية نصب دينية .. وقامت الشرطة بهدم المقام على رأس صاحبه . وعلى رأس تجار المخدرات .. ونفس هذا الأمر حدث فى قرية أبو الغيط بالقليوبية والتى تحوّل فيها مولد أبوالغيط إلى مكان يتم فيه عقد أضخم صفقات المخدرات سنويا .. ولم تكتشف الشرطة هذه الحقيقة إلا بعد أن غرقت مصر فى طوفان الأفيون والحشيش والبانجو وحقن الماكس .. ومعلومات كثيرة يعجز القلم عن وصفها وتضيق هذه الأوراق عن استيعابها ..
وقد كانت جميعها محصلة لجولات مكوكية .. ومغامرات صحفية عديدة قمت بها داخل ربوع وقرى مصر .. وبين رفوف عشرات المكتبات حصولا على أمهات الكتب التى تضم الحقيقة الصادمة .
الشىء الغريب حقا أننى اكتشفت أن مملكة الدراويش فى مصر وعالم الصوفية مصاحب دوما للموالد التى تقام لأصحاب الأضرحة.. ولاتجدهم مثلا فى أى مجال آخر اللهم إلا نادرا جدا .. لاتجدهم مثلا فى دروس الفكر أو فى المؤتمرات .. أو الندوات أو على صفحات الصحف والمجلات يناقشون حججهم ورؤاهم وأفكارهم .. لأنه ليس لديهم أى أفكار أو أطروحات .. حيث لم يترك أى من الصوفية والدراويش العتاة الذين ينساق المصريون خلفهم بالملايين أى مساهمات فكرية .. كلهم بلا استثناء لم يتركوا لنا أى علم أو كتب ينتفع بها تنم عن علم وإدراك ويقين ..
كلهم لم يتركوا لنا سوى وصايا وأوراد بإمكان أى طفل مسلم أن يضع مثلها.. وكلها جميعا تطالب المريدين بأن يكونوا بين يدى شيخهم كالجثة الهامدة ..
منتهى الحض على الخنوع والاستسلام والانكسار .. والاستفزاز أيضا ..
وهؤلاء السكان سكان التكايا والأضرحة لاتجدهم فى ساعات الحروب والنضال الوطنى . والمواقف التى تحتاج إلى تكاتف كافة طبقات وفئات الشعب .. بل تجدهم دوما حول المساجد وصناديق النذور .. تجد هناك دورا بارزا جدا لهم فى الموالد.. وتجدهم فى استقبال ملايين البسطاء فى شتى ربوع مصر.. والذين قدموا إلى صاحب الضريح المحتفى بمولده ليقصوا لهم عن كرامات صاحب المولد ومعجزاته وخوارقه وعقابه لكل من لم يصدق ويؤمن بكراماته.. ولذلك لم يكن غريبا أن اتوقف طويلا عند ظاهرة الموالد التى تقام لسكان الأضرحة.. والتفاف أصحاب الخرق الصوفية والمسابح المعلقة فى الرقاب حول المساجد التى يتوسط ساحتها أحد الأضرحة .. والغريب أيضا أنه ورغم ترويج هؤلاء لعشرات الهرطقات الدينية والخروج عن الشرع .. إلا أنهم يعملون تحت ستار القانون..وهناك قانون ينظم أعمالهم ويسمح لهم بارتكاب كل مايريدون .. وسمح لبعضهم باحتكار التصوف والتدين .. وكل من لاينصاع لرغباتهم يعتبر خارجا على القانون ويتم معاقبته.. والبعض ابتعد عن القانون ووجع الدماغ وقرر أن يصنع لنفسه إلها خاصا وعالما أكثر خصوصية ويعيش فيه ..
وبين هؤلاء وهؤلاء كانت المعلومات أمامى تتكشف.. رغم عالمهم الخاص المضروب حوله بسياج قوى متين.. لايستطيع أحد أن يمسه بسوء .. حيث نجحوا فى الحفاظ على بيئتهم فتجدهم فرادى بفكرهم وعالمهم فى مؤتمرات خاصة بهم هم ..
