واحد من أغرب الأسلحة التي استخدمت في التاريخ وأبسطها، وعلى الرغم أنه استخدم في غير موضعه أو ما صنع لأجله، إلا أنه حظي بشهرة واسعة يدركها الجميع بل وأحيانًا يحفظها، فما إن يذكر اسم شجرة الدر، تجد الحديث تتطرق إلي القبقاب، وكيف استخدمته ضرتها كسلاح لقتلها والتخلص منها، ليتحول ذلك الحذاء المتواضع في الشكل والأدوات المكون منها إلي كل ذلك الصيت والسمعة. في دكان متواضع لا تتجاوز مساحته المترين، في منطقة الباطنية بالعاصمة المصرية القاهرة، يجلس عبده ناصر 43 سنة منهمكا في عمله، منكبا على الآلة الخاصة بصناعة القباقيب الخشبية التي تواجه شبح الانقراض في مصر، بعدما أمضي شبابه في تعلم صناعة القباقيب من شيوخ المهنة في الدرب الأحمر قديما. بدأ الأسطي عبده حديثه قائلا :"يبدأ تصنيع القبقاب بتقطيع الخشب في الورش ثم (تموَّن) الخشبة قطعة واحدة وتشق إلى نصفين متساويين بالمنشار. وبعد ذلك يثبت بالقبقاب رباط من كاوتش (إطارات) السيارات بالمسامير"، وأردف قائلا "هذه المهنة تعين أناسا كثيرين على العيش.. ابتداء من تاجر الخشب وتاجر التجزئة وانتهاء بالقائم علي تخريط القباقيب وتاجر الكاوتش". وأوضح أنه في الماضي كان هناك أنواع كثيرة من القباقيب، وكان القبقاب الحريمي يختلف عن القبقاب الرجالي، فالقبقاب الحريمي كان له كعب على عكس الرجالي، كما كان ملونا، كذلك كان القبقاب دائري الشكل بينما تراه الآن مستطيل الشكل. وبشأن الأسعار ذكر :" وصل سعر القبقاب حاليا إلى خمس عشرة جنيهاً، وعدد قليل من الناس يطلبه، إلا أن الطلب على القباقيب يزداد قبل شهر رمضان إذ يشتريها الشيوخ للمساجد". ويستطرد "الأسطى" في ذكر مميزات القبقاب، مشيرا إلى أنه «عازل للرطوبة، وصحي، ويعيش لفترة طويلة، كما أنه رخيص الثمن ويمنع من الانزلاق.. وخصوصا عند الوضوء في المساجد». وعن العاملين في المهنة اليوم، يقول عبد العظيم: "لا يتجاوز عددهم أربعة محلات، والمهنة بحاجة إلى جيل يحبها ويقبل على تعلمها وتعليمها لمن يأتي بعده، ولكن ظروف المهنة الصعبة وقلة مكاسبها تجعل الأجيال الجديدة تبتعد عنها". والواقع أن التراث الشعبي المصري لا يكاد يخلو من ذكر القبقاب. إذ ذكره المقريزي، المؤرخ المعروف، عند المجادلة الكلامية بين قاضي القضاة زين الدين الحنفي مع الميموني، عندما حكم عليه بسفك دمه، ورد الميمونى قائلا: "اتق الله يا عبد الرحمن، أنسيت قبقابك الزحاف وعمامتك القطن؟"، كذلك انتشر الكثير من الأمثال الشعبية التي تذكر القبقاب، كالمثل السوري الذي يضرب في التئام شمل المتخاصمين: "لفّ السير على القبقاب.. صاروا الأعداء حباب"، وأيضا: "الجار يللى بيقروش بالقبقاب بيخانق جاره"، ويذكر في التاريخ أن أحد المؤذنين في الجامع الأموي خلال القرن السابع للهجرة انتعل قبقابا عاليا جدا صنع له خصيصا لأنه كان قصير القامة كي يرفعه عن الأرض، وكان يطلع به جريا على درج كل مئذنة. وما يجدر ذكره أن جذور هذه المهنة تعود إلى دمشق، العاصمة السورية، التي تعد طليعة المدن العربية التي أتقنت هذه الصناعة واشتهرت بها. ففي دمشق كان لها سوق مخصصة وراء الجدار القبلي من الجامع الأموي يعرف باسم (سوق القباقبية)، واكتسب القبقاب شهرة تاريخية من أيام الفاطميين والمماليك ومقتل شجرة الدر تأثرا بضرباته.