«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الْجِزْيَةَ.. قراءة مُتأنية في مضامين الآية
نشر في شباب مصر يوم 16 - 07 - 2010


بسم الله الرحمن الرحيم
قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (التوبة:29)
إساءة ا(البعض) من أتباع الرسالة المحمدية لأهل الكتاب، وتفسير الآية الكريمة تفسيراً تراثياً أسود، غُلف بتبريرات وأعذار واهية، أثار حفيظة المستشرقين والسواد الأعظم من الناس وزرع في قلوبهم حقداً على الإسلام وأتباعه، وكأن المراد من هذه ألآية الكريمة هو تحقير (عموم أهل الكتاب) مما لا ينسجم قطعاً وروح تعاليم الدين القيم – الإسلام
بنود عقد الجزية المُشترطة على أهل الكتاب التي لا نجد لها ذكراً في كتاب الله تعالى
"عليهم أن يعطوا أربعة مثاقيل ذهبا في انقضاء كل عام قمري وصرف كل دينار اثنا عشر درهما، وألا يحدثوا كنيسة ولا بيعة ولا ديرا ولا صومعة، ولا يجددوا ما خرب منها، ولا يمنعوا المسلمين من النزول في كنائسهم، وبيعهم ليلا ونهارا ويوسعوا أبوابها للنازلين، ويُضيفوا من مر بهم من المسلمين ثلاثة ، وألا يأووا جاسوسا، ولا يكتموا غشا للمسلمين، ولا يعلموا أولادهم القرآن، ولا يمنعوا أحدا منهم الدخول في الإسلام، ويوقروا المسلمين ويقوموا لهم من المجالس، ولا يتشبهوا بهم في شيء من لباسهم ولا فرق شعرهم، ولا يتكلمون بكلامهم ولا يتكنوا بكيناهم، ولا يركبوا على السروج، ولا يتقلدوا شيئا من السلاح ولا يحملوه مع أنفسهم ولا يتخذوه، ولا ينقشوا خواتيمهم بالعربية، ولا يبيعوا الخمر من مسلم، ويجزوا مقادم رؤوسهم، ويشدوا الزنانير، ولا يظهروا الصليب، ولا يجاوروا المسلمين بموتاهم، ولا يطرحوا في طريق المسلمين نجاسة، ويخفوا النواقيس وأصواتهم، ولا يظهروا شيئا من شعائرهم، ولا يتخذوا من الرقيق ما جرت عليه سهام المسلمين، ويرشدوا المسلمين ولا يطلعوا عليهم عدوا ، ولا يضربوا مسلما ولا يسبوه ولا يستخدموه، ولا يسمعوا مسلما شيئا من كفرهم، ولا يسبوا أحدا من الأنبياء صلوات الله ليهم، ولا يظهروا خمرا ولا نكاح ذات محرم، وأن يسكنوا المسلمين بينهم، فمتى أخلَوا بواحدة من هذه الشروط،، اخُتلف في نقض عهدهم .. (قتلهم وسبيهم وأخذ أموالهم..!!") (انتهى) "مراتب الإجماع - ابن حزم" (1)
ويقول أبن سعد في "الطبقات الكبرى" عن عمر: “وضع الخراج علي الأراضي، والجزية علي جماجم أهل الذمة فيما فتح من البلدان، ووضع علي الغني ثمانية وأربعين درهما، وعلي الوسط أربعة وعشرين درهما، وعلي الفقير اثني عشر درهما، وقال: لا يعوز"أي لا يرهق" رجل منهم - أي الفقراء - درهم في الشهر" (انتهى) الطبقات الكبرى لابن سعد (2)
ربما يتهمنا البعض جزافاً في أننا ننقل أقوال المستشرقين وشبهتاهم، ونحن بدورنا نرد هذه التهمة على أصحابها رداً جميلاً، ونسأل: هل أبو محمد علي بن احمد بن سعيد بن حزم (الأندلسي) المولود في قرطبة (عام 384 هجري) وابن أبي عبد الله محمد بن سعد بن منيع المولود سنة (168 هجري) من المستشرقين؟ ألم يحن الوقت للدفاع عن هذا الدين الذي اصطفاه وارتضاه الحق سُبحانه وتعالى للناس كافة، بدلاً من الدفاع العبثي العقيم عن الذين أساءوا لدين الله من علماء وولاة وحكام؟ والذين لم يتدبروا قول الحق سبحانه وتعالى:
لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (الممتحنة: 8) وقوله أيضاً:
“إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ" (الممتحنة: 9)