ينظمونها بمعرفتهم
يستضيفون لها أشخاصا بعينهم
ويقولون فيها مايشاءون.. ولايسمحون بحضور ثمة مخلوق لايتفق مع فكرهم وتوجههم . وقد بلغت سطوتهم إلى حد أن الإذاعة المصرية تنقل افتراءاتهم وشعوذاتهم وأباطيلهم والتى يصفون فى بعضها شخصا مثل السيد البدوى بأنه ينجى المكروب إذا دعاه .. ويصفونه بأنه ملاذ الفقراء ومجيب الدعاء ..
وقالوا عن أبو العباس التيجانى بأنه تحدّث مع الله ورآه رؤى العين . والبعض أكد أن طريقتة الصوفية هى خاتمة الطرق الصوفية ولن يقبل الله غيرها.. وكل من لايدخلها سيكون مصيره جهنم .. أما من يسير فى ركابها فان الجنة هى الجزاء..
والبعض الآخر خول لنفسه التشفع فى كل أتباعه ومريديه .
وبعضهم زعم أنه تعلم على يدى الرسول وكان يأتيه الوحى من الله.. وغيرها من الأباطيل التى تحاول صفحات هذا الكتاب الكشف عنها والتى فشل أهل الفكر والمتخصصون فى التصدى لها لما لهم من سطوة وصلت إلى درجة أن شيوخ من الأزهر ووزراء أوقاف ورئيس جامعة الأزهر السابقين كانوا يسيرون فى ركابهم . ويتمسحون بهم فى خنوع واستسلام ولم تجد شخصا مثل شيخ الأزهر الذى أتحفنا بكثير من خطبه العصماء وفتواه بداعِ ودون داع فى كل مسائل الحياة يتصدى لهذه النقطة تحديدا.. نقطة الموالد وعالم الدراويش وزيارة سكان الأضرحة والتبرك بهم وطلب المدد منهم رغم أن الله ورسوله نهيا عن مثل هذه الأشياء.. وتجد شخصا مثل رئيس جامعة الأزهر السابق الدكتور أحمد عمر هاشم.. هذا الرجل الذى يعتبر قدوة لآلاف من طلاب الجامعة ويشرف على مئات من أساتذة الفكر الإسلامى المستنير .. يهرول ناحية الكثير من الموالد والمؤتمرات التى يقيمها دراويش مصر .. وبها يذرف الكثير من الدموع .. والتأوهات .. مثلما حدث فى الكثير من المؤتمرات السياسية والتى تم ضبطه يبكى فى أحدها حبا وتولها فى أحد السلاطين .. فالمسألة عنده ليست حبا فى الله .. وإيمانا بكرامات صاحب المولد وأهو كله مولد إنما حبا فى أشياء أخرى ..
حتى إننا رأينا أحد وزراء الأوقاف السابقين الذى كان يزعم أنه يقود الوزراة ومساجد مصر بعقل مستنير لايتردد فى التودد إلى مملكة الدراويش وسلاطينها.. ولامانع فى قضاء الساعات الطويلة مع رموزها ممن منحوا لأنفسهم حق إعطاء صكوك التصوف والدروشة والاقتراب من الله ..
والكل رفض المناقشة .. رفض التصدى للتيار خوفا من فقدان قاعدة جماهيرية عريضة .. ومقعد .. وجاه .. الوضع إذن فى حاجة إلى قراءة جديدة وبشكل جديد .. خاصة فى عصر الإنترنت .. وفى عصر لايحتمل ثمة افتراءات واختراعات وشعوذات ..
وفى حاجة إلى قراءة متأنية أيضا لما يدور هناك .. فى مملكة الدراويش وعالم الصوفية .. خاصة وأن كل الأبحاث والدراسات تؤكد أنه لاتوجد دراسة واحدة متكاملة حول الموالد فى مصر أوعالم التكايا والزوايا ...
وأزعم أننى قد حاولت ذلك
فى هذا الكتاب ..
هذا الكتاب الذى جاء محصلة سنوات من البحث والمغامرات الصحفية والدراسة والفكر والرصد والإطلاع على مئات من أمهات الكتب التى ورد جزء منها فى نهاية صفحات الكتاب والبعض الآخر لم استطع تسجيله.. إنها رحلة استغرقت سنوات طويلة جدا قررت أن أضع نتائجها بين يدى القارئ بعد سنوات من الانتظار
وأرجو أن أكون وفقت ..
أو على الأقل قد بدأت..
----------------------------------
من كتاب أسرار الصوفية ومملكة الدراويش فى مصر
توزيع مكتبة مدبولى ميدان طلعت حرب القاهرة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.