مغامرة شديدة الصعوبة والقلق عند ما يبدا كاتب أو شاعر إقتحام أو ولوج عالم إبداعى جديد .. لاأقول يخالف عالمه الذى عرفه الناس عنه .. وإنما لوعورة هذا العالم الجديد لدخوله واكتشاف أسراره .. العالم الجديد الذى أتحدث عنه هو عالم المسرح الشعرى بخصائصه وخصوصياته التى لاتتوافر للداخل إليه بسهولة والذى لايقتحمه أو يجترئ عليه أى أحد إلا إذا كان عاشقا للمغامرة أيا كانت نتائجها .. ولا يبرع فيه اى شاعرإلا من تسلح بكل ما يحتاجه هذا النوع الصعب من الكتابة ممن توافرت له الموهبة الجادة والأدوات الفنية مثل الثقافة التاريخية واللغوية والقدرة على بناء الشخصية المسرحية والتى تمثل البنية الفنية الأساسية لأى عمل إبداعى ناجح .. وبغيرهذه الأدوات يكون المبدع كمن ألقى بنفسه فى المحيط فرارا من خطر كبير يلاحقه ثم يكتشف أو يتذكربعد أن يلمس جسده سطح الماء أنه لايعرف السباحة ولكن بعد فوات أوان الإنقاذ .. وكما نعرف فإن المبدعين الذين تعرضوا لمثل هذا النوع من الكتابة فأجادوا قليلون جدا.. أحمد شوقى .. عزيز أباظة .. محمود غنيم.. صلاح عبد الصبور .. عبد الرحمن الشرقاوى .. وفاروق جويدة على سبيل المثال .. لذلك فالمغامرة التى أتحدث عنها تأتى فى وقت ينأى فيه الشعراء الكبار عن دخول هذا العالم للمجهود الكبير المطلوب ومحدودية الإقبال عليه .. لكن الشاعر عبد الناصر الجوهرى آثر التجريب فى هذا النوع الصعب كما قلنا .. هذا النوع من الكتابة الذ أعتبره مغامرة خاصة فى البدايات .. أسميها مغامرة مؤكدة ورغم ذلك نثمنها له لعدة أسباب : أولا : محدودية الإقبال الجماهيرى – كما أشرنا - على المسرح الشعرى لنجاح الإعلام فى النزول بذائقة الناس إلى الدرك الأسفل من الفن ..و لايحتاج فيها المتلقى إلى الفن اللغوى الراقى .. حتى لايتم تصديع رأسه .. إلا إذا كان النص لشاعر كبير حقق إسما كبيرا فى هذا المجال .. ثانيا : عدم وجود المخرجين الذين يتحمسون للإرتقاء والسمو بالمتلقى .. ويستيسرون تقديم النصوص التى لاتحتاج جهدا لنفس السبب السابق ..واستسهال الأعمال غير المزعجة .. ثالثا: الحاجة إلى جمهور خاص مثل جمهور السيمفونيات والأوبرات .. وغيرهما من الأعمال الفنية التى تحتاج إلى جمهور له طبيعة خاصة .. وهو بالطبع جمهور قليل ..وأعتقد أن الجمهور العربى لم يصل إلى هذه الدرجة من الوعى التى تجعله يقبل على هذه الأعمال العالية القيمة الفنية .. لكن عبد الناصر الجوهرى بجديته وحبه للإصرار والتحدى حاول أن يقتحم ويخوض هذه التجربة بكل مافيها من وعورة .. وهو معروف كشاعر يكتب قصيدة النثر الجيدة أوقصيدة التفعيلة كما عرفناه فى ديوانيه ( الشجو يغتال الربيع ) ، ( حبات من دموع القمر ) .. أما عمله الثالث الذى نحن بصدده الآن فهو مغامرته الشعرية المسرحية كما قلنا ( الشمس تلملم أسمالها ) .. وقد صدرهذا النص عن ثقافة الدقهلية فى تسع وثمانين صفحة من القطع المتوسط .. ونبدأ بالعنوان .. العتبة الأولى للنص أو أول ما يستأ نس به القارئ حين يحرص على اقتنائه لقراءته مكتوبا ..أو يسعى إلى المسرح لمشاهدته معروضا على خشبة المسرح ..