تري هل ثمة كاتب يلعب الحظ الدور الأكبر في حياته وكاتب آخر تقف عساكر الحظ في طريق تقدمه إبداعيا وتمنعه من الوصول إلي ما يريد؟ الإجابة علي هذا السؤال يتعرض لها الشاعر أحمد الشهاوي في زاويته «فضاءات» بمجلة دبي الثقافية هذا الشهر. بداية هو لا يري أن هناك كاتبا محظوظا وآخر سيء الحظ وقد توصل نتيجة لمشاهداته وتجاربه وخبراته في الحياة الأدبية إلي أن الكاتب الذي يمتلك موهبة كبيرة فحتمًا سيظهر وتطلع شمسه ويتحقق وتروج كتابته وسوف يلتفت إليه القراء قبل النقاد وإذا حدث وأهمل هذا الكاتب لبعض الوقت فلن يستمر ذلك الاهمال كثيرا لأن الموهبة تعبر عن نفسها دون وسائط وإذا أتيحت لها وسائط إعلامية جادة ومحترمة ستنطلق إلي حدود واسعة وآفاق عريضة. إقصاء ما هو جيد وهنا أتوقف لأسال: هل المناخ الذي نعيش تحت سمائه الآن يسمح للكاتب الحقيقي بأن يتبوأ المكانة التي تليق به لاسيما ونحن نري فقاعات تظهر كل يوم بل كل لحظة وتختفي ولا عمل لها سوي أن تحجب أصحاب الموهبة الحقيقية عن الظهور آخذين ما ليس لهم بمساعدة فقاعات أخري؟ ثم أين هي وسيلة الإعلام الجادة والمحترمة التي ستقف بجوار المواهب الحقيقية وتساعدها في الانطلاق ولو لخطوة واحدة إلي الأمام؟! ألا تعلم يا صديقي الشاعر أنا نعيش في عصر لم تعد معظم وسائل الإعلام فيه تهتم بتلميع وتنجيم إلا كل ما هو سطحي وتافه ومبتذل ولا موهبة فيه وكأنها تؤكد - بكل ثقة - أنها أخذت علي عاتقها أن تقوم بإقصاء كل ما هو جيد ومحترم؟! حضور فاعل مرة أخري يري الشهاوي أنه لا شيء يحقق للكاتب حضورا فاعلا غير كتابته فهي التي تتحدث عنه وتعبر عنه باعتبارها لسان حاله، كذلك يضيف أن أي حضور آخر غير حضورها يعول عليه لأنه محكوم عليه بالزوال لكونه مزيفا وغير حقيقي، وإذا اتفقنا مع الشهاوي في وجهة نظره هذه فما قوله فمن يستعينون بأصدقاء ليؤكدوا حضورهم زيفا وبهتانا مهللين لهم جاعلين إياها في المقدمة مانحين لهم ما ليس من حقهم؟ ألا يصيب هذا الكتاب الحقيقيين الذين توصد أمامهم كل النوافذ صغيرة كانت أو كبيرة بالإحباط لا سيما وأن الكثيرين من هؤلاء الكتاب ينأون بأنفسهم أن ينزلقوا إلي معارك خاسرة مع أفراد لا قيمة لهم ولا يساوون أي شيء؟ الكتابة سلطة أيضا يري الشهاوي أن الكتابة سلطة لا يصنعها لا المنصب ولا المال ولا المكانة الاجتماعية لأنها - أي الكاتبة- هي الأبقي والأخلد، ومكملا لهذه الفكرة يقول إن كثيرين ممن يملكون المال والنفوذ يسعون إلي الكتابة حتي يجملوا بها حياتهم وقد يصل الأمر بهم إلي أن يستأجر كتابا أشباحا ليكتبوا بدلا عنهم كي يتسبوا إلي قبيلة الكتاب. ومرة أخري أعاود التوقف هنا لأتساءل: هل يسعي الأثرياء وأصحاب السلطة والنفوذ في أيامنا هذه إلي الدخول في قبيلة الكتاب وهم يرون الكتاب يموتون أمامهم واحدا تلو الآخر نتيجة للأمراض دون أن يسأل عنهم أحد ودون أن يفكر أحد في علاجهم إلا بعد فوات الأوان؟ وهل يفكرون في الدخول إلي قبيلة معظم من ينتمون إليها يعيشون تحت خط الفقر قياسا بنظرائهم في بلدان العالم المتقدم في الوقت الذي يباع لاعبو الكرة بملايين الجنيهات دون أن يقدموا لبلدانهم أي شيء؟! ليس هذا وحسب بل إن ما ينفق علي مؤتمر واحد فاشل يكفي لعلاج عشرات الكتاب المساكين وتحسين أوضاعهم الحياتية!. فوق ريش النعام وككثيرين يري الشهاوي أن الكاتب لا يترسخ بكم ما يكتب ولا تتحدد قيمته أو مكانته من حجم مبيعات كتبه أو قدر شهرته وانتشاره. وأنا شخصيا لا أختلف كثيرا مع من يرون هذا الرأي أو يميلون ناحيته لكني فقط أتساءل: كم من كاتب حقيقي مات جوعا أومرضا أو فقرا رغم قيمة ما يكتب؟ وكم من كتابات أدني من أن تذكر إلا أن أصحابها من كثرة مبيعاتهم يعيشون ويتمرغون فوق ريش النعام؟ رؤي مغايرة أما عن الصراع بين الأجيال فيقو ل الشهاوي إنه صار من الصعب لمبدع جديد أن يبرز أو يأخذ مكانا بسهولة فلا الأسماء الموجودة ترغب في جديد ينافس أو يطرح ما لديه من أفكار ورؤي مغايرة ولا الحياة الأدبية مهيأة لاستقبال كتاب يحملون أرواحهم في أوراقهم، ثم يتساءل: هل يبحث الكاتب عن مكان آخر له كي يعيش فيه؟ هل يرحل عن الأرض التي ارتبط بها وخلقت فيها أحرفه الأولي؟ بعد ذلك يدلف الشهاوي إلي بيت القصيد متسائلاً: ما المكان المناسب الذي في أجوائه يستطيع أن يكتب ويتفرغ لكتابته دون أن تلاحقه شئون الحياة الصغيرة وينشغل بها عن مشروعه الأساسي في الوجود وهو الكتابة؟ ولا غني عن التساؤل هنا: هل من حق الكاتب - في وطننا العربي- أن يحلم برؤية دولته التي يعيش علي ترابها ويفني حياته في محراب الدفاع عنها بفكرة وإبداعه ومساعدا في نهضتها علميا وثقافيا، هل يحلم بها وهي تجود عليه - كرما ومنا- عليه بمنحة تفرغ مدي الحياة ليتفرغ لمشروعه الإبداعي والثقافي؟ أم أن هذا من قبيل الترف الذي يحظر علينا- نحن كتاب العالم الثالث - أن نقترب منه ولو حتي في الأحلام؟ كذلك يتساءل الشهاوي وكأنه يدوس علي جرح مازال ينزف قائلا: هل علي الكاتب أن يبحث عن مكان مناسب يعيش فيه؟ هل يبحث لنفسه عن لغة أخري يتحقق فيها بعدما صارت اللغة العربية مهزومة مثل الأمة التي تتحدثها؟، ولأن أحمد الشهاوي واحد ممن يعيشون في مطبخ الكتابة ولسع من نيرانها كآخرين كثيرين فهو يري أن الكتابة والفقر متلازمان غير أن الكاتب لديه قناعة وإيمان عميق بأن الكتابة ثراء بما تقدمه لصاحبها من رضا واستشفاء وتحقق ووجود وأصداء باقية في أعماق القراء علي مر العصور. عالم الأثرياء وقبل أن أنهي مقالي هذا اسمح لي عزيزي القارئ أن أتساءل: إذا كان الأثرياء يسعون إلي دخول قبيلة الكتاب فهل يسعي الكتاب لدخول عالم الأثرياء؟ وأسمح لي أن أجيب قائلا: لا فما يملكه الكاتب الحقيقي الموهوب الذي يحترم نفسه وقلمه وقارءه لا تساويه كل أموال العالم وإن وضعت أمامه في سلة واحدة.