لقد تعددت مفاهيم الجزية لدى علماء الدين، ووضع (بعضهم) لها أحكاماً جائرة تحت مسميات مختلفة ما أنزل الله بها من سلطان، وقلَت اجتهادات (بعضهم) القرآنية وكثرت آراؤهم الشخصية، وتباينت فيما بينهم، وكل أدلى بدلوه، فجعلوا من الجزية التي فرضها المولى سبحانه وتعالى ((عقوبة على المقاتلين المعتدين ((حصراً)) من الذين (لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ) (وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ) (وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ) (وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ) إتاوة على جميع أهل الكتاب بدون وجه حق، تارة تحت مسمى حماية أهل الذمة، وتارة تحت مسمى الصدقة، وتارة أخرى، بدلاً عن فريضتين فرضتا على المؤمنين، فريضة الجهاد وفريضة الزكاة! وأجحفها تحت اسم (عقد الجزية) وتحت مسميات عديدة لا يتسع المقام لذكرها جميعاً، مما أوقع الولاة والحكام في خطأ تطبيقي ناتج عن سوء فهم النص القرآني، (حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) من جهة، وعدم الإلمام بالمقاصد العامة للشريعة المبنية على التسامح، وقبول الآخر من جهة أخرى.
لا يختلف اثنان من العقلاء بأن الاقتتال بين مخلوقات الله تعالى نوعان لا ثالث لهما، عدوان أو دفاع عن النفس، وقد حدد الله تعالى القتال المشروع في الإسلام بالدفاع عن النفس فقط، ونهى عن العدوان، بدلالةً قوله سبحانه وتعالى في هذه ألآيات الكريمة: "وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ و(َلاَ تَعْتَدُواْ) إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ" (البقرة:19)
الَّذِينَ (هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ) مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (آل عمران:195)
وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم (مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ) وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ (التوبة:12)
إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً (كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً) وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (التوبة:36)
ولعله من نافلة القول بأن نؤكد بداية على حقيقتين هامتين، أولهما بأن الدعوة إلى دين الله تعالى في نشأتها كانت سلمية، وأن المسلمين الأوائل دخلوا في دين الله عن قناعة وبرهان وانصياع لحجة، بالرغم من الاضطهاد الذي عانوه في ذواتهم وأموالهم، لقد اضطهدوا في أهلهم، واضطهدوا في أوطانهم، وكانوا قلة وأذلة، عاجزون عن الدفاع عن أنفسهم أمام كُتل الطُغيان التي كانت تُحارب الإسلام والمُسلمين، والحقيقة الثانية، وبعيداً عن الأحاديث المكذوبة على رسول الله (ص) نؤكد على حقيقة لا تشوبها شائبة، وهي أن الرسول الكريم (ص) لم يحمل قط السيف لإجبار الناس على الإسلام أو الإيمان، بينما الكُفار والمًشركين والذين ظاهروهم من الذين أُتوا الكتاب، هم الذين حملوا السيوف ليفرضوا على الناس سماع كلمة الباطل ومنعهم من سماع كلمة الحق، ولكن، لكي تصل كلمة الحق إلى الناس وتكون الفرص مُتساوية، حمل النبي (ص) السيف دفاعاً عن النفس، وليمنع المُعوقات التي تعوق كلمة الحق التي تصل إلى القلوب، فيسمع الناس حجة هؤلاء، وهؤلاء، وبعد ذلك يختارون ما يختارون بإرادة حرة، لا يفرض فيها السيف رأياً، وقطعاً لا يُفرض فيها عقيدة وديناً. لقد طبق رسول الله (ص) ما تنزل على قلبه نصاً وروحاً، ولم ينسَ أو يتناسى ولو للحظة واحدة قول الله تعالى: وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ ( يونس:99 ) وقوله سُبحانه: لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ( البقرة:256)