حتى يمكن التعرف على عالم الكاتب أو المؤلف ..أرى منذ البداية أن الكاتب نجح فى استخدام كلمة الشمس فى بداية العنوان لأنها من الكلمات التى تغرى كثيرا من المبدعين لوضعها فى عناوين أعمالهم .. حيث تمكن هذه الكلمة بعد إكتمالها كجملة من إستخراج دلالات كثيرة مع أو ضد سلبا أو إيجابا حسب نجاح المؤلف وتوفيق المتلقى وهكذا .. من ثم جانبه التوفيق فى باقى العنوان .. لأن الكلمتين الباقيتان ليستا من الالفاظ المأ لوفة التى تجذب المشاهد أو تشد القارئ إلى العمل .. وقد يكون العمل متضمنا موضوعا جيدا أو فكرة عظيمة .. لكنه فى حالتنا هذه كمن أطلق إسم ( فوزى على فوزية أو فوزية على فوزى ) وقد لايشجع القارئ أو المشاهد على القراءة أو المشاهدة ويكون الكاتب أول الخاسرين.. فى الغالب تبدأ الاسئلة بعد القراءة او المشاهدة عن معنى الكلمتين( تلملم وأسمال ).. فإذا عرفنا معنى كلمة أسمال فى القاموس سنجد أنفسنا على حق ( فسمل العين سمولا تعنى فقأها ) .. هذه واحدة .. (السمل بتشديد الشين تعنى ثوب سمل أى خلق وبال وجمعه أسمال ) .. إذن ما هى العلاقة القوية بين المضمون والعنوان خاصة إذا إكتشفنا أثناء القراءة أو المشاهدة إمكانية إنتزاع أو بناء عنوان أكثر تعبيرا وملاءمة من داخل المضمون ومطابقا للموضوع أو مناسبا له .. كما أن نطقه ثقيل على اللسان كعنوان لعمل فنى مسرحى يبحث عن مشاهدين للمشاهدة .. وكما تقول أمثالنا ( الجواب يبان من عنوانه ).. ولننظر فى بعض عناوين المسرحيات الشعرية المعروفة فى تاريخ المسرح الشعرى مثل : جميل بثينة لعبد الرحمن الساعاتى شقيق الشيخ حسن البنا عام 1934 مجنون ليلى احمد شوقى العباسة عزيز أباظة المروءة المقنعة محمود غينيم بلال محمد يوسف المحجوب عمر والعجوز محمد يوسف المحجوب ثأر الله عبد الرحمن الشرقاوى وقد صاغها شعرا حرا وكذلك مسرحيات صلاح عبد الصبور .. مأساة الحلاج ، مسافر ليل ،الأميرة تنتظر ، ليلى والمجنون ، بعد أن يموت الملك .. فهل يمكن إعتبار هذه العناوين تأكيدا على ماأوردناه عن أهمية العنوان فى جذب القارئ أو المشاهد.. ورغم أن ذائقة المتلقى فى زمن هذه الأعمال كانت مهيأة – من وجهة نظرى – للتعامل معها سواء قراءة أو تمثيلا لأسباب كثيرة .. يأتى فى مقدمتها عدم وجود التلفزيون وهيمنة المسرح على ذائقة الناس .. ولذلك رأينا العناوين قصيرة وموحية فى هذه الأعمال و شديدة الإرتباط بالموضوع ليكون جاذبا وفاتحا للشهية الثقافية والفنية ..هذه واحدة .. ولأن المؤلف استمد أو اعتمد على التاريخ كموضوع يقدم من خلاله رؤيته أو رأيه فى الحاضر الذى نعيشه ..بمعنى استخدامه لشخصيات تاريخية موازية لشخصيات تحيا فى الواقع الحاضر .. بمعنى محاولته المزج بين التاريخ والحاضر على أن يكون أحدهما معادلا موضوعيا للآخر .. من هنا فإن السؤال الذى يطرح نفسه هو : ماهى أهمية هذا المزج ؟ .. وهل نجح الكاتب من الناحية الدرامية أن يقنع المتلقى أو القارئ بهذه الشخصيات ؟ .. أعتقد أن الشاعر لم يحالفه التوفيق فى هذا المزج .. حيث أثر ذلك على تناول الشخصيات والتعرف عليها بدقة ..