شاهد، أعمال تركيب القضبان والفلنكات بمشروع الخط الأول من شبكة القطار الكهربائي السريع    الصين تُبقي أسعار الفائدة دون تغيير للشهر السادس رغم مؤشرات التباطؤ    ترامب يوقع قانونًا لنشر ملفات جيفري إبستين.. ويعلن لقاءً مع رئيس بلدية نيويورك المنتخب    حجبت الرؤية بشكل تام، تحذير عاجل من محافظة الجيزة للمواطنين بشأن الشبورة الكثيفة    سيد إسماعيل ضيف الله: «شغف» تعيد قراءة العلاقة بين الشرق والغرب    ترامب يرغب في تعيين وزير الخزانة سكوت بيسنت رئيسا للاحتياطي الاتحادي رغم رفضه للمنصب    أخبار فاتتك وأنت نائم| حادث انقلاب أتوبيس.. حريق مصنع إطارات.. المرحلة الثانية لانتخابات النواب    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخيرًا بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الخميس 20 نوفمبر 2025    انتهاء الدعاية واستعدادات مكثفة بالمحافظات.. معركة نارية في المرحلة الثانية لانتخابات النواب    تحريات لكشف ملابسات سقوط سيدة من عقار فى الهرم    زكريا أبوحرام يكتب: هل يمكن التطوير بلجنة؟    زوار يعبثون والشارع يغضب.. المتحف الكبير يواجه فوضى «الترندات»    دعاء الفجر| اللهم إن كان رزقي في السماء فأنزله    بيان سعودي حول زيارة محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة    مستشار ترامب للشئون الأفريقية: أمريكا ملتزمة بإنهاء الصراع في السودان    سفير فلسطين: الموقف الجزائري من القضية الفلسطينية ثابت ولا يتغير    أدعية الرزق وأفضل الطرق لطلب البركة والتوفيق من الله    كيفية تدريب الطفل على الاستيقاظ لصلاة الفجر بسهولة ودون معاناة    فلسطين.. تعزيزات إسرائيلية إلى قباطية جنوب جنين بعد تسلل وحدة خاصة    مكايدة في صلاح أم محبة لزميله، تعليق مثير من مبابي عن "ملك إفريقيا" بعد فوز أشرف حكيمي    مصادر تكشف الأسباب الحقيقية لاستقالة محمد سليم من حزب الجبهة الوطنية    طريقة عمل البصل البودر في المنزل بخطوات بسيطة    يحيى أبو الفتوح: منافسة بين المؤسسات للاستفادة من الذكاء الاصطناعي    إصابة 15 شخصًا.. قرارات جديدة في حادث انقلاب أتوبيس بأكتوبر    طريقة عمل الكشك المصري في المنزل    أفضل طريقة لعمل العدس الساخن في فصل الشتاء    مأساة في عزبة المصاص.. وفاة طفلة نتيجة دخان حريق داخل شقة    أسعار الدواجن في الأسواق المصرية.. اليوم الخميس 20 نوفمبر 2025    خبيرة اقتصاد: تركيب «وعاء الضغط» يُترجم الحلم النووي على أرض الواقع    وردة «داليا».. همسة صامتة في يوم ميلادي    بنات الباشا.. مرثية سينمائية لنساء لا ينقذهن أحد    مروة شتلة تحذر: حرمان الأطفال لاتخاذ قرارات مبكرة يضر شخصيتهم    مهرجان القاهرة السينمائي.. المخرج مهدي هميلي: «اغتراب» حاول التعبير عن أزمة وجودية بين الإنسان والآلة    خالد أبو بكر: محطة الضبعة النووية إنجاز تاريخي لمصر.. فيديو    ضبط صانعة محتوى بتهمة نشر مقاطع فيديو خادشة للحياء ببولاق الدكرور    إطلاق برامج تدريبية متخصصة لقضاة المحكمة الكنسية اللوثرية بالتعاون مع المعهد القضائي الفلسطيني    إعلام سوري: اشتباكات الرقة إثر هجوم لقوات سوريا الديمقراطية