* إنتاجات ضخمة تتصدر شباك التذاكر.. وأعمال استثنائية تعيد رسم خريطة المشهد السينمائى * «معركة تلو الأخرى» يبهر النقاد.. و«ماينكرافت» تحول لظاهرة جماهيرية * «حرب» صورة واقعية للحصار.. و«الحقيبة السوداء» يجمع بين المدرسة الكلاسيكية واللمسة الحداثية يعد عام 2025 حتى الآن أحد أكثر الأعوام السينمائية ثراءً وإثارة، سواء من حيث الزخم الجماهيرى الذى جذب ملايين المشاهدين حول العالم ودفع شباك التذاكر إلى مستويات قياسية، أو من حيث الحضور النقدى الواضح لأفلام صنعت جدلًا واسعًا وفرضت نفسها فى سباق الجوائز مبكرًا. وقد نجح العام فى المزج بين الترفيه التجارى الرفيع وبين الخطابات الفنية العميقة، وهو ما جعله عامًا مركزيًا فى مسار التحولات التى يشهدها فن السينما عالميًا. ومن أبرز ملامح هذا الموسم السينمائى اللافت: • طفرة لافتة فى الأفلام المقتبسة من ألعاب الفيديو، بعدما باتت هذه الفئة الأكثر قدرة على تحقيق أرباح هائلة. • عودة قوية لسلاسل سينمائية كبرى ترسخ مكانتها القديمة وتعيد تقديم نفسها لجمهور جديد. • تفوق ملحوظ للأفلام العائلية والرسوم المتحركة التى تثبت عامًا بعد عام قدرتها على السيطرة على السوق. • بروز أعمال مستقلة استطاعت رغم محدودية ميزانياتها اكتساب اهتمام نقدى واسع. وفيما يلى قراءة معمقة لأبرز 10 أفلام تركت بصمتها على الموسم، حققت حضورًا نقديًا وجماهيريًا لافتًا، مع تحليل فنى يوضح أهم مميزات كل فيلم وتأثيره على المشهد السينمائى: «معركة تلو الاخرى» One Battle After Another • فى نظر كثير من النقاد، لا يهم حجم الإيرادات أو الضجة الإعلامية؛ إذ يبقى فيلم «معركة تلو الأخرى» هو فيلم العام بامتياز، وذلك بفضل أسلوبه العميق فى بناء الشخصيات وتناول الصراع الإنسانى والسياسى بأبعاد متعددة. يعود المخرج بول توماس أندرسون فى هذا العمل إلى أكثر أساليبه نضجًا، مستلهمًا روح فيلم «فينلاند»، مع تقديم معالجة أكثر التزامًا بالواقع الأمريكى الحديث. تدور القصة حول ثورى سابق يحاول الهروب من ماضيه، لكن الماضى يظل يطارده بلا هوادة. ينجح أندرسون فى المزج بين الأنواع السينمائية المختلفة: أكشن حماسى، كوميديا سوداء، ملامح من الغرب الأمريكى الحديث، وإسقاطات سياسية حادة حول صعود الفاشية، فيما كان الأداء التمثيلى كان أحد أعمدة الفيلم الأساسية، خصوصًا من ليوناردو دى كابريو وشون بن، اللذين قدما ثنائية مذهلة. وعلى الرغم من وصف البعض للفيلم بأنه أكثر «تجارية» مقارنة بأعمال أندرسون السابقة، فإنه يحمل ثقلًا فكريًا عميقًا، ويقدم رؤية إنسانية حول معنى العائلة والحب والقدرة على النجاة داخل عالم مضطرب. يجد الأمل فى تكاتف المجتمعات واستمرار الأجيال الجديدة فى خوض غمار المعركة العادلة. وفى النهاية يطرح الفيلم سؤالًا وجوديًا مهمًا: هل يكفى الخيال لإنقاذنا؟ ويجيب أندرسون بأن الخيال لا ينقذ، لكنه يلهمنا لنقف من جديد. • «الحقيبة السوداء» The Black Bag يتصدر الفيلم الجديد للمخرج ستيفن سودربيرج قائمة أفضل أفلام الجريمة لعام 2025 بفضل توازنه الذكى بين المدرسة الكلاسيكية للجاسوسية واللمسة الحداثية التى تتميز بها أعمال المخرج. الفيلم ليس مجرد لغز استخباراتى؛ إنه دراما علاقة زوجية تُروى عبر عالم التجسس، حيث يختبر زوجان من عملاء الاستخبارات ولاءهما لبعضهما بعد اكتشاف وجود شىء محير داخل جهاز عملهما. يقدم الفيلم رؤية فلسفية حول السؤال: عندما تستطيع أن تكذب فى كل شىء… كيف تقول الحقيقة فى أى شىء؟ بطلا الفيلم مايكل فاسبندر وكيت بلانشيت قدما أداءً دقيقًا وعميقًا، يوازن بين الضعف الإنسانى والدهاء المهنى، ما جعل الفيلم من أكثر أعمال سودربيرج تماسكًا. كما ان بناء الحبكة المعتمد على الغموض التدريجى يجعل المشاهد فى حالة تساؤل مستمر، حتى لحظاته الأخيرة التى تُعد من أفضل النهايات فى أعمال المخرج. • «إيدينجتون» Eddington عودة المخرج آرى أستر لهذا النوع من الرعب النفسى حملت معها واحدًا من أكثر أفلام العام إثارة للقلق. يستعيد أستر فى هذا الفيلم هواجس جائحة كوفيد-19، ولكن من خلال معالجة اجتماعية شاملة لمدينة صغيرة تتفجر فيها التوترات السياسية والطبقية. يتمحور الصراع بين: الشريف جو كروس وعمدة البلدة تيد جارسيا، مع تصاعد الاحتجاجات واتساع الهوة بين السكان، يدخل الفيلم فى مسار سياسى خطير، يكشف هشاشة السلطة وتداعيات الفوضى الجماعية. يمزج الفيلم بين: الرعب، والكوميديا السوداء، والدراما السياسية، والإسقاطات الواقعية الحادة على المجتمع الأمريكى. وبحسب تصريحات أستر، استلهم أحداثه من صراعات حقيقية حدثت فى نيو مكسيكو خلال الجائحة، مما يضفى على الفيلم بعدًا وثائقيًا رغم طابعه الخيالى. «إيدينجتون» ليس فيلمًا سهلاً، لكنه من أكثر الأفلام التى تبقى فى الذاكرة، لقدرته على تصوير كيف حطم الإنترنت الإدراك الجمعى وكيف أصبحت المعلومات سلاحًا قد يعادل خطورة الفيروس ذاته. • «فيلم ماينكرافت» A Minecraft Movie يبقى الفيلم من أكبر مفاجآت 2025، فقد حقق نجاحًا غير متوقع، وتحول إلى ظاهرة جماهيرية، محققًا 957 مليون دولار عالميًا. استطاع صناعه نقل روح اللعبة إلى السينما دون التفريط فى أسلوبها البصرى المميز المعتمد على المكعبات، وتقديم تجربة خفيفة وممتعة للصغار والكبار. ورغم بساطة القصة وتضمنها بعض الكليشيهات، فإن الفيلم جاء سريع الإيقاع، حيويًا، ومليئًا بالمغامرة، مما جعله من أنجح الاقتباسات عن ألعاب الفيديو. قام ببطولة الفيلم جاك بلاك وجيسون موموا وسيباستيان هانسن، وإيما مايرز بدور ناتالى. 