لا يزال محتفظا بملامح وجهه البريئة التي لم تتأثر بعوامل الزمن وإنما ظل بشوشا يتمتع ب " لماضته " المعهودة .. هو أحمد فرحات الطفل المعجزة في زمن الأبيض والأسود والذي اختفي تماما عن الأنظار سنوات طويلة . تصوير : محمد لطفي وكان كل ما نعرفه عنه أنه يعمل في مهنة مرموقة ذات طبيعة سرية ، ثم كانت المفاجأة المدهشة عندما علمنا أن مكان عمله هو الرئاسة حيث كان يشغل منصب مدير عام اتصالات رئاسة الجمهورية ، وعاش قريبا من حسني مبارك لمدة ثلاثين عاما حيث كان المسئول عن إصلاح تليفون الرئيس .. مواقف وطرائف وأسرار وتفاصيل كثيرة يحتفظ بها المهندس أحمد فرحات والذي لا يزال يعيش وسط ذكريات الزمن الجميل .. التفاصيل في سطور الحوار التالي . كيف التحقت بالعمل في مجال الاتصالات بمكتب رئاسة الجمهورية؟ بعد النكسة انقطعت عن التمثيل ورفضت العودة للأفلام التجارية حيث لم أجد نفسي مرة أخري بعد أن عملت مع عمالقة الزمن الجميل ثم حصلت علي الثانوية العامة والتحقت بمعهد عالي صناعي تخصص اتصالات وكان مجالا جديدا ويحتاج ناسا لدرجة أنني بعدما تخرجت مباشرة جاءني جواب من رئاسة الجمهورية فذهبت إليهم وعندما رأوني قالوا : إنت قصير قوي هو انت اللي كنت بتطلع في الأفلام ! فقلت لهم أنا جاي أشتغل بدماغي وليس بطولي فاقتنعوا بي واشتغلت . والغريب أن مشواري في هذا المجال بدأ مع مشوار حسني مبارك عندما أصبح نائبا لرئيس الجمهورية فاشتغلت مهندس اتصالات في مكتبه عام 1977 وأخذت دورات تدريبية في أمريكا علي الأجهزة الجديدة حتي أكون علي قدر المسئولية وعندما أصبح رئيسا للجمهورية انتقلت معه للعمل في الرئاسة . * من خلال تعاملك مع مبارك وهو نائب كيف تصف لنا حقيقة هذا الرجل قبل وصوله للرئاسة؟ { هو كان رجلا محاربا وطيارا من الطراز الأول وعلي مسئوليتي أقول إن مبارك كان يتصف بالصرامة والجدية واللامحسوبية وكنا نري ناس بلدياته أو من أقاربه يأتون إلي مكتبه حتي يتوسط لهم في الحصول علي خدمة معينة فكان يرفض تماما وكانت حياته جد في جد لدرجة مثلا أنه كان يرفض أن يتدخل لصالحنا من أجل رفع مرتباتنا فمثلا أنا كنت محسوبا علي رئاسة الجمهورية ورغم ذلك كان مرتبي 28 جنيها في الشهر فكان يرفض أن يتدخل أو أن يمارس دور الواسطة أو المحسوبية لتحسين أوضاعنا وظللنا علي هذا الحال فترة طويلة في الرئاسة . لكن عندما ظهر جمال مبارك علي الساحة والشلة المعروفة حاجات كثيرة بدأت تتغير . كيف كان نظام اتصالات الرئيس السابق وهل كان يستعمل موبايلا في حياته الخاصة؟ مبارك لم يكن يحمل موبايلا أو أرقاما خاصة لأن هناك نظام اتصالات خاصا ومحكما يشمل رئيس الجمهورية والوزراء ورئيس الوزراء وهو نظام غير خاضع للهيئة المصرية للاتصالات وإنما له استقلاليته الخاصة ويتمتع أيضا بسرية شديدة حيث لا يمكن اختراقه وكان عليه فقط أن يرفع السماعة فيجد من يطلب منه أي اتصال لأي مكان في العالم باستخدام كل التقنيات سواء كان في سيارة أو طائرة أو في قصره وكنا نتنقل مع الرئيس في أي مكان يذهب إليه حيث كان هناك مقر لنظام الاتصالات في كل مكان يذهب إليه سواء في قصر القبة أو في قصر عابدين أو شرم الشيخ أو برج العرب ولو أحد من المهندسين فكر وحاول يتنصت علي أي مكالمة كان يذهب وراء الشمس . ما هو أخطر عطل فني قمت بإصلاحه لمبارك وهل وجودك في هذا الموقع الحساس جعلك تتعرف علي بعض أسراره؟ هناك عطل قمت بإصلاحه قادني لأن أكتشف أن جمال مبارك كان مريضا بالسرطان في ظهره .. أنا فاكر زمان كنا في شهر رمضان وكانت الدنيا صيام فوجدت مدير مكتبه يكلمني وقال لي يا أحمد الرئيس ' هيموت ' علي جمال ابنه وعايز يكلمه في لندن حتي يطمئن عليه لأنه مريض جدا وعرفت تفاصيل المرض وكانت الخطوط الدولية كلها معطلة فعلا وعلي الفور اتجهت لسنترال الأوبرا وصعدت حوالي 22 دورا بلا أسانسير وفي ظلام دامس وخوف ورعب حتي وصلت لأماكن العطل وأصلحتها واتصل الرئيس بجمال واطمأن عليه وحفظ مبارك الجميل لدرجة أنني تعرضت لضغوط ومشكلات أمنية كثيرة لمغادرة الرئاسة ولكنه كان يرفض ويقول فرحات لأ ! هل كان مبارك من عشاق الرغي في التليفون؟ هو كان رسميا جدا ولم تكن له اتصالات حميمية أو ودية بأقاربه وما لمسته أنه كان دائما ما يتكلم في شغل فكان أكثر من يطلبهم يوميا هم الرؤساء أو قادة الدول الأخري أو رئيس الوزراء أو مسئولون خارجيون أيضا هو كان نشيطا جدا يعني حسبما كنا قريبين منه كان يستيقظ يوميا في الصباح الباكر يعني الساعة السادسة صباحا وكان يحب ينام بدري . فاتورة اتصالات الرئيس من كان يدفعها وكم كانت قيمتها تقريبا؟ مكتب الاتصالات التابع للرئاسة هو الذي يتحمل دفع الفاتورة وكان ذلك حسب المدة المعتادة يعني كل ثلاثة او أربعة شهور وكانت قيمتها عالية جدا لكني لا أذكرها تحديدا . ما هي أطرف المواقف التي صادفتك في أثناء عملك بالرئاسة؟ في إحدي المرات كنا في الرئاسة لتصليح عطل فني وانا طبعا قصير ففيه مهندس رفعني فالرئيس كان مارا بالصدفة ورآنا فراح ضرب المهندس بالبوكس في كتفه وقال له ما ترفعش أحمد فرحات كده , وفي مرة كنا معه في مصيف وطبيعي كمهندسين ان نكون قريبين إلي حد ما منه فعدد الكراسي لم يكفنا فقعدت علي رجل مهندس صاحبي وبعدها بكام دقيقة وجدنا واحد جاي بطاقم كراسي بتكليف من رئيس الجمهورية ! هذه مواقف صغيرة لكنها تدل علي أن هذا الرجل كان قوي الملاحظة جدا ولأبعد الحدود لكنه واضح أنه انضحك عليه .. وانا حتي هذه اللحظة مش قادر أصدق أن هذا الرجل كان حرامي ! ( تابع بقية الحوار على صفحات عدد يوليو من مجلة الشباب )