باعتبار الموضوع والشخصيات دراما تاريخية شعرية .. ولنتأكد من ذلك نتعرف على مفهوم الدراما التاريخية فى معجم مصطلحات الدراما .. يقول المعجم : الدراما التاريخية هى القطعة الدرامية التى تتخذ مادتها من التاريخ .. ويمكن وصفها أو القول عنها أنها مأساة تاريخية أو ملهاة تاريخية إذا كان الموضوع المعالج مستمدا من أحداث الماضى ..أما عن مدى التزام الكاتب المسرحى بالحقيقة التاريخية التى يعالجها فقد رأى بعض النقاد وجوب التزام الكاتب بالخطوط العامة الأساسية دون التقيد بالتفاصيل الجزئية .. بينما رأى البعض إمكانية التصريح للكاتب أن يسمح لخياله بالعمل فى المادة التاريخية مثلما يعملها فى واقع الحياة .. فما هى الخطوط العامة الأساسية لهذا العمل الدرامى التا ريخى ؟.. أحد هذه الخطوط كما هو واضح فى العمل ( إلقاء فتاة فى النيل من أجل الفيضان ).. وخط آخر هو الخضوع للآلهة وخوف العامة منها .. منصور : ( باستحسان ) اليوم تزف عروس النيل ..ستخرج من معبد ( نيت ).. العرافة : ( تبدو وكانها تسدى نصيحة ) إفعل للحق .. لكى يبقى القلب عظيما ص23.. وهما الخطان الرئيسان فى العمل طولا وعرضا ويدور الصراع من خلالهما .. الحبكة ومما لاشك فيه أن الجوهرى إستطاع أن يقبض على حبكة الأحداث من البداية حتى النهاية .. فلم يفلت منه الموضوع منذ بدأ كحدث درامى فى الصفحة 19..وهى لاشك أيضا مساحة مهدرة فى القراءة مملة فى المشاهدة .. فالصفحات التى أشرنا إليها تعتبر جهدا ضائعا كان يجب إستغلاله فى أن يعرف الكاتب للشخصيات أو تعرف الشخصيات نفسها ..لكن الصور الشعرية بكل مايستخدم فيها من المجازات والإستعارات والكنايات إستحوذت على ذات الشاعر وقلمه فجاءت أشعاره الجميلة على حساب الدراما الشعرية .. ودراما الشعر كمصطلح هى : المسرحية المكتوبة فى الشعر لتمثل على المسرح .. وأحيانا يمتد المصطلح ليشمل القطعة المسرحية المكتوبة فى النثر المشعور .. وفى بعض الأحيان يقصد بالشعر الدرامى أو المسرحية الشعرية التى تقرأ فقط لعدم صلاحيتها للتمثيل .. بينما لايفرق كثير من النقاد بين الدراما الشعرية أو الشعر الدرامى .. إذن ينبغى على الشاعر المسرحى أن يعى تماما أنه يكتب دراما يصوغها شعرا وليست دراما تعتمد على الحوار العادى وقديكون فصيحا أو عاميا .. أى أنه يقدم محاكاة للشخصيات التى يقدمها لتلعب أدوارا فى المسرحية .. والدراما كما عرفها أرسطو هى المحاكاة لفعل الإنسان .. الشخصيات فإذا دخلنا إلى قلب العمل فماذا نجد ؟ .. العمل يتألف من خمس عشرة شخصية .. وإن كنت لاأدرى لماذا اعتبر الشاعر (أيقونة) شخصية من شخصيات العمل .. رغم أنه ذكر فى بداية ظهورها فى إرشاداته المسرحية (أى أيقونة) أنها مجرد صوت يخرج من الكتاب عندما وجده الغريب وفتحه ص15.. ثم تظهر بعد ذلك كشخصية مجسدة ص35فكيف يكون ذلك مقنعا؟ .. نريد من المؤلف تفسير ذلك مسرحيا بطريقة فنية .. خاصة وأنه حصر نفسه فى زمن محدد ولايمكن القول أنه إستخدام لخاصيةالإإسترجاع أو الإيهام .. أرى أيضا أن الشخصيات لم تأخذ حظها من تقديم نفسها كشخصيات معاصرة كما حاول المؤلف أن يقنعنا .. أو حتى الشخصيات التاريخية التى حاول أن يأتى بها من العالم الآخر ليتحاور الماضى مع الحاضر ..