فدين الله واسعٌ ورحبٌ بأهله ولا يمكن الإكراه عليه، والتراضي أساس الإسلام، أما سيف رسول الله(ص) وجد ليُدافع عن الإرادة الحرة للإنسان، وليمنع إكراه الناس على الباطل، وليُعطي الناس الفرصة للاختيار بدون إكراه أو ضغط أو إرهاب، فتكون كلمة الله هي العُليا، بعكس ما فعله الولاة والحكام ومُداهنة رجال الدين لهم، الذين اتخذوا من الدعوة إلى دين الله ذريعة لغزواتهم، بعد تحريف الجهاد إلى قتال، والجهاد إلى غزو، والقتال إلى قتل. فلينظر ناظرٌ بعقله إلى ما قاله الإمام الشوكاني، (1173 - 1250 ه ) رحمه الله، حول هذه النقطة تحديداً: "أما غزو الكُفار، ومُناجزة أهل الكفر، لحملهم على الإسلام أو تسليم الجزية أو القتل، فهو معلوم من الضرورة الدينية، وأدلة الكتاب والسُنة في هذا لا يتسع لها المقام ولا لبعضها!!! أما ورد في موادعتهم وفي تركهم (إذا تركوا المُقاتلة) فذلك منسوخ باتفاق المُسلمين!!!! بما ورد (من استحباب مُقاتلتهم على كل حال!!!) وقصدهن في ديارهم، في حال القدرة عليهم والتمكن من حربهم.." (انتهى)
يقول الإمام الشافعي رحمه الله، في كتابه الأم، "الجهاد فريضة يجب القيام بها، (سواء أحصل من الكُفار اعتداء أم لم يحصل!!!) أو ما قاله القسطلاني في شرح صحيح البُخاري، "الجهاد في الاصطلاح يعني قتال الكُفار لنصرة الإسلام وإعلاء كلمة الله!" ونقف خاشعين أمام قوله سُبحانه، ونقرأ: وَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً (وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي) مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (العنكبوت: 8) وقوله:
وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ (فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً) وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ لقمان:15)
والسؤال الكبير الذي يثور في رأسنا ولا يمكن تجاهله: كيف لنا أن نوفق بين بِر الوالدين وطاعتهما والإحسان إليهما كما صرح الحق سُبحانه وتعالى في هذه الآيات الواضحة: (فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً) وبين ما قاله القسطلاني: "الجهاد في الاصطلاح يعني قتال الكُفار لنصرة الإسلام وإعلاء كلمة الله"، بل يستحيل عند العقلاء أن يكون جهاد الوالدين "الكفار" قتلهم!
إنه من المؤسف والمحزن في نفس الوقت، أن تتحول الدعوة إلى دين الله إلى حملات غزوٍ مُسلحة لسلب الأموال، ونهب المُمتلكات، وهتك أعراض الآمنين من غير المسلمين وقتلهم، فنحن مأمورون بالجهاد والقتال في سبيل الله، ولكننا قطعاً غير مأمورين بالقتل والتخريب والسلب وإكراه الناس باسم الله! والبون شاسع بين هذه وتلك. لقد تم خلط مفاهيم الجهاد والقتل والقتال، والحرب والغزو، حيناً بسبب الفهم الخاطئ للجهاد والقتال الذي أخذ حيزاً كبيراً في كتب الفقه التراثية المغلفة بالأحاديث المكذوبة على رسول الله (ص) كحديث أبي هريرة الذي رواه مُسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا اله إلا الله فمن قال لا اله إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله "‏وتحت شعار (لا إله إلا الله والله أكبر) وحيناً أخر، بسبب الجهل والتقليد الأعمى، واستحداث علوم الناسخ والمنسوخ، والقراءات المتعددة المختلفة، والقول بالترادف في كتاب الله تعالى.
