الكاتبة الكبيرة منى رجب كانت من أقرب الناس لأديبنا الراحل أنيس منصور بحكم نشأتها معه فى بيت واحد ، فهي أبنة زوجته ورفيقة عمره ، حتى إنها أصبحت مع الوقت كاتمة أسراره بالشكل الذى يسمح لها ان تعد كتابا عنه كما طلب منها بنفسه قبل وفاته ، عن علاقتها بأنيس منصور تتحدث منى رجب في الحوار التالي . ما هى حكاية الكتاب الذى تنوين الإعداد له ؟ هذه كانت وصيته لى فأنا كنت قريبة جدا منه و أعلم عنه ما لم يعلمه أى شخص أخر سواء فيما يخص حياته الشخصية أو العملية و بالرغم من أننى كنت انوى إعداد كتابا عنه بالفعل إلا انه عندما طلب منى هو ذلك بنفسه تحمست أكثر للفكرة و بدأت الإعداد لها . بحكم نشأتك معه فى نفس البيت منذ ان كنت طفلة .. فهل حقيقى ان أنيس منصوركان رافضا لفكرة أن ينجب ؟ ليس بالضبط ، و لكنه تزوج والدتى و هى بالمناسبة الزيجة الأولى و الأخيرة فى حياته ، و قد كانت هى مطلقة من والدى و عندها 3 أبناء و كان يحبها جدا ، و كنا نحن الثلاثة مازلنا أطفالا صغارا ، فأنا فتحت عينى على الدنيا لأجده هو بجانبى فى كل كبيرة و صغيرة من تفاصيل حياتى انا و إخوتى ، و مع الوقت قال انه لا يريد ان ينجب أبناء لأننا كفايه عليه . تقولين انك فتحت عينك عليه .. فماذا عن دور الأب الحقيقى ؟ كان موجوداً و كنا نحبه جدا فوالدى كان من أكبر أطباء القصر العينى و هو الذى آسس العلاج الطبيعى فى مصر ، و رغم انه كان حنوناً جدا علينا إلا أننا كنا لا نشعر بأى فرق بينه و بين أنيس منصور الذى كان يعاملنا و كأننا أولاده بالضبط . و لكنى كنت أسمع عنه انه رفض ان ينجب ابناء حتى يتفرغ لعمله و كتاباته ؟ هذا غير حقيقى فلو كان يرفض فكرة انجاب الأبناء من الأساس لكان رفض ايضا وجودنا معه أو كنا نحن من أنفسنا إذا شعرنا بذلك ذهبنا لأن نعيش مع والدنا خاصة انه كان حنوناً علينا جدا ، فهو فعلا كان عاشقا لعمله و كتاباته و كانت حياته كلها محصورة فى 3 أشياء هم عمله و كتاباته و أسرته أى نحن ووالدتى فأنا عمرى فى حياتى ما شعرت بحنان فى الدنيا أكبر من حنان أنيس منصور . معظم كتاباته كانت تدل على وجود عداء خفى بينه و بين المرأة و الزواج .. فهلكان هذا حقيقى ؟ أبدا هو فى تلك الكتابات كان يعبر عن علاقة الرجل بالمرأة بشكل عام ، و كان دائما ما يكتب عن الزواج بشكل سلبى حتى يدفع الناس لأن تفعل العكس خوفا على إستقرار حياتها الزوجية ، اما هو نفسه فكان كريم الأخلاق و العشرة مع أمى بشكل لا يتخيله بشر و كان يحبها حبا لم أر فى حياتى رجلا أحب زوجته مثله ، فقد كان يكرمها و يحترمها بشكل يفوق الوصف لذلك انا سأخصص بابا كاملا فى الكتاب الذى أعده عنه لأحكى فيه كيف كان يعامل زوجته لدرجة انها عندما مرضت و اصيبت بالجلطة منذ فترة كان لا يفارقها طوال وجودها بالمستشفى و ترك كل شيء من أجل يجلس بجوارها و ظل يبكى و هو يقبل يدها حتى خرجت من المستشفى . ما هى أهم النصائح التى كان ينصحك بها ؟ كان دائما يقول لى انت اخترت الطريق الصعب لذلك عليك بالمواصلة و النجاح و لا تستسلمى لأى شيء فى الدنيا ممكن يكسرك ، و عليك بالقراءة بالمعرفة فهى زاد النجاح فلا اظن ان هناك شخصاً فى الدنيا يستطيع ان يدرك كم كان هذا الفيلسوف العظيم رجلا حنونا . هل كان يتعامل بهذا الحنان مع كل من حوله ؟ أنيس منصور كان يفيض رقة و حنانا على كل من حوله فلك ان تتخيلى انه كان يحجز بنفسه لسائقه فى الحج و يشرف على كل تفاصيل رحلته ، فأنا عمرى فى حياتي ما سمعته يتكلم عن أحد بمشاعر حقد او كراهية ، حتى عبد الناصر نفسه و الذى لم يظلم احداً فى حياته مثلما ظلم أنيس منصور و مع ذلك لم يكرهه انما كان دائما ما يتكلم عنه بمنتهى الحيادية ، و الحمد لله ان السادات عوضه عن ما فعله عبد الناصر به عندما لمس فيه انه ظاهرة فكرية لن تتكرر لذلك سمح له بالإقتراب منه بشكل ربما لم يسمح به لأحدا غيره فأنيس منصور كان الوحيد الذى يدخل على السادات غرفة نومه و يتحدث معه فى كل قراراته بل و يراجعه فيها أيضا .