وهى فكرة فنية ذكية لكنها كانت تستحق أن يبذل فيها الكاتب جهدا أكثر من ذلك لإقناعنا بذلك ولأنها تعتبر الصراع الدرامى الرئيسى الذى من المفروض أن تتنامى الشخصيات من خلال هذا الحوار أو الصراع .. كما أن شخصية مانيتون لم يتم تقديم التمهيد الفنى المناسب للتعريف بها كشخصية محورية فى العمل ومن خلال ال 35صفحة السابقة فبدت الشخصية وكأنها شخصية ثانوية .. الإرشادات المسرحية مما لاشك فيه أن الإرشادات المسرحية شديدة الأهمية للمؤلف وللمخرج على السواء خاصة للمخرج الذى يحب الإلتزام بما أورده المؤلف فى نصه .. والإرشادات تعنى التوجيهات التى يكتبها المؤلف فى مسرحيته إلى جانب الحوار لكى يوجه القارئ أو المخرج أو الممثل إلى حركة ما ينبغى تنفيذها أو تواجدها على خشبة المسرح كحالات الصمت أو الإ نفعال أو الضحك أو الخوف أو الحزن وغير ذلك مما يراه المؤلف ضروريا لخلق الحالة بالنسبة للشخصية أو الحدث.. وقد يذكر المؤلف فى توجيهاته أشياء ينبغى تواجدها على خشبة المسرح مثل أساس من نوع معين أو ستارة ذات لون خاص يرى لها تأثيرا نفسيا أو شعوريا معينا أوفتحات محددة فى المنظر أو إضاءة ملونة إلى آخر ذلك من الإرشادات التى تجعل العمل مقنعا للمشاهد أو القارئ وتربطه فى مقعده متفاعلا متسائلا مندهشا .. وقد وضح أن الشاعر عبد الناصر الجوهرى قد نجح فى ذلك نجاحا كبيرا باستثناء بعض الإرشادات التى جاءت ناقصة أو غير متفقة مع الموقف المعروض فى المشهد ..بمعنى أنه لم يبذل مجهودا كبيرا فى تصور ماتحتاجه الشخصية أو الموقف من إرشادات ص11،ص14،ص15 ،16،17،19 ، 19،26،45،68،69،،70،81،83 لكن نجاحه فى دقة هذه الإرشادات يشير إلى فهمه لأساسيات وفنيات الكتابة المسرحية.. ولا تقلل الملاحظات السابقة من قدرته على استخدامها وتوظيفها بصورة تخدم المسرحية .. خاصة إذا عرفنا أن بعض المخرجين فى هذه الأيام يتبرمون من كثرة إرشادات المؤلف ويعتبرونها تضييقا عليهم لتقديم رؤيتهم الخاصة فى العمل المعروض واستعراض قدراتهم ومواهبهم الإخراجية .. وفى رأيئ أن المخرج ينبغى أن يلتزم بماكتبه الكاتب ولايسمح لنفسه باالإضافة أو الحذف إلا فى أضيق الحدود وبعد التشاور مع الكاتب فى حالة وجوده حيا .. أما إن كان فى رحاب الله فيمكن التشاور مع أصحاب الخبرة من الكتاب والنقاد ..حتى لايفاجأ الكاتب أن النص المعروض على المسرح ليس هو النص الذى عانى الأيام والليالى فى كتابته .. اللغة نجح الشاعر أن يجرى على ألسنة شخصياته حوارا شعريا بديعا وجميلا .. اللغة متماسكة .. والصور موحية وبسيطة وغير معقدة ..