تعريف الجزية في معاجم اللغة
خَرَاجُ الأرض. ما يُؤْخَذُ من المعاهدين من أهل الكتاب ج جِزىَّ وجِزْيٌ وجِزاءٌ ج: جِزَاءٌ. [ج ز ي] "فَرَضَ عَلَى الذِّمِّيِّ دَفْعَ الجِزْيَةِ": الْخرَاجُ، أَيْ مَا يَدْفَعُهُ غَيْرُ الْمُسْلِمِينَ (أَهْلُ الذِّمَّةِ) فِي أَرْضِ الإِسْلاَمِ مِنْ ضَرِيبَةٍ. "اِنْتَشَرَ الجُبَاةُ يَجْمَعُونَ الجِزْيَةَ مِنَ الأَقَالِيمِ" خَرَاجُ الأَرْضِ.
لقد جاء الأمر بقتال ((الذين اعتدوا حصراً)) من الذين (لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ) (وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ) وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ) (وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ) وليس أهل الكتاب كافَة، ووقف القتال لا يتم إلاَ بعد استسلامهم وإذلالهم (المحاربون) من أهل الكتاب وقهرهم، واعترافهم بأن أيد المسلمين فوق أيديهم، وأن يعطوا الجزية، "الجزاء"، كعقوبةٍ و كتعويضٍ وهم صاغرون، أي أذلاء ومقهورون. فقول الله تعالى: (حتى) يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (حتى) تُفيد بأن القتال لن يتوقف ولن يُعصم دم المُعتدين إلا بعد إعطاء الجزية وهم صاغرون، بإيجاز شديد، على المعتدين ((حصراً)) (الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ) (وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ) (وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ) (وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ) أن يختاروا بين الموت في المعركة أو دفع الجزية كعقوبةٍ وتعويضٍ للمسلمين الذين اضُطِهدوا في ذواتهم وأموالهم، وأهلهم وأوطانهم وهم صاغرون، ولا يجوز أبدا تخيير أهل الكتاب بالدخول في الإسلام أو دفع الجزية. لقد حسم الله سُبحانه وتعالى قضية الإيمان والكفر بقوله: وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ (الكهف: 29) فالجزاء، هو التعريف الصحيح المنسجم مع سياق الآية، أما حصره بالخراج أو الضريبة كتحصيل حاصل على عموم أهل الكتاب بدون وجه حق، ضاربين بخصوصية الآية عرض الحائط: "الذين (لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ) (وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ) وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ) (وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ) ((حصراً)) " فليس عندنا بشيء، فمصطلح الجزاء لا يمكن تحديده بالخراج أو الضريبة، فإلاَ كيف نفسر قوله تعالى:
وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (ألمائدة: 38)
فَأَثَابَهُمُ اللّهُ بِمَا قَالُواْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (المائدة:85)
أما الذين آمنوا بالله واليوم الآخر، وحرّموا ما حرّم الله ورسوله (ص) ودانوا بدين الحق من الذين أُوتوا الكتاب، والذين لم يقاتلوا المسلمين في دينهم ولم يخرِجوهم من ديارهم، ولم يُظاهِروا على إخراجِهم، فيجب على المسلمين الإقساط إليهم وبرِّهم امتِثالاً لقوله تعالى:
لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (الممتحنة: 8)
“إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ" (الممتحنة: 9)
فالإدعاء المُتهافت بأن الذمي هو الذي يعيش في بلاد المسلمين بشكل دائم، هو قول مغلوط، فيه ظلم وتبرير لاحتلال بلاد غير المسلمين، فالذمي وهو مُصطلح دخيل لا نجد له ذكراً في كتاب الله، هو أبن البلد الأصلي، ولد وترعرع في بلده وكان آمنا مُطمئنا، ولو فعلاً كما يزعم رجال الدين بأن فتح هذه الدولة أو تلك، كان للدعوة إلى دين الله سُبحانه، ونشر الإسلام، لماذا إذن الاستقرار فيها؟ الرجاء قراءة الشروط المشترطة على "أهل الكتاب" في عقد الجزية الذي تفتقت به عقول الظالمين من عُلماء السُلطان والسوء، الذين آثروا الحياة الدنيا على دار السلام، وتناسوا قول الله تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (هود: 18)