5- «الخطاة» Sinners يمثل هذا الفيلم نقطة تحول فى مسيرة المخرج رايان كوجلر، حيث يمزج بين الرعب، والموسيقى، والتاريخ، فى قصة عن مصاصى دماء تقدم بطريقة جديدة وغير مسبوقة. يتناول الفيلم موضوع سيادة البيض وتأثيرها على المجتمعات السوداء، لكن عبر إطار من الفانتازيا والرعب. من أبرز عناصر الفيلم: موسيقى تصويرية آسرة، أداء استثنائى رائع لمايكل بى. جوردان فى دور مزدوج، مزج فريد بين التعليق الاجتماعى والسرد الخارق للطبيعة. كوجلر صنع عملًا متعدد الطبقات؛ فيلم رعب، ودراما مجتمعية، وفيلم إثارة موسيقى فى آن واحد، مما وضعه بين أهم أفلام 2025 وأكثرها طموحًا. 6- «حرب» Warfare يصفه النقاد بأنه أكثر أفلام الحرب واقعية خلال العقد الأخير وأجرأها من خلال تصويره وحشيتها وشرها. يقتصر الفيلم على منزل واحد فى منطقة الرمادى خلال حرب العراق عام 2006، حيث تعيش وحدة من البحرية الأمريكية تجربة حصار خانق بعد مهمة، ويصور وحشية الحرب بأسلوب واقعى، حيث شُبه بالأفلام الوثائقية. حيث يوفر الفيلم تجربة مغامرة، بتصميم صوتى رائع، ويقرب المشاهدين من عنف الحرب، ولا يقوم بتجميلها ، بل يقدمها بصدق. الفيلم يتخلى عن البطولات المزيفة ويقدم صورة خاما وغير متزينة للحرب، مع التركيز على: الخوف، الارتباك، الفوضى، والعمل الجماعى تحت الضغط. فنحن أمام فريق من القوات البحرية الأمريكية خلال حرب غزو العراق، يلجأون إلى منزل عائلة عراقية بعد أن يجدوا أنفسهم محاطين بالقوات العراقية حيث تصبح معركة من أجل البقاء على قيد الحياة. الفيلم لا يكتفى بسرد قصة واقعية، بل يختار أن يقدمها فى قالب بصرى وتجريبى يرفض كل ما هو مألوف، حيث يبدو كصرخة فنية ضد الصور النمطية واللمسات الهوليوودية التى لطالما مجّدت الحرب فى السينما الأمريكية وأظهرت الأمريكيين أبطالا خياليين. ما يميز «Warfare» أكثر من أى شىء، هو الجمع بين تجربة ميندوزا العسكرية ووعى جارلاند السينمائى الذى ينبذ القومية ويبحث عن الصدق البصرى والنفسى. فالفيلم كُتب استنادًا فقط إلى «ذكريات الجنود» الذين عاشوا تلك اللحظة، دون إضافات درامية أو حوارات مفتعلة أو محاولة إظهار الجندى الأمريكى كشخصية «رامبو»، بل إنسان عادى يحارب ويعانى. يبدو الفيلم وكأنه «يعمل ضد تيار هوليوود لتلميع أو تبسيط أو سرد الأحداث» كما تقول صحيفة «الجارديان». قد يبدو الإيقاع بطيئًا أحيانًا، لكنه جزء من مشروعه الفنى. فيلم صادم وواقعى وثقيل عن حرب العراق، وعمل كلاسيكى محترف يعكس واقع الصراع بشكل مقنع للمشاهد حاول التركيز على التاريخ الموثق، لا على مستقبل متخيل، لذا يخرج المشاهد من فيلم «حرب»، وصراخ الجنود لا يزال يرن فى أذنيه، ليرى المشاهد، خاصة الأمريكى، حقيقة الوجود العسكرى الأمريكى فى العراق وأنه «ليس سوى تدخل عنيف ومضلل». 