لايمل القارئ أو المشاهد المتابع سماعها .. ولايستشعر حاجة للتوقف عند كلمة ليدقق فى معناها أو استخراج الدلالات منها ليربط الأحداث المتتابعة .. وهى سمة تحسب لصالح الشاعر عبد الناصر الجوهرى .. سواء كانت هذه اللغة هى العامية التى أنطق بها شخصية المنادى الذى يعتبر فى حكم الراوىالعليم أو شخصية صابر أو الغريب .. لكن هذه اللغة فى نفس الوقت إفتقدت إلى التركيز الذى يدفع إلى تعميق الدراما والتصاعد بالحدث إلى الذروة .. ونفس الكلام ينطبق على على اللغة الفصحى المستخدمة فى أكثر من ثلثى المسرحية .. وهذا التزاوج اللغوى بين الفصحى يمكن القول عنه أنه يساعد على أن يجعل المتلقى متمسكا بمقعده فى صالة العرض أو لايمل القراءة سريعا .. من ثم كان ينبغى التدقيق كثيرا ليس لضبط اللغة نحوا أو وزنا وإنما بغرض تعميق الخطوط الدرامية وبناء الشخصيات .. أخيرا إذا كانت المسرحية - فى جانب منها - كفن تعتمد على الحكاية مثل الرواية ..فالحكاية متوفرة فى النص ..لكن السؤال : ماهى أهمية هذه الحكاية – الآن-- فى مثل هذه الظروف التى نعيشها كمجتمع يعانى كثيرا ؟.. والفن كما نعرف أساسه حسن الإختيار واستشراف المستقبل .. أيضا لامناص من صياغة الحكاية فى شكل ينمى أحداث الحكاية وليس مجرد سرد لهذه الأحداث .. وهذا أيضا متوفر فى العمل .. لكن السرد والإنشغال بجماليات الجملة كما اشرنا سلفا أضعف الحدث فكان سببا أيضا فى إضعاف التأثير المنشود .. كما ولامفر من أن تكون للغة المستخدمة فى تصعيد الحدث خصائص معينة تتمثل فى اختيار الألفاظ التى تناسب المعنى تماما وتسهم فى تصعيد الحدث الدرامى إلى الذروة.. وأعتقد أن المؤلف قد حالفه التوفيق إلى حد كبير فى اختيار الألفاظ والكلمات التى تؤدى إلى صنع الحالة المسرحية للشخصية أثناء التشخيص ولكن ليس فى كل المشاهد .. الممثلون والجمهور كتب توماس إليوت عن تجربته فى كتابة المسرح الشعرى التى خاضها ليؤكد على صعوبة هذا اللون من الكتابة فماذا قال ؟: المسرحية الشعرية ليست هى المسرحية المكتوبة شعرا.. لكنها مسرحية من نوع مختلف .. وعلى الشاعر الذى يتطلع إلى المسرح ان يكتشف قوانين نوع آخر من الشعر ونوع آخر من الدراما .. وكأن إليوت يؤكد على ماقاله أرنولد هينشليف حول أسباب فشل إليوت رغم كل مافعله للمسرح الشعرى .. كما يقول أرنولد أيضا : أخطأ كتاب المسرح الشعرى فى حق إليوت بصفة خاصة حين تصوروا أن المشكلة يمكن أن تحل إذا إهتدوا إلى الشعر الدرامى المناسب .. وغاب عنهم أن المسرحية ليست تعبيرا لفظيا بالدرجة الأولى فحسب .. بل هى حركة توضحها الكلمات التى ينطقها الممثل والإرشادات التى يؤديها .. وان الفعل ينبغى أن يكون هو بؤرة الإهتمام منذ بداية العمل حتى نهايته وليست الكلمات المنطوقة .. بمعنى أن الكلمات المنطوقة يجب أن تدل مباشرة على الشخصية والحدث ولاتتوقف لتعجب بنفسها .. هذه قراءة سريعة فى هذه المسرحية الشعرية للشاعر عبد الناصر الجوهرى .. وهو شاعر مجتهد يتحدى ذاته ويحاول تجاوز ذوات الآخرين الذين حاولوا عرقلة مسيرته الإبداعية .. لكنه إنتصر على كل ذلك وقدم قصيدة شعرية مكتملة البناء فيما يقدمه من قصائد شعرية .. وهاهويقتحم مجالا صعبا كما قلنا ليتجاوز همزات الشياطين التى تضعف الذات والعزيمة .. وبهذه المحاولة الشجاعة أعتقد أنه لن يكف عن محاولة تقديم نص شعرى مسرحى يعلن عن مبدع يتألق قائلا : هذا من إبداع ( عبد الناصر الجوهرى ) ..