كذلك، فإننا نرفض التبريرات والحجج الواهية التي صدّعت رؤوسنا، "بأن الجزية تدفع مُقابل حمايته والدفاع عنه، وإعفاءه من الخدمة العسكرية، والإنفاق عليه، فالدولة المُسلمة والتي تحتكم إلى شرع الله تعالى في الأمور الشرعية، وإلى مُمثلي الشعب بكافة أطيافه في الأمور العامة والمُستجدة، مُلزمة بحماية جميع أفراد المُجتمع، ولا مكان لأي نوع من التمييز فيها، فلماذا تُجبى الضرائب من المواطنين إذن؟ ولكن العجيب في الأمر، أن المسلمين الغازون يتوقعون وفي ظل شروطهم الظالمة من أهل الكتاب، أصحاب الأرض المُحتلة، الدخول في حروب لصالح المُحتل (عوضاً عن الإتاوة المفروضة عليهم)، وهنا نتوقف لنسأل السادة العُلماء والفقهاء عن رأيهم الفقهي فيما لو أصَرَّ الصهاينة فرض الجزية على الفلسطينيين، أصحاب الأرض المُحتلة، تحت مُسمى حماية أهل فلسطين، أو بحجة الإنفاق عليهم من صندوق الشؤون الاجتماعية الإسرائيلية، أو عوضاً عن فريضة الخدمة العسكرية، فما هو رأيكم دام فضلكم؟ وتأسيساً على ما تقدم، وانطلاقاً من قوله سُبحانه وتعالى في هذه الآيات التي لا تقبل التأويل: لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (البقرة: 256) وقوله:
وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ (كُلُّهُمْ جَمِيعًا) أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ (إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ) وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ (يونس:99- 100)
فإنه لا يجوز شرعاً ولا بأي حال من الأحوال إكراه أهل الكتاب على دين الله، ووضعهم أمام خيارين أحلاهما علقما! إننا لا نجد حرجاً ولا نرى ضيراً بسرد هذه الوقائع المشينة التي لا تشين الإسلام بشيء، ولكنها تشين الذين مارسوها من ألولاة والحكام (والبعض) من علماء الدين، الذين داهنوهم بشكل عام في عصرهم، كذلك البعض من المُقلدين المُعاصرون، الذين ما زالوا بعلمٍ أو بغير علم يدافعون عن تلك الأفعال!
للأسف الشديد أضاع القائلون بالترادف اللغوي(اشتراك لفظين في حمل معنى واحد) في آيات التنزيل الحكيم الفرق بين الجهاد والقتال والقتل، فالجهاد هو فعل إنساني لا يقوم إلا بطرفين كحد أدنى، وقد يكون الطرف الواحد فيه فرداً أو جماعة، يُجاهد كل طرف ويبذل كل ما في وسعه لمغالبة الطرف المقابل، وقد يكون الجهاد في سبيل الله وقد لا يكون، سواء ترافق معه عنف أو غير ذلك، كالسعي في طلب الرزق، والوقوف في وجه المغريات، وتحصيل العلم، ومقاومة المرض وإلى ما ذلك من الأمور التي تستحق الجهاد، أما القتال فهو غير ذلك تماماً، فهو موقف تصادمي عنيف بين طرفين متقاتلين، وهو كُره وكَره، وهو آخر الحلول في تسوية نزاع ما، وإن اقتصر القتال على طرف واحد صار قتلاً ولم يعد قتالاً، كقوله تعالى: لئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴿المائدة: 28﴾ ولا يوجد في التنزيل الحكيم قتلاً في سبيل الله، والعمليات الانتحارية ضد المدنيين في العراق وغيرها خير مِثال على ما نقول، وهي عمليات ((قتل)) جماعي مع سبق الإصرار والترصد وليست قتالاً.
فقراءة آيات التنزيل الحكيم بعيون أئمة السلف - رحمهم الله - وفي ضوء الأسس التي وضعوها والتوقف عندها، معناه بداهة أننا لن نصل إلى أبعد مما وصلوا إليه، فالعين القارئة تتغير بتغير الزمان والمكان، والأرضية المعرفية، لذا فإن بداية الطريق نحو الاجتهاد الخالص في آيات التنزيل الحكيم تبدأ بتحرير العقل وإزالة الحواجز بيننا وبين النص القرآني، كالأحاديث المكذوبة على الرسول الكريم، والخلط الفاحش بين الوحيّ المُنَزل وكلام البشر الذي خلق التخبط في عقول السواد الأعظم من المسلمين..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.