يجب أن نبني جيشا جديدا حديثا قادرا على التعبئة في أي حين، فقد تم إهمال الجيش الروسي في تسعينات القرن الماضي في حين زادت دول أخرى قدراتها النووية بصورة كبيرة».. جاءت هذه التصريحات على لسان رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين، والذي يستعد لدخول الانتخابات الرئاسية بعد أسبوعين من الآن. تصريحات قوية وردت في مقال طويل كتبه بوتين بخصوص التسليح العسكري لبلاده، نشرته صحيفة «روسيسكايا جازيتا» يرد بها على التحركات الأمريكية بشأن الإصرار على نشر وتقوية الدرع الصاروخي في دول أوروبا الشرقية، والذي تعتبره روسيا خطا أحمر يهدد أمنها القومي. تحدث رجل روسيا القوي -كما يطلق البعض عليه- في مقاله عن إعادة تسليح روسيا بشكل «غير مسبوق»، وبتعزيز قطاع الصناعات العسكرية الذي سيجعله في صلب النمو في البلاد، وأوضح أن «23 ألف مليار روبل (590 مليار يورو) ستخصص في المجموع لأهداف إعادة التسليح خلال العقد المقبل» مؤكدا أنه «في هذا المجال ليس هناك أبدا «مبالغة في الوطنية»، معللا ذلك بأن «المرحلة تقتضي سياسة حازمة وتعزيز نظام الدفاع الجوي والفضائي للبلاد، إن سياسة الولاياتالمتحدة والحلف الأطلسي في مجال الدفاع الصاروخي هي التي تدفعنا إلى ذلك». وتابع «إننا نرى نزاعات محلية وإقليمية تندلع بدون انقطاع ومناطق ينعدم فيها الاستقرار، يتلاعبون فيها بالفوضى ويدفعونها إلى الاستمرار، ونرى محاولات إثارة مثل تلك النزاعات قرب حدودنا وحدود حلفائنا» مستعيدا اتهامات متكررة في روسيا تستهدف الغربيين. وقال بوتين -الذي يعد نظام بلاده الأول في تقديم الدعم للنظام السوري- «إننا نرى إلى أي درجة تنحط مبادئ القانون الدولي، وفي هذه الظروف لا يمكن لروسيا أن تكتفي بطرق دبلوماسية واقتصادية لتسوية النزاعات، من واجبنا تطوير قدرات روسيا العسكرية». وعارض من يعتبرون أن التسليح عبء على الاقتصاد، قائلا: «يزعم البعض أحيانا أن إعادة احياء المجمع العسكري الصناعي عبء على الاقتصاد، وثقل لا يحتمل يقال: إنه أدى إلى إفلاس الاتحاد السوفيتي فيما مضى، أنا على يقين بأن هذا خطأ كبير». وانتهى بنتيجة وهي أن «تحديث المجمع العسكري الصناعي سيتحول إلى قاطرة لتنمية عدة قطاعات». الدرع الصاروخي والنزاع الروسي الأمريكي بالرغم من أن الحرب الباردة انتهت بين الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفيتي السابق بانهيار الأخير، إلا أن الإصرار الأمريكي على نشر الدرع (المضادات) الصاروخية بالتعاون مع حلف شمال الأطلسي، في دول أوروبا الشرقية وتركيا القريبتان من موسكو يهدد بتجدد النزاع الروسي الأمريكي من جديد. وفي الوقت الذي تقول فيه أمريكا: إن الهدف الأساسي من نشر هذه الدرع في تلك المنطقة بالتحديد ياتي للتصدي لصاوريخ قد تطلقها إيران على أوروبا، ترى روسيا أن أمريكا تستهدف من هذه الدرع تهديد الأمن القومي لها، طالما أن الدرع الصاروخية الأوروبية يمكن أن تشكل في المستقبل خطرا على الصواريخ البالستية الروسية، ويعتقد بعض الخبراء العسكريين أن هذا الإجراء يهدف ليس إلى حماية أوروبا من الصواريخ الإيرانية الافتراضية، بل هو موجه ضد الغواصات الروسية من الجيل الجديد، طراز "بوري" المسلحة بصواريخ "بولافا" البالستية، لذا تعد أعقد مشكلة في العلاقات بين موسكووواشنطن في الوقت الحالي. ويرى المحللون أن السبب الرئيسي لغزو موسكو لجورجيا حليفة واشنطن عام 2008 جاء لنقل رسالة شديدة اللهجة للولايات المتحدة بأن لا تعبث بأمن هذه المنطقة، وإلا فرد موسكو سيكون عنيفا! تصريحات بوتين وورقة الانتخابات الرئاسية المقبلة لا يمكن استبعاد اقتراب الانتخابات الرئاسية المقبلة كسبب رئيسي لهذه التصريحات، فبوتين من أقوى المرشحين للسابقي الرئاسي الروسي، وهو الأقرب للدخول إلى الكرملين مرة أخرى، ومن مصلحته التركيز على الجزء العسكري حاليا، واستغلال خوف المواطن الروسي من التعزيزات الأمريكية في المنطقة للحصول على صوته، والوقوف أمام معارضيه الذين يرون أنه عقد صفقة مع الرئيس الروسي الحالي ميدفيدف ليعود إلى الرئاسة مرة أخرى. أشد المعارضين لبوتين لا يستطيعون إنكار الإنجازات التي حققها لبلاده خلال ولايته الأولى كرئيس لروسيا، وذلك أنه استطاع ان يجعلها قوة عظمى من جديد تستطيع مجابهة أمريكا على المستوى العالمي، واستطاع النهوض باقتصادها مرة أخرى. لكن على الجانب الآخر يرى البعض ضرورة أن يكون هناك تدويلا حقيقيا للسلطة في روسيا، مشيرين إلى أن بوتين ليس الرجل الوحيد الذي يستطيع المضي قدما ببلاده، ولا بد من السماح لجميع الأطراف بمشاركة متكافئة وحقيقة على منصب الرئيس. يذكر أنه منذ وقت قريب وجهت وزيرة الخارجية الأمريكية تصريحات شديدة اللهجة، بعد خروج مظاهرات احتجاجية في روسيا، وطالبت موسكو بانتخابات رئاسية نزيهة، إلا أن رد بوتين كان قاطعا أيضا واتهم واشنطن بأنها تسعى إلى إثارة الشغب في بلاده، معتبرا ذلك تدخلا غير مسموحا في الشئون الداخلية لروسيا. صراع الكبار ما يحدث في عالمنا يمكن أن نطلق عليه صراع الكبار، ففي الوقت الذي تتحدث فيه الدول الكبرى في العالم على حقها في التسلح بشتى السبل، يضعون ألف خط وخط على تسلح الدول الصغيرة، ولا عجب في ذلك فكل دولة منهم لديها ترسانتها الصناعية العسكرية الهائلة، ومن ثم فالسؤال الذي يمكن طرحه متى تتمكن دول العالم الثالث من صنع قرارتها منفردة في جميع المجالات، وهل ستتركها الدول الكبرى تفعل ذلك؟ أم أن الخناق سيظل مفروضا علينا طويلا إن أردنا التحرر عن الطوق؟!