7- «سوبرمان» Superman شكّل فيلم المخرج جيمس جان «سوبرمان» انطلاقة مختلفة لعالم دى سى السينمائى الجديد. يقدم ديفيد كورنسويت نسخة إنسانية وواقعية من البطل الخارق سوبرمان، ليست خيالية بالكامل ولا واقعية بشكل مبالغ، بل تقف فى منطقة وسط تعتمد على الدراما والشخصية أكثر من المؤثرات البصرية حيث يتجنب الإفراط فى المؤثرات لصالح بناء درامى أقوى. الفيلم ملىء بلمسات محبى القصص المصورة، كما يضم فريق تمثيل قويا هم: نيكولاس هولت (ليكس لوثر)، ورايتشل بروسنان (لويس لين)، ناثان فيليون (جرين لانترن). ما يميز العمل أنه يتجنب تقديم قصة أصل تقليدية، بل يقدم قصة عن مهاجر يحب بلدا يسىء فهمه. فيلم ممتع، ذكى، ويُمهد لمرحلة جديدة فى عالم الأبطال الخارقين. يقدم الفيلم معالجة أكثر واقعية وإنسانية للبطل الخارق، متجنبًا الإفراط فى المؤثرات لصالح بناء درامى أقوى. ويُتوقع أن يلعب دورًا مهمًا فى إعادة صياغة هوية عالم دى سى خلال السنوات المقبلة 8- لو كان لدىّ ساقان لركلتك «If I Had Legs, I'd Kick You» هذا الفيلم المستقل الذى أخرجته مارى برونشتاين صادم على المستوى النفسى، ويستكشف ضغوط الأمومة الحديثة من خلال قصة امرأة تُصارع الإرهاق النفسى والمجتمعى. فليند، معالجة نفسية من مونتوك، تعانى ابنتها من مرض غامض، فقدت ما تبقى لها من قدرة على التمييز بين مضايقة بسيطة وأزمة كارثية. فى ضوء ذلك، من الطبيعى أن يكون أحد أكثر الأفلام صراحةً وصدقًا على الإطلاق عن الأمومة المعاصرة. روز بيرن تقدم أحد أفضل أداءاتها، حيث تُجسّد شخصية هشّة، مرهقة، لكن عميقة ومؤثرة. الفيلم ليس للقلوب الضعيفة؛ فهو حاد، بطىء الإيقاع عمدًا، ويضع المشاهد داخل نوبة القلق التى تعيشها البطلة. إنه عمل شديد الجرأة والصراحة، ويعد إضافة مهمة لأفلام الدراما النفسية المعاصرة. 9-«مهمة مستحيلة: الحساب الأخير» Mission: Impossible – The Final Reckoning ختام ملحمى لسلسلة عمرها عقود.. يقدم توم كروز مرة أخرى مشاهد خطيرة نفذها بنفسه، ويقدم الفيلم حبكة معقدة ومتماسكة وربما الأكثر نضجًا بين أجزاء السلسلة. يتميز الفيلم ب«مشاهد مطاردات مذهلة، أكشن مبتكر، نهاية مرضية تغلق قصة إيثان هانت باحترام كبير». فيلم يؤكد أن السلسلة لا تزال قادرة على تقديم الأفضل رغم تاريخها الطويل. 10- «كان مجرد حادث» It Was Just an Accident عودة قوية للمخرج الايرانى جعفر بناهى بعد رفع القيود المفروضة على أعماله، ويعد هذا الفيلم الأكثر صراحة سياسيا فى مسيرته. فهو يمزج بين الإثارة والرحلة النفسية والنقد السياسى، والتأمل فى العنف كأداة للذاكرة والانتقام. تدور القصة حول وحيد، الرجل الذى يختطف شخصًا يعتقد أنه جلاده السابق، ليدخل فى دوامة من الشك والبحث عن الحقيقة. «كان مجرد حادث» عمل مؤلم، واقعى، ومشحون بالأسئلة الأخلاقية، ويُعد من أقوى الأعمال القادمة من السينما الإيرانية فى السنوات الأخيرة وقد توج بالدب الذهبى لمهرجان كان السينمائى.