شريعة الله لا تقبل الاختلاف وما كان وضعا بشريا من الأقوال والآراء التي وضعت على خلاف الوحي، مصدرها أقوال وآراء الرجال، بعيدا عن الكتاب والسنة، وبثّت في دواوين الفقه، وكتب الاعتقاد، كالداء يفتك بالْجسد، ونشرت بين عباد الله في كل البلاد، حتَّى أصبحت هي الْمَرجع في مسائل الدين عامة، الَى أولئك الذين تركوا الْحقَّ وشَرَّقوا وغَرَّبوا في ظلمات بَحر الفلك فيه أقوال الرجال، نقول: حذر الله سبحانه وتعالَى من هذا الْمنهج وتلك الطريق بقوله: {اتَّبعُواْ مَا أُنزلَ الَيْكُم مّن رَّبّكُمْ وَلاَ تَتَّبعُواْ من دُونه أَوْليَاءَ قَليلا مَّا تَذَكَّرُونَ} [الأعراف: 3] والْمُرادُ بما أنزل اليكم هو كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والسنة الْمُبينة له، ولا يغرنك زخرف القول وآراء الرجال، وقال: {وَاتَّبعُواْ أَحْسَنَ مَا أُنزلَ الَيْكُم مّن رَّبّكُمْ مّن قَبْل ان يَأْتيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَة وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ} [الزمر: 55]، والْخوف على من سلكَ غير هذا السبيل فسيكون حكمه والْمُنافقون واحداً، فالعبْرةُ بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، لقوله تعالَى: {وَاذَا قيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ الَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَالَى الرَّسُول رَأَيْتَ الْمُنَافقينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودا}[النساء: 61]، وأَخْبَرَ خَيْرُ البشر عن نَفْسه ان ضل فهذا كائن بمخالفة الوحي، وان كان علَى هدى فذلك بموافقة الكتاب والسنة، لقوله تعالَى:{قُلْ ان ضَلَلْتُ فَانَّمَا أَضلُّ عَلَى نَفْسي وَان اهْتَدَيْتُ فَبمَا يُوحي الى رَبّي}[سبأ: 50]. تَقديْمُ آراء الرجال علَى الكتاب والسُنَّة تَقديْمُ آراء الرجال هو منبعُ الْخلاف، والأصلُ الذي قام عليه الاختلافُ، وَصارَ الشَّرعُ الواضحُ الْمُبين يُعرف عند كثير من الْمُنحرفين ان الشريعة: [دين خلافيات]، ولك ان تأخذ بأي الآراء شئت، فحيثما تيممت وقصدت «فلن تَخرجَ عن هذا الدين الْمُحدث، وما زلت وسطيا في دائرة الْخلافيات، أينما ذهبت» وبأي قول قلت، فأنت مسبوق اليه، ولك سلف في كل مذهب، حقا كان ذلك الْمَذهب أو باطلا، وليس من الغريب ان يصل هذا التأصيل الفاسد دعوة الأنبياء والْمُرسلين: مسائل التوحيد والاعتقاد، حتَّى جُعلت من [دين الْخلافيات]، وخرج علَى أمة مُحمد صلى الله عليه وسلم بعض الْمُعاصرين يدينون بالْمُحدثات، ويدّعون ان أصول الاعتقاد وتوحيد الله عَزَّ وَجَلَّ (مَسائلَ خلافيَّة) بين سلف الأمة والْخلف، وحجتهم ان لَهم سَلف في ذلك ومن أشهرهم حامل لواء الكفر وزعيمه، مُحدث أعظم خلاف في توحيد الله صاحب الفصوص ابن عربي وتلميذه ابليس ناشر دعوته وناصر منهجه ومُحيي بدعته في كل عصر ومصر. الردُّ عندَ التنازع الَى الشريعة ايْمان قال تعالَى: {فَان تَنَازَعْتُمْ في شَيْء فَرُدُّوهُ الَى اللَّه وَالرَّسُول ان كُنتُمْ تُؤْمنُونَ باللَّه وَالْيَوْم الآخر}[النساء: 59]، اذا ردت مسائل الشرع الَى الكتاب والسنة، نَجد القولَ والْحقَّ واحد، وتتفقُ أقوالُ الناس ولا تَختلفُ القلوبُ، وهنا لا يقع خلاف، وفي قوله: {ان كُنتُمْ تُؤْمنُونَ باللَّه وَالْيَوْم الآخر} أي: ان ما يذهب اليه كثير من الناس من رد التنازع في الْمسائل الَى غيرهما لَم يكن يؤمن بالله، حيث علق الرد بالايمان، والتعويل في مسائل الشَّرع الَى قول الأمام والشيخ والْمَرجع وغيْره ممَّا زَيَّنه الشيطانُ من الأقوال، قال الله فيه: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُواْ لَهُمْ منَ الدّين مَا لَمْ يَأْذَن به اللَّهُ}[الشورى: 21]، ومع تعدد الْمُشرعين لا مَحالة من وقوع الاختلاف ونشأة الْخلاف، وهنا نبتت مَقولةُ الْمُقَلّدةُ: (الْمَسألة خلافية)، والتي جعلها البعض دينا وذهب يُفتي بها في كُلّ ما يعرض له، ويَحسم به مسائل الدين معتقدا أَنَّها في مَقَام الْمُنْزل من السماء والعياذُ بالله. قال ابن القيم رحمه الله: العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة ليس خلف فيه ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسول وبين رأي سفيه كلا ولا نصب الخلاف جهالة بين النصوص وبين رأي فقيه وهي تشابه ما قاله الْحافظ الذهبي رحمه الله: الفقه قال الله قال رسوله ان صح والاجماع فاجهد فيه وحذار من نصب الخلاف جهالة بين النبي وبين رأي فقيه (طَريقُ الْحَقّ واحدة لا تَختلفُ وطَرائقُ الباطل كثيرة) الشَّريعةُ تُوحّدُ الطريقَ وأهلُ الأهواء يُفرقون، وكل من تَحاكم الَى غير الكتاب والسنة وجانب الْحق وطريق الْهدى فإنه ضال حيثما توجه لأن الْحق واحد، ومنهجه واحد متحد، يصدق بعضه بعضا، قال تعالَى: {قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور}[الرعد: 16]، وقال: {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات الَى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونَهم من النور الَى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}[البقرة: 257]، وقال تعالَى: {وجعل الظلمات والنور}[الأنعام: 1]، وقال: {يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويُخرجهم من الظلمات الى النور باذنه ويهديهم الى صراط مستقيم}[المائدة: 16]. وَحد النورَ وجمعَ الظلمات ووحد سبيلَ الله وجمعَ السُّبلَ شريعة واحدة، والْحقُّ واحد، والسبيلُ واحد، ولهذا وحد الله تعالَى لفظ النور وجَمع الظلمات، لأن الْحق واحد، والباطل يتشعب ويتفرق، وقال تعالَى: {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله} فوحد سبيله وجَمع السبل، لتفرق طرقها وتشعبها، وقال تعالَى: {عن اليمين والشمائل}[النحل: 48]، والأدلة كثيرة في هذا الباب الذي يُبَيّنُ تَفَرد الْحقّ. وانتشار الباطل، وتفرقه، واختلافه، وأصبح شعار هذه الطوائف قولهم: (في الْمَسألة خلاف)، وهذا الشعار هو علامة أهل الباطل ودين الْخلافيات الذي عرفوا به.واللهم احفظ الْمسلمين من الْخلاف والْحمد لله رب العالَمين.