على مواقع الجيش    موسكو تبدي استعدادًا لاستئناف مفاوضات خفض الأسلحة النووي    بوتين: يجب أن نعتمد على التقنيات التكنولوجية الخاصة بنا في مجالات حوكمة الدولة    تأجيل محاكمة المطربة بوسي في اتهامها بالتهرب الضريبي ل3 ديسمبر    خالد الغندور: أفشة ينتظر تحديد مستقبله مع الأهلي    دوري أبطال أفريقيا.. بعثة ريفرز النيجيري تصل القاهرة لمواجهة بيراميدز| صور    تقرير: بسبب مدربه الجديد.. برشلونة يفكر في قطع إعارة فاتي    ديلي ميل: أرسنال يراقب "مايكل إيسيان" الجديد    بالأسماء| إصابة 5 أشخاص في حادث تصادم ميكروباص وملاكي بأسيوط    فتح باب حجز تذاكر مباراة الأهلي وشبيبة القبائل بدورى أبطال أفريقيا    أرسنال يكبد ريال مدريد أول خسارة في دوري أبطال أوروبا للسيدات    "مفتاح" لا يقدر بثمن، مفاجآت بشأن هدية ترامب لكريستيانو رونالدو (صور)    ضمن مبادرة"صَحِّح مفاهيمك".. أوقاف الفيوم تنظم قوافل دعوية حول حُسن الجوار    لربات البيوت.. يجب ارتداء جوانتى أثناء غسل الصحون لتجنب الفطريات    عصام صاصا عن طليقته: مشوفتش منها غير كل خير    تصل إلى 100 ألف جنيه، عقوبة خرق الصمت الانتخابي في انتخابات مجلس النواب    أمريكا: المدعون الفيدراليون يتهمون رجلا بإشعال النار في امرأة بقطار    ماييلي: جائزة أفضل لاعب فخر لى ورسالة للشباب لمواصلة العمل الدؤوب    قليوب والقناطر تنتفض وسط حشد غير مسبوق في المؤتمر الانتخابي للمهندس محمود مرسي.. فيديو    خالد الجندي: الكفر 3 أنواع.. وصاحب الجنتين وقع في الشرك رغم عناده    أهم أحكام الصلاة على الكرسي في المسجد    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 19نوفمبر 2025 فى المنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الْجِزْيَةَ.. قراءة مُتأنية في مضامين الآية
نشر في شباب مصر يوم 16 - 07 - 2010


بسم الله الرحمن الرحيم
قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (التوبة:29)
إساءة ا(البعض) من أتباع الرسالة المحمدية لأهل الكتاب، وتفسير الآية الكريمة تفسيراً تراثياً أسود، غُلف بتبريرات وأعذار واهية، أثار حفيظة المستشرقين والسواد الأعظم من الناس وزرع في قلوبهم حقداً على الإسلام وأتباعه، وكأن المراد من هذه ألآية الكريمة هو تحقير (عموم أهل الكتاب) مما لا ينسجم قطعاً وروح تعاليم الدين القيم – الإسلام
بنود عقد الجزية المُشترطة على أهل الكتاب التي لا نجد لها ذكراً في كتاب الله تعالى
"عليهم أن يعطوا أربعة مثاقيل ذهبا في انقضاء كل عام قمري وصرف كل دينار اثنا عشر درهما، وألا يحدثوا كنيسة ولا بيعة ولا ديرا ولا صومعة، ولا يجددوا ما خرب منها، ولا يمنعوا المسلمين من النزول في كنائسهم، وبيعهم ليلا ونهارا ويوسعوا أبوابها للنازلين، ويُضيفوا من مر بهم من المسلمين ثلاثة ، وألا يأووا جاسوسا، ولا يكتموا غشا للمسلمين، ولا يعلموا أولادهم القرآن، ولا يمنعوا أحدا منهم الدخول في الإسلام، ويوقروا المسلمين ويقوموا لهم من المجالس، ولا يتشبهوا بهم في شيء من لباسهم ولا فرق شعرهم، ولا يتكلمون بكلامهم ولا يتكنوا بكيناهم، ولا يركبوا على السروج، ولا يتقلدوا شيئا من السلاح ولا يحملوه مع أنفسهم ولا يتخذوه، ولا ينقشوا خواتيمهم بالعربية، ولا يبيعوا الخمر من مسلم، ويجزوا مقادم رؤوسهم، ويشدوا الزنانير، ولا يظهروا الصليب، ولا يجاوروا المسلمين بموتاهم، ولا يطرحوا في طريق المسلمين نجاسة، ويخفوا النواقيس وأصواتهم، ولا يظهروا شيئا من شعائرهم، ولا يتخذوا من الرقيق ما جرت عليه سهام المسلمين، ويرشدوا المسلمين ولا يطلعوا عليهم عدوا ، ولا يضربوا مسلما ولا يسبوه ولا يستخدموه، ولا يسمعوا مسلما شيئا من كفرهم، ولا يسبوا أحدا من الأنبياء صلوات الله ليهم، ولا يظهروا خمرا ولا نكاح ذات محرم، وأن يسكنوا المسلمين بينهم، فمتى أخلَوا بواحدة من هذه الشروط،، اخُتلف في نقض عهدهم .. (قتلهم وسبيهم وأخذ أموالهم..!!") (انتهى) "مراتب الإجماع - ابن حزم" (1)
ويقول أبن سعد في "الطبقات الكبرى" عن عمر: “وضع الخراج علي الأراضي، والجزية علي جماجم أهل الذمة فيما فتح من البلدان، ووضع علي الغني ثمانية وأربعين درهما، وعلي الوسط أربعة وعشرين درهما، وعلي الفقير اثني عشر درهما، وقال: لا يعوز"أي لا يرهق" رجل منهم - أي الفقراء - درهم في الشهر" (انتهى) الطبقات الكبرى لابن سعد (2)
ربما يتهمنا البعض جزافاً في أننا ننقل أقوال المستشرقين وشبهتاهم، ونحن بدورنا نرد هذه التهمة على أصحابها رداً جميلاً، ونسأل: هل أبو محمد علي بن احمد بن سعيد بن حزم (الأندلسي) المولود في قرطبة (عام 384 هجري) وابن أبي عبد الله محمد بن سعد بن منيع المولود سنة (168 هجري) من المستشرقين؟ ألم يحن الوقت للدفاع عن هذا الدين الذي اصطفاه وارتضاه الحق سُبحانه وتعالى للناس كافة، بدلاً من الدفاع العبثي العقيم عن الذين أساءوا لدين الله من علماء وولاة وحكام؟ والذين لم يتدبروا قول الحق سبحانه وتعالى:
لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (الممتحنة: 8) وقوله أيضاً:
“إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ" (الممتحنة: 9)
لقد تعددت مفاهيم الجزية لدى علماء الدين، ووضع (بعضهم) لها أحكاماً جائرة تحت مسميات مختلفة ما أنزل الله بها من سلطان، وقلَت اجتهادات (بعضهم) القرآنية وكثرت آراؤهم الشخصية، وتباينت فيما بينهم، وكل أدلى بدلوه، فجعلوا من الجزية التي فرضها المولى سبحانه وتعالى ((عقوبة على المقاتلين المعتدين ((حصراً)) من الذين (لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ) (وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ) (وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ) (وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ) إتاوة على جميع أهل الكتاب بدون وجه حق، تارة تحت مسمى حماية أهل الذمة، وتارة تحت مسمى الصدقة، وتارة أخرى، بدلاً عن فريضتين فرضتا على المؤمنين، فريضة الجهاد وفريضة الزكاة! وأجحفها تحت اسم (عقد الجزية) وتحت مسميات عديدة لا يتسع المقام لذكرها جميعاً، مما أوقع الولاة والحكام في خطأ تطبيقي ناتج عن سوء فهم النص القرآني، (حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) من جهة، وعدم الإلمام بالمقاصد العامة للشريعة المبنية على التسامح، وقبول الآخر من جهة أخرى.
لا يختلف اثنان من العقلاء بأن الاقتتال بين مخلوقات الله تعالى نوعان لا ثالث لهما، عدوان أو دفاع عن النفس، وقد حدد الله تعالى القتال المشروع في الإسلام بالدفاع عن النفس فقط، ونهى عن العدوان، بدلالةً قوله سبحانه وتعالى في هذه ألآيات الكريمة: "وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ و(َلاَ تَعْتَدُواْ) إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ" (البقرة:19)
الَّذِينَ (هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ) مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (آل عمران:195)
وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم (مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ) وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ (التوبة:12)
إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً (كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً) وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (التوبة:36)
ولعله من نافلة القول بأن نؤكد بداية على حقيقتين هامتين، أولهما بأن الدعوة إلى دين الله تعالى في نشأتها كانت سلمية، وأن المسلمين الأوائل دخلوا في دين الله عن قناعة وبرهان وانصياع لحجة، بالرغم من الاضطهاد الذي عانوه في ذواتهم وأموالهم، لقد اضطهدوا في أهلهم، واضطهدوا في أوطانهم، وكانوا قلة وأذلة، عاجزون عن الدفاع عن أنفسهم أمام كُتل الطُغيان التي كانت تُحارب الإسلام والمُسلمين، والحقيقة الثانية، وبعيداً عن الأحاديث المكذوبة على رسول الله (ص) نؤكد على حقيقة لا تشوبها شائبة، وهي أن الرسول الكريم (ص) لم يحمل قط السيف لإجبار الناس على الإسلام أو الإيمان، بينما الكُفار والمًشركين والذين ظاهروهم من الذين أُتوا الكتاب، هم الذين حملوا السيوف ليفرضوا على الناس سماع كلمة الباطل ومنعهم من سماع كلمة الحق، ولكن، لكي تصل كلمة الحق إلى الناس وتكون الفرص مُتساوية، حمل النبي (ص) السيف دفاعاً عن النفس، وليمنع المُعوقات التي تعوق كلمة الحق التي تصل إلى القلوب، فيسمع الناس حجة هؤلاء، وهؤلاء، وبعد ذلك يختارون ما يختارون بإرادة حرة، لا يفرض فيها السيف رأياً، وقطعاً لا يُفرض فيها عقيدة وديناً. لقد طبق رسول الله (ص) ما تنزل على قلبه نصاً وروحاً، ولم ينسَ أو يتناسى ولو للحظة واحدة قول الله تعالى: وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ ( يونس:99 ) وقوله سُبحانه: لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ( البقرة:256)
فدين الله واسعٌ ورحبٌ بأهله ولا يمكن الإكراه عليه، والتراضي أساس الإسلام، أما سيف رسول الله(ص) وجد ليُدافع عن الإرادة الحرة للإنسان، وليمنع إكراه الناس على الباطل، وليُعطي الناس الفرصة للاختيار بدون إكراه أو ضغط أو إرهاب، فتكون كلمة الله هي العُليا، بعكس ما فعله الولاة والحكام ومُداهنة رجال الدين لهم، الذين اتخذوا من الدعوة إلى دين الله ذريعة لغزواتهم، بعد تحريف الجهاد إلى قتال، والجهاد إلى غزو، والقتال إلى قتل. فلينظر ناظرٌ بعقله إلى ما قاله الإمام الشوكاني، (1173 - 1250 ه ) رحمه الله، حول هذه النقطة تحديداً: "أما غزو الكُفار، ومُناجزة أهل الكفر، لحملهم على الإسلام أو تسليم الجزية أو القتل، فهو معلوم من الضرورة الدينية، وأدلة الكتاب والسُنة في هذا لا يتسع لها المقام ولا لبعضها!!! أما ورد في موادعتهم وفي تركهم (إذا تركوا المُقاتلة) فذلك منسوخ باتفاق المُسلمين!!!! بما ورد (من استحباب مُقاتلتهم على كل حال!!!) وقصدهن في ديارهم، في حال القدرة عليهم والتمكن من حربهم.." (انتهى)
يقول الإمام الشافعي رحمه الله، في كتابه الأم، "الجهاد فريضة يجب القيام بها، (سواء أحصل من الكُفار اعتداء أم لم يحصل!!!) أو ما قاله القسطلاني في شرح صحيح البُخاري، "الجهاد في الاصطلاح يعني قتال الكُفار لنصرة الإسلام وإعلاء كلمة الله!" ونقف خاشعين أمام قوله سُبحانه، ونقرأ: وَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً (وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي) مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (العنكبوت: 8) وقوله:
وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ (فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً) وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ لقمان:15)
والسؤال الكبير الذي يثور في رأسنا ولا يمكن تجاهله: كيف لنا أن نوفق بين بِر الوالدين وطاعتهما والإحسان إليهما كما صرح الحق سُبحانه وتعالى في هذه الآيات الواضحة: (فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً) وبين ما قاله القسطلاني: "الجهاد في الاصطلاح يعني قتال الكُفار لنصرة الإسلام وإعلاء كلمة الله"، بل يستحيل عند العقلاء أن يكون جهاد الوالدين "الكفار" قتلهم!
إنه من المؤسف والمحزن في نفس الوقت، أن تتحول الدعوة إلى دين الله إلى حملات غزوٍ مُسلحة لسلب الأموال، ونهب المُمتلكات، وهتك أعراض الآمنين من غير المسلمين وقتلهم، فنحن مأمورون بالجهاد والقتال في سبيل الله، ولكننا قطعاً غير مأمورين بالقتل والتخريب والسلب وإكراه الناس باسم الله! والبون شاسع بين هذه وتلك. لقد تم خلط مفاهيم الجهاد والقتل والقتال، والحرب والغزو، حيناً بسبب الفهم الخاطئ للجهاد والقتال الذي أخذ حيزاً كبيراً في كتب الفقه التراثية المغلفة بالأحاديث المكذوبة على رسول الله (ص) كحديث أبي هريرة الذي رواه مُسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا اله إلا الله فمن قال لا اله إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله "‏وتحت شعار (لا إله إلا الله والله أكبر) وحيناً أخر، بسبب الجهل والتقليد الأعمى، واستحداث علوم الناسخ والمنسوخ، والقراءات المتعددة المختلفة، والقول بالترادف في كتاب الله تعالى.
تعريف الجزية في معاجم اللغة
خَرَاجُ الأرض. ما يُؤْخَذُ من المعاهدين من أهل الكتاب ج جِزىَّ وجِزْيٌ وجِزاءٌ ج: جِزَاءٌ. [ج ز ي] "فَرَضَ عَلَى الذِّمِّيِّ دَفْعَ الجِزْيَةِ": الْخرَاجُ، أَيْ مَا يَدْفَعُهُ غَيْرُ الْمُسْلِمِينَ (أَهْلُ الذِّمَّةِ) فِي أَرْضِ الإِسْلاَمِ مِنْ ضَرِيبَةٍ. "اِنْتَشَرَ الجُبَاةُ يَجْمَعُونَ الجِزْيَةَ مِنَ الأَقَالِيمِ" خَرَاجُ الأَرْضِ.
لقد جاء الأمر بقتال ((الذين اعتدوا حصراً)) من الذين (لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ) (وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ) وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ) (وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ) وليس أهل الكتاب كافَة، ووقف القتال لا يتم إلاَ بعد استسلامهم وإذلالهم (المحاربون) من أهل الكتاب وقهرهم، واعترافهم بأن أيد المسلمين فوق أيديهم، وأن يعطوا الجزية، "الجزاء"، كعقوبةٍ و كتعويضٍ وهم صاغرون، أي أذلاء ومقهورون. فقول الله تعالى: (حتى) يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (حتى) تُفيد بأن القتال لن يتوقف ولن يُعصم دم المُعتدين إلا بعد إعطاء الجزية وهم صاغرون، بإيجاز شديد، على المعتدين ((حصراً)) (الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ) (وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ) (وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ) (وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ) أن يختاروا بين الموت في المعركة أو دفع الجزية كعقوبةٍ وتعويضٍ للمسلمين الذين اضُطِهدوا في ذواتهم وأموالهم، وأهلهم وأوطانهم وهم صاغرون، ولا يجوز أبدا تخيير أهل الكتاب بالدخول في الإسلام أو دفع الجزية. لقد حسم الله سُبحانه وتعالى قضية الإيمان والكفر بقوله: وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ (الكهف: 29) فالجزاء، هو التعريف الصحيح المنسجم مع سياق الآية، أما حصره بالخراج أو الضريبة كتحصيل حاصل على عموم أهل الكتاب بدون وجه حق، ضاربين بخصوصية الآية عرض الحائط: "الذين (لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ) (وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ) وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ) (وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ) ((حصراً)) " فليس عندنا بشيء، فمصطلح الجزاء لا يمكن تحديده بالخراج أو الضريبة، فإلاَ كيف نفسر قوله تعالى:
وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (ألمائدة: 38)
فَأَثَابَهُمُ اللّهُ بِمَا قَالُواْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (المائدة:85)
أما الذين آمنوا بالله واليوم الآخر، وحرّموا ما حرّم الله ورسوله (ص) ودانوا بدين الحق من الذين أُوتوا الكتاب، والذين لم يقاتلوا المسلمين في دينهم ولم يخرِجوهم من ديارهم، ولم يُظاهِروا على إخراجِهم، فيجب على المسلمين الإقساط إليهم وبرِّهم امتِثالاً لقوله تعالى:
لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (الممتحنة: 8)
“إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ" (الممتحنة: 9)
فالإدعاء المُتهافت بأن الذمي هو الذي يعيش في بلاد المسلمين بشكل دائم، هو قول مغلوط، فيه ظلم وتبرير لاحتلال بلاد غير المسلمين، فالذمي وهو مُصطلح دخيل لا نجد له ذكراً في كتاب الله، هو أبن البلد الأصلي، ولد وترعرع في بلده وكان آمنا مُطمئنا، ولو فعلاً كما يزعم رجال الدين بأن فتح هذه الدولة أو تلك، كان للدعوة إلى دين الله سُبحانه، ونشر الإسلام، لماذا إذن الاستقرار فيها؟ الرجاء قراءة الشروط المشترطة على "أهل الكتاب" في عقد الجزية الذي تفتقت به عقول الظالمين من عُلماء السُلطان والسوء، الذين آثروا الحياة الدنيا على دار السلام، وتناسوا قول الله تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (هود: 18)
كذلك، فإننا نرفض التبريرات والحجج الواهية التي صدّعت رؤوسنا، "بأن الجزية تدفع مُقابل حمايته والدفاع عنه، وإعفاءه من الخدمة العسكرية، والإنفاق عليه، فالدولة المُسلمة والتي تحتكم إلى شرع الله تعالى في الأمور الشرعية، وإلى مُمثلي الشعب بكافة أطيافه في الأمور العامة والمُستجدة، مُلزمة بحماية جميع أفراد المُجتمع، ولا مكان لأي نوع من التمييز فيها، فلماذا تُجبى الضرائب من المواطنين إذن؟ ولكن العجيب في الأمر، أن المسلمين الغازون يتوقعون وفي ظل شروطهم الظالمة من أهل الكتاب، أصحاب الأرض المُحتلة، الدخول في حروب لصالح المُحتل (عوضاً عن الإتاوة المفروضة عليهم)، وهنا نتوقف لنسأل السادة العُلماء والفقهاء عن رأيهم الفقهي فيما لو أصَرَّ الصهاينة فرض الجزية على الفلسطينيين، أصحاب الأرض المُحتلة، تحت مُسمى حماية أهل فلسطين، أو بحجة الإنفاق عليهم من صندوق الشؤون الاجتماعية الإسرائيلية، أو عوضاً عن فريضة الخدمة العسكرية، فما هو رأيكم دام فضلكم؟ وتأسيساً على ما تقدم، وانطلاقاً من قوله سُبحانه وتعالى في هذه الآيات التي لا تقبل التأويل: لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (البقرة: 256) وقوله:
وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ (كُلُّهُمْ جَمِيعًا) أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ (إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ) وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ (يونس:99- 100)
فإنه لا يجوز شرعاً ولا بأي حال من الأحوال إكراه أهل الكتاب على دين الله، ووضعهم أمام خيارين أحلاهما علقما! إننا لا نجد حرجاً ولا نرى ضيراً بسرد هذه الوقائع المشينة التي لا تشين الإسلام بشيء، ولكنها تشين الذين مارسوها من ألولاة والحكام (والبعض) من علماء الدين، الذين داهنوهم بشكل عام في عصرهم، كذلك البعض من المُقلدين المُعاصرون، الذين ما زالوا بعلمٍ أو بغير علم يدافعون عن تلك الأفعال!
للأسف الشديد أضاع القائلون بالترادف اللغوي(اشتراك لفظين في حمل معنى واحد) في آيات التنزيل الحكيم الفرق بين الجهاد والقتال والقتل، فالجهاد هو فعل إنساني لا يقوم إلا بطرفين كحد أدنى، وقد يكون الطرف الواحد فيه فرداً أو جماعة، يُجاهد كل طرف ويبذل كل ما في وسعه لمغالبة الطرف المقابل، وقد يكون الجهاد في سبيل الله وقد لا يكون، سواء ترافق معه عنف أو غير ذلك، كالسعي في طلب الرزق، والوقوف في وجه المغريات، وتحصيل العلم، ومقاومة المرض وإلى ما ذلك من الأمور التي تستحق الجهاد، أما القتال فهو غير ذلك تماماً، فهو موقف تصادمي عنيف بين طرفين متقاتلين، وهو كُره وكَره، وهو آخر الحلول في تسوية نزاع ما، وإن اقتصر القتال على طرف واحد صار قتلاً ولم يعد قتالاً، كقوله تعالى: لئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴿المائدة: 28﴾ ولا يوجد في التنزيل الحكيم قتلاً في سبيل الله، والعمليات الانتحارية ضد المدنيين في العراق وغيرها خير مِثال على ما نقول، وهي عمليات ((قتل)) جماعي مع سبق الإصرار والترصد وليست قتالاً.
فقراءة آيات التنزيل الحكيم بعيون أئمة السلف - رحمهم الله - وفي ضوء الأسس التي وضعوها والتوقف عندها، معناه بداهة أننا لن نصل إلى أبعد مما وصلوا إليه، فالعين القارئة تتغير بتغير الزمان والمكان، والأرضية المعرفية، لذا فإن بداية الطريق نحو الاجتهاد الخالص في آيات التنزيل الحكيم تبدأ بتحرير العقل وإزالة الحواجز بيننا وبين النص القرآني، كالأحاديث المكذوبة على الرسول الكريم، والخلط الفاحش بين الوحيّ المُنَزل وكلام البشر الذي خلق التخبط في عقول السواد الأعظم